التعليم المسرع.. فرصة لانبعاث الحياة في عقول نسيت نكهة التعلم

تحقيق: ميساء الهلالي

*كربلاء هي الأولى نجاحا لهذا المشروع وتضم اثنان وعشرون مدرسة وهو العدد الأكبر بالنسبة لباقي المحافظات

*تحتاج هذه التجربة إلى دعم متواصل وكبير لتستمر بنجاح وتتجاوز المعوقات 

 

شبكة النبأ: منذ أبصرنا الحياة، لم نعرف منها سوى الحروب والدمار والحصار، فقد عانى العراق من الويلات المستمرة على مدى عدة عقود، لتكون خاتمة تلك الويلات ذلك الحصار الذي أنهك الجسد العراقي، ومن ثم التغيير وما أعقبه من أعمال عنف طالت الكبير والصغير ولم تميز بين رجل وامرأة وطفل، وطفت على السطح شريحة في المجتمع عانت من تلك الظروف الصعبة فحرموا من نعمة التعليم، واضطروا إلى ترك المدارس باكرا، أما للانخراط في الشارع لجلب لقمة العيش أو لأسباب عدة كالتهجير والفقر واليتم، فكانوا من جمهرة المظلومين ممن كانت الظروف ضدهم فلم يحيوا كما الآخرين من أقرانهم.

فمنذ عام 2004 ولدت الفكرة، وتم استحداث نظام التعليم المسرع، هذا النظام الذي تعتمده البلدان التي تعرضت للنكبات والحروب وذلك لمنح كل من فاتته فرصة التعلم ليتعلم من جديد وليلحق بالركب، ويكون مواطنا نافعا من حقه أن يتعلم ويصل إلى المراتب التي تؤهله ليمارس حياته العملية شأنه شأن أي مواطن عراقي امتلك فرصة التعليم.

وعن هذا الموضوع المهم تحدثنا الأخت "ميعاد حسين سهر" المنسق العام لمدارس التعليم المسرع وتقول لـ( شبكة النبأ المعلوماتية): فكرة التعليم المسرع وُجدت لمساعدة الفتية والفتيات ممن لم تسنح لهم فرص التعلم بشكل اعتيادي حيث تنتشر مدارس التعليم المسرّع في البلدان التي تعرضت للنكبات والحروب والعراق واحد من تلك البلدان، وقد حققنا خطوات متقدمة جدا في هذا المجال من حيث إقبال الطلبة والطالبات ورغبتهم في إكمال الدراسة ووصول بعضهم إلى المراحل الجامعية وهذا وحده يعتبر فخر لنا، حيث وصل عدد الطلاب في تلك المدارس للعام الدراسي( 2013-2014م) نحو 2850 طالب وطالبة.

ونحن بصدد ضم عدد اكبر من خلال التثقيف والحث والتوجيه حيث ندعو الأهالي ومن خلال المنبر الإعلامي إلى تسجيل أبنائهم في تلك المدارس لكل من حرم من فرصة التعليم كي يتمكن من إكمال دراسته بشكل طبيعي بدلا من أن يكون اشبه بأولاد الشوارع يبحث عن لقمته وسط كومة العاطلين وغيرهم ممن فقدوا فرصتهم في الحياة وظلوا يعانون من التهميش.

ومضة أمل

هكذا ترى " وئام حيدر" تلميذة في الصف السادس الابتدائي وتبلغ من العمر ثمانية عشر عاما حيث تقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): كدت أنسى شكل الزي المدرسي والصف والدفاتر المدرسية، فمنذ اندلاع الأحداث الطائفية أبان عام 2005 واستمرار نار الفتنة واستشهاد أخي على أيادي الإرهابيين في منطقة اللطيفية حيث كنا نقطن، هربنا وتركنا كل ما نملك كي نحظى بحياتنا فقط وكان الاستقرار في محافظة كربلاء، وبسبب الخوف الذي عشناه في مناطقنا التي عانت من التصفية الطائفية حرمني إخوتي من الالتحاق بالمدرسة بسبب خوفهم الكبير ولأنني البنت الوحيدة وكوننا عشنا في مدينة لا نعرف فيها أحدا، ثم جاءت الفكرة بعد أن حدثتنا إحدى جاراتنا عن مدارس التعليم المسرع وأقنعت والدتي التي قامت بدورها بإقناع أبي وإخوتي لإلحاقي بتلك المدارس.

وبالفعل عدت إلى المدرسة وأنا اشعر بأن هناك ضوء أمل من بعيد أراه قادما نحوي بعد الظلمة التي عشت فيها طيلة السنوات السابقة ودرست بجد وتجاوزت مرحلة الخامس الابتدائي وها أنا اليوم في الصف السادس وسأكمل حتى أصل إلى المرحلة الجامعية كما إني امتلك حسا عاليا في الخطابة وأشارك في النشاطات الأدبية التي يقيمها قسم النشاط المدرسي وأجيد الإلقاء وأطمح إلى الكثير من الأشياء التي حرمت منها ولولا التحاقي بمدرسة للتعليم المسرع لما كنت اليوم احمل كل تلك الأحلام والأهداف التي سأسعى إلى تحقيقها.

من جانب أخر يعترف "سجاد فاضل" طالب في الصف الثاني المتوسط بأن التعليم المسرع فرصة ذهبية لكل من ترك المدرسة حيث يقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) بأن الظروف القاهرة أجبرته على ترك الدراسة بعد وفاة والده واضطراره إلى العمل في عمر مبكر، وقد حاولت وقتها التوفيق بين الدراسة والعمل ولكني لم افلح في ذلك.

ويضيف سجاد: بعد أن حصلت على عمل في احد الأفران وأصبحت من العمال الماهرين وتوطدت علاقتي بصاحب الفرن بسبب حسن خلقي ومثابرتي في العمل، فقد تمكنت أخيرا من اقتصاص وقت من اليوم كي التحق بمدرسة للتعليم المسرع وها أنا اليوم في الصف الثاني المتوسط وسأسعى لأستكمل دراستي لأكون فردا نافعا فلو بقيت بدون تعليم فلن احصل على عمل أفضل كوني لا أحمل شهادة وهنا أود الإشادة بدور المدرسين في المدرسة فهم يبذلون معنا جهدا كبيرا لإيصالنا إلى النجاح رغم المعوقات والظروف الصعبة.

تجربة لا تخلو من المعوقات

كل تجربة مهما كانت ناجحة لا بد أن تعتريها بعض المعوقات وتصادفها المشاكل والتعليم المسرع تجربة تعرضت لبعض المشاكل إذ لا تزال مدارسها تشكو من قلة الدعم وعدم وجود الأدوات التعليمية الكافية، وعن هذا المشاكل والمعوقات يتحدث الأستاذ "حسن محسن عبود" مدير مدرسة الوعي للتعليم المسرع حيث يقول لـ( شبكة النبأ المعلوماتية): على الرغم من نجاح التجربة عمليا لكننا لا نزال نعاني من الكثير من المشاكل والتي من أهمها الكتب المدرسية التي طالبنا كثيرا بتوفيرها كون مناهجها خاصة بالتعليم المسرع ولا تتشابه مع باقي المناهج دون جدوى.

ورغم سعي مدير التربية مشكورا ومحاولاته الكثيرة لتوفير مستلزمات الطلبة من الكتب المدرسية ولكن تلك المساعي ذهبت هباءا ولا نعلم أسباب ذلك التلكؤ في سماع مطالبنا وتنفيذها. كما إن قلة القرطاسية بل اختفاؤها من تجهيزات العام الدراسي هي الأخرى من المشاكل التي نعاني منها بينما يأتي الطالب من الشارع وهو قد نسي القراءة والكتابة ليجد الأجواء غير ملائمة للدراسة فلا كتب ولا قرطاسية ولا وقت كافي للتعلم في ظل النظام الثلاثي الذي لا يترك لنا مجالا لتعليم الطالب كل ما يحتاجه.

إضافة إلى هذه المشاكل فان بعض الطلاب بل أغلبيتهم من العوائل الفقيرة والمتعففة والتي تحتاج إلى مساعدات مادية وعينية ولا نجد من يقدم يد العون لهم كي نضمن استمرار أبنائهم بالدوام المدرسي فنحن مدراء مدارس ومعلمين ومدرسين نذرنا أنفسنا لخدمة هذه الشريحة التي ظلمها المجتمع وظلمتها الظروف لننتشلهم من الشارع والمقاهي لأنهم إن تركناهم سيصبحون أشبه بقنابل موقوتة حين تستغلهم أيادي الإرهاب الكافرة.

وكثيرا ما شاهدنا من خلال قنوات التلفزيون القبض على إرهابيين لا يزالون في عمر الصبا من المفترض أن يكونوا طلبة مدارس ولكن البطالة والفقر والفراغ زجهم في هذا الطريق الموحل المليء بالخوف من القادم، نحن نحتاج إلى الدعم والى الدعاية الإعلامية لتشجيع الطلبة على دخول تلك المدارس.

وفي ذات الوقت اشتكت الست "زهراء إحسان" معلمة فنية من عدم توفر المواد الأولية اللازمة للأعمال اليدوية والرسم، وتؤكد بأن الطالبات يمتلكن طاقات كبيرة ورغبة في التعلم فهن إن لم يكملن دراستهن الجامعية سيتخرجن من المدرسة وقد تعلمن أشياء مفيدة مثل الأعمال اليدوية والخياطة والطبخ وغيرها من الأشياء التي تفيدهن في المستقبل ولكن للأسف لا يوجد هناك من يقدم لنا المواد اللازمة.

رؤية مختلفة

تعدد الشخصيات وتنوعها سيفرز لنا رؤى مختلفة عن تجربة التعليم المسرع، ولأننا اخترنا شخصيات متنوعة فقد حصلنا على أراء مختلفة فالأستاذ "علي كمونة " ممثل الأمم المتحدة في كربلاء يقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): أجد بان التجربة جيدة فهي من التجارب اللصيقة ببلدان كبيرة وان وصلت للعراق فهذا يعني بأننا أصبحنا نواكب الدول الأخرى المتقدمة في مجالات التعلم وهي تختص بالفئة التي حرمت من حقها في التعليم بسبب الظروف المختلفة ونحن نشجع تلك الخطوة الرائعة وندعو إلى تعميمها كي لا يبقى في الشارع فئات تمثل خطرا على نفسها وعلى الشارع أيضا.

بينما اختلف الأستاذ " حميد مسلم الطرفي " مدير الهلال الأحمر في كربلاء عنه قائلا: هناك جانبان للتعليم المسرع فهناك تعليم مسرع للكفاءات والموهوبين وهذا النظام موجود في الخارج ومعمول به أما نظام التعليم المسرع الآخر فهو يخص من فاتتهم فرصة اللحاق بالمدرسة في السن المناسب أو اضطروا إلى ترك الدراسة ولا ننكر هنا نجاح هذه التجربة في العراق وتكريم المعلمين ممن قاموا بتعليم هؤلاء الطلبة وإعطاءهم أولوية في التعيين مما يدل على نجاح التجربة.

الأستاذ "خالد مرعي" نقيب المعلمين قال لـ(شبكة النبأ المعلوماتية): نحن نفخر في كربلاء كوننا نجحنا نجاحا كبيرا بدليل وصول عدد مدارس التعليم المسرع فيها إلى اثنان وعشرون مدرسة في حين إن البصرة التي تعتبر اكبر مساحة من كربلاء لا توجد فيها سوى ثلاث مدارس وهذا دليل على إن المنهاج الثقافي والتربوي مستمر وان القائمين على قطاع التربية حريصون جدا على احتواء أبناءنا وتخليصهم من الشارع.

 اما الأستاذ "محمد الصفار" مدير الإشراف الاختصاصي فقد وأشاد بهذه التجربة التي ساندتها مديرية التربية والحكومة المحلية وذلك لإنقاذ هذه الشريحة من التسيب ولكن تحتاج تلك التجربة إلى دعم إضافي كي تصمد في وجه تيارات العنف ولترغيب عدد اكبر للانضمام إلى مدارس التعليم المسرع.

جهود مباركة ودعم حكومي

رغم كل المعوقات التي صادفت هذا المشروع فقد بارك الأستاذ "عبد الحميد الصفار" كل الجهود المبذولة التي سعت إلى إنجاح هذه التجربة المهمة حيث قال لـ( شبكة النبأ المعلوماتية): أشد على أيادي كل المعلمين والمدرسين والمدراء ممن نذروا أنفسهم من اجل إنجاح هذا المشروع، فهذا المشروع قد بدأ باتفاق بين وزارة التربية والإتحاد الأوروبي ولكن بسبب بعض المعوقات وانسحاب الاتحاد الأوربي.

ويضيف الصفار: بعد هذا الانسحاب تضافرت الجهود بالتعاون بين العتبتين المقدستين ومديرية تربية كربلاء ومحافظة كربلاء المقدسة وحاولنا دعم هذا المشروع بشكل كبير كي نمنح فرصة لأبنائنا فيتخلصوا من سطوة الشارع الذي يحول بعضهم إلى عناصر إرهابية إن وجدت البيئة المناسبة لذلك فيقوم المشروع على أساس تعليم الطلبة حتى سن ثمانية عشر عاما للمناهج الدراسية وكذلك تعليمهم مهنة يمكنهم الاستفادة منها إن لم يكملوا تعليمهم رغم أن البعض منهم وصل إلى المراحل الجامعية إذ تملؤهم الرغبة في التعلم كي يكونوا أفراد ناجحين مفيدين لمجتمعهم ووطنهم.

من جانب آخر فكل تجربة وكل مشروع يحتاج إلى دعم حكومي كي يقف على قدميه ويرى شعاع النور الذي يوصله إلى النجاح المرتقب ومشروع التعليم المسرع إحتاج أيضا إلى دعم الحكومة كي يرتقي إلى المستوى المطلوب ومن اجل ذلك تم إطلاع السيد المحافظ الأستاذ "عقيل الطريحي" على هذا المشروع خلال زيارته لمعرض رسوم ونشاطات لمدارس التعليم المسرع فكان رده: إن هذه الشريحة من أبنائنا وبناتنا في هذه المدارس والتي تتميز بها كربلاء شيء يفرح القلب فهم يمتلكون قدرات إبداعية إذ إن هناك معادلة من طرفين فأن تكون هناك إرادة إبداعية من هؤلاء الفتية والفتيات باتجاه أن يكون لهم مستقبل واعد وحضور ومشاركة في المجتمع. فكربلاء ليست الأولى فقط في مدارس التعليم المسرع واليافعين وإنما هي الأولى في إبداعات المدارس. لا يكفي أن تكون لدينا مدرسة تسمى لليافعين أو للتعليم المسرع بقدر ما تكون هذه المدرسة قادرة على تقديم الإبداع وتخريج كوادر من هؤلاء الطلبة الذين يمكن لهم أن يكملوا مسيرتهم وان يجدوا ما يخدموا به المجتمع في هذا الاتجاه أو ذاك.

ويضيف الطريحي: أشكر كل الجهود المساهمة في هذا العمل الذي فيه ثوابا دنيوي وأخروي لأن فيه صناعة إنسان وهو مما يركز عليه الإسلام، وأؤكد بأنني داعم بكل ما استطيع واملك من صلاحيات لهذا العمل ولذلك سنعمل سويا على الارتقاء أكثر فأكثر لهذه الشريحة من اجل النهوض بقدر أكبر من هؤلاء الفتية والفتيات الذين نستطيع من خلالهم أن نقول للإرهاب إن شعبا فيه هكذا مبدعون لا يستطيع أحد أن يهزمه ونستطيع أن نقول لكل من يتآمر على العراق إن بلدا فيه كربلاء والتي تضم مختلف المبدعين قادرين أن يتصدوا لكل أنواع الإرهاب.

إذن فهناك تشجيع حكومي وتربوي ومجتمعي لهذه التجربة التي من شانها تقويم شريحة تحتاج إلى المساندة لتكون شيئا يُذكر في خدمة وبناء الوطن والمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/كانون الثاني/2014 - 14/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م