العراق وحرب المكاسب السياسية ضد داعش

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: بعد عام 2003 تحول العراق من "دول محور الشر" الى واجهة للصراع العالمي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، وكان المحطة الرئيسية بعد أفغانستان لمقاتلة تنظيم القاعدة الذي رمى بثقله نحو العراق، وقد مرت العديد من المراحل خلال العشر سنوات الماضية عبرت عن مدى الزخم الكبير الذي تعرض له هذا البلد من صراعات دولية وإقليمية جرت اغلبها بالنيابة وزجت فيها أطراف داخلية وخارجية عزفت على أوتار مذهبية وطائفية وشكلت ميليشيات مسلحة، كان الهدف من ورائها تسقيط أي عملية سياسية تهدف الى استقرار الوضع فيه بالمجمل كما يرى اغلب المتابعون.

وقد قادت الحكومات المتعاقبة على حكم العراق خلال تلك الفترة عدة عمليات عسكرية من اجل ضبط الامن وبسط السيطرة ومنع مظاهر التسلح خارج نطاق القوات الرسمية، كتب لبعضها النجاح وللبعض الاخر الفشل، وكان غالباً ما يرافق العمليات العسكرية التي تجري على الأرض عمليات سياسية لا تقل سخونة عنها، تصريحات وتكهنات من هنا وهناك بين المؤيد والمعارض او المنسحب من الحكومة والمدافع عن العمليات، في مشهد سياسي مكرر سرعان ما تنتقل اصدائه نحو دول الجوار لتبدأ المشاحنات والصراعات بين الفرقاء وتضيع المشكلة الأساسية.

اليوم العراق يقود حرباً جديدة ضد تنظيم جديد، "داعش" الذي برز كتنظيم قاعدي في السنوات القليلة الماضية ينتشر الدمار والقتل والمفخخات من خلال مقاتليه في سوريا والعراق، مستغلين احداث الفوضى وضعف الامن في السيطرة على المناطق الصحراوية او الاحتماء داخل المدن كما حدث في مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الانبار بعد ان تحولت الى منطقة تقاطع الارادات وعادة الى الواجهة بعد احداث عام 2004.

الجديد في هذه العملية العسكرية الدعم الدولي الكبير الذي لاقته حتى قبل بدئها، والاشادة الكبيرة بالجيش العراقي وهو يقاتل التنظيمات الإرهابية ومن اعلى المستويات الدولية، وربما تفاجئ "الأطراف الأخرى" وخوفها من التغريد خارج السرب هو ما جعل الأصوات المعارضة لها خجولة حتى الان، سيما وان الدعم الشعبي يدفع باتجاه تأييد الجيش كما تشير الاستبيانات والمصادر الإعلامية المختلفة، الامر الذي يعزز من فرضية الكسب السياسي قبل الحسم العسكري خصوصاً على المستوى الدولي.

دعم دولي

فقد أعرب مجلس الامن الدولي عن تأييده القوي للحكومة العراقية في حملتها العسكرية التي تستهدف معاقل الجماعات المرتبطة بالقاعدة.

ووافق مجلس الامن المكون من 15 عضوا على بيان يدعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وسط قلق متزايد بشأن الأزمة في محافظة الانبار التي تمتد من الضواحي الغربية لبغداد الى الحدود مع سوريا، وادان المجلس الهجمات التي يشنها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وأثنى على "الشجاعة الفائقة" لقوات الامن العراقية في الانبار.

وقال البيان "مجلس الامن يعرب عن دعمه الشديد للجهود المتواصلة للحكومة العراقية للمساعدة في الوفاء بالاحتياجات الامنية للشعب العراقي بأسره"، ودعا المجلس "العشائر العراقية وزعماء العشائر في المنطقة وقوات الامن في الانبار لمواصلة وتوطيد تعاونها ضد العنف والارهاب ويؤكد الاهمية البالغة لاستمرار الحوار الوطني والوحدة".

من جهتها تدرس حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقديم تدريب جديد لقوات عراقية خاصة في الأردن في إطار سعي المسؤولين الأمريكيين لمساعدة حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على دحر حملة لتنظيم القاعدة بالقرب من الحدود الغربية للبلاد.

وفي وقت سابق قال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة تجري مناقشات مع العراق بشأن تدريب قواته الخاصة في بلد ثالث الأمر الذي سيتيح لواشنطن تقديم قدر من المساندة الجديدة في مواجهة المتشددين في غياب اتفاق بشأن القوات يتيح لجنود أمريكيين العمل داخل العراق.

وقال مسؤول عسكري أمريكي "تجري مناقشات في هذا الشأن والأردن ضمن هذه المناقشات"، قال المسؤول الذي طلب ألا ينشر اسمه ان مركزا للتدريب على العمليات الخاصة بالقرب من عمان هو أحد المواقع التي يجري دراستها.

وزاد قلق المسؤولين الامريكيين على العراق خلال الاسابيع القليلة الماضية بعد ان تمكنت القاعدة من العودة الى محافظة الانبار في غرب العراق حيث تسعى الدولة الاسلامية في العراق والشام الى اقامة دولة اسلامية في غرب العراق ومناطق متاخمة في سوريا.

ووافقت الولايات المتحدة بالفعل على ارسال صواريخ هيلفاير وطائرات استطلاع ومعدات اخرى طلبها المالكي.

كما يتجه مجلس الشيوخ الأمريكي لتأييد طلب تزويد العراق بطائرات هليكوبتر هجومية لكن قياديا بالمجلس لم يعط بعد حكومة الرئيس باراك اوباما الضوء الأخضر للمضي قدما وامداد بغداد بمساعدة عسكرية تحتاج إليها في مواجهة محاولة تنظيم القاعدة السيطرة على محافظة الأنبار في غرب البلاد.

وطالب رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر حكومة اوباما ببذل مزيد من الجهد لمساعدة بغداد في قتال المتمردين لكنه لم يصل الى حد الدعوة الى إعادة القوات الأمريكية للعراق، وقال بينر للصحفيين "على الرئيس نفسه ان يقوم بدور أكبر في التعامل مع قضايا العراق، وأضاف "من الضروري ان نمد العراقيين بمعدات وخدمات أخرى ستساعدهم في جهود مكافحة الإرهاب التي يحاولون القيام بها، هناك أشياء بوسعنا القيام بها لمساعدة العراقيين ليس بينها اشراك القوات الامريكية".

وقال السناتور ليندساي جراهام والسناتور جون مكين اللذان وقعا تلك الرسالة إنه يجب على الولايات المتحدة العودة للقيام بدور نشط في العراق وإلا فسوف تضيع المكاسب الأمنية التي تحققت خلال سنوات من القتال الذي شارك فيه الأمريكيون، وقال جراهام في مجلس الشيوخ "نحن على وشك أن نخسر كل شيء قاتلنا من أجله".

وقالت جين ساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية للصحفيين "ستساند الحكومة الأمريكية قطعا تقديم طائرات أباتشي ولاسيما بالنظر الى الوضع على الأرض، ومن الواضح أن هذا أمر نعمل من أجله مع الكونجرس".

المصالحة الوطنية

في سياق متصل حثت الولايات المتحدة رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، على "مواصلة بذل الجهود للحوار مع القادة الوطنيين والقبليين والمحليين" في المناطق التي تشهد اضطرابات ومواجهات بين العشائر السنية، مدعومة من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والقوات الحكومية من جيش وشرطة.

واتصل نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، برئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، للمرة الثانية خلال أسبوع، ما يشير إلى ضغط متصاعد تمارسه واشنطن على المالكي فيما يتعلق بالاضطرابات التي تعصف بعدد من المحافظات والمدن العراقية، وجاء في بيان للبيت الأبيض أن جو بايدن حث رئيس الوزراء العراقي على "مواصلة بذل الجهود للحوار مع القادة الوطنيين والقبليين والمحليين".

ثم أكد المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، أن واشنطن دعت المالكي إلى السعي من أجل المصالحة السياسية وإلى القيام بحملة عسكرية لطرد المتمردين المقربين من القاعدة من مدينتي الفلوجة والرمادي، في محافظة الأنبار، حيث خاضت القوات الأمريكية، قبل عشر سنوات، أشد المعارك ضراوة في فترة عملها على الأراضي العراقية.

كما أشاد بايدن أيضا بالتزام المالكي الإبقاء على الانتخابات في نهاية نيسان/أبريل بالرغم من تصاعد أعمال العنف في محافظة الأنبار كما في عدة مدن عراقية.

ووجه المالكي، في كلمة بثها التلفزيون العراقي، الشكر للمجتمع الدولي للدعم الذي قدمه في المعركة ضد القاعدة وحث أعضاء التنظيم ومؤيديه على الاستسلام واعدا بإصدار عفو عنهم.

وقال المالكي متكلما عن دعم المجتمع الدولي "إن هذا الدعم يعطينا الثقة بأننا نسير في الاتجاه الصحيح وأن النتيجة قطعا واضحة وهي استئصال هذه المنظمة الفاسدة"، وأضاف "سنستمر في خوض هذه المعركة لأننا نؤمن بأن القاعدة وحلفاءها هم يمثلون الشر".

وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، إن وزير الخارجية جون كيري أبلغ نظيره العراقي هوشيار زيباري في محادثة هاتفية أنه يجب أن تبذل الحكومة العراقية جهودا سياسية واقتصادية لعزل الجماعات المتطرفة. بحسب فرانس برس.

وقالت ساكي في إفادة صحفية في واشنطن "لاحظ الوزير الأهمية الشديدة للمساندة من قبل السكان المحليين وشجع الحكومة العراقية على مواصلة جهودها لتمكين المسؤولين المحليين والعشائر من عزل جماعة الدولة الإسلامية وطردهم من المناطق المأهولة".

وقسمت عودة المتشددين للظهور سنة الأنبار حيث يشاطرهم الكثيرون بغضهم للحكومة التي يقودها الشيعة لكنهم يرفضون الأساليب العنيفة، لكن آخرين يتعاطفون مع الجماعة ويدعمونها أو يمنعهم الخوف من الوقوف أمامها.

الفلوجة والحل السياسي

من جهة أخرى استبعد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي شن هجوم عسكري على الفلوجة وقال إنه يريد تجنيب المدينة المزيد من المذابح ومنح العشائر السنية الوقت لطرد المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة.

وقال المالكي "نريد أن ننهي هذا الوجود بلا دماء، لأن أهل الفلوجة عانوا كثيرا" في إشارة للهجمات المدمرة التي شنتها القوات الأمريكية لطرد المسلحين في 2004.

وسيطر مقاتلون ينتمون لجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وعشائر متحالفة معها على الفلوجة وأجزاء من الرمادي القريبة منها في وقت يتفاقم فيه غضب السنة من الحكومة التي يقودها الشيعة بسبب اعتقال سياسي سني كبيب في الرمادي في عملية شابها العنف.

وقال المالكي إنه طمأن أهالي الفلوجة بأن الجيش لن يهاجم المدينة لكنه أبلغهم بضرورة استعادتها من المقاتلين الذين اجتاحوها في أول يناير كانون الثاني الجاري، وأضاف "هناك تجاوب جيد من أبناء الفلوجة، من أبناء عشائرها".

وكانت قوات الأمن العراقية وعشائر تعادي الدولة الإسلامية في العراق والشام قد استعادت مؤخراً السيطرة على الرمادي عاصمة محافظة الأنبار المتاخمة لسوريا.

وقال المالكي إن الجيش سيبقي على حصار الفلوجة التي تبعد 70 كيلومترا إلى الغرب من بغداد لمنع المقاتلين من استخدامها قاعدة للهجمات، وأضاف "لا يهمنا الوقت حتى وإن طال، المهم ألا تضرب المدينة وألا يقتل أبرياء بجريرة هؤلاء المجرمين".

وحث مسؤولون أمريكيون حكومة المالكي على ضبط النفس في التعامل مع أزمة الفلوجة مع تشجيعها في الوقت نفسه على بحث شكاوى السنة.

وقال المالكي إن واشنطن تطلع بلاده على معلومات مخابرات وصور بالأقمار الصناعية لمعسكرات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام القريبة من الحدود مع سوريا في الأنبار، وبرر مسؤولون في بغداد عودة العراق لدائرة العنف بالصراع في سوريا الذي أشعل فتيل التوتر الطائفي وزعزع الاستقرار في المنطقة.

فيما حاول مفاوضون التوصل إلى اتفاق ينسحب بموجبه مسلحو القاعدة الذين يسيطرون على المدينة منذ ويفسح المجال لزعماء العشائر لاستعادة السيطرة على مقاليد الامور.

وقال فالح العيساوي عضو مجلس محافظة الأنبار والمشارك في المفاوضات مع زعماء محليين في الفلوجة إن قرارا اتخذ بعدم مهاجمة المدينة وإفساح المجال للزعماء المحليين لنزع فتيل الأزمة، وقال إن الحكومة المركزية وافقت تماما على هذا وإنها تدعمهم بشكل كامل.

ومن الصعب التوصل إلى أرضية مشتركة في الفلوجة لكن زعماء العشائر ورجال الدين ومسؤولي الحكومة المحلية اتفقوا على تشكيل ادارة جديدة للمدينة ورشحوا رئيس بلدية جديدا وقائدا جديدا للشرطة المحلية.

وقال الشيخ محمد الباجاري أحد المفاوضين الرئيسيين إن المدينة مستقرة الآن وإنهم يشكلون مجلسا محليا لإدارتها وتقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وقال مسؤولو أمن ومسؤولون محليون إن رجال القبائل المسلحين يفوقون المقاتلين عددا لذلك فإن التوجه الذي سيتخذونه حاسما بالنسبة لفرص جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام مثلما كان عندما كانت القوات الأمريكية موجودة في العراق.

ففي الرمادي ساعد عدد من العشائر ذات النفوذ الجيش العراقي على طرد المقاتلين المرتبطين بالقاعدة من معظم أرجاء المدينة لكن في الفلوجة وحد كثير من رجال العشائر الجهود مع مقاتلي جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام.

لكن المحادثات في الفلوجة تؤتي بعض الثمار فيما يبدو حيث اضطر المسلحون للاختباء او الاختفاء، وقال شهود إنه سرعان ما أنزلت راية القاعدة التي رفعت على جسر الفلوجة الجديد على المشارف الغربية للمدينة. بحسب رويترز.

وقال قائد عراقي كبير في قوة لمكافحة الإرهاب طلب ألا يذكر اسمه "جميع مصادرنا تفيد بأن اعداد المسلحين تراجعت"، وقال ضباط في الجيش وزعماء عشائر إن غالبية مقاتلي العشائر ألقوا أسلحتهم بعد ان وعدت الحكومة بألا تلاحقهم.

قال ضابط كبير في الجيش العراقي "جيشنا ليس جيشا محترفا وليس مدربا على معركة كهذه داخل المدينة، الدخول سيكون ثمنه غاليا للغاية بالنسبة للجيش وللمدنيين".

وقال المحلل السياسي أحمد يونس المقيم في بغداد ان المالكي الذي قلصت التفجيرات وأعمال العنف الأخرى في أنحاء العراق فرص فوزه بفترة ثالثة في انتخابات برلمانية مقررة في ابريل نيسان سينتهز فرصة ليظهر نفسه زعيما حازما بنقل المعركة الى الأنبار للتصدي للمسلحين.

وقال يونس إن معركة الفلوجة مسألة وقت وليس السؤال عما إن كانت ستحدث، واضاف ان انتصار المالكي لن يتأكد بدون تطهير الفلوجة وهي بالنسبة له مسألة بقاء، وقال ان رسالته للناخبين ستكون "الرجل الاقوى هو اختياركم الافضل".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/كانون الثاني/2014 - 14/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م