العبرة من الاحتفال بموت الطغاة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: عندما يموت حاكم طاغٍ وظالم، سواء بفعل فاعل أو بقدرة قادر، تنتشر حالة من الارتياح والسرور في نفوس الناس، وتحديداً في نفوس من وقع عليهم الظلم والبغي والعدوان، فتكون هنالك مظاهر فرح وابتهاج. منبع هذا الشعور، يأتي بالدرجة الاولى من اعتقاد المظلومين أن موت هذا الطاغية او ذاك، إنما جاء ثأراً لدمائهم ومظالمهم. ثم هنالك اعتقاد آخر، بأن هذا الحدث، ربما من شأنه ان يضع حداً لمعاناتهم ومآسيهم التي تجرعوها على يد ذلك الطاغية.

هذا الشعور والاعتقاد، يمثل رد فعل عفوي وطبيعي، وينمّ عن وعي ويقظة في ساحة المواجهة، لأن الظلم والطغيان عبر التاريخ، ربما لا يطال الجميع، اذا ابتليت الأمة بشريحتي الجهلة والمصلحيين، لأن هؤلاء لن يخوضوا المواجهة والصراع مع الحاكم مهما كان وفعل. فالشريحة الاولى؛ لا تمتلك الرصيد الثقافي والفكري للمواجهة، ولسان حالها "فاقد الشيء لا يعطيه"، وإذن؛ فهي مسيّرة من قبل الحاكم، أما الشريحة الثانية؛ فهي بالعكس، تسير بمحض إرادتها نحو أبواب الحاكم لتحقيق مكاسب سياسية او اجتماعية او مادية.

لنلاحظ أول ابتهاج وفرح حقيقي في تاريخنا الاسلامي، حصل عندما سيطر المختار الثقفي على الكوفة سنة (64 هـ)، وأنزل القصاص العادل بحق المشاركين في قتل الامام الحسين، عليه السلام، وأهل بيته. فالذين ابتهجوا وفرحوا بالدرجة الاولى هم بنو هاشم، حيث يروي التاريخ، أن النساء في المدينة لم تكتحل ولم تتزين منذ واقعة كربلاء، حتى انتزع المختار حكم الكوفة من الأمويين، وقتل جميع قتلة الامام، عليه السلام، لاسيما الوجوه البارزة.

صحيح، أن الامام الحسين، عليه السلام، ولا أهل البيت، عليهم السلام، لم تكن لهم خصومة شخصية او خلاف سياسي مع عمر ابن سعد او ابن زياد او حتى يزيد، إلا ان الانحراف والتزييف والتضليل الذي كان يمارسه هؤلاء، والانعكاسات الخطيرة التي كان من المحتمل ان يتركوها على ثقافة المجتمع آنذاك، هو الذي جعلهم في الجبهة التي يواجهها أهل البيت، عليهم السلام، كما يواجهها اتباعهم ايضاً، ويقتفون أثرهم على طول التاريخ. وهنا تحديداً يكون التفسير واضحاً للفرح والارتياح لموت طاغية أو حاكم أساء الى الاسلام بممارساته وانحرافاته، كما في العهود الماضية، منذ وفاة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، أو الحاكم الذي يستهدف الاسلام بشكل مباشر، كما في التاريخ المعاصر، ومثال ذلك، الطاغية صدام، وأشباهه.

إن المؤمنين من اتباع أهل البيت، عليهم السلام، في الوقت الذي يستشعرون الأذى والألم من الممارسات القمعية والدموية لحكام الجور، منذ صدر الإسلام ، فانهم يستشعرون، ربما بدرجة أكبر، عندما يشهدون محاولة – ولو صاغرة- للعبث بالجدار العالي من القيم والمفاهيم المقدسة التي أرسى دعائمها رسول الله، صلى الله عليه وآله، حيث بين للحاكم الاسلامي الناجح، شروطه ومواصفاته، مثل العدل والصدق والامانة واحترام الجميع ونكران الذات. فاذا حصل وأن ثبت التنكّر لهذه الشروط او تجاهلها، فان العلاقة بين الحاكم والمحكوم في النظام الاسلامي تنتقل الى حالة مواجهة بين المسلمين وبين حاكم منحرف أو طاغية ظالم، لأن المؤمن الحقيقي الذي يفخر بأنه يحمل بعض صفات وخصال المعصومين، عليهم السلام، لا يسمح لنفسه بالسكوت على وجود صفات وظواهر تناقض تلكم الصفات، كما لو أنه شخصاً أمامه يجحد ولايتهم ويدّعي أنهم نماذج من التاريخ لا تصلح للزمن المعاصر.

من هنا؛ تأخذ حالة الارتياح والسرور بموت الحاكم الطاغية او المنحرف عن طريق الاسلام، منذ أول نموذج في التاريخ الاسلامي وحتى اليوم، والى يوم القيامة، بعداً حضارياً يتجاوز الحالة العاطفية والمزاجية والانفعالات النفسية، التي تكون عابرة ومؤقتة، وإن كانت صادقة وحقيقية – كما أسلفنا- فالاحتفال بموت حاكم ما، بحد ذاته له دلالات كبيرة في الواقع السياسي والاجتماعي، لاسيما اذا كان هذا الحاكم قد بذل الكثير وأنفق وأجهد نفسه ليكون الأكثر شرعية والأقوى والأصلح، ثم يرى العالم أن الناس من حوله يفرحون ويستبشرون بموته، بمعنى أنه كان يكذب على العالم بأسره، وهذه مثلبة ومنقصة كبيرة في التاريخ، مما يدعو الجميع لأخذ الحيطة والحذر والاعتبار من هذا الدرس. فذلك الحاكم، سواءً كان يحمل صفة "الخليفة" في ردائه الديني، أو "رئيس الجمهورية" أو "الملك" في ردائه السياسي، إنما هم بشر مثل الآخرين، بيد أن ظروفاً وعوامل خارجية وأخرى داخلية، جعلتهم يتضخمون في قالب الطغيان والانحراف. وهذه العوامل او الظروف لم تكن قدراً مقدوراً لهؤلاء، بل وفرتها الامة التي تخاذلت لهم وتناست دروس التاريخ الدموي التي كتبها الطغاة بجرائمهم، لذلك فان الاحتفال بموت الطغاة هو درس للابناء حتى لاتتكرر أخطاء الآباء ولاينسوا ما مرت بها الامة من مآسي عندما تخلت عن حكامها الشرعيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/كانون الثاني/2014 - 13/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م