الفشل والتبرير..

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الاعتياد يبعث على الراحة والاسترخاء، نلاحظ ذلك كثيرا على انفسنا وعلى الاخرين، وهو منشأ (العادة والتعود) التي تبقى ملازمة لنا طول حياتنا، وهو بتسمية اخرى، الروتين.. في كثير من الاحيان لانلتفت الى هذا الاعتياد في سلوكنا لانه من (المعتاد) ان نتصرف بمثل هذه الطريقة..

طول التعود والاعتياد على امور كثيرة يؤدي بنا الى اللامبالاة، ويجعلنا نشعر بالرضا والسرور على ما اعتدنا القيام عليه، وهو بدوره يؤدي الى جمودنا وقلة حركتنا نحو التغيير، ولو تغيير انفسنا اولا قبل تغيير الاخرين..

كل اعتياد سلبي له مايبرره عند المعتادين عليه، فالمتعود على عدم الالتزام بالمواعيد يعلل ذلك ويبرره بكثرة اشغاله او بازدحام الطرق وغير ذلك، والطالب الكسول يبرر فشله بخشونة المعلم او سوء الادارة، والموظف المرتشي يبرر ذلك بقلة الراتب او ان الجميع يرتشون، وغير ذلك من امثلة لاتعد ولا تحصى في حياتنا..

وجود الانسان على الارض وجود خلافة واعمار، وهذا الوجود تكليف الهي، وكل تكليف يتطلب القيام باعبائه، وكل قيام يستدعي المسؤولية والالتزام بالتكليف..

نحن امام معادلة ثلاثية الاطراف يمكن رسمها على الشكل التالي:

الوجود – التكليف – المسؤولية..

أوهي بتعبير اخر (الله – الانسان – العمل)..

في جميع كتاباته وسلوكه، ينطلق المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي من هذه المعادلة، التي بدأها بنفسه، بعد ان حدد الضلع الاول منها واتجه اليه بكل جوارحه..

العمل ولاشيء غيره، في كل حركة من يومه، يستغرق ساعاته جميعها، ولا تجد لديه فراغا لايمكن ملؤه، اعتاد (قدس سره) على القيام بذلك، وهو في نفس الوقت قطع الطريق على الاخرين، الذين لا يعملون ويقدمون شتى التبريرات لعدم عملهم..

في وصفه لحالة اللاعمل واللامسؤولية التي لها الكثير من التبريرات التي يسوقها اصحابها، يقول (قدس سره):

اعتاد كثير من المسلمين على الإنسحاب من ميادين الحياة، إما بحجة مخالفة الشرع ـ كما يكثر ذلك في المتدينين ـ وإما بحجة عدم التمكن من البقاء والإستمرارفي العمل، وإما بحجة عدم الإمكانات، أو ما أشبه ذلك، والغالب إن كل هذه المبررات، إنما هي واجهة تختفي ورائها السلبية المتأصلة في النفوس الضعيفة، فمن الضروري تبديل هذه الحالةعند المسلمين، حتى يكونوا مقدامين، غير هيابين، اما جـــهة الشرع، فإن الشريعة الإسلامية لم تحرم إلا عدة أمور قليلة، بالنسبة إلى المباحات والغالب أن الأهمية.

إذا دار الأمر بين الأهم المهم ـ والعسر والحرج والضرر والاضطرار، توجب إباحة قسم من المحرمات مما تشخيصه مما يتوجب بيد مرجع التقليد، وأما جهة عدم الإمكان والإمكانيات والقدرة، فالغالب إنه خلاف الواقع، والدليل على ذلك المقارنة البسيطة بين الأمة المتقدمة والامة المتأخرة، والفرد المتقدم والفرد المتأخر، وقد كشف عن زيف ذلك القرآن الحكيم في قوله حكاية عنهم: ( ان بيوتنا عورة، وما هي بعورة ان يريدون إلا فراراً).

لاشيء من تلك التبريرات يمكن ان تكون سببا في عدم تحقق المعادلة الثلاثية التي ذكرناها، فهو (قدس سره) واحد من هذه الملايين من المسلمين المتدينين والذي يعيش نفس ظروفهم ويقع مايقع عليهم، لكنه لايستسلم طالما قد وعى تكليفه ومسؤوليته، وهناك حقيقة يجب على المنسحبين معرفتها، وهي حسب قوله (قدس سره): (أن الحياة لا تجمد، وأن الفراغ لا يبقى، وأنه إن انسحب المسلم، ملأ فراغه غير المسلم، وإن تجمَّد المتدين انطلق غيره، فيكون المسلم ــ والعياذ بالله ــ خسر الدنيا والآخرة).

يركز الامام الراحل على المتدينين من المسلمين، لانه كما يعتقد هم قادة التغيير وحملة لوائه، وهو الاعرف بما تعودوا واعتادوا عليه، بحكم محيطه الذي يعيش فيه، ويؤشر لحقيقة مرّة اعتادوها في سلوكهم الناجم عن فهمهم المبتسر للدين وللتكليف وللمسؤولية، فهؤلاء المتدينين: (يكتفون بالصلاة والصيام، ولايعلمون عن سائر الشؤون الاسلامية الا نزرا يسيرا، وبذلك انحسر المد الاسلامي الاصلاحي عن النفوس، كما انحسر المد الاسلامي القانوني عن المشاكل والقضايا، والعاقبة مشاكل الدنيا وخسران الاخرة)..

الانشغال بالصلاة والصيام، لايعمر ولايبني الارض، ولا يحقق تلك الخلافة المنشودة، والتي هي جوهر خلق الانسان، فالدنيا عمل وكد وكدح متواصل لاجل التشييد والبناء، والدنيا أيضا، (دنيا الاسباب فمن اخذ بها وصل الى النتائج مؤمنا كان ام كافرا، اما الاخرة فهي خاصة بالمؤمنين)..

في تحديده لسمات العمل الذي يضطلع به المصلحون لتغيير مجتمعاتهم، يؤشر لسمة بارزة يجب توفرها لكل واحد من هؤلاء، هذه السمة هي (المبادرة) لاستغلال فرص العمل او خلقها وعدم الانتظار لتغير المعادلات المجتمعية، والتي كثيرا ماتكون بطيئة في حركتها، مما يؤدي الى ضياع الفرص للتقدم نحو الامام، فالمبادرة في تعبير الامام الشيرازي: من السمات البارزة للعاملين، إذ انهم لاينتظرون الاخرين في العمل، بل انهم يعملون في اجواء الجمود والترهل)..

 وهو يقصد جمود الناس وخوفهم وترهلهم ويأسهم، وهو يرفضه كمبرر لعدم العمل والتقدم نحو المبادرة، ويطلب من المصلح الاسلامي او الجهة الاسلامية ان يتحرك رغم كل هذه السلبيات التي يراها عند الناس، ولا ينتظر لان (المجتمع لا ينقلب في قفزة واحدة الى الصلاح، ولا في قفزة واحدة الى الفساد، لذا يلزم على المصلح ان يعرف كيف يستدرج الاوضاع والاشخاص الى مايراه من الصلاح)..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/كانون الثاني/2014 - 13/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م