تونس... صراعات إثبات الهوية تؤكد الهشاشة السياسية

 

شبكة النبأ: تواصل الصراعات والتجاذبات سياسية في تونس التي تعد مهد ثورات الربيع العربي، يمكن ان يقود البلاد نحــــو الفوضى والعنف والاقتتال الأهلي، خصوصا مع غياب التفاهم السياسي بين القوى الأساسية في البلاد، منها القوى الإسلامية التي تسعى الى تكريس هيمنتها على الدولة ومؤسساتها، من خلال من خلال إقصاء وتهيش القوى المعارضة الأخر التي تخشى من ضياع ومصادرة الثورة التونسية من قبل حركة النهضة واتباعها والتي خسرت الكثير من شعبيتها في الفترة السابقة بسبب فشلها بكيفية إدارة الحكم والمواقف المتشددة لبعض اعضائها والتي أسهمت بتنامي ظاهرة العنف وإحداث فراغ الأمني أدى الى صعود الجماعات السلفية كما يقول بعض المحللين في الشأن التونسي.

وأكد هؤلاء المحللين على ان الحركة والأطراف الإسلامية الأخرى تسعى وبشكل جاد الى نقل واستنساخ بعض التجارب والممارسات التي حدثت في دول اخرى، ومنها مصر التي انقلبت بثورة مضادة على حكم الاخوان بعد ان استشعر الشعب خطورة أفكار وأهداف هذا التيار وهو ما أدركته بعض الكوادر في حركة النهضة التي سعت اليوم الى تقديم بعض التنازلات الخاصة كاستقالة الحكومة الحالية وتولي حكومة مؤقتة.

وفيما يخص آخر التطورات فقد أعلن رئيس الحكومة التونسية علي العريض عن استقالته بعد ترؤس الحكومة مدة عشرة أشهر، مشيرا إلى أن الاستقالة سيعقبها تكليف رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي لمهدي جمعة بتشكيل الحكومة. وأوضح العريض أنه قدم للرئيس المرزوقي استقالة الحكومة وفاء لتعهداته وبعد وضوح الرؤية والاطمئنان على مستقبل تونس.

وذكر أن استقالة حكومته تزامنت مع اقتراب الانتهاء من الدستور التونسي الجديد واستكمال انتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي قال إنها ستعلن قريبا عن موعد الانتخابات القادمة. وأكد العريض أن حكومة مهدي جمعة ستسهر على استكمال بقية استحقاقات المرحلة الديمقراطية وخاصة الانتخابات.

وجاء في بلاغ لرئاسة الجمهورية في وقت سابق أن العريض أشار عقب اجتماع دوري للمجلس الأعلى للأمن الذي انعقد بقصر قرطاج، إن هذا الإجراء يأتي في إطار احترام حكومته "للتعهدات التي قطعتها على نفسها أمام الرأي العام الوطني وعلى ضوء نتائج الحوار الوطني" ولدفع المسار الانتقالي في البلاد. ويُنتظر أن يعلن مهدي جمعة خلال الأيام القليلة المقبلة عن تشكيلة حكومته، لإدارة شؤون البلاد خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية.

والآن وبعد ترشيح المهندس التونسي مهدي جمعة رئيسا لحكومة لتصريف الأعمال فقد يحتاج لمهارات مهنته في صناعة مقاعد الأمان ووسائل امتصاص الصدمات للحيلولة دون تمزق البلاد قبل أن يتسنى له إدارتها حتى الانتخابات التي تهدف لتعزيز الديمقراطية. وجاء ترشيح جمعة بعد شهور من المساومات الشاقة ولا يزال يفتقر لدعم معارضين علمانيين رئيسيين لحركة النهضة الإسلامية أكبر أحزاب البرلمان والتي قادت حكومات مؤقتة على مدى عامين.

وكان جمعة قد استدعي لبلاده لتولي منصب وزير الصناعة عندما أدخلت حركة النهضة شخصيات تكنوقراط إلى حكومة جديدة في محاولة لتهدئة التوتر بعدما اتهم إسلاميون بقتل زعيم علماني. ويحاول جمعة حاليا تشكيل حكومة يمكنها الحفاظ على السلام وإدارة الانتخابات التشريعية المقرر عقدها العام القادم ما إن يتم الاتفاق على دستور جديد تأخر كثيرا.

وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة لا بريس "هدية مسمومة" معبرا عن أجواء الانقسام التي استمرت بعد ترشيح جمعة من جانب لجنة مكلفة بدعم التوافق بعدما اثار اغتيال علماني ثان في يوليو تموز مخاوف من اتساع العنف. وأتاح ترشيح رئيس للوزراء بعض الارتياح بعد شهور من الجدل لكنه عمق ارتياب العلمانيين في حركة النهضة الإسلامية المعتدلة التي تتبنى منهجا على غرار منهج جماعة الإخوان المسلمين في مصر وقد يؤخر الاتفاق على المؤسسات السياسية الدائمة. وفيما يعطي دفعة لتونس حثت القوى الغربية وزعماء دوليون الزعماء التونسيين على تجاوز خصوماتهم ولوحوا باحتمال تقديم مساعدات اقتصادية تشتد حاجة البلاد إليها.

وامتنع حزب نداء تونس العلماني الرئيسي وحلفاؤه عن التصويت في الاقتراع الأخير بشأن جمعة وهددوا بمقاطعة حكومته. وقال زيد لخضر وهو زعيم حزب يساري إن العبء يقع الآن على المهندس جمعة (51 عاما) لتسوية الخلاف. وقال إنهم لم يحصلوا على الحكومة التوافقية ومن ثم أصبح على جمعة الآن أن يظهر قدرته على ذلك. وأضاف أن أمام جمعة الكثير الذي ينبغي أن يفعله في وقت قصير.

ولم يتحدث جمعة نفسه وهو مدير كبير سابق بشركة هاتشينسون ايروسبيس التابعة لمجموعة توتال الفرنسية كثيرا في العلن مع مضيه في عملية تشكيل حكومة جديدة قبل تأكيد تعيينه رسميا. ويواجه جمعة عددا من النزاعات المحتملة بدءا بتشكيلة الحكومة وإنجاز الدستور وتعيين مراقبين للانتخابات وصولا إلى مراجعة التعيينات بالحكومات المحلية التي يقول منتقدو حركة النهضة إنها قائمة على أساس حزبي.

والأمر الشائك بشكل خاص ربما يكون التوصل إلى حل وسط بشأن موعد الانتخابات التي تريد حركة النهضة إجراءها سريعا وكذلك الاتفاق على دور المجلس التأسيسي الحالي بمجرد أن يوافق على الدستور. وتريد حركة النهضة أن يظل المجلس قائما لحين انتخاب برلمان جديد في حين يطالب بعض المعارضين بحله.

ومن الناحية الفنية يمكن اكتمال العملية خلال اسابيع إذا توفر حسن النوايا. لكن التجارب السابقة في تونس منذ 2011 تشير إلى عكس ذلك كما جرى في أحدث مثال في الجدل بشأن تعيين رئيس جديد للوزراء. على الجانب الآخر يتفق الزعماء السياسيون على أن استعادة الاستقرار أمر ملح. وتضررت السياحة وهي قطاع رئيسي بالاقتصاد إلى جانب قطاعات أخرى منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وعجز الميزانية آخذ في الاتساع ولا يطيق الدائنون صبرا في حين يشكل المتشددون تهديدا.

وقال لطفي زيتون المسؤول بحركة النهضة إنه إذا استغرقت العملية وقتا اطول من اللازم فسوف تعود إلى المربع الأول مشيرا إلى أن علي العريض عضو الحركة سيظل رئيسا للوزراء إلى أن يتمكن جمعة من تشكيل حكومة. وأضاف زيتون أنه لا يمكن لدولة أن تمضي قدما برئيسين للوزراء وإنه ينبغي أن تتحرك البلاد بأسرع ما يمكن.

وجعلت قدرة التونسيين على مواصلة التفاوض دون إراقة دماء كما حدث في دول الربيع العربي الأخرى من تونس نموذجا. ففي بلد يبلغ عدد سكانه نحو عشرة ملايين نسمة ومقابل لأوروبا وبوجه عام أكثر علمانية من بعض جيرانه كان التوصل إلى حل وسط بشأن دور الإسلام في الحياة السياسية يبدو مستحيلا.

لكن حركة النهضة أبدت مرونة وجدت جماعة الإخوان المسلمين صعوبة في التحلي بها قبل الإطاحة بها من السلطة في مصر. غير أن الانقسامات بين الإسلاميين وغيرهم بشأن مستقبل تونس لا تزال حاضرة مع خروجهم من أزمة إلى أخرى. وينتقد الإسلاميون معارضين ومنهم الباجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس بسبب تقلدهم مناصب خلال حكم بن علي. وبدوره انتقد السبسي تعيين جمعة الذي يثير دوره في حكومة النهضة الحالية شكوكا لدى العلمانيين. وقال السبسي إن نتائج الحوار تفاقم الانقسامات في تونس معتبرا أنها لا تعكس اي توافق. بحسب رويترز.

ويقول منتقدون إن حركة النهضة احتضنت سلفيين متشددين متهمين بقتل الزعيمين العلمانيين ومهاجمة السفارة الأمريكية في العام الماضي كما يتهمونها بالسعي للتحالف مع فصائل لتنظيم القاعدة تنشط في ليبيا والجزائر وما وراءهما. ويقول أشد معارضي الحركة إنها تتشبث بالسلطة بهدف إقامة جمهورية إسلامية في تونس.

النهضة وجماعة الإخوان

من جهة أخرى انتقدت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس تصنيف السلطات المصرية جماعة الإخوان المسلمين تنظيما "ارهابيا" إثر تفجير استهدف مديرية أمن في مدينة المنصورة. وقالت الحركة في بيان "إثر التفجير الذي تعرضت له مديرية أمن المنصورة في مصر، سارعت الحكومة المصرية القائمة الى اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء التفجير وصنّفت الجماعة تنظيما ارهابيا رغم ان الجهة التي قامت بالعملية أعلنت عن نفسها ولا علاقة لجماعة الإخوان المسلمين بها".

واضافت "ان حركة النهضة تجدد ادانتها للاعتداء على المركز الأمني وتعاطفها مع ضحاياه، وتؤكد أن قرار تصنيف الاخوان المسلمين تنظيما ارهابيا يمثل هروبا الى الامام من جانب حكومة الانقلاب وتحريضا اضافيا على طرف سياسي التزم بالديموقراطية والسلمية". بحسب فرانس برس.

واعتبرت "ان المستهدف الحقيقي من القرار هو الحرية والديموقراطية أهم مكاسب ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 وأن الحرب الشاملة على الاخوان المسلمين مقدمة لاستئصال كل نفس ديموقراطي وحر في مصر". ونبهت الى "خطورة التحريض ضدّ (حركة) حماس واتهامها بالضلوع في الاعتداء وما يمثله من استهداف للمقاومة الفلسطينية وتشويه لصورتها".

صراع الهوية

من جانب اخر صادق المجلس الوطني التأسيسي التونسي على الفصول الخمسة الأولى من الدستور الجديد للبلاد ورفض في الوقت نفسه مقترحات بتضمين الدستور نصا يعتبر الاسلام "المصدر الاساسي" للتشريع. ومن اصل 149 نائبا شاركوا في عملية الاقتراع صوت 146 بنعم على الفصل الاول من الدستور. ويقول هذا الفصل ان "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الاسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها. لا يجوز تعديل هذا الفصل".

واحتفظ المجلس التأسيسي بذلك بنفس صيغة الفصل الاول من دستور 1959 (أول دستور بعد الاستقلال) مع إضافة عبارة جديدة إليه هي "لا يجوز تعديل هذا الفصل". واقترح محمد الحامدي النائب عن حزب "تيار المحبة" إضافة نص الى الفصل الاول من الدستور يقول إن الاسلام هو "المصدر الاساسي للتشريعات" في تونس. كما اقترح النائب مولدي الزيدي (مستقل) أن ينص الفصل الاول من الدستور على ان "القرآن والسنة (هما) المصدر الأساسي للتشريعات" في تونس. ولكن أغلبية النواب صوتت ضد كلا المقترحين.

وكانت حركة النهضة الاسلامية الحاكمة وصاحبة أغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي (90 مقعدا من إجمالي 217) طالبت في 2012 بتضمين الدستور نصا يعتبر الشريعة الاسلامية مصدرا أساسيا من مصادر التشريع في تونس. وقوبل مطلب الحركة وقتئذ بمعارضة شديدة من منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة العلمانية التي اتهمت النهضة بالسعي الى اقامة دولة "دينية" في تونس.

وفي آذار/مارس 2012 أعلنت حركة النهضة تخليها عن هذا المطلب وموافقتها على مقترح من المعارضة بالإبقاء على الفصل الأول من دستور 1959 دون تغيير. وفي هذه جلسة ايضا أقر المجلس التأسيسي ايضا الفصول 2 و3 و4 و5 من الدستور.

ويقول الفصل الثاني الذي أصرت المعارضة على تضمينه في الدستور ان "تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون. لا يجوز تعديل هذا الفصل". وترى المعارضة العلمانية أن مدنية الدولة في تونس أصبحت مهددة منذ وصول حركة النهضة الاسلامية وقد زاد تخوفها هذا بعد حديث حمادي الجبالي الامين العام للحركة عن "خلافة راشدة سادسة". وتقول المعارضة ان حركة النهضة لا تؤمن بمدنية الدولة وان لها مشروعا "خفيا" لإقامة دولة "خلافة" اسلامية في تونس، وهو ما تنفيه الحركة.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2011 قال حمادي الجبالي لانصار حزبه خلال تجمع أقيم في ولاية سوسة (وسط شرق) "يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسة". ويشتمل مشروع الدستور الجديد لتونس على توطئة من 6 فقرات و146 فصلا. وصادق المجلس على التوطئة. وفي الأول من حزيران/يونيو 2013 نشر المجلس التأسيسي على موقعه الالكتروني نسخة "نهائية" من مشروع الدستور.

وفي حينه رفضت المعارضة تلك النسخة واتهمت حركة النهضة بـ"تزوير" النسخة الاصلية من مشروع الدستور وتضمينها فصولا قالت انها تمهد لإقامة دولة "دينية". وصاغت اللجنة مؤخرا مسودة جديدة للدستور ضمّنتها العناصر "التوافقية" التي تم التوصل اليها. ولا ينص "النظام الداخلي" للمجلس التأسيسي على وجود لجنة توافقات فيه.

وصوت المجلس خلال جلسة عامة على إدخال تعديل على نظامه الداخلي أحدث بموجبه "لجنة التوافقات حول مشروع الدستور". وتتمثل مهام اللجنة في "النظر في المسائل الخلافية بخصوص مشروع الدستور واقتراح التعديلات الضرورية وإضافة فصول بتوافق أعضائها"، بحسب نص التعديل. وبحسب التعديل، تكون توصيات لجنة التوافقات "ملزمة للكتل (النيابية في المجلس التأسيسي) بمختلف تياراتها السياسية والمجموعات الممثلة بها".

على صعيد متصل تعطلت في تونس أعمال المجلس الوطني التأسيسي الذي شرع في المصادقة على دستور جديد للبلاد، إثر إعلان النائب المعارض منجي الرحوي صدور فتوى بقتله بعدما اتهمه حبيب اللوز النائب عن حركة النهضة الاسلامية الحاكمة بمعاداة الاسلام.

وقال اللوز المحسوب على الجناح المتشدد في حركة النهضة لإذاعة "صراحة اف ام" الخاصة المحسوبة على الحركة ان النائب "الرحوي معروف عداؤه للدين، وهو كفكر علماني يتوتر من أي كلمة إسلام، ويريد لو أن الدستور ليس فيه أي كلمة إسلام ولا دين والشعب التونسي سوف يحدد موقفه من هؤلاء الناس". وقال الرحوي أمام البرلمان "انا مهدد بالقتل وقد وقع الافتاء باغتيالي خلال 48 ساعة" بسبب "ما قيل على لسان سيدنا الشيخ" في إشارة الى حبيب اللوز.

ومنذ انتفاضة 2011 اتسع نطاق الانقسامات بين الإسلاميين والأحزاب العلمانية بشأن دور الدين في البلاد خاصة بعد اغتيال اثنين من السياسيين العلمانيين على ايدي متشددين إسلاميين. وقالت وزارة الداخلية انه بناء على المعلومات التي وصلتها فإن المنجي الرحوي العضو بالمجلس التأسيسي واثنين اخرين مهددون بالتعرض لاعتداء وان الوزارة اتخذت خطوات لحمايتهم وفتحت تحقيقا في الواقعة.

وقالت ريم محجوب وهي عضو معارض بالمجلس إن الشرطة وصلت إلى منزل الرحوي لتحذيره من تهديد للمتشددين دون اعطاء اي تفاصيل اخرى. وقال اعضاء بالمعارضة إن التهديدات جاءت بعد تصريحات حبيب اللوز وهو متشدد من حزب النهضة الإسلامي الحاكم للصحفيين بأن الرحوي يعتبر عدوا للإسلام يريد حذف كل ما يشير إلى الإسلام من الدستور. وقال نواب من حزب النهضة ان اللوز الذي اعتذر عن تلك التصريحات كان يعبر فحسب عن آراء شخصية لا تعكس موقف الحزب. بحسب رويترز.

وبدأت صياغة دستور جديد لتونس قبل عامين لكن إقراره تأجل بسبب خلافات حول دور الإسلام في السياسة ونتيجة اتساع الانقسامات بين النهضة وخصومها العلمانيين. وينظر إلى خطوات تونس نحو الديمقراطية على انها نموذج لدول اخرى في المنطقة منذ الانتفاضات التي اندلعت عام 2011 وأطاحت بزعماء مصر وليبيا واليمن وأشعلت فتيل حرب في سوريا. ووافق حزب النهضة الإسلامي على التخلي عن السلطة بموجب اتفاق يقضي بمشاركة الأحزاب في صياغة الدستور وتحديد موعد للانتخابات واختيار مجلس انتخابي قبل تولي حكومة انتقالية من التكنوقراط مقاليد الأمور في البلاد.

حياد تام

في السياق ذاته صادق المجلس الوطني التأسيسي في تونس على فصلين من الدستور الجديد للبلاد أعطى بموجبهما طابعا "جمهوريا" لقوات الأمن والجيش وألزمهما بـ"الحياد التام" عن الأحزاب السياسية. وينص الفصل 17 من الدستور على ان "الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون".

أما الفصل 18 فينص على ان "الأمن الوطني أمن جمهوري قواته مكلفة بحفظ الامن، والنظام العام وحماية الافراد والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التام". وصادق المجلس قبل ذلك على الفصل 16 من الدستور الذي يقول "تحتكر الدولة إنشاء القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني ويكون ذلك بمقتضى القانون ولخدمة الصالح العام".

وتتهم المعارضة ونقابات أمن حركة النهضة الاسلامية الحاكمة باختراق وزارة الداخلية عبر تعيين قيادات أمنية موالية لها في مناصب حساسة بالوزارة.

ومؤخرا قدرت وسائل اعلام محلية عدد التعيينات التي قامت بها الحكومة التي تقودها حركة النهضة في وزارة الداخلية بحوالي 1000 تعيين، منذ وصول الحركة الى الحكم نهاية 2011. وفي تشرين الاول/أكتوبر 2012 قال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في شريط فيديو تم تسريه على الانترنت ان المؤسستين الامنية والعسكرية في تونس "غير مضمونتين" وانهما مازالتا بيد "العلمانيين". وقال الغنوشي في الشريط الذي وثق لقاء جمعه بسلفيين "الفئات العلمانية في هذه البلاد بيدهم الجيش، الجيش ليس مضمونا، والشرطة ليست مضمونة اركان الدولة مازالت بيدهم". بحسب فرانس برس.

وفي ايلول/سبتمبر 2013 اعلن وزير الداخلية لطفي بن جدو (مستقل) ان كل الاحزاب السياسية في تونس تريد اختراق وزارة الداخلية. وقال بن جدو حينها في خطاب أمام البرلمان "الأحزاب الموجودة الآن، كلها، تريد إيجاد موطئ قدم في الداخلية". وأضاف "هناك اشخاص (داخل الوزارة) يدينون بالولاء لهذا أو لذاك، ونحن كلما اكتشفنا وجود أحدهم أبعدناه".

وأضاف "أدعوهم (الأحزاب) إلى (التزام) الحياد، وهذا الحل الوحيد لتؤدي الداخلية دورها". ويبلغ عدد قوات الامن في تونس حوالي 70 ألفا بحسب إحصائيات اعلنتها نقابات أمن مؤخرا، فيما يبلغ عدد قوات الجيش 60 ألفا باعتبار الاحتياط حسبما اعلن ناطق رسمي باسم وزارة الدفاع في 2013.

إضراب القضاة

على صعيد متصل دخل قضاة تونس في إضراب عام للاحتجاج أساسا على ما اعتبروه غياب ضمانات استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية في مشروع الدستور الجديد للبلاد. ودعت الى الاضراب "جمعية القضاة التونسيين" وهي الهيكل النقابي الأكثر تمثيلا للقضاة في تونس. وقالت القاضية روضة القرافي رئيسة الجمعية ان الاضراب يأتي احتجاجا على رفض علي العريض رئيس الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية "المصادقة على الحركة القضائية" التي أقرتها "هيئة القضاء العدلي"، وعلى غياب ضمانات استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية في مشروع الدستور.

وهيئة القضاء العدلي، هيئة قضائية دستورية مستقلة صادق على إحداثها المجلس الوطني التأسيسي في 2 أيار/مايو 2013 ومن صلاحياتها إقرار "الحركة القضائية" أي القرارات المتصلة بتعيين القضاة وترقياتهم الوظيفية ونقلهم من مكان عمل إلى آخر. وفي تشرين الاول/نوفمبر 2013 اتهمت هيئة القضاء العدلي الحكومة بـ"السطو" على صلاحيات الهيئة بعدما قامت (الحكومة) بتعيينات في مناصب قضائية عليا.

واستندت الحكومة في تلك التعيينات على القانون الأساسي للقضاة الصادر سنة 1967 وليس الى القانون المحدث لهيئة القضاء العدلي الصادر في 2013 والذي من المفروض انه ألغى قانون سنة 1967. وبحسب القانون المحدث لهيئة القضاء العدلي، يتعين على رئيس الحكومة التوقيع على الحركة القضائية حتى تصبح لها صفة النفاذ القانوني.

وقالت روضة القرافي ان الفصل 112 من الدستور "يكرس خضوع النيابة العمومية للسلطة التنفيذية، وخدمة مصالح الحكومة بعيدا عن خدمة المصلحة العامة للدولة والمجتمع". ولفتت الى أن إحدى لجان المجلس التأسيسي غيرت مؤخرا النسخة الاصلية لهذا الفصل فأصبح ينص على ان "قضاة النيابة العمومية يمارسون مهامهم في إطار السياسة الجزائية للحكومة".

وكان الفصل يقول قبل تغييره "قضاة النيابة العمومية يمارسون مهامهم في إطار السياسة الجزائية للحكومة". وقالت القرافي "المراد من هذا التغيير هو التأسيس لنيابة عمومية ضعيفة ومكبلة وتعمل بالتعليمات وتابعة تماما للسلطة التنفيذية". وأضافت "في المصطلح القانوني لا وجود لسياسة جزائية للحكومة، لان الحكومة تطبق السياسة الجزائية العامة للدولة التي لديها سياسات في مختلف القطاعات كالصحة والبيئة والتعليم". بحسب فرانس برس.

وقالت 4 منظمات دولية بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية في بيان مشترك "يجب أن يتضمن الباب المتعلق بالسلطة القضائية (في الدستور التونسي) ضمانات قوية لاستقلال النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية". وتابعت روضة القرافي ان الفصل 109 من الدستور يفتح الباب امام السلطة التنفيذية لتعيين قضاة وغير قضاة في "المجلس الاعلى للقضاء" ما قد يؤدي إلى "تسييس" المجلس الذي ينتظر أن يشرف على الشأن القضائي في البلاد. وطالبت بضرورة أن يكون أغلب اعضاء هذا المجلس من القضاة المنتخبين من زملائهم وبالتنصيص على ذلك صراحة في الفصل 109. وذكرت بأن المعايير الدولية تفرض ان يكون اغلب اعضاء المجلس من القضاة المنتخبين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/كانون الثاني/2014 - 11/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م