شبكة النبأ: لا خلاف على أن المسلمين
والعرب، في عموم الدول الاسلامية والعربية، يعيشون أوضاعا لا توازي
مكانتهم، ولا تتفق مع دورهم التاريخي في مساعدة البشرية، على الانتقال
الى عصر النور، عندما عاش المسلمون والعرب عصرهم الذهبي، ابان الدولة
الاسلامية بقيادة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك لابد من
اتخاذ التدابير والخطوات التي تعيد لهم مكانتهم، ودورهم العالمي الذي
يستحقونه، وهذه مسؤولية الحكومات أولا، ولابد أن تشترك النخب المتنوعة
التي تقود المجتمعات، للمساعدة في تحقيق هذا الهدف الكبير.
لقد قال الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (تحويل المعنويات
الإسلامية من القوة إلى الفعل) حول الوضع والظرف الذي يمر به المسلمون
واصفا واقعهم: (يمر العالم الإسلامي اليوم بمرحلة مأساوية عظيمة، ربما
لم يمر بمثلها في قرونه السالفة، حيث تتكالب عليه الأعداء من كل حدب
وصوب، وكل عدو يأمل ان يحصل على أكثر من موقع قدم له، في جسم سقيم هزيل،
أتعبته الأمراض ومزقته الخلافات وطحنته الحروب. ومع ذلك ما زال هناك
بصيص أمل).
ومن الواضح أن سبب تكالب الاعداء على خيرات المسلمين وثرواتهم، يعود
الى ضعفهم وجهل حكوماتهم بكيفية الحفاظ على تلك الثروات الهائلة،
وكيفية بناء دولة قوية يخشاها الطامعون، كما بنى الرسول الاكرم صلى
الله عليه وآله وسلم دولة الاسلام القوية التي كان يخشى الجميع بأسها
وقوتها وقدراتها الهائلة، ليس في مجال القوة العسكرية فحسب، إنما قوتها
السياسية والادارية والاقتصادية، حتى باتت اقوى الدول تهابها آنذاك
وتتردد من الاعتداء عليها، أو التجاوز على حقوقها وخيراتها وحدودها.
خلافات الشعب مع الحكومات
ابان الدولة الاسلامية في عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،
كانت هناك وحدة وتكاتف بين الحاكم والمحكوم، بسبب مراعاة الحاكم لحقوق
وحريات المحكوم، لذلك كان الشعب عونا للحكومة، يقف معها، ويؤدي واجباته
المطلوبة في الحرب والسلم، من هنا استمدت الدولة الاسلامية قوتها التي
أخافت الاعداء جميعا، وجعلتهم ينظرون بإكبار وإجلال للمسلمين الذين
استمروا في تقديم العون للبشرية آنذاك، وكان السبب الاساسي هو انتفاء
الخلاف بين الشعب والحكومة، وتعاون الناس مع قادتهم من اجل بناء الدولة
وتطويرها، وهذا دليل واضح لحكومات اليوم، كي تصحح علاقاتها الشائكة مع
شعوبها، فتؤدي ما عليها من واجبات، وتحترم حريات وحقوق الرعية، حتى
يتكاتف الجميع مع الحكومة، وينتفي الصراع بين الطرفين، وهو السبب
الرئيس في ضعف المسلمين على مستوى الحكومات والمحكومين معا.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (أذكر في الحرب
العالمية أن الشعب ـ سواء في العراق أو في إيران أو في مصرـ امتنع عن
تقديم أية تسهيلات للحكومة إلاّ بالقوة، وكانوا يحتكرون أمتعتهم، ولذا
وقع غلاء عجيب، بينما في الغرب الذي كان داخلاً في الحرب أيضاً أعطى
الشعب للحكومة كل التسهيلات في المواد الغذائية وغيرها، كذلك كان الشعب
في البلاد الإسلامية يتهرب عن الجندية بينما الشعب هناك كان يتطوع
بنفسه، والسر في ذلك إن شعوبهم كانت ترى أن الحكومة حكومتهم، بينما
المسلمون كانوا يرونها عميلة تعمل ضدهم فكانوا ينتهزون الفرص للتهرب عن
كل ما يمت إلى الحكومة بصلة). ومن سياسة الحكومة الاسلامية الرشيدة في
عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عدم التفريق والتمييز بين
المسلمين، فالكل سواسية بالنسبة للحاكم والحكومة، ولا تفضيل لاحد على
حساب الآخر، إذ يذكر لنا الامام الشيرازي في هذا الشأن قائلا: (لم يميز
الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- المسلمين ولم يفرز صحيحهم عن
سقيمهم، ولقد كان -صلى الله عليه وآله وسلم- أعرف بهم).
القيادة ومعالجة المعضلات
تحتاج القيادة الى الحكمة دائما في معالجتها للمشكلات التي تعترض
طريقها، وتحاول إضعافها، فالحاكم ينبغي أن يتسم بالحنكة والتوازن
والحلم، وعلى الحكومة أن تتعامل مع الوقائع، وفق سبل وطرائق حل
تناسبها، على أن تبتعد الحكومة عن الحلول العشوائية، هكذا كان الرسول
الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، قائد الدولة الاسلامية، يتعامل مع
الاوضاع والظروف والمستجدات الخطيرة بحكمة وتأن وتفكير عميق وتخطيط
محكم، لذلك كانت الحكومة الاسلامية على الرغم من قوتها الهائلة،
وقدراتها الكبيرة في المجالات كافة، إلا أن القائد العظيم (ص) كان
حريصا على وحدة الحكومة والشعب، والابتعاد عن كل ما يفرق بين الحاكم
والمحكوم، ولعل من أشد ما يثير الغضب والضغينة والحقد على الحاكم
والحكومة، قضية التمييز بين افراد الشعب لأي سبب كان، اما بالنسبة
للمغرضين والمنافقين، فهناك ظرف ووقت مناسب على الحاكم مراعاته، ثم
يعمل على الشروع في معالجة مثل هذه القضايا الداخلية الحساسة، التي قد
تفت في عضد الدولة، وتضعف من قدراتها، لاسيما اذا كانت في مواجهة
مستمرة مع اعداء من خارج الامة.
لذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا الشأن بكتابه المذكور نفسه، على:
(ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرف المنافقين جيداً، لكن كون
الإسلام ناشئاً قبال دولتي الفرس والروم وعملائهما، لم يكن الظرف يسمح
بأية خطوة من شأنها إضعاف المسلمين وتأجيج الصراع بينهم، وإلقاء الخلاف
في صفوفهم وإسالة دمائهم، وقد كانت الدولتان ـ وسائر أعداء الإسلام ـ
ينتهزون الفرصة للهجوم على الإسلام وإبادة المسلمين).
وهكذا يتضح لنا، حنكة القائد النموذج للدولة الاسلامية، رسولنا
الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وكيفية التعامل مع الاحداث كافة،
والحكمة التي يتم من خلالها معالجة المعضلات والمشكلات، مع الاختيار
الامثل للمواجهة سواءً كانت في الداخل أم خارج الدولة، لذا ينبغي على
الحكومات الاسلامية والعربية، أن تسترشد بهذه القيادة التي أسست وشيدت
وطوّرت دولة اسلامية، لا يزال وسيبقى التاريخ مبهورا بما قدمته من
مكتسبات للانسان. |