يقال بأن الاعلام العربي حقق لواشنطن ولأعداء الأمتين العربية ما
عجز عنه الاعلام الغربي.
فمعظم إعلامنا العربي والاسلامي ليس سوى إعلام فتنة وعمالة وزهق
أرواح وسفك دماء. وكأنه مصنع لخدمة الأعداء، ومجبول على الحسد والحقد
والكذب والتضليل والنفاق والخداع.
منذ عقود وهذا الإعلام الناطق بالعربية وهو ينقل الأخبار بما يتوافق
وتعليمات أولياء نعمته وأسيادهم في عواصم شتى. ويتهمه البعض بتضليل
الجماهير بمعسول الكلام، أو بتمثيل إعلاميه التباكي على صفحات الصحف
وموجات الأثير والشاشات. ويذكرون منها المواقف التالية:
· الحرب العراقية الإيرانية. وقف هذا الاعلام مع العراق لعقد من
الزمن، يتهم إيران بأنها هي من بدأت الحرب على العراق، وهي من اعتدت
على العراق. وينال من كل نظام لم يقف مع العراق، متهماً إياه بأنه حليف
لإيران ولإسرائيل، وأنه خارج عن الإجماع العربي. وأن سوريا والقذافي
هما من يقدمان السلاح والمال والدعم لإيران.
· احتلال العراق للكويت. سارع هذا الاعلام للحس ما بصقه، وأنقلب على
عقبيه 180 درجة. وراح يقلب الصورة متهماً العراق بأنه هو من اعتدى على
إيران. وأن العراق هو من استخدم السلاح الكيمائي ضد العراقيين
والإيرانيين والأكراد. وأن نظام الرئيس صدام حسين نظام سني يحكم ويضطهد
الشيعة والأكراد مع أن الشيعة هم أغلبية سكان العراق. وأن موقف سوريا
ورئيسها من الحرب ومن نظام صدام حسين لا غبار عليه، لأنه الموقف الصائب
والصحيح والسليم والرشيد والممتاز.
· بعد تحرير الكويت. صدع هذا الإعلام الآذان بمديحه وثنائه على
سوريا، وراح يشيد بحكمة رئيسها في موقفه من الحرب العراقية الإيرانية،
ودوره في دعم العروبة والاسلام.
· قبل غزو العراق. استمات هذا الإعلام لإيجاد المبررات لفرض
العقوبات على العراق ليمهد ويبرر للغزو الأمريكي للعراق. وحتى أن رئيس
الحكومة أردوغان طلب من واشنطن 28 مليار كأجرة وعمولة للسماح باستخدام
أراضي بلاده لغزو العراق.
· ليبيا. استمات هذا الإعلام لإيجاد الذرائع والمبررات لحلف الناتو
لشن الحرب على ليبيا.
· سوريا. راح هذا الإعلان يكرر سيناريو العراق ولكن بشكل مقلوب.
فانبرى يتهم النظام السوري بأنه نظام علوي يضطهد الأكراد والسنة في
سوريا مع أن السنة هم أغلبية سكان سوريا. وراح يطالب دول العالم ومجلس
الأمن والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بفرض العقوبات على
سوريا. وهذه العقوبات أضرت بالسوريين فقط. واستمات إعلاميو وإعلاميات
هذا الإعلام حتى شقت أدبارهم لتشجيع أوباما وتركيا والناتو على غزو
واحتلال سوريا، أو قصف وتدمير سوريا بالصواريخ والطيران.
مضحك ومخجل هذا الإعلام حين راح يكرر التشكيك بمواقف سوريا التي هو
من امتدحها بعد أن شكك بها من قبل، وهذا أبشع استخفاف بعقول الناس. ومن
ينتهج هذه الأساليب فهو أحمق ليس على لسانه من قيد أو رباط. وعار على
هذا الإعلام حين أبدى فرحه وسروره بعمليات قتل وخطف علماء العراق وضباط
وجنود الجيش العراقي الذين شاركوا بحربي العراق على الكويت وإيران،
وعمليات خطف واغتصاب العراقيات. والتي يعيد تكررها حالياً شامتاً
بالسوريين على ما يعانوه من تهجير واغتصاب للسوريات في المخيمات. ولكنه
بات بعد ثلاثة أعوام مرتبك وحائر ومحبط وقلق ومتناقض. ففي بداية الربيع
العربي وقف مع الثورات. وبمجرد وصول الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في
مصر. تشظى عذا الإعلام إلى شظايا أهمها:
· شظايا تمثلها فضائية العربية وصحيفتي الحياة والشرق الأوسط. ويشن
حرباً ضروساً على النظام السوري وإيران وحركة الاخوان المسلمون في مصر
وعلى تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش في سوريا والعراق وحزب الله وروسيا
والصين، ويتهم تنظيم داعش بالإرهاب. ويستميت بدعم الفريق السيسي،
والجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية وفريق أحمد الجربا في ائتلاف
المعارضة. ويدعم نوري المالكي في حربه على داعش في الأنبار. ويتجاهل
أردوغان وحكومته، ولكنه بنفس الوقت يلمح ويشير إلى أخطاء وتجاوزات
أردوغان. ويحيد جبهة النصرة، ويحافظ ولو على هدنة مؤقتة معها في هذا
الوقت.
· شظايا متنوعة. وهذه الشظايا ركبت موجة الثورات، فسارعت لتعديل
مواقفها والتزام الوسطية في تحليلاتها لعلها تتجاوز هذه العاصفة، كي لا
تخسر جمهورها ومتابعيها.
· شظايا مختلفة. وهذه الشظايا حيرها الربيع العربي بسقوط حلفائها،
ولكنها وجدت في دعمها للثورة في السورية وعداءها للنظام السوري خشبة
النجاة التي تمسك بها وتنقذها من الغرق. ولكنها باتت مرتبكة. فسقوط
النظام أو عدم سقوطه قد يفتح ملفها وتسجيلاتها التي كانت تتسول فيها
رضى النظام السوري لاتعد ولا تحصى.
· شظايا إعلامية. وهذه الشظايا استنجدت بقراء الفنجان والكف والفلك
والسحرة.
· شظايا إعلامية ملساء. وهذه الشظايا التزمت المنطق والموضوعية في
تحليلاتها السياسية.
· وشظايا مختلفة الحجوم والأشكال. وهذه الشظايا باتت في حيرة بسبب
تبدل المواقف السياسية لبلادها والتناقض بتصريحات رؤوسها أو وزراء
خارجية بلادها.
· وشظايا تمثلها فضائية الجزيرة. وهذه الشظايا تشن حرباً شعواء على
النظام السوري وإيران وحزب الله وعلى حكومة نوري المالكي والفريق
السيسي ونظام الحكم الجديد في مصر. وتستميت بالدفاع عن حركة الإخوان
المسلمين، وعن الجيش الحر واحمد الجربا وتنظيم القاعدة وداعش وجبهة
النصرة والجبهة الإسلامية، وعن شرعية حكم الإخوان المسلمين ومحمد مرسي
في مصر. وعن تنظيم داعش في الأنبار. وتدعم حكومة أردوغان. وتربط حاضرها
ومستقبلها بسقوط النظام السوري ونجاح المفاوضات التي ترعاها الدوحة بين
واشنطن وحركة طالبان. وهذا الشظايا ينتابها القلق والرعب والخوف. وترى
أنها متهمة، وأنها قد تحاسب حساباً عسيراً آثارها التدميرية لعدة
أسباب. أهمها:
1. اتهامها بدعم الارهاب. ففضائية الجزيرة استغنت عن بعض إعلاميها
المتهمين بدعم الارهاب إكراماً لواشنطن. إلا أنها لم تبدد ريبة وشك
واشنطن.
2. نجاح الثورات في تونس وليبيا ومصر واليمن باتت تلقي عليها بظلال
داكنة وسوداء. فليبيا وتونس في وضع ومحرج لا تحسدان عليه، وقد تتطور
الأمور فيهما إلى حرب أهلية تؤدي إلى تقسيم ليبيا، وربما عودة بعض رموز
النظامين السابقين من جديد إلى سدة الحكم. والنصر الذي حققته هذه
الشظايا يبدد وتبخر فور سقوط حكم الإخوان المسلمون في مصر واعتقال محمد
مرسي.
3. فشلها في إسقاط النظام السوري. فمؤتمر جينيف الذي اتفقت عليه
الدول الكبرى ومعظم دول العالم منح الشرعية للنظام السوري، وبات الحل
محصور بحل واحد هو الحل السياسي وبالحوار. كما أن تحميل النظام السوري
المسؤولية لما يحدث في سوريا للإرهاب بات أمر يقلق الدول الكبرى ودول
الغرب، حتى أنهم أقروا بأن التنظيمات الارهابية بات له وجود فعلي على
الأراضي السورية.
4. القتال بين الجيش الحر وتنظيم داعش باتت أمر مقلق لهذه الشظايا.
والحرب التي يشنها نوري المالكي على داعش في الأنبار باتت مؤشر على أن
هناك تحالف دولي غير معلن لشن حرب دولية على الارهاب بكافة تنظيماته.
5. سقوط جناح أردوغان قد يتم من خلال الانتخابات النيابية عام
2014م. وسقوط أردوغان سيكون فآل سيء على فضائية الجزيرة والنظام القطري.
6. حرج الجزيرة من ازدواجيتها في بعض المواقف. فهي من تطوعت للدفاع
عن حق الشعوب باختيار أنظمتها بأسلوب ديمقراطي، أذهلها إسقاط حاكم قطر
ورئيس وزرائها بقرار أميركي. ولذلك لم تجرأ على فتح هذا الملف، ولا
الدفاع عن النظام القطري والشعب القطري المنتهكتين سيادتهما من قبل
الغير.
7. الخسائر المادية والبشرية والمعنوية الكبيرة التي تكبدتها
الجزيرة في معركتها مع النظام السوري والتي لم تحقق من خلالها أي نجاح
يستحق الذكر. وانشقاق غسان بن جدو عن فضائية الجزيرة وإطلاقه لفضائية
الميادين بات يقلق فضائية الجزيرة وقطر. وخاصة أن فضائية الميادين حققت
نجاحات إعلامية كبيرة. وحتى أنها والعربية استطاعتا استقطاب معظم
مشاهدي الجزيرة. ومن غير المستغرب هجرة بعض إعلاميها إلى فضائيات
أجنبية، بعد أن فشلت وباتت تشكل عبأً مادياً وإعلامياً ودبلوماسياً
وسياسياً ومعنوياً فقط على قطر.
8. الخوف الذي يطارد إعلاميي هذه الشظايا من الملاحقة الدولية
وملاحقة بلادهم الأصلية على ما تسببوا من تدمير وزهق أرواح وهدر دماء
السوريين. وخاصة أن الشيخ القرضاوي الذي كان من أسرة الجزيرة بات
ملاحقاً بمصر.
هذه هي حال الإعلام العربي باختصار بنظر البعض. وهو مطالب بالإقلاع
عن كل ما يخالف مهنتيه وأخلاقيته ومهمته الإعلامية كي يستعيد بعضاً من
مصداقيته واحترامه من قبل جمهوره وباقي الجماهير. وإلا فانه معرض
للسقوط والانهيار والتلاشي إذا ما استمر على هذه الحال.
* عميد متقاعد
burhansyria@yahoo.com |