السلام..

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما السبب وراء تراجع الإسلام (كسلوك وممارسة) في البلاد المسلمة؟.

غياب القدوة والمثل امام المسلمين، من خلال حركات واشخاص قدموا انفسهم على انهم متحدثون بلسان الإسلام المبعوث نبيه رحمة للعالمين..

هؤلاء المتحدثون والحاملون لرايات الإسلام (المتوهم) الذي يريدون نشره بين المسلمين، يستعملون اقصى درجات القسر والجبر والعنف في محاولة تطبيقهم لنموذج يتوهمون انه الإسلام الحقيقي، الذي جاء به خاتم الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم)..

لكن ابسط قراءة تاريخية للتجربة الإسلامية الأولى (دعوة ودولة) لم تكن فيها مثل هذه المساحة الفادحة الانتشار، للتطرف والتكفير والعنف، والاستهانة بالدماء وكرامة الانسان وحياته، حدا بلغ اللعب برؤوس المقتولين (كرة القدم) واكل اكبادهم.

القراءة التاريخية (واقصد بها استذكار السلوك والممارسة وليس القراءة النقدية) تكشف واقعا اخر، هو الذي مكن الإسلام يومها من الانتشار والرسوخ، حتى في أوساط المعادين والمحاربين له..

في كتاباته البالغة الضخامة والجدة ودقة التشخيص والمعالجة للكثير من الظواهر السلبية التي تفشت في أوساط المسلمين، كتب المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي حول التطرف والعنف، منذ أربعة عقود واكثر، في وقت لم يكن هذا العنف موجودا بهذه القدرة التدميرية التي وصل اليها..

يمكن لهذه الكتابات ان تكون (نبوءة) او (استشرافا) لمستقبل كان في رحم الغيب، مجهولا غير واضح المعالم لكثيرين ممن نظّروا للاسلام في جوانبه السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او غيرها..

من يقرأ تلك الكتابات للامام الشيرازي الراحل، يكتشف انه كان يتحرك وحيدا في هذه المنطقة (الرمادية) حيث لا تضيع منه بوصلته حين يبهر اللون الأبيض عيون الاخرين، ولا يتعثر في خطوه حين يتعثر الاخرون في مناطق اللون الأسود، الذي غطى فترة طويلة حياة المسلمين في بلدانهم، احتلالات او انقلابات او استبداد وطغيان..

في تلك العقود السابقة، يكتب عن العنف رافضا له، ويقدم نظريته في اللاعنف، وهو المحاصر وتلاميذه بصنوف القمع والمطاردة.. في موقف على النقيض مما درج عليه الاخرون، مقابلة العنف بعنف مضاد..

يكتب الامام الشيرازي الراحل، وهو الذي عاصر مآسي حروب عالمية ومحلية كبرى، يكتب عن السلام في زمن الحروب والتدمير والقتل، وكأنه يكتب (خارج النص) لكنه في المقابل يؤسس لنص مغاير، هو الأصل في المتن الإسلامي الذي قرأه وفك شفرته التي استعصت على الاخرين رغم بساطتها في معادلة الغاية من (البعث والوجود والانسان)..

(شعار الإسلام هو السلام)، هكذا كتب في احد فصول كتابه (السبيل الى انهاض المسلمين) وهو يعتبر السلام (أساس قيام الحركة) أي الحركة السياسية او الثقافية او الاجتماعية التي تعمل من اجل التغيير وهي تحمل راية الإسلام..

ويضيف قائلا: (انطواء الإسلام على السلام هو الذي سبب تقدمه أولاً، وكان السبب في تقدمه في المرة الثانية، بعد غزو الصليبيين لبلاد الإسلام من الغرب، والمغول من الشرق، وبالسلام نرجوا أن نقدم الإسلام في هذا القرن المليء بغزو الشرق والغرب لبلاد الإسلام). والقرن الذي قصده هو القرن العشرون بويلاته وحروبه ودماره..

كل حرب او عنف في فهم الامام الراحل، هي شذوذ الاضطرار، وهو شذوذ وسيلة وليس غاية، كما يحصل الان، حيث العنف هو غاية العنف وممارسه، وغاية القاتل وقتاله، يقول بعبارة واضحة: (وليست الحرب والمقاطعة وأساليب العنف إلا وسائل اضطرارية شاذة، على خلاف الأصول الأولية الإسلامية، حالها حال الاضطرار لأكل الميتة وما أشبه، فالأصل هو السلام، ولذا تقدر الحرب بقدرها في الإسلام).

الحرب ليست هي التجلي الأبرز لهذا الاضطرار الشاذ، بل هناك أمور أخرى، أخلاقية ونفسية هي المعادل الموضوعي للعنف، او هي العنف بحد ذاته، او رمزياته الفاعلة..

واذا كانت الحرب هي التعبير عن عنف الجماعة، فان الأمور الأخرى هي عنف الافراد ضد بعضهم، يقول حول ذلك: (الحرب والتهمة والسب والهمز واللمز والعداء والبغضاء والأنانية والكبرياء والغرور وما أشبه، تسبب سقوط الدول وسقوط الأفراد)..

السلام والسلم عنوان كل حركة إسلامية تتصدى للتغيير، وهو (السلام والسلم والمسالمة) واجب الاتصاف به، واصل من أصول التقدم نحو الأهداف التي يريدها أصحاب الحركة والطامحين الى التغيير.

يكتب الامام الشيرازي الراحل:

(يجب أن يتصف القائمون بالحركة بالسلام تفكيراً وقولاً وعملاً مع الأعداء والأصدقاء. فإن السلام أحمد عاقبة وأسرع للوصول إلى الهدف، السلم والسلام والمسالمة أصول توجب تقدم المسالم، بينما غير المسالم والعنيف يظل متأخراً دائماً).

في زمننا الراهن، ومع كثرة الحركات التي تحمل راية الإسلام، غابت عن اذهان القائمين عليها، سبل اكتساب الشرعية، شرعية وجودها في أوساط المسلمين، واخذت تتوسل بالعنف وحده طريقا لاكتساب التمثيل والدفاع عمن يريدون لهم التغيير، تغيير حالهم ومآلهم..

وهو ما نبه اليه الامام الراحل بقوله: (الحركة التي تريد جمع الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، مثل هذه الحركة جدير بها أن تلتزم باللين، فالناس إنما يلتفون حول من كان هيناً، ليناً، هشاً، بشاً، أما إذا كان شعار الحركة العنف فإن الحركة تفقد الشرعية عند الناس، ويأخذ الإنسان بالتفكير: أنه كما أن هذه الحركة عنيفة ضد أعدائها لا بد وأن تكون عنيفة ضده أيضاً يوماً ما).

ويضيف الى كلامه تشخيصا دقيقا للعنف ودوافعه النفسية، بقوله: (العنيف عنيف مع الأصدقاء ومع الغرباء ومع البعداء والأعداء، واللين لين مع الأصدقاء ومع البعداء)..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/كانون الثاني/2014 - 10/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م