حقوق العمال.. من سطوة رب العمل الى الإهمال الدولي

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تدور عجلة الصناعة وتتطور الإنسانية بسواعد وعرق جبين العمال، فمنذ القدم وحتى الوقت الحاضر كان العامل حجر الزاوية والاساس في كل بناء وتقدم.

في تطور لافت وعند منصف القرن التاسع عشر شرعت العديد من القوانين التي نظمت حقوق العامل والعلاقة بينه وبين رب العمل من حيث ساعات العمل والحد الأدنى للأجور والعمل القسري "السخرة"، والتي تحول اغلبها لاحقاً الى تشريعات ملزمة التطبيق في اغلب دول العالم.

كما منحت امتيازات إضافية للعمال من قبيل الاجازات المرضية وحقوق العامل في حال تعرضه للإصابة اثناء العمل، وحفظ حقوقه التقاعدية.

في عام 1919 تأسست منظمة العمل الدولية (ILO) والتي تبنت مقراً لها في مدينة جنيف بسويسرا كرد فعل لمأساة الحرب العالمية الأولى، وقد نادت بالعدالة الاجتماعية كأساس لتحقيق السلم والامن العالمي، وقد حققت منظمة العمل الكثير من الإنجازات المهمة بعد ان حددت ساعات العمل (8) ساعات عالمياً، إضافة الى تحديد قوانين السلامة التي جعلت من تواجد العمال في بيئتهم الصناعية مكان أفضل.

الا ان بعض الحوادث الصادمة التي كشف عنها مؤخراً لاستعباد العامل وهدر حقوقه وكرامته في دول عديدة منها قطر والسعودية وبنغلادش والهند وغيرها، جعلت من قضية العمال وحقوقهم وسلامتهم المهنية تعود الى الواجهة من جديد.

فقد امتنع اثنين أنى وزميله فونج بوف عن الذهاب إلى عملهما في أحد مصانع الملابس بكمبوديا، اذ ينتج المصنع سراويل من الجينز يباع الواحد منها في المتاجر الأمريكية بسعر يتجاوز راتبهما الشهري وهو 80 دولارا، ورغم أن القصة تبدو مألوفة جدا في واحدة من أفقر دول آسيا لكن الوضع مختلف هذه المرة، فاحتجاجهما يمثل تحديا نادرا لرئيس الوزراء هون سين أحد أطول رؤساء الوزراء بقاء في السلطة.

لم يتجاوز عمر كل واحد منهما 18 عاما ولم ينالا من التعليم سوى المرحلة الأساسية لكنهما انضما إلى 350 ألف مؤيد جديد للمعارضة السياسية التي تسعى لإعادة انتخابات جرت في يوليو تموز التي ترى أن حزب شعب كمبوديا الحاكم سرقها منها.

ومن وراء السلك الشائك نظر أفراد أمن أمام مكتب هون سين إلى مئات العمال الذين يطالبون بمضاعفة أجورهم ويهددون بإغلاق طرق وتعطيل قطاع يدر نحو خمسة مليارات دولار سنويا، وقال ثين بينما كان العمال المحتجون يرشقون الشرطة بزجاجات المياه "لا يمكنني أن أطعم نفسي"، وقال فونج "لابد من رفع أجورنا وإلا سنواصل الإضراب".

ويلعب سام رينسي دورا فعالا في جمع العمال الغاضبين الذين يصنعون الملابس والاحذية لشركات معروفة مثل أديداس وجاب ونايكي، وانتهج حزب رينسي سياسة جديدة هذا العام لاستغلال حالة الاستياء العام ووضع هون سين أمام تحد انتخابي لم يحدث من قبل، وقاد رينسي حزب الانقاذ الوطني وأنصاره وعمال مصانع الملابس في مسيرات واحتجاجات شارك فيها عشرات الالاف مؤخراً لمطالبة هون سين بالموافقة على إجراء انتخابات جديدة بعد أن رفض دعوات لأجراء تحقيق مستقل في نتائج انتخابات يوليو تموز.

وحصل حزب شعب كمبوديا على 68 مقعدا في هذه الانتخابات مقابل 55 مقعدا لحزب الانقاذ الوطني وفقا للجنة الوطنية للانتخابات لكن حزب المعارضة يقول إن اللجنة تخضع لنفوذ الحزب الحاكم وإنها زورت 2.3 مليون صوت لصالحه.

ويتولى هون سين (61 عاما) السلطة منذ 28 عاما وتعهد بحكم البلاد إلى أن يصبح في السبعينات من العمر، وبدا أنه لم يتأثر بموجة احتجاجات نظمت قبل بضعة شهور لكن المعارضة عادت إلى الشوارع بدعم اتحادات تمثل قرابة 500 مصنع.

ووافقت الحكومة في الآونة الأخيرة على زيادة الحد الأدنى للأجر الشهري لعمال مصانع الملابس من 80 إلى 95 دولارا لكن حزب الانقاذ الوطني يقول إن بإمكانه رفع المبلغ إلى 160 دولارا إذا فاز في الانتخابات، وتضغط الاحتجاجات بشدة على الحكومة ويخشى الكثير من أبناء كمبوديا أن تقمعها قوات الامن. بحسب رويترز.

وقال تشيام يياب النائب عن الحزب الحاكم إن زيادة الاجور يجب أن تكون محدودة وإن العمال لا يدركون حجم الضرر الذي قد يسببونه.

وهددت وزارة العمل في كمبوديا ستة اتحادات برفع قضايا ضدها وأمرت المصانع بفتح أبوابها والعمال بالعودة إلى عملهم بحلول الثاني من يناير كانون الثاني متعهدة "بإجراءات جدية" ضد من لا يمتثل للأوامر، وتساءل أو فيراك المحلل السياسي والناشط في مجال حقوق الإنسان "التوتر يسود الحزب الحاكم، هل سيستجيب ويقدم مزيدا من التنازلات أم سيلجأ لسياسة القمع لضمان استمرار حكمه؟"، وقال "هذه مسألة لم يواجها الحزب الحاكم من قبل، إنه يعرف كيف يخوض حروبا ومعارك لكنه لم يشهد نزولا للناس إلى الشوارع بمثل هذه الأعداد الغفيرة".

حقوق مهددة

في سياق متصل حذر الاتحاد الدولي لحقوق الانسان من ان حقوق العمال في إيران مهددة فيما تؤثر العقوبات التي يفرضها الغرب على الاقتصاد وتضعف القوة الشرائية لدى العمال بشكل كبير، وقال الاتحاد ان "البطالة ترتفع والتضخم بلغ مستويات غير مسبوقة ومعظم الناس مضطرون للقيام بعدة وظائف لان الحد الادنى للأجور غير كاف لمواجهة التضخم"، ويبلغ الحد الادنى للأجور 4 ملايين و871 ألف ريال اي نحو 100 يورو.

وقال رئيس الاتحاد، كريم لحيجي، ان العديد من رؤساء نقابات الاعمال سجنوا بتهم "التصرف ضد الامن القومي والدعاية ضد النظام"، ودعا الاتحاد الحكومة الايرانية لضمان حرية نقابات الاعمال وحقوق النساء وضمان المساواة في مكان العمل للأقليات الأثنية والدينية.

وقال التقرير ان الفارق بين مداخيل الاغنياء والفقراء في إيران يزداد مضيفا ان أكثر من نصف السكان البالغ عددهم 75 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر، واضاف التقرير ان القوة الشرائية في المدن والريف على حد سواء تراجعت أكثر من 70 بالمئة منذ تولي الرئيس محمود احمدي نجاد السلطة في 2005. بحسب فرانس برس.

ونقل التقرير عن العضو في المجلس الاعلى للعمل فرامرز توفيقي قوله في نيسان/ابريل 2012 ان "خط الفقر المدقع قدر بحوالي سبعة ملايين ريال"، وبحسب ارقام رسمية فان نسبة التضخم تجاوزت 30 بالمئة واسعار الغذاء تضاعفت مرتين في السنة الماضي وفقد الريال أكثر من ثلثي قيمته امام الدولار منذ مطلع 2012.

والعقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وتستهدف قطاعي النفط والبنوك، قلصت موارد إيران من العملة الصعبة بمقدار النصف في السنة الماضية، وقال التقرير ان "العمال أصبحوا بدون قنوات قانونية لتقديم مطالبهم وبدون حقوق مقايضة جماعية" متهما الهيئات الموكلة تمثيل العمال بانها تعمل "كادوات للدولة".

عمال كالعبيد

من جانب اخر وعلى حدود مدينة حيدر أباد جنوبي الهند، على الطريق السريع وسط مساحات خضراء تمتد عبر الأفق، تعلو الأدخنة متصاعدة من الأفران العملاقة، تلك الأفران التي تستخدم في تجفيف الطفل الطيني وتحويله إلى قوالب من الطوب لبناء "الهند الحديثة"، حموضة الهواء المتشبع بسخام الفحم، تزكم الأنوف كلما اقتربت من المكان.

المشهد يبدو خارج الزمن، رجال وسيدات يمشون في صف صعودا وهبوطا كمن يتسلق الهرم يئنون تحت وطئه حملهم الثقيل ويحتفظون باتزانهم تحت ثقل صناديق الطوب النيء التي يحملونها إلى الأفران.

في الأسفل رجال بملابسهم الرثة يغوصون حتى ركبهم في المياه، حيث يمزجون الطمي بالطفل، يقول أحد العمال "من الصعب حمل قوالب الطوب بينما تغوص قدماك في الماء" بينما يقوم بصب الطمي وتسويته داخل القوالب، ويضيف، "نقوم بعمل 1500 قالب طوب في اليوم الواحد ولا يتم إطلاق سراحنا قبل ستة أشهر".

ويقبع عدد من النساء والأطفال فوق تل قريب من هذا المكان أغلبهم حافي القدمين وتمسك امرأة بيديها العاريتين بمعول لتكسير الفحم بينما يقوم طفلان لا يتجاوز عمرهما السنوات الأربعة بنفس العمل ضاربين قطعة فحم بأخرى حتى يلطخ وجههما السواد.

يقول الناشط العمالي إيشالا كريشنا "كل ما يجري هنا يخالف القانون، كل هذا يتنافى مع قانون الحد الأدنى للأجور لسنة 1948 ومع قانون العمل القسري لسنة 1976 ومع قوانين العمال المهاجرين بين الولايات لسنة 1979"، ويضيف كريشنا وهو عضو في منظمة برايس لحقوق الإنسان "عمالة الأطفال، التحرش الجنسي، الانتهاكات الجسدية، كل هذا يحدث هنا يوميا".

وتستعمل قوالب الطوب في بناء المكاتب والمصانع ومراكز الاتصال وكل المشاهد المعمارية التي تعكس معجزة اقتصادية ناشئة، كما بدأت الشركات العالمية متعددة الجنسيات في استخدام هذه المباني، ولكن الناشط كريشنا يستبعد أن تستوفي أبنية شيدت في مثل تلك الظروف معايير البناء الدولية.

وبدأ موسم صناعة الطوب والذي يمتد لستة أشهر، وبدأت عشرات الآلاف من الأسر غالبيتهم من سكان ولاية أوريسا في التوافد إلى ولاية اندرا براديش حيث توجد أفران الطوب، وثمة تقارير كثيرة تفيد بحدوث انتهاكات من بينها تقرير يتهم مقاولي عمال بقطع يدي اثنين من العمال بعد أن حاولا الهرب.

وتقع الأفران التي زرناها وسط أشد المجتمعات فقرا في الهند، وينتشر الأطفال في هذا المكان الذي يفتقد لوسائل الأمان، كما تنتشر الروايات عن أمراض العمال وحجب رواتبهم وأشياء أخرى، ويقول كريشنا إنهم "يعملون بين 12 و18 ساعة يوميا، ومن بين العمال يوجد أطفال، ومراهقات وسيدات حوامل، طعامهم قليل ولا يوجد ماء نظيف ليشربوه، حياتهم أشبه بالسخرة"، وتستمر هذه الأوضاع منذ عشرات السنين وربما منذ قرون، وحتى وقت قريب كان الشعور العام إنها سوف تتحسن تدريجيا مع مرور الزمن، لم يكن تغييرها يمثل ضرورة ملحة.

ولكن في عام 2011، أصدرت الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قواعد استرشاديه للشركات متعددة الجنسيات العاملة في دول مثل الهند، وبموجب تلك القواعد تصبح الشركات مسؤولة عن تحري أوضاع حقوق الإنسان في البلدان التي تنوي العمل بها، ويرى تايلور غيلارد المستشار القانوني لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن تلك الخطوة سوف تغير قواعد اللعبة "من الآن فصاعدا سوف تؤخذ على محمل الجد أية مزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان".

وتهتم المنظمة بمتابعة الانتهاكات التي تقع في محيط الصناعات المرتبطة بنشاط الشركات أو منتجاتها أو خدماتها، وقد خصصت الحكومة البريطانية خطوط اتصال لتلقي أية معلومات عن حدوث انتهاكات من هذا النوع.

كما قامت بتعديل قانون الشركات في بريطانيا بحيث تصبح الشركات ملزمة بإدماج حقوق الإنسان في تقاريرها السنوية، ويسري هذا بدءا من أول أكتوبر/تشرين الأول 2014، ويقول مدير مبادرة التجارة الأخلاقية بيتر ماك أليستر "نتوقع أن يتعامل أي عضو بمنتهى الجدية الأدلة على وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان لها صلة بشركاتهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"، وتضم مبادرة التجارة الأخلاقية في عضويتها شركات متعددة الجنسيات، كما قام تحالف نقابي دولي بطرح مبادرة لحث الشركات على التأكد من احترام حقوق الإنسان.

ويقول أندرو برادي مسؤول بالتحالف إن "السخرة وعمالة الأطفال فى أفران الطوب وصلت إلى مستويات وبائية"، ويضيف "ببساطة الطوب الرخيص يساوي مبان ومكاتب رخيصة يدفع ثمنها العمال من عبوديتهم ومن دمائهم"، وتؤكد الحكومة الهندية أنها تولي اهتماما بالغا بهذه القضية، وتقول إنها توفر المساكن والمدارس في مناطق الأفران المحيطة بحيدر آباد وتمدها بالمياه النظيفة.

ويقول وكيل وزارة العمل بولاية اندرا براديش إن سوق العمل ملائمة جدا للشركات متعددة الجنسيات، ويضيف المسؤول "اتخذنا الإجراءات اللازمة ضد أصحاب الأفران الذين حاولوا استغلال العمال، لا يوجد عمل بالسخرة ويحصل العمال على الحد الأدنى من الأجور، أما إذا وجدت بعض المخالفات في جيوب هنا أو هناك فيجب التعامل معها"، ففي أحد الأكواخ الطينية حيث يسكن العمال قابلنا فتاة في الخامسة من عمرها، أتت هذه الطفلة مع أخ لها عمره سنتان بصحبة أبويهما من ولاية أوريسا.

وانحنى كريشنا ليفحص عينيها: "إنها تعاني من مشكلة في عينيها بسبب الأدخنة. أنظر اللون الأبيض في عينيها، نسبة الهيموجلوبين منخفضة جدا، إنها تعاني من الصداع بسبب الأدخنة المنبعثة من الطوب كما أن معدتها مضطربة بسبب الماء الملوث"، ولكن بصرف النظر عما تقوله الحكومة أو النشطاء من الآن فصاعدا يكون لزاما على الشركات نفسها إقرار الحقائق على أرض الواقع بموجب القواعد الجديدة، وفي حالة ما عثر على أطفال في مثل أوضاع هذه الفتاة، يجب اتخاذ خطوات لمساعدتهم.

قواعد جديدة للسلامة

من جهتها اتفقت بنغلادش وأبرز تجار المفرق الغربيين على وضع قواعد جديدة مشددة للسلامة في نحو 3500 مصنع ما يفتح الباب امام تكثيف عمليات التفتيش بعد سنة من كارثة مبنى رانا بلازا.

واتفق تجار التجزئة والحكومة وممثلو النقابات على تطبيق ضوابط جديدة للسلامة والوقاية من الحرائق في مصانع البلاد حيث يعمل قرابة اربعة ملايين عامل وخصوصا في قطاع الالبسة العائدة لماركات تجارية شهيرة مثل وولمارت واتش اند ام، وقال سرينيفاس ريدي المسؤول في منظمة العمل الدولية "انها خطوة كبيرة الى الامام، ان قواعد السلامة هذه ستفتح الطريق امام عمليات التفتيش في المصانع".

وترمي هذه الاجراءات الى تبسيط عمليات التفتيش وتفادي حصول كارثة صناعية جديدة على غرار تلك التي اصابت مبنى رانا بلازا في نيسان/ابريل الفائت والتي اوقعت 1135 قتيلا وكشفت عن ظروف العمل السيئة جدا في المصانع في بنغلادش.

واوضح ريدي "ما ان يتم تفتيش مصنع واحد ويتبين انه يمتثل للقواعد، فلن يعود ثمة حاجة لتفتيشه مرة اخرى"، والقواعد التي اعتمدت رسميا وضعها تجار المفرق ومهندسو احدى أفضل الجامعات في بنغلادش.

ووقع تجار المفرق الاميركيون والاوروبيون اتفاقين منفصلين بعد تعرضهم لضغوط مكثفة على أثر كارثة نيسان/ابريل، وستنظم المجموعتان عمليات تفتيش في حوالي الفي مصنع بينما ستتحقق الحكومة من جهتها من حوالي 1500 مصنع لا تشملها الاتفاقات، والتحالف من اجل سلامة العمال في بنغلادش الذي يمثل تجار المفرق الاميركيين، أعلن انه وافق على قواعد السلامة الجديدة.

وأعرب جيفري كريلا المسؤول عن المنظمة عن "ترحيبه بالخطوات التي تم احرازها في دكا خلال هذا الشهر على امل وضع قواعد سلامة متناسقة مع صناعة الالبسة"، وصرح وزير العمل في بنغلادش ميكايل شيبار ان كل المصانع ستتبنى بالضرورة القواعد الجديدة، والا فسيتم اقفالها، واضاف ان "الاتفاق الموقع يمثل اختراقا كبيرا سيساعد على ضمان سلامة كل العمال في صناعة الالبسة في بنغلادش وعلى تفادي تكرار احداث مأسوية جديدة مثل تلك التي حصلت في تزرين ورانا بلازا". بحسب فرانس برس.

وشب حريق في تزرين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وأسفر عن مقتل 111 شخصا، وصناعة الالبسة في بنغلادش تمثل رقم اعمال من 22 مليار دولار ما يجعلها في المرتبة الثانية بعد الصين، ويستخدم هذا القطاع اربعة ملايين عامل في غالبيتهم من النساء، الا ان القطاع تعرض لسلسلة كوارث، وقد نزل الاف العمال الى الشوارع في الايام الاخيرة ضد تحديد حد أدني جديد للراتب الشهري اعتبروه متدنيا جدا، ما تسبب بإقفال مئات المصانع.

من جهة أخرى يستعد أصحاب مصانع الملابس الجاهزة في بنجلادش لزيادة الحد الادنى للأجور بنسبة تتراوح بين 50 الى 80 في المئة وسيتعين على تجار التجزئة دفع مبالغ أكبر لتغطية التكاليف فيما تحاول الحكومة انهاء موجة من الاضرابات أصابت نحو 20 بالمئة من المصانع مؤخراً.

وتأمل بنجلادش وهي ثاني أكبر دولة مصدرة للملابس الجاهزة في العالم في الاعلان عن حد أدنى للأجور في اوائل الشهر القادم استجابة لضغوط دولية بعد سلسلة حوادث قاتلة في المصانع سلطت الضوء على أوضاع العمل السيئة والاجور.

ويطالب العمال بزيادة الحد الأدنى للأجور مرتين ونصف عن المعدل الحالي الى 8000 تاكا (102 دولار) شهريا، وكانت آخر مرة رفعت فيها الاجور عام 2010، وعرض رؤساء الشركات رسميا 3600 تاكا، غير ان كثيرين أكدوا بأنهم يتوقعون ان تحدد الهيئة الرسمية التي تضع الاجور في بنجلادش معدلات تتراوح بين 4500 و5500 تاكا وانهم يزمعون السعي للحصول على ما بين 5 و15 بالمئة زيادات في الاسعار من تجار التجزئة.

ومن المقرر ان تجتمع هيئة الاجور قبل تقديم مسودة اقتراح الى الحكومة، وقال أمير الحق أمين رئيس الاتحاد الوطني لعمال الملابس وهو مظلة تمثل 37 نقابة عمالية "تجري مناقشة حقوق هؤلاء العمال في انحاء العالم والحكومة تشعر بالقلق"، وقال أمين في مقابلة في مكتبه "توجد ضغوط الآن، وهذا أعطانا فرصة لكي نرفع أصواتنا"، ويجب ان تتوصل مفاوضات الاجور الى توازن بين عمالقة الموضة الغربيين وأصحاب المصانع الذين لهم صلات سياسية والعمال المحتجين.

ولم تستجب الحكومة للإضرابات بشأن الاجور العام الماضي لكن منذ ذلك الحين وضعت الحوادث -ومن بينها انهيار مصنع رانا بلازا قرب داكا الذي قتل فيه أكثر من 1100 من عمال الملابس- السلطات في موقف الدفاع، ويحتاج عامل مصنع الملابس الى 6450 تاكا شهريا لتغطية تكاليف المعيشة الاساسية وفقا لمسح أجراه مركز حوار السياسة (وهو مركز أبحاث) في سبتمبر ايلول ويعتمد كثيرون على القروض.

وقالت موسامات جومور وهي عاملة مصنع عمرها 24 عاما تشترك في استخدام سرير واحد في إحدى عشوائيات داكا مع امرأتين اخريين وشاركت في اضراب سبتمبر ايلول "إذا كانت (الاجور) أقل من 8000 تاكا فإننا سنضغط على الحكومة أو أصحاب المصنع لزيادة المبلغ"، وأضافت "إذا احتاج الامر ان ننزل الى الشوارع للتظاهر سنفعل ذلك".

عمال طموحون

بدورهم وفي ضاحية ميلانو يحتل عاطلون عن العمل فقدوا وظائفهم بعد افلاس صاحب العمل، مصنعه المهجور لأطلاق نشاط يقوم على جمع مكونات اجهزة كهربائية والكترونية وتدويرها، ويعد هذا المشروع القائم على احتلال مصنع شركة "مافلو" الكبير غير قانوني، لكن السلطات تغض النظر عنه، وكذلك يفعل مصرف يونيكريديت الذي بات يملك الموقع، واقفل هذا المصنع ابوابه في آخر العام 2012، بعد سلسلة من الاخفاقات، وبعد تسريح أكثر من 330 من العاملين فيه خلال سنتين.

ويعمل في هذا الموقع حاليا مجموعتان: واحدة غير رسمية تطلق على نفسها اسم "احتلوا مافلو" وهي التي اقدمت في الشتاء على احتلال الموقع، والمجموعة الثانية اسمها "ري مافلو" وهي نالت في اذار/مارس الماضي صفة "تعاونية" قانونا، ويعمل فيها نحو خمسين شخصا، وقد بدأ هذا المشروع ينضج منذ صيف العام 2012، اثناء النضال للحفاظ على المصنع من الاقفال، وهو ما زال في مراحله الاولى، وهو يقتصر حاليا على جمع الاجهزة الكهربائية والالكترونية واعادة تدويرها.

وحول العمال احدى غرف المصنع الى مشغل يستقبل بطاريات اجهزة الكومبيوتر القديمة ولوحات مفاتيح بالية وغير ذلك، ويعتزم العمال ايضا افتتاح فروع اخرى ضمن هذا المشروع الكبير على ارض مصنع مافلو، مثل افتتاح سوق تعاونية، وزوايا مخصصة للمهن القديمة قيد الاندثار، ومشغل لتصليح الدراجات، ومكتبة، وقد جهزت احدى زوايا المصنع ايضا لاستقبال لاجئين ليبيين اثنين هربا من سجون الزعيم الليبي السابق معمر القذافي.

ويشرح ميشال موريني (43 عاما) وهو موظف سابق في المصنع المفلس كيف وجدت الفكرة هذه طريقها الى التنفيذ قائلا "لا يوجد عمل في الخارج، كان علينا اذن ان نبتكر عملنا الخاص، ولأنه لا بد لنا من مكان، اجتمعنا هنا على أنقاض مصنع مافلو".

ويوضح "البحث عن عمل شاق جدا، بعد عامين من البحث أدركنا انه ينبغي ان نغير الطريقة، نأمل في ان ننجح في ابتكار شيء ذي قيمة، مراع للبيئة، بسيط، ولا يتطلب شراء معدات غالية"، ويضيف "القيمة المضافة لهذا المشروع تكمن في عدم اهدار أي من الموارد، لان الارض باتت منهكة، ان النفايات ما هي الا تجميع للموارد التي ينبغي ان يعاد استخراجها واستغلالها"، وتأثرت حركة "ري مافلو" بتعاونيات العمال التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لمواجهة النقص في الضمانات الاجتماعية. بحسب فرانس برس.

وقد وضع القائمون على "ري مافلو" نصب اعينهم ان يصبح عدد العمال في المشروع بين 200 و300 ممن كانوا في صفوف عمال المصنع المفلس، ويقول بيترو كالفي (46 عاما) أحد القائمين على المشروع ان "الآفاق جيدة"، معتبرا ان على السلطات الايطالية ان تدعم هذا المصنع في سعيها الى اللحاق بركب المعايير الاوروبية.

وينفي ميشال موريني اي صفة سياسية عن المشروع، لكنه يدعو لان يكون مشروع "ري مافلو" باعثا على التفكير في مشاريع مشابهة بعدما اثبتت المشاريع التقليدية عقمها في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، ويضيف "لم اتوقع قط ان نصل الى هذه المرحلة، وأنا لم أكن ثوريا في حياتي"، ويخلص الى القول "الامر واضح: ينبغي سلوك طرق صعبة وخطرة لم تكن على بال أحد، او يبقى الانسان دون طعام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/كانون الثاني/2014 - 7/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م