هادي الربيعي: قصائد لأعالي الخلود

بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله

 

 

 

 

الكتاب: أعالي الخلود: قصائد في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام

الطبعة الأولى 2012

الكاتب: هادي الربيعي

الناشر: دار تموز للطباعة والنشر-دمشق

عدد الصفحات: 201 ص من القطع المتوسط

قراءة وعرض: د. علي محمد ياسين

 

 

 

شبكة النبأ: ماذا يمكن أن نقدم لهادي الربيعي (1944 – 2013) الشاعر الذي لخصت مسيرته الطويلة أنموذجا للكدّ والكفاح على المستوى الحياتي والثقافي؟ سؤال من الممكن أن نطرحه بعد مرور عام كامل على رحيل هذا المبدع الذي ترك لمحبّيه ولعشّاق شعره ابتداء من عام 1968م وحتى وفاته يوم 6/1/2013 عشر مجاميع شعرية، ورواية واحدة (العاصفة) وسيرة ذاتية واحدة (رسائل حب شرقية)، ودراستين نقديتين، وهي حصيلة جيدة من رجل عصامي ثقّف نفسه بكدّ شخصي بعد أن حرمته ظروفه القاهرة من فرصة إكمال تعليمه الجامعي عند تجاوزه للثانويّة العامة سنة 1967م، وبعد أن كان ما كان للطعنات الكثيرة (الحياتية) التي تلقاها الربيعي، وللخيبات الكثيرة التي تعرّض لها من أثر بالغ، لكن من دون أن يثنيه كلّ ذلك عن حبّه للمعرفة والإبداع، ودون أن يقوّض رغبته في العيش قريبا من واحة الشعر وشواطئه، وكما يروي لنا ذلك في مذكراته (رسائل حب شرقيّة).

الربيعي الذي ابتدأ محتفيا بالحياة ومقدّسا للحب والطبيعة والإنسان من خلال ديوانه البكر (أغاني الطائر الأخضر الغريب) كتب قصيدته الشعريّة بلغته الحميميّة الغنائيّة العذبة، وبأسلوبه السهل المعروف، فيما حاول الإفادة في دواوينه اللاحقة من كل ما هو عادي ومألوف في حياتنا اليوميّة لإغناء تجربته الشعريّة التي لم تجد عناية كافية من الدارسين والباحثين، لا لضعف مستواها الفني، وإنّما لأسباب أخرى تتعلّق بالمواقف والولاءات السياسيّة، وترتبط برغبة الشاعر ونفوره من الاقتراب لدوائر الضوء والشهرة، فالربيعي عوقب إداريا في العام 1976م، على سبيل المثال، بالنقل أو بـ(النفي) من مدينته الأم (بعقوبة) إلى مدينته (كربلاء) التي أحبّها وكتب فيها أجمل قصائده، كما أنّه لم يحشد صوته وشعره لفرد، ولم يحبس نفسه تحت إطار سياسي ما، أو تحت رؤية واحدة، وإن تحمّس مطلع شبابه لميول اشتراكية ثوريّة غذّتها موجة المدّ الماركسي التي اكتسحت الوسط الثقافي العربي عقد الخمسينيات والستينيّات من القرن المنصرم.

وقد مثّل ديوانه الأخير (أعالي الخلود) مفارقة فنّيّة على مستوى الشكل في رحلة الربيعي الشعريّة، فشاعرنا في عموم تجربته الإبداعيّة، وإن كتب القصيدة العمودية فإنّ مستوى الإنجاز في هذه التجربة يشير إلى صالح قصيدة التفعيلة التي شكّلت معظم ما كتبه من قصائد اشتملت عليها دواوينه المطبوعة بوتيرة متقاربة على مدى أربعة عقود، أي بمعدل ديوان إلى ديوانين في كل عقد تقريبا، وما يعزّز هذه المفارقة أنّ ديوانه (عربات الآلهة، الصادر 2008) وهو الديوان الذي يسبق مباشرة (أعالي الخلود، الصادر 2012) قد جاء مدشّنا بقصائد نثر يتمرّد فيها شكلُها الفني على قيود الوزن والقافية، ويحطّم حواجز اللغة وأعرافها الدلاليّة، وهو ما سبق للشاعر أن تمسّك به في دواوينه الأخرى المكتوبة على نمط الشعر الحر، أو قصيدة التفعيلة..

ولعل الاستثناء الذي تمثّله قصائد (أعالي الخلود) متأت من كونها قد كتبت في مناسبات دينيّة معروفة، وهذا ما يرشّحه العنوان الفرعي للديوان (قصائد في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام) ولذا سعى الشاعر من خلال (47 قصيدة) أن يُلبس عواطفه الدينية شكلا فنّيّا (نظام الشطرين) وجده الأكثر ملائمة لها، وهو ما يجيد الشاعر توظيفه للتعبير عن مثل هذا الموقف الأخلاقي الملتزم.

 يقترب الربيعي في أول نصوص الديوان (إلهي) من مقامات العرفان والتصوف مركّزا في مطلع الفقرة الثانية من نصّه المذكور على الحقيقة الإلهيّة المتجلّية في عرش الربّ المكين:

 أأبدأ من عجائب عرش ماءٍ*****يهيمن في السماء بلا سماء!؟

ثم يحاول الطواف من خلال هذا النص في ركاب تجليات الحضرة الربّانية ليجد فكره- كما هو شأن الآخرين- عاجزا عن بلوغ المرام:

 وراء غروب شمس الله بدر*****وخلف غروب بدر الله فجرُ

 نظام تاهت الأفكار فيـــــــه*****على قلق الحوادث مســـــتقرّ

ثم يتوجه في نصه الثاني (أدرك حروفي) إلى الرسول الكريم بقصيدة مدحيّة تقوم على تعداد مفاخر الرسول، وخصاله الكريمة التي يستوحيها الربيعي من شعراء المديح النبوي الذين أفاضوا في الحديث عن الفضائل المحمديّة وتجلياتها النورانيّة محاكيا إياهم في المضامين العامة والبحر الشعري، يقول الربيعي في هذه القصيدة:

 ومن سواه إلى عرش الإله سرى*****فكان من نوره القدسي يرتشف؟

وقد خصّ الشاعر أمير المؤمنين عليا - عليه السلام - في ديوانه هذا بثلاث قصائد، هي: (الجبل) (شمس الزمان) (عند ضريح أمير المؤمنين) ولم ينس زوجه الطاهرة الزهراء البتول من خلال قصيدته: (في مولد الزهراء عليها السلام).

وإذا كانت حصّة الإمام الحسن – عليه السلام – من النص قصيدتين هما: (تجملت بالصبر حتى ابتلى) و (يا إمام التقاة) فإنّ حصة الإمام الحسين لها النصيب الأوفر من الديوان كلّه، إذ وصلت القصائد المهداة إلى الإمام الحسين سبعة عشر قصيدة، أما القصائد الأخرى فقد توزعت بين الإمام العباس – عليه السلام – وعبد الله الرضيع والإمام زين العابدين، والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق، وصولا إلى الإمام الحجة الذي اشتمل الديوان على ثلاثة قصائد في حقّه، وكأن الربيعي أراد من خلال هذا الديوان الذي أنهى به مسيرة شعريّة طويلة أن يجعل خاتمتها مسكا، وهو ينفض عن يديه وقلبه ما ران عليهما من غبار السنين ناهلا من المنهل العذب الذي يمنح روح المبدع صفاءها ورونقها وخلودها الأبدي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/كانون الثاني/2014 - 6/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م