قيم التقدم: التجرّد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لمفردة التجرد دلالات ومعانٍ كثيرة، فعندما نقول جرَّد الفارس سيفه من غمده، نعني أنه أظهر سيفه وتهيّأ للمبارزة، وعندما نقول تجرَّد من الشيء، أي تخلى عنه، أما عندما تكون قيمة التجرد، إحدى السمات التي تدخل في بناء شخصية الانسان، وتسهم في توجيه مساراته في التفكير والعمل، فإن المعنى والفعل هنا يختلف، فالتجرد في هذه الحالة يعطي انطباعا عن ايجابية الفعل الانساني، وتجرده من الافكار المسبقة، وتجاوزه أو نبذه للمزاجية والتعالي والتقليد وما شابه، في تعاملاته أو أنشطته وهو يؤدي مسؤولياته الوظيفية، أو حين يقوم بالاعمال اليومية المختلفة في حياته.

إن قيمة التجرد تمنح الانسان القدرة على التعامل الصحيح مع الاخرين، إذ لا يترك الأثر المزاجي يتحكم في قراراته أو فكره أو سلوكه، إنه يتجرد تماما من التأثير المنفعي غير المشروع، وينبذ التطرف تماما، ويتخلص من النزعة الغرائزية والشهوانية والحكم المسبق على الاخرين، بمعنى اكثر وضوحا، أن الانسان الذي يتحلى بقيمة التجرد، يترفّع عن الاستئثار بكل أنواعه، والانسان الذي يراعي هذه القيمة ويتصف بها، يربأ بنفسه، وينأى بها عن الظلم الذي قد يلحقه بالآخرين، بسبب افتقاره للتجرد، وهو أمر لابد أن يؤمن به الانسان النزيه، ويتمسك به منهجا للتعامل مع الاخرين في مختلف شؤون الحياة.

إن قيمة التجرد غالبا ما تنحو بالانسان الى التعقل والتفكير المتوازن، كذلك تحثّ الانسان على اعتماد الرؤية الايجابية في المنهجية التي يسير في ضوئها، وتدفعه الى تغيير ما يركد ويقرّ من الافكار بما هو أنسب وأكثر حداثة، مستندا في ذلك الى تطلعاته وطموحاته معتمدا قيمة التجرد، إذ يتحرك الانسان في هذه الحالة كي يرسم مناهج جديدة تستند الى تحديث الافكار التي تعتمد هذه القيمة.

في مقال للكاتب مرتضى معاش نشره في العدد 32 من مجلة النبأ الثقافية، يرى أن (الإنسان كائن مستدل عقلاني فأن نمط حياته العام يتشكل حسب نوعية الحركة المعرفية التي يتخذها وحسب أساليبه الاستدلالية، وقد تتخذ أمة كاملة منهجاً استدلالياً ومعرفياً خاطئاً يقودها إلى اتجاه معاكس ولا يوصلها إلى أهدافها). كذلك يرى معاش (إن تغيير كثير من الأخطاء التي نعيشها وتغيير واقعنا إلى واقع جديد سليم يعتمد بشكل كبير على كشف الأسلوب الذي نفكر به، وإن الكثير من الأشياء في هذه الحياة تبدو لنا في ظاهرها سليمة وخالية من العيوب لذلك نعمل وفق هذه الرؤية ونشكل حياتنا وما يتبعها على ضوءها، ولكن قد تكون هذه الأفكار ليست إلا أخطاء تعودنا عليها عبر الزمن حتى يسيطر الركود والجمود و التخلف علينا، ذلك أن الاستمرار على الخطأ يؤدي إلى خلق تراكمات متتالية لمجموعات من الأخطاء المعقدة).

هكذا تستدعي حياة الانسان الفرد والجماعة، مراقبة دقيقة للواقع، وما تفضي عنه حركة ذلك الواقع ونتائجه، وما يتطلبه الامر من تغيير استنادا الى القيم الجيدة، ومنها صفة التجرد التي تمثل الجانب المشرق في فكر الانسان وسلوكه، إذ تبعده عن تراكم الأخطاء، وتدفع به نحو جادة التقدم، بعيدا عن التعصب والطغيان والكراهية، واللهاث وراء المجد الكاذب، عبر تمجيد الذات أو تضخيمها، استنادا الى سلطة زائلة، او جاه او نفوذ يصيب الانسان بالتعالي والغرور، ويبعده كثيرا عن هذه القيمة التي تجعله اكثر توازنه وقربا من الصواب.

من هنا نلاحظ ثمة تقاربا وتناغما بين قيمة التجرد، والتطلع الى التحديث، وتغيير الافكار الخاطئة التي قد لا يتنبّه لها الانسان بسبب اعتياده لها، وشعوره الخاطئ بأنها الأصحّ والأمثل، لكن الانسان من خلال ملاحظته للنتائج، سوف يكتشف تلك الاخطاء ويتحرك لتصحيحها، او تغييرها، مع اعتماد قيمة التجرد التي تبعده عن المزاجية، والتقليد والحكم المسبق على الآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/كانون الثاني/2014 - 6/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م