المعوّل الروسي يعجل باستحقاقات التغيير في السعودية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: مع تزايد الإسقاطات في السياسة السعودية، داخلياً وخارجياً، تتبلور استحقاقات التغيير في هذا البلد الخليجي الكبير في حجمه والضخم بثرواته. فبعد الدور السعودي المباشر في تقرير مصير العديد من البلاد مثل افغانستان وباكستان، في السنوات الماضية، وفي مصر وسوريا واليمن في المرحلة الراهنة، بات مصير النظام السعودي نفسه، حديث الشارع وايضاً على وسائل الاعلام ولدى العواصم الكبرى.

لمن يتابع تلكم الإسقاطات في الداخل والخارج، يلحظ نقطة سوداء بارزة – من جملة نقاط سوداء أخرى- متمثلة في نهج العنف في التعامل مع القضايا والاحداث. ربما يكون الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، مصدر إلهام للساسة وأهل الحل والعقد في الرياض، لأن يتعاملوا مع أي قضية في البلاد الإسلامية، من منظار العنف والمقاومة المسلحة، بيد أن هذا التصور لا يصمد أمام حقائق الاوضاع الداخلية لبلدان اخرى لم تتعرض لمشكلة احتلال من دولة اجنبية – ماركسية، مثل الاتحاد السوفيتي السابق، مع ذلك فقد مضت السعودية في التعامل مع قضايا الشعوب على أساس العنف والقسوة والإكراه، في حين كانت هنالك ملفات عالقة بحاجة الى إعادة نظر أو إصلاح او تغيير وتطوير بأساليب وطرق علمية ومنطقية. مثال ذلك؛ أفغانستان وباكستان، البلدين اللذان يعانيان بالدرجة الاولى من أزمات اقتصادية خانقة، بينما نلاحظ التدخل السعودي هناك يتمثل ويتجسد في جماعات ارهابية وتكفيرية دموية أنتجت الدمار وسفك الدماء والترويع والترهيب وتمزيق المجتمع. أما المثل السوري فهو ماثل للعيان.

وقبل ذلك، نلاحظ السياسة الداخلية إزاء مسألة الحقوق الأساسية للمواطن ومنها حرية التعبير، والتمييز على اساس المذهب. فقد تسائل العديد من المراقبين والخبراء، عن سبب تغافل حكام الرياض عن سياسة الاحتواء للتنوع المذهبي في البلاد، وتحديداً الأقلية الشيعية القاطنة في المنطقة الشرقية؟ وهل ان في ممارسة القسوة والعنف مع التحركات المطلبية لشيعة السعودية، نوعاً من الذكاء والحنكة..؟!.

وبدلاً من إعادة النظر في هذه السياسة العقيمة والفاشلة، عمد حكام الرياض الى تصديرها الى البحرين لتكون – حسب ظنهم- الوسيلة التي تخفف الغليان الجماهيري المتصاعد بوجه الحكام من "آل خليفة". هنا؛ الحكام من "آل سعود"، تغافلوا حتى عن حقيقة الأكثرية الشيعية في البحرين، وأن مطالبهم بالتغيير والإصلاح، تعد طبيعية جداً، بل ان المطالبة بنظام ديمقراطي ينظم استفتاء على شكل النظام، وانتخابات تتمخض عن حكومة تمثل الشعب، يعد حقاً معترفاً به دولياً. فجاءت النتائج كما توقعها كل منصف وصاحب رؤية شفافة للساحة، وهي الفشل الذريع في قمع وإنهاء الاحتجاجات، مع تصدّع وتخبط النظام الخليفي في ايجاد المخرج من عنق الزجاجة وإبعاد شبح "الربيع العربي" عن البحرين.    

وكما لاحظ حكام الرياض طريقة تعامل واشنطن مع التغييرات السياسية في البلاد العربية في ظل ما يسمى بـ"الربيع العربي"، بدعم هذا التغيير وتجاهل ذاك، بيد أن اعتقاداً ترسخ لديها بأن المصلحة الامريكية العليا تكمن في مستقبل نظام آل سعود، الا ان التطورات السريعة على الساحة السورية باتجاه الخيار السلمي، وخسارة السعودية لرهانها على الحرب واسقاط نظام الأسد من خلال توظيف القوة الامريكية والاوربية، جعل من هذا النظام صديقاً ثقيل الظل ومزعجاً في الاوساط السياسية الامريكية وحتى الغربية ايضاً. فقد بات وشيكاً أن يعتقد المتابع في المنطقة والعالم، أن المسؤولين في امريكا وأوربا، ليسوا سوى سماسرة حرب يقبضون عمولات ورشاوى لقلب نظام الحكم في هذا البلد او ذاك بتوجيه من السعودية! وأن مصالح أسرة آل سعود، جزء لا يتجزأ من المصالح الغربية في المنطقة! وهذا يدل على أن الرياض ربما نسيت المقولة الشهيرة في عالم السياسة: "لا صديق دائم ولا عدو دائم، إنما مصالح دائمة".

لكن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال، تخلّي واشنطن والعواصم الغربية عن السعودية، لوجود مصالح اقتصادية متشابكة وعميقة في هذا البلد، لذا نجد التحذير ثم التهديد يأتي بشكل غير مباشر، ولا يحسب على الموقف الرسمي للغرب، وكانت البداية في التصريحات العنيفة للدبلوماسي الامريكي الجنسية في الأمم المتحدة، جيفري فيلتمان، وصف فيها السياسة السعودية بـ "الوقحة" في المنطقة، ثم شرعت صحف بريطانية وامريكية بكشف فضائح وإسقاطات سعودية في المنطقة وتحديداً في سوريا. وفي الآونة الاخيرة نلاحظ التصعيد الكلامي بين السعودية وروسيا، على خلفية التفجير الذي وقع في مدينة "فولغوغراد" واستهدف مدنيين في حافلة للنقل، اوقعت عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، حيث توجهت أصابع الاتهام الروسية فوراً الى السعودية قبل التنظيمات الشيشانية التي تخوض منذ سنوات حرباً ضد الحكومة الروسية في الشيشان.

هذا التصعيد المفاجئ والسريع، سبقه خلاف وتقاطع شديد في الساحة السورية، حيث مثلت روسيا، وما تزال، الطرف الدولي الأقوى في دعم ومساندة نظام حكم الأسد، وقد عزت اوساط سياسية في الغرب، اسباب تراجع خيار الحرب في سوريا، الى الضغوط الروسية والمحاولات الحثيثة التي قامت بها لإخماد أي فتيل لهذه الحرب، من خلال سلاح "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي تعاضدها في ذلك، الصين، لإجهاض أي قرار دولي باستخدام القوة ضد النظام السوري. وبذلك فان هذه المحاولات أجهضت بالحقيقة كل المحاولات المستميتة وأسقطت كل الرهانات السعودية على التغيير بالعنف والقوة في سوريا، وبدلاً من ذلك، أقنعت موسكو الغرب والعالم بخيار السلام متمثلاً في عقد مؤتمر "جنيف 2". هذا الانجاز كان من جملة نقاط الامتياز في سجل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كرئيس دولة لها مكانتها العالمية، وبها نال صفة "رجل العام 2013" من خلال استبيان أجرته صحيفة "التايمز" البريطانية، وجاء الرئيس الامريكي باراك أوباما في المرتبة الثانية.

المراقبون ينظرون الى التهديدات الخطيرة التي أطلقها الرئيس بوتين بعد التفجيرات في "فولغوغراد" بأن "ردنا سيغير خارطة الشرق الأوسط عن قريب، وهذا وعد مني لأبناء روسيا العظمى.."!. وكذا التهديد الأخطر لمسؤول كبير في سلاح الجو الروسي، بأن لدى بلاده خططاً جاهزة لضرب الرياض والدوحة! بمنزلة المعوّل المعلّق أمام أنظار حكام الرياض، وليس بالضرورة أن يستتبع خطوات عملية، فالمنزلة السياسية الرفيعة التي بلغتها روسيا في الشرق الاوسط والعالم، أكبر حالياً من أي عمل عسكري تقوم به مهما كانت مردوداته وفوائده.

وهناك نقطة امتياز أخرى تبحث عنها القيادة الروسية، فهي كما استدرجت التنظيمات الشيشانية للعمل المسلح والعنيف في روسيا، وكما تراقب التناحر والاقتتال الداخلي بين الجماعات الارهابية في سوريا والمدعومة جميعاً من السعودية. فانها تنتظر وتراقب التحركات على صعيد مستقبل الحكم في الرياض، وما ستؤول اليه الخلافات والنزاعات بين أسرة آل سعود، طبعاً؛ الروس ليسوا وحدهم في هذا الترقّب، إنما الامريكان قبلهم يراقبون ويترصدون التطورات داخل الأسرة السعودية، ومن يكون رجل المرحلة القادمة. مما يمكن القول معه، إن التهديدات الروسية الماحقة ستترك أثرها المباشر على حلبة الصراع بين أجنحة الحكم في الرياض، وتكون بمنزلة العصا التي تدفع الى التغيير السريع في نظام الحكم. إذ ليس من السهل استساغة هكذا تهديدات خطيرة وماحقة على الاوساط السياسية والشعبية داخل السعودية، بعد أن كانوا يعدون أنفسهم أنهم يعيشوا في أسعد وأقوى بلد في المنقطة وربما العالم. وبذلك تكون وسيلة التغيير روسية بينما الإرادة الحقيقية أمريكية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/كانون الثاني/2014 - 6/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م