أخلاقيات التغيير.. أحسن الأعمال

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كتاب حلية الصالحين، احد الكتب للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي، فيه محاضراته التي القاها على جمع من المؤمنين لشرح وتفسير مضامين دعاء مكارم الاخلاق للامام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) والمعروف بالسجاد..

والدعاء من عنوانه (مكارم الاخلاق) يحمل الكثير من المضامين الاخلاقية والتربوية العالية، إضافة الى الكثير من المضامين التوحيدية والعقائدية، والتي هي في الصميم من كل كلمة من كلمات هذا الدعاء..

لا ينفصل دعاء مكارم الاخلاق عن شخصية وسيرة صاحبه الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) فهو نتيجة طبيعية لتلك الشخصية التي عملت (احسن الاعمال) وتحدثت عنها، أي انها قرنت سلوكها بقولها، حتى ما عاد يمكن التفريق بين حدود القول والفعل..

في حياتنا اليومية يجب علينا النظر الى هذا الاقتران الشرطي بين القول والفعل، والتطابق بينهما هو الذي يجعل حركتنا واقوالنا تدخل ضمن هذا التوصيف (احسن الاعمال).. والتي لا تكون كذلك الا من خلال الطلب الى الله سبحانه وتعالى، (ان ينتهي بعملنا الى احسن الاعمال) كما يشرح السيد صادق الشيرازي، وهو (دام ظله) يطرح هذا السؤال قبل ذلك: ما المقصود بأحسن الاعمال؟.

يجيب السيد صادق الشيرازي:

(يجمع الفقهاء عادة إما على المعنى الإضافي أي النسبي، او على اعتبار درجات الحسن والتفاضل).

ويذكر مجموعة من تلك الاعمال، والتي تتغير في المفاضلة بين عمل واخر، من خلال اختلاف ظروف ورودها في سؤال المعرفة او سلوك كل امام من الائمة في ظرف زمني معين..

فهو قد يكون الصلاة، وقد يكون صلة الرحم، او غير ذلك..

تعدد الإجابات او التوجهات لأحسن الاعمال، تفرض علينا البحث فيها لغرض معرفتها، لاكتشاف الاحسن منها، او كما يعبر عن ذلك السيد صادق الشيرازي بقوله: (يجب علينا ان نبحث في التزاماتنا التي ينبغي فعلها سواءا كانت واجبة او مستحبة لمعرفة الأولوية فيها، لنضمن بعد ذاك الوصول الى احسن الاعمال ونسعى الى تحقيقها، فمن يحب شيئا ويطلبه من الله تعالى لابد ان يسعى اليه)..

في السيرة السجادية، يمكن ان نكتشف بعضا من (احسن الاعمال) التي وردت في دعاء الامام السجاد (عليه السلام) من خلال الدور الذي قام به في حياته المباركة، وهو دور توزع على ثلاثة محاور، كما حددها السيد صادق الشيرازي في كتابه المعنون (نفحات الهداية) وهي:

شراء العبيد وتربيتهم تربية إسلامية ثم عتقهم بعد ذلك.

تعليم الناس المسائل الشرعية والادعية.

تربية الخواص من اهل بيته واصحابه على الخط الجهادي.

كل محور من تلك المحاور، قدم تفسيرا معينا لأحسن الاعمال، واحتوى على الابعاد الثلاثة لتوجيه حركة المسلم (العقيدة – التربية – الاخلاق)..

هذه المحاور الثلاثة نجدها تأخذ بعدا اخر لدى الامام الصادق، وهو بعد أخلاقي لا يقتصر على الفرد من حيث قاعدة الانطلاق، بل يجب ان يتطابق مع قدرة الاخرين الذي يتوجه اليهم على تقليده والاقتداء به..

وهو في ذلك ينطلق من حادثة حول الاطعام الذي قام به احد أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) لمجموعة من رفاقه في رحلة حجّهم، وكان انفاقه لحظة حدوثه، انفاقا مما يدعو اليه القران ويدعوا اليه الائمة في تعاليمهم، لكنه في نفس الوقت، انفاق جاوز حد القدرة على تقليده او مجاراته من قبل الاخرين، الذين لا يملكون تلك القدرة على مثل هذا الانفاق، وهو ما رأى فيه الامام الصادق (عليه السلام) اذلالا لكل واحد غير قادر على ذلك، وهو ما أشار اليه الامام الصادق (عليه السلام) بقوله: (تتقاصر اليه نفسه) وهذا التقاصر هو الاذلال المقصود بقوله معاتبا هذا الصاحب المنفق: (ياحسين وتذل المؤمنين؟)..

 في مثل هذه الاعمال، هناك عادة جانبان فيها هما الإيجابي والسلبي، ويكون الإيجابي في الكثير منها طاغي وواضح للعيان، وهو ما يجعل صاحبه يتوهم ان ذلك هو احسن الاعمال، لكنه في المضمر والمخفي من تلك الإيجابية، يحمل في داخله سلبية غير منظورة اليها، وهي قدرة الاخرين ومقدرتهم على تقديم الاحسن اقتداءا بما رأوا من عمل للآخر..

يشير السيد صادق الشيرازي الى ذلك بقوله: (علينا ان نلتفت الى ما نعمل، وان لا يكون عملنا مصلحا من جانب ومفسدا من جانب اخر وعلينا ان نطرد الوساوس لأنها من الشيطان، فلا نترك العمل الذي بدأناه بل نصلحه ونتقنه، وان نستلهم في هذا الطريق كل الدروس والعبر ونستفيد من النصائح والحكم التي وصلتنا عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والائمة من اهل البيت (عليهم السلام).

الاحسن في اعمالنا، يقتضي منا قليلا من (الالتفات والتأمل)، فلا (ندع العمل)، لتوهم السلبي فيه، و(لا نندفع وراءه دون وعي) لتوهم الإيجابي المطلق فيه، بل (نكون – كما ارادنا الله تعالى – امة وسطا)، حسب تعبير السيد صادق الشيرازي..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/كانون الثاني/2014 - 6/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م