العراق وصناعة الأزمات... أجندات غامضة لترسيخ حروب الوكالة

 

شبكة النبأ: كشفت التطورات والأحداث المضطردة على الساحة الأمني في العراق خلال الاونة الاخيرة، عن سيناريوهات كثيرة ومتباينة بشأن احتمالية توقيت انهاء الازمة الامنية المستعصية منذ عشر سنوات تقريبا، لكن من الصعب إصلاح الوضع الأمني العراقي إذا ما يتحسن الوضع السياسي المضطرب على الدوام، وغالبا ما يثير تدهور المناخ السياسي مخاوف الكثير من العراقيين من اتجاه بلادهم نحو موجة من إراقة الدماء بين مكوناته كافة يمكن أن تقسم البلاد على أساس طائفي.

وهذا ما جسده الصراع اليومي مع العنف العشوائي في العراق، وبالمعركة التي تخوضها قواته ضد معسكرات تنظيم القاعدة في مدينتي الفلوجة والانبار على طول الحدود مع سوريا، وتشكل سيطرة تنظيم القاعدة على مركز مدينة الفلوجة حدثا استثنائيا لما تحمله هذه المدينة التي خاضت حربين شرستين مع القوات الاميركية في العام 2004 من رمزية خاصة.

واليوم تجد القوات العراقية نفسها في مواجهة جماعات مسلحة يقودها ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" الموالي للقاعدة، وهذا ما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب العراقي من انزلاق العراق في وحل الفوضى وعودة العنف الداخلي مجددا، وقد تعدد آراء المحللين حول هذه الحرب الجارية بين الطرفين وتنذر بأزمة جديدة اكثر اتساعا، فمنهم من يقول بأن هذه الحرب التي يقودها تنظيم داعش الإرهابي -مجهول الهوية والمدعوم من بعض الإطراف الإقليمية-، يسعى لتحقيق أجندة إقليمية من خلال نقل وتداول أزمات تلك البلدان، لتمرير الأزمة السورية الى العراق، بحيث تجسد الاعتداءات التي تستهدف مناطق مكونات الشعب العراقي واذكى روح الطائفية فيما بينهم، لتشكل جزء من نزاع اقليمي اوسع على السلطة بين اجهزة استخبارات متنافسة ونتيجة لتزايد العداء بين اعتى خصمين اقلميين واكثر نفوذا في العراق هما ايران والسعودية، فيما يرى محلون آخرون ان ما يجري في العراق حاليا يأخذ بعدا دوليا، إذ تسعى الولايات المتحدة الامريكية الى ضرب داعش في العراق من خلال تقديمها الدعم العسكري للجيش العراقي.

في حين يرى محللون آخرون بان هذا التصعيد الامني والسياسي هو هدف إسرائيلي لخلق قوى جديدة بين الإطراف السياسية أكثر توازنا، وقد تعلن الاشتباكات العنيفة في العراق عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في السنوات المقبلة.

بينما يرى بعض المحللين ان ما دار من حروب متداخلة واختلاف الرؤى بين القاعدة وتنظيم داعش من أجل الهيمنة على العراق وسوريا وجه ضرب قاسمة لها وللجهات التي تسهم في دعمه مما هيئة الظروف المناسبة للجيش العراق بحقيق انتصارات متتالية وبمساعدة جهات محلية متمثلة بعشائر الانبار وجهات خارجية تمثلت بالدعم العسكري الامريكي وبعض الاطراف الإقليمية الأخرى، وهذا ما قد يسهم في افول تنظيم داعش الارهابي على المدى القريب، لكن يبقى السؤال الاهم، هل سيشهد العراق تحسنا امنيا على المدى القريب أم ستبقى النزاعات السياسية بقيادة صناع الازمة الدينمو الذي يحرك عجلة العنف في العراق باستمرار؟.

اشتباكات مضطردة

في سياق متصل قامت القوات العراقية بقصف مدينة الرمادي جوا، فيما تتهيأ "القوات العراقية لهجوم كبير على الفلوجة". حسب ما أعلن مسؤولون محليون وحكوميون، قال مسؤولون محليون إن القوات الحكومية العراقية التي تتصدى لهجوم للقاعدة قرب الحدود السورية قصفت مدينة الرمادي يوم الأحد جوا وقتلت 25 مسلحا إسلاميا.

واجتمع مسؤولون حكوميون في محافظة الأنبار بغرب البلاد مع زعماء العشائر لحثهم على المساعدة في صد المسلحين المرتبطين بالقاعدة الذين سيطروا على أجزاء من الرمادي ومدينة الفلوجة  وهما مدينتان عراقيتان استراتيجيتان على نهر الفرات.

وأحكمت جماعة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التابعة للقاعدة قبضتها في الشهور الأخيرة على محافظة الأنبار في مسعى لإقامة دولة إسلامية سنية تمتد عبر الحدود مع سوريا، لكن الجماعة استولت على مواقع في الرمادي والفلوجة في أول مرة منذ سنوات يسيطر فيها المقاتلون السنة على مناطق في المدينتين الرئيسيتين في المحافظة ويحتفظون بها لأيام، وقال مسؤولون محليون وزعماء عشائر في الرمادي إن 25 شخصا يشتبه في أنهم متشددون قتلوا في الهجوم الجوي الذي استهدف المناطق الشرقية من المدينة، أما في الفلوجة فقد سهل مهمة جماعة "لدولة الإسلامية في العراق والشام" استياء أبناء العشائر الذين شاركوها قتال الحكومة.

وقال فالح عيسى عضو مجلس محافظة الأنبار "نحن كحكومة محلية نبذل قصارى جهدنا لتفادي إرسال الجيش إلى الفلوجة. نتفاوض الآن خارج المدينة مع العشائر لاتخاذ قرار يتعلق بطريقة دخول المدينة دون تدخل الجيش"، وقال مسؤولون عسكريون ومحليون إن من بين الخيارات التي ينظر فيها لطرد القاعدة من الفلوجة قيام وحدات من الجيش ومقاتلين من العشائر بتشكيل "حزام" حول المدينة يعزلها ويقطع طرق الإمداد للمسلحين، وسيحثون السكان أيضا على مغادرة المدينة.

وقال مسؤول عسكري كبير طلب عدم نشر اسمه "قد يستغرق الحصار أياما.. نحن نراهن على الوقت لإتاحة فرصة للسكان لمغادرة المدينة وإضعاف المتشددين وإنهاكهم".

ولم تحقق المحادثات بين مسؤولي الحكومة والعشائر تقدما يذكر مع تردد بعض زعماء العشائر في التفاوض أصلا وخوف آخرين من معارضة القاعدة التي نفذت الكثير من حوادث التفجير والاغتيال في العراق.

وقال مسؤول سني مشارك في المفاوضات في الأنبار "أبلغ المتشددون الناس في الفلوجة بأنهم لن يلحقوا بهم أذى وأنهم موجودون في الفلوجة لقتال الجيش فحسب.. وهذا هو ما تم الاتفاق عليه بين الزعماء في الفلوجة والمتشددين".

والعلاقة بين المقاتلين في العراق وسوريا غير واضحة بالرغم من أنهم يشيرون إلى أنفسهم على أنهم ينتمون إلى الجماعة نفسها، وفي الرمادي حيث يعمل رجال العشائر والجيش معا للتصدي لمقاتلي القاعدة تمركز قناصون من الدولة الإسلامية في العراق والشام على أسطح البنايات وخاضوا اشتباكات محدودة في المدينة، واحتفظ مقاتلو الجماعة بمواقعهم في ضواحي الفلوجة واستخدموا سيارات الشرطة والحكومة داخل المدينة للقيام بدوريات حراسة بعضها يرفع العلم الأسود المنسوب للقاعدة.

وقال زعيم عشائري مشارك في المفاوضات في الفلوجة إن عدد مقاتلي جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام في ضواحي المدينة غير كبير وإن قتالهم قد يدفع الأمور باتجاه الأسوأ.

وأضاف "لا سبب يدعو لقتالهم وتهديد وحدة السنة. نحن نعتقد أن من يقررون القتال إلى جانب الحكومة مخطئون". وتقول بغداد إن مقاتلي القاعدة من سوريا يعبرون الحدود إلى العراق وساعدوا في دفع العنف إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات.

أمريكا تدعم الجيش

من جهة أخرى قال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة أرسلت العشرات من صواريخ هيلفاير جو-أرض إلى العراق في الأسابيع الماضية وتعتزم إرسال شحنات من طائرات بدون طيار سكان ايجل في العام المقبل، وجاءت تصريحات المسؤولين الأمريكيين بعد يوم من مقتل ما لا يقل عن 34 شخصا في تفجيرات في بغداد يوم عيد الميلاد (الكريسماس).

وتشير تقديرات الولايات المتحدة إلى أن أكثر من ثمانية آلاف شخص قتلوا في هجمات بالعراق هذا العامـ وقال مسؤول أمريكي إن حوالي 75 صاروخا هيلفاير ارسلت إلى العراق الأسبوع الماضي لتصل قبل الموعد الاصلي المتوقع وإن شحنة تضم عشر طائرات استطلاع بدون طيار سكان ايجل من المنتظر ان تصل 2014. بحسب رويترز.

وقالت الولايات المتحدة بالفعل إن الطائرة الاولى من 18 مقاتلة اف-16 تعهدت بإرسالها إلى العراق ستصل في خريف 2014 على أن يتم تسليم الطلبية بأكملها على مدى عامين.

وتصاعد العنف في العراق الي أعلى مستوياته منذ الاقتتال الطائفي الذي شهدته البلاد في 2006 و2007 والذي سقط فيه عشرات ألوف القتلى.

2013 الاعنف في العراق منذ نهاية النزاع الطائفي

الى ذلك عاش العراق في العام 2013 سنته الاعنف منذ نهاية النزاع الطائفي في 2008، بعدما تصاعدت اعمال العنف بشكل كبير وخصوصا تلك التي تحمل طابعا مذهبيا، يغذيها شعور السنة بالتهميش، والحرب في سوريا المجاورة.

ومن استهداف دور العبادة الى المقاهي وملاعب كرة القدم والمدارس وحتى مواكب التشييع والمقابر، عاش العراقيون على وقع هجمات دامية شنتها جماعات مسلحة على راسها تنظيم القاعدة في مواجهة قوات امنية عجزت عن الحد من التفجيرات اليومية.

وقتل بحسب ارقام وزارات الصحة والدفاع والداخلية حصلت عليها وكالة فرانس برس 7154 شخصا في العراق في اعمال العنف المتفرقة على مدار العام 2013، وهو اعلى معدل سنوي رسمي منذ العام 2008 حين قتل وفقا للمصادر ذاتها 8995 شخصا، ومن بين هؤلاء نحو الف شخص قتلوا في كانون الاول/ديسمبر الماضي وحده هم 85 عسكريا و60 شرطيا و752 مدنيا و104 مسلحين، بحسب ارقام رسمية حصلت عليها فرانس برس.

بدورها، اعلنت منظمة "ايراك بادي كاونت" البريطانية المتخصصة ان عدد قتلى العام 2013 في العراق يشكل على الاقل ضعف عدد ضحايا السنوات الثلاث التي سبقت، مشيرة الى مقتل 9475 شخصا العام الماضي، مقارنة بمقتل 4574 في سنة 2012.

وتابعت المنظمة في بيان تلقت فرانس برس نسخة منه ان سنة 2013 هي الاعنف منذ 2008 حين قتل اكثر من 10130 شخصا "بعد انخفاض معدلات العنف القياسية في عامي 2006 و2007، علما ان النصف الثاني من 2008 كان اقل عنفا من النصف الاول".

وتعليقا على ذلك، قال الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف في بيان اليوم ان "هذه الارقام مفزعة وتبعث على الحزن، مما يؤكد مرة أخرى الضرورة الملحة لان تعالج السلطات العراقية جذور مشكلة العنف لكسر هذه الحلقة الجهنمية".

واضاف ان "مستوى العنف العشوائي في العراق بات غير مقبول، واني اناشد القادة العراقيين ان يتخذوا الاجراءات اللازمة لمنع الجماعات الارهابية من تأجيج التوترات الطائفية التي تساهم بدورها في إضعاف النسيج الاجتماعي".

ويرى جون دريك المحلل المتخصص بشؤون العراق في مجموعة "اي كي ايه" الامنية البريطانية لوكالة فرانس برس ان "الامور ساءت كثيرا في العام 2013. في سنة 2012 بلغ معدل ضحايا العنف اسبوعيا (...) 60 شخصا (...) وهذا العام بلغ اكثر من 100 قتيل ووصل احيانا الى 200"، ويضيف "الاسلاميون يكتسبون قوة اكبر، لذا فان الامور مرشحة لان تسوء حتى اكثر من ذلك"، خصوصا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في نهاية نيسان/ابريل المقبل.

اضافة الى ذلك، شهد العراق نقطة تحول اساسية اخرى في العام 2013 تمثلت في هروب قادة كبار لتنظيم القاعدة من سجنين قرب بغداد في تموز/يوليو، ما وضع البلاد بحسب ما قال مراقبون حينها لفرانس برس على اعتاب "ايام سوداء"، ويقول دريك ان "الارهابيين سيحاولون تقويض هذا المسار كما حدث في عام 2010 من خلال شن هجمات ارهابية (...) والاميركيون لم يعودوا هنا لتقديم المساعدة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/كانون الثاني/2014 - 5/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م