ترهل القارة العجوز... هل يمهد الى تفكيك الاتحاد!

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في وقت ليس ببعيد كان الاتحاد الأوروبي أنموذجا للوحدة السياسية والاقتصادية عندما شكلت عملة اليورو أحد أكثر العملات استقرارا في أنحاء العالم، لكن اليوم تتعالى دعوات قوية نحو التفكيك نظرا لما تشهده منطقة اليورو من صعوبات اقتصادية خطيرة تمثلت بتفاقم أزمة الديون وتفشي الفساد والتهرب من دفع الضرائب، الى جانب اضطرابات اجتماعية كبرى نتيجة لتصاعد النزعة العنصرية في دول اتحاد القارة العجوز، فضلا عن التنافس السياسي بين القوى الكبرى -المانيا وفرنسا- في هذا الاتحاد المترهل وبين القوى العالمية القديمة والاوربية حاليا "المملكة المتحدة" التي تهدد بانسحابها من الوحدة الأوربية وتطالب بإصلاحات راديكالية داخل الاتحاد الأوربي، لتسهم جل هذه العوامل آنفة الذكر بإضعاف وحدة اتحاد القارة العجوز محليا ودوليا وقد تدفع به إلى حافة الانهيار.

إذ يرى الكثير من المحللين إن التطورات الأخيرة التي تمر بها دول الاتحاد الأوربي على الصعيدين السياسي والاقتصادي نتيجة لتزايد المناورات السياسية من لدن المملكة المتحدة خلال الآونة الأخيرة، وصفقات سياسية أخرى لجذب جمهوريات سوفياتية سابقة واوكرانيا في مقدمتها لتحقيق المزيد من التقارب بينهما، غير ان الاخيرة قررت اغلاق الباب في وجه الاوروبيين، شكلت تلك التطورات صدامات متتالية زادت من خيبة أمل اتحاد ينخر فيه الاضطراب من كل صوب.

لكن مع تزايد تدفق الأثرياء الأجانب إلى أوروبا ومع الضغط الاقتصادي الذي تشهده القارة العجوز، فإن عدداً من الدول بدأت بعرض تأشيرات الدخول إليها مقابل المال، وقد جسدتها الخطوة التي قامت بها بعض دول الاتحاد الاوروبي لإيجاد طرق ووسائل لجذب الاستثمارات لبلادهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاتحاد، وإن من بين هذه الوسائل التي تعتمدها هذه الدول الأوروبية هي منح حق الإقامة وجوازات السفر للأثرياء من دول كالصين وروسيا، حتى صارت الجنسية الأوروبية للبيع ودون اشتراط الإقامة بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

فبعد 15 عاما على طرح اليورو في 1999، بات حوالى 333 مليون اوروبي يستخدمون عملة واحدة، لذا يبحث القادة الاوروبيون في السياسة الخارجية وخصوصا الوضع في اوكرانيا والازمة في افريقيا الوسطى وايران وسوريا، وذلك بعدما اظهرت اوروبا الصعوبة التي تواجهها في تحقيق تقدم نحو المزيد من الاندماج سواء على صعيد الدفاع او في مجال الاقتصاد.

وعليه يرى معظم المراقبين بأن سياسة الكيل بمكيالين هي السياسة السائدة في خطابات وقرارات الاتحاد الاوربي الذي يبدو هشا اكثر من اي وقت مضى، وهذا الامر سيضع أوربا بمرحلة مضطربة بين الاتحاد والتفكيك.

الأزمة الاقتصادية تعرض أوربا للبيع

في سياق متصل أعلنت حكومة مالطا عن برنامج يسمح للأجانب بشراء جنسية الدولة التي تعتبر أصغر دولة عضو في الاتحاد الاوروبي، في خطوة جعلتها موضع انتقاد في الداخل وإقليميا، وقوبل المقترح بانتقادات عنيفة من الداخل ومن جانب دول الاتحاد الأوروبي، ما دفع الحكومة إلى تأجيل تطبيق القانون حتى إعادة النظر في متطلباته.

وقال جوزف دول، رئيس حزب الشعب الأوروبي: "مشروع الجنسية الذي تبناه البرلمان المالطي في الأسابيع الأخيرة، إساءة واضحة لمواطنة الاتحاد الأوروبي وقوانين شينغين.. وإلى أن لو استمع المالطيون لصوت العقل، وتخلوا عن المشروع، من المهم أن يناقش البرلمان الأوروبي هذه القضية"، ومن المقرر أن يعقد البرلمان الأروبي جلسة لمناقشة المقترح المالطي في 15 يناير/كانون الثاني المقبل، وبسبب القانون، فإنه أصبح بإمكان المئات من المواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي الحصول على حقوق العمل والإقامة في جميع أنحاء الاتحاد، الذي يتألف من 28 دولة.

وتدافع الحكومة المالطية عن البرنامج بدعوى أنه يمكن أن يجتذب أفرادا يمكنهم المساعدة في تعزيز اقتصاد البلاد، وقال كيرت فاروجيا، رئيس الاتصالات بالحكومة لـCNN، إن المتقدمين لطلب الجنسية سيخضعون لإجراءات فحص دقيقة ومستفيضة"، وأضاف: مازلنا نناقش التفاصيل والقوانين المنظمة وقد نجري تعديلات، على المثال على السعر وهو 650 ألف يورو (880 ألف دولار). بحسب السي ان ان.

ويتوقع رئيس الوزراء المالطي، جوزف موسكات، أن يعود البرنامج على بلاده بأكثر من 41 مليون دولار (30 مليون يورو) سنويا تساعد في تخفيف العجز بالبلاد، وجذب مستثمرين محتملين يمكنهم المساعدة في تعزيز اقتصاد البلاد.

وعلى نقيض سياسات الهجرة المعمول بها في دول التكتل الأوروبي، يتيح البرنامج المالطي لطالبي الجنسية الكثير من الحرية، فهو لا يفرض إقامتهم في مالطا للحصول على الجنسية، ويحق لهم الحصول على الجواز المالي، ومن ثم مواطنة الاتحاد الأوروبي فور إجازة طلبهم ودفع المبلغ المحدد 880 ألف دولار.

ويفتح ذلك الباب على مصراعيه للحاصلين على الجواز للإقامة في أي من دول الاتحاد الأوربي الـ27 الأخرى، ومن الامتيازات الأخرى التي سيمنحها جواز مالطا، التي انضمت للاتحاد الأوروبي عام 2004 والعضو باتفاقية شينغن، السفر إلى 163 دولة حول العالم دون الحاجة لتأشيرة دخول.

كما بدأت إسبانيا واليونان والبرتغال وقبرص، وهي الدول التي عانت بالشكل الأكبر خلال الأزمة الاقتصادية العالمية، بعرض تأشيرات دخول لمن يشتري عقاراً فيها، وذلك بهدف تشجيع

ويقول خبراء الهجرة إن الأثرياء من الصين تقدموا قائمة الراغبين بالحصول على تذاكر ذهبية لأوروبا، كما وجد اهتمام كبير من روسيا والإمارات العربية المتحدة والجنوب إفريقيا، ويمكن للمستثمرين الأجانب أن يحصلوا على حقوق للإقامة بأوروبا، وفي بعض الحالات يمكنهم أن يحصلوا على جنسية التوطين التابعة للاتحاد الأوروبي، ومن شروط تحقيق ذلك أن يكون حجم الاستثمار الأجنبي فيها بدءاً بـ 340 ألف دولار كحد أدنى، ويقول المسؤولون إنه تم طباعة 330 تأشيرة دخول خلال العام الأول من بدء العمل بالبرنامج، جمعت القارة فيها 225 مليون يورو أي ما يقارب 305 مليون دولار.

صعوبة في التقدم

فقد دعت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الى تعاون اكبر بين الاوروبيين ولا سيما في مجال الدفاع وهو موضوع لم يطرح على قمة اوروبية منذ خمس سنوات. وقالت "يمكن لاوروبا العمل بتنسيق اكبر بكثير" متحدثة عن "التشارك" في التجهيزات.

من جهته اعرب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن امله في تحقيق "نتائج" داعيا الى اتفاق تعاون بالنسبة الى "الجيل الجديد من الطائرات بدون طيار الذي يمكن ان يشكل احد انجازات اوروبا"، غير ان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اعلن في المقابل ان لندن ستعرقل اي مبادرة في اتجاه دفاع اوروبي حقيقي، وقال "من المنطقي ان تتعاون الدول في مجال الدفاع لضمان امننا لكن ليس من المفيد للاتحاد الاوروبي ان يمتلك قدرات مشتركة في مجال الجيوش والوسائل الجوية وكل ما تبقى".

ويعتزم قادة الاتحاد الاروروبي ايضا اطلاق بعض البرامج ولا سيما في مجال الطائرات بدون طيار وعمليات التموين في الجو والاقمار الصناعية والامن الالكتروني، وبالنسبة لمسالة التمويل التي طرحتها فرنسا في وقت تخوض عمليتي تدخل عسكري في مالي وافريقيا الوسطى، فان رؤساء الدول والحكومات سيبحثون هذه المسالة "بشكل سريع" من اجل "تحسين" النظام المعتمد حاليا، واذ اثنى هولاند على الدعم الذي حصل عليه من الحكومات الاوروبية "جميعها تقريبا" لهاتين العمليتين، طلب لدى وصوله الى القمة بان "يستتبع هذا الدعم السياسي بالتمويل"، واعرب عن امله في ان تتحول العملية التي اطلقتها فرنسا في افريقيا الوسطى الى مهمة اوروبية ولا سيما مع ارسال بولندا قوات. وقال "اذا تاكد هذا القرار" فسيكون من الممكن اعتبار هذه العملية "بمثابة عملية اوروبية وسيكون هناك عمليات تمويل".

غير ان المستشارة الالمانية اشارت الى انه لا بد من الحصول على تفويض من الدول ال28 حتى تصبح عملية عسكرية بمثابة مهمة للاتحاد الاوروبي، وقالت "ان تفويضا من مجلس الامن الدولي لا يكفي، يجب ايضا الحصول على تفويض من الاتحاد الاوروبي لدعم هذا النوع من المهمات السياسية .. لا يمكننا تمويل مهمات عسكرية ان لم نكن مشاركين في آلية القرار".

واوضح دبلوماسي اوروبي "هناك فرق بين مهمة اوروبية ومهمة للاتحاد الاوروبي" مضيفا ان وحدها مهمة للاتحاد الاوروبي يمكن ان تحصل على تمويل اوروبي، لكن ينبغي ان يوافق عليها الاعضاء ال28 وهي آلية تتطلب وقتا "ما بين بضعة اسابيع وبضعة اشهر"، ويناقش رؤساء الدول والحكومات الجمعة الوضع في افريقيا الوسطى.

كما سيتطرقون ايضا الى الوضع في اوكرانيا التي تشهد ازمة حادة منذ ان ارجأ رئيسها فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي، ووجدت اوروبا نفسها عاجزة امام روسيا التي وعدت باستثمار 15 مليار دولار في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة المهددة بالافلاس، ومن المتوقع ان تكتفي بتوجيه رسالة دعم الى الشعب الاوكراني وبالتاكيد على انها لا تزال مستعدة لتوقيع الاتفاق.

وعلى الصعيد الاقتصادي يتقدم الاوروبيون بخطى محسوبة في مشروع ترسيخ الاتحاد المصرفي والنقدي ويصر الالمان على تعزيز اشراف المؤسسات الاوروبية على السياسات الاقتصادية للدول الاعضاء من خلال توقيع "عقود" معها فيما يدعو الفرنسيون الى المزيد من "التضامن" المالي، غير ان المواقف تتقارب وبعد عام ونصف على اطلاق هذا المشروع، من المتوقع ان يحدد رؤساء الدول والحكومات هدفا التوصل الى "اتفاق شامل" في حزيران/يونيو 2014. غير ان الامر يحتاج الى سنوات وربما تعديل المعاهدات الاوروبية من اجل ان يحظى الاوروبيون بفرصة لتحقيق اهداف ملموسة.

وافتتحت القمة الخميس وسط اجواء ايجابية في اعقاب التوصل الى اتفاق حول الاتحاد المصرفي الذي يفترض ان يحول دون انعكاس مشكلات المصارف في المستقبل على الاقتصاد الاجمالي، وبعد شهر من الجمود توصل وزراء المال ليل الاربعاء الخميس على التوافق على آلية ترمي الى تحديد مصير المصارف المفلسة في منطقة اليورو، في قرار وصف بانه خطوة حاسمة لا بل "تاريخية" بحسب البعض، لكن سرعان ما وجهت انتقادات الى هذا الاتفاق اخذت عليه بصورة خاصة تعقيد الالية واعتبر رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز ان التسوية "مثيرة للقلق" متوقعا "مفاوضات طويلة جدا" قبل بدء تطبيقها.

تعزيز وسائل التحرك على الحدود

من جانب آخر قام الاتحاد الاوروبي بتفعيل نظام جديد لمراقبة حدوده الخارجية في الجنوب لتعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية وتفادي حوادث غرق جديدة قبالة سواحله، ويتزامن بدء تطبيق نظام "يوروسور" مع انقاذ 120 سوريا جنح زورقهم منذ الاحد قبالة سواحل كالابريا جنوب ايطاليا، واوضحت ميشال سيركون المتحدثة باسم المفوضة المكلفة الامن والشؤون الداخلية سيسيليا مالمستروم الاثنين ان "يوروسور سيسمح بالوصول الفوري الى معلومات تتيح تحديد المخاطر والمشاكل على الحدود الخارجية لتمكين الدول من اتخاذ قرارات".

واضافت "انه نظام فعال للغاية وهو عملاني" منذ الاثنين. وسيسمح للدول الاعضاء بالتحرك بسرعة اكبر حيال الحوادث المنعزلة وكذلك حيال اوضاع الازمة التي تحصل على الحدود الخارجية، ونظام يوروسور "هو رد اوروبي حقيقي يسمح بانقاذ حياة المهاجرين الذين يسافرون في زوارق متهالكة تحمل اكثر من حمولتها، وبتفادي وقوع مآس اخرى في المتوسط، وانما ايضا باعتراض السفن السريعة التي تنقل مخدرات"، كما قالت سيسيليا مالمستروم اثناء عرض هذه الالية، وستعرض المفوضة خطة المراقبة والانقاذ الكبرى يستعد الاتحاد الاوروبي للقيام بها في المتوسط من قبرص الى جبل طارق. وستشكل اختبارا ليوروسور.

وقامت مجموعة عمل شكلت غداة اخر قمة اوروبية في 25 تشرين الاول/اكتوبر، بتحديد الوسائل والاموال اللازمة لهذه العملية التي اثارت مع ذلك تحفظات في البرلمان الاوروبي لجهة اهدافها، وندد النواب الاوروبيون خصوصا بالغموض القانوني لجهة الانقاذ في البحر وطالبوا بتعديل القواعد السارية التي تفرض على الدولة التي ينزل الاشخاص الذين يتم انقاذهم في البحر على شواطئها بان توفر لهم الاقامة وان تدرس طلبات اللجوء المحتملة وان تطرد الاشخاص غير المسموح لهم بدخول اراضي الاتحاد الاوروبي. بحسب فرانس برس.

وبدا نظام يوروسور انشطته مع 18 دولة من الاتحاد الاوروبي -- بلغاريا وكرواتيا وقبرص واستونيا وفرنسا وفنلندا واليونان والمجر وايطاليا وليتوانيا ولاتفيا ومالطا وبولندا والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا واسبانيا -- اضافة الى النروج.

وستنضم اليه في الاول من كانون الاول/ديسمبر 2014 ثماني دول اخرى في الاتحاد الاوروبي -- المانيا والنمسا وبلجيكا والدنمارك ولوكسمبورغ وهولندا وجمهورية تشيكيا والسويد -- وثلاث دول اعضاء في فضاء شنغن (ايسلندا وليشتنشتاين وسويسرا)، وقد تنضم بريطانيا وايرلندا اللتان رفضتا الانضمام الى فضاء شنغن، الى هذا التعاون، وتصل موازنة نظام يوروسور الى 224 مليون يورو للفترة 2014-2020.

ازمة خطيرة بين مدريد وكاتالونيا

بينما اثار اعلان القوميين في كاتالونيا عن تنظيم استفتاء حول استقلال هذا الاقليم الاسباني ورد مدريد بان هذا الاستفتاء لن يحصل، ازمة خطيرة بين السلطة المركزية الاسبانية وبين هذا الاقليم المتوسطي القوي يتعين ايجاد تسوية لها قبل تشرين الثاني/نوفمبر 2014.

فبعد ثلاث سنوات من التوترات منذ قرار القضاء الاسباني عام 2010 بالحد من الحكم الذاتي الاقليمي، الى الازمة الاقتصادية التي اججت الاحساس بالظلم، اندلع الصراع الخميس عندما القى ارتور ماس رئيس كاتالونيا القومي قنبلة مدوية باعلانه عن تنظيم الاستفتاء الموعود حول استقلال الاقليم الذي يبلغ عدد سكانه 7,5 ملايين نسمة في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2014.

واوضح ماس ان الاستفتاء سيتضمن سؤالين: "هل تريدون ان تصبح كاتالونيا دولة؟ هذا هو السؤال الاول. واذا جاءت الاجابة بنعم هل تريدون ان تكون هذه الدولة مستقلة؟ وهذا هو السؤال الثاني"، وجاء الاعلان عن هذا الاستفتاء نتيجة اتفاق بين الكتل الرئيسية للاغلبية البرلمانية في كاتالونيا ومن بينها الائتلاف الوطني المحافظ بزعامة ارتور ماس الحليف منذ 2012 للحزب الانفصالي اليساري.

وعنونت صحيفة الموندو الناطقة باسم اليمين الوسط الجمعة "ماس يدفع كاتالونيا الى الهاوية .. وراخوي يرد بقوة الدستور" ملخصة بذلك الهوة التي ظهرت فجاة بين مدريد وبرشلونة واستياء السلطة المركزية من محاولات المنطقة الانفصالية غير المسبوقة في الديموقراطية الاسبانية الفتية، ذلك ان كاتالونيا تتحدى اليوم حكومة اليمين في واحد من اسس دستور 1978 نفسها: الحكم الذاتي لاقاليم البلاد ال17 الذي كان رمزا قويا للديموقراطية التي استعادتها البلاد بعد ديكتاتورية فرانكو، هذا الدستور هو الذي شهره رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي لاعلان عدم شرعية الاستفتاء والوعد بانه "لن يحدث".

وقد تعاظم الاستياء في هذه المنطقة التي تفتخر بهويتها الثقافية ولغتها الخاصة منذ ان شكك اليمين الاسباني في الحكم الذاتي الموسع الذي صوت عليه برلمان كاتالونيا عام 2006 ليبلغ اوجه مع قرار المحكمة الدستورية الذي الغى بعض بنوده عام 2010. وفي الوقت نفسه يندد القوميون الكاتالونيون بمحاولات مساس بلغتهم.

وجاءت الازمة الاقتصادية التي اندلعت عام 2008 لتزيد من استياء كاتالونيا التي فقدت تدريجيا موقعها كمحرك اقتصادي لاسبانيا التي تتهم مدريد بتوزيع غير منصف لثروات البلاد وبرفض منحها حكما ذاتيا ضريبيا موسعا، ويرى فرانشيسك بالاريس استاذ العلوم السياسية في جامعة بوبيو فرابرا في برشلونة انه "كان على حكومة راخوي ان تبدي انفتاحا اكبر منذ وقت طويل لكي لا نصل الى هنا" ملخصا بذلك مثل مجمل المحللين السياسيين فترة الضبابية التي تلوح في الافق، واضاف "اما ان تكون هناك امكانية لبناء جسور بين الجانبين او سيناريو ينذر الخطر مع حدوث +تصادم بين قطارين+ لا يمكن التنبؤ بعواقبه".

واضاف الاستاذ في جامعة برشلونة فران ريكيخو "اذا لم ينظم الاستفتاء ستظهر سيناريوهات اخرى. اذ يجب ان لا يظن احد ان الامر يمكن ان يقف عند هذا الحد"، وكتبت صحيفة لافانغارديا الواسعة الانتشار في كاتالونيا ان ارتور ماس "القى امس حجرا في مياه البحيرة سيشكل نقطة تحول في العلاقات بين حكومة كاتالونيا وحكومة ماريانو راخوي".

وهكذا اصبح امام مدريد وبرشلونة حتى التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2014 لايجاد مخرج للازمة التي يتابعها بقلق الاتحاد الاوروبي الذي يشخص نظره بالفعل نحو اسكتلندا حيث اعلن عن تنظيم استفتاء في 18 ايلول/سبتمبر 2014.

وفي حال اعلن اقليم كاتالونيا استقلاله فان ذلك سيعني خروجه من الاتحاد الاوروبي كما حذر هرمان فان رومبوي رئيس المجلس الاوروبي الخميس.

واعتبر فرناندو فاليسبان استاذ العلوم السياسية في مدريد ان "الامر يتعلق الان بمعرفة الى اي مدى ستكون غالبية شعب كاتالونيا مستعدة للمضي نحو حكومة خاصة لا تكون حكومة استقلال لكنها تشكل نهاية للوضع القائم حاليا"، واضاف "انه السؤال الكبير الذي بدا طرحه والذي لا نملك على الارجح اجابة عليه".

وحدة العملة الاوروبية

على صعيد ذو صلة اصبحت لاتفيا رسميا الدولة الثامنة عشرة العضو في منطقة اليورو على الرغم من تحفظات كبيرة عبر عنها سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة، وودع اللاتفيون بالعاب نارية عملتهم الوطنية اللاتس الذي طرح للتداول في 1993 بدل الروبل الذي كان متداولا في الحقبة السوفياتية، وشارك رئيس الوزراء اللاتفي فالديس دومبروفسكيس ونظيره الاستوني اندروس انسيب في مراسم في المصرف الحكومي اللاتفي "سيتدايل دي ريغا" بينما تدفقت حشود على وسط المدينة، وسحب دومبروفسكيس رمزيا ورقة مالية بقيمة عشرة يوروهات، وقال "انها فرصة كبيرة للتنمية الاقتصادية في لاتفيا"، مؤكدا ان التركيز على "الانفاق المسؤول" لتجنب اي مديونية كبيرة هو اساس النجاح في المستقبل. بحسب فرانس برس.

ولاتفيا هي ثاني بلد في البلطيق والرابع بين الدول الشيوعية السابقة في وسط وشرق اوروبا يتبنى العملة الاوروبية الواحدة بعد سلوفينيا في 2007 وسلوفاكيا في 2009 واستونيا في 2011، وكانت لاتفيا تأمل في الانضمام الى منطقة اليورو منذ 2008، لكن الازمة العالمية خيبت املها اذ تراجع اجمالي الناتج الداخلي بنسبة 25 بالمئة في 2008 و2009 في اطار الانكماش العالمي الكبير، لكن ريغا تمكنت من تحقيق اصلاح اقتصادي مدهش بعد ذلك.

وفي بروكسل، قال رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو "بفضل هذه الجهود، تدخل لاتفيا منطقة اليورو اقوى من اي وقت مضى وتوجه بذلك رسالة تشجيع الى دول اخرى تقوم بعملية اصلاح اقتصادي صعب"، وستكون ليتوانيا الدولة التالية اذ ستنضم الى منطقة اليورو في 2015 ليكتمل بذلك مثلث دول البلطيق الجمهوريات السوفياتية السابقة.

ويأتي انضمام لاتفيا بينما استفادت خمس من دول منطقة اليورو (اسبانيا وقبرص واليونان وايرلندا والبرتغال) من خطط انقاذ، ولا تبدو الدول الاخرى في دول اوروبا الشرقية والوسطى المرشحة للانضمام الى منطقة اليورو في عجلة من امرها.

وبعض هذه الدول مثل المجر وبلغاريا ما زالت بعيدة عن احترام المعايير المطلوبة، بينما تجد بلدان اخرى مثل بولندا والجمهورية التشيكية ان الابقاء على عملتها لفترة اطول يعود بفائدة اكبر عليها، ويخشى اللاتفيون ان يؤدي انضمامهم الى منطقة اليورو الى ارتفاع الاسعار،ن وافاد استطلاع للرأي اجراه معهد "اس كا اس" في كانون الاول/ديسمبر ان 25 بالمئة منهم يوافقون على الانتقال الى منطقة اليورو مقابل 50 بالمئة يعارضون ذلك.

لوكسمبورج الأغنى دولة وبلغاريا الأفقر

الى ذلك أظهرت بيانات من مكتب الاحصاءات بالاتحاد الاوروبي (يوروستات) يوم الخميس أن لوكسمبورج مازالت البلد الأكثر غنى في الاتحاد المؤلف من 28 دولة وان بلغاريا تبقى الأفقر على الرغم من بعض التحسن على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.

وقال يوروستات ان نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي معبرا عنه بمعيار القدرة الشرائية سجل 263 في لوكسمبورج العام الماضي مقارنة مع متوسط قدره 100 في الاتحاد الاوروبي.

وسجلت بلغاريا -التي انضمت مع رومانيا في 2007 إلي الاتحاد الاوروبي- 74 وهو أدنى مستوى للثروة مقاسا بنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي. وكانت رومانيا ثاني أفقر دولة وسجلت 50، واحتلت لوكسمبورج المرتبة الاولى فيما يرجع جزئيا الي عدد كبير من العمال العابرين للحدود الذين يساهمون في الناتج المحلي الاجمالي للبلاد لكن لا يجري ادراجهم في الاحصاء السكاني لانهم يعيشون في المانيا او فرنسا او بلجيكا وهي دول مجاورة، ومعيار القدرة الشرائية هو عملة اصطناعية تستبعد الاختلافات في مستويات الأسعار بين الدول ولهذا فان الوحدة الواحدة تشتري نفس القدر من السلع والخدمات في جميع دول الاتحاد.

وأصبحت النمسا ثاني غنى بلد في الاتحاد الاوروبي العام الماضي مع ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الي 130 من 129 في 2011 و127 في 2010 متقدمة على هولندا التي أظهرت نموا اضعف نسبيا مع تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الي 128 العام الماضي من 129 في 2011 و130 في 2010، ومن المفارقات ان ايرلندا التي اضطرت لطلب انقاذ مالي من صندوق النقد الدولي ومنطقة اليورو في أواخر 2010 بسبب عدم قدرتها على الاقتراض من الأسواق ظلت ثالث أغني دولة في الاتحاد الاوروبي اذ بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي 129 بلا تغيير منذ 2010. بحسب فرانس برس.

لكن بيانات يوروستات التي تقيس نصيب الفرد من الاستهلاك الفعلي -وهو مؤشر بديل يعبر بشلك أفضل عن الرفاهة المادية للاسر- أظهرت ان مستوى ثروة ايرلندا انخفض من 102 في 2010 إلي 98 في 2012 وانها كانت في المرتبة الثانية عشرة بين أغنى دول الاتحاد الاوروبي، وتبقى لوكسمبورج أغنى دولة ايضا وفقا لمؤشر نصيب الفرد من الاستهلاك الفعلي تليها المانيا ثم النمسا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/كانون الثاني/2014 - 4/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م