داعش.. لغز بمليون دولار

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: نكسة حزيران، التسمية الملطفة لهزيمة العرب في حربهم مع إسرائيل العام 1967 يحددها الباحثون في حركات الإسلام السياسي، بانها نقطة انطلاق للوجه المتطرف منها، إضافة الى أسباب أخرى، كانت في وقتها عوامل مشجعة على ذلك الصعود..

الثورة في ايران العام 1979 عامل اخر يضاف الى عوامل سبقته، وهذه المرة ترافق مع حلم تكوين دولة إسلامية بنسخة (سنّية) على غرار ما افرزته تلك الثورة من نسخة شيعية للحكم... الحرب السوفييتية الأفغانية، وبعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، اصبح للاسلام السياسي جغرافية واسعة للتمدد بعد صراع طويل مع فصائل أخرى، وكان ان اصبح الحلم حقيقة، طالبان تحكم أفغانستان، بدعم من اوجدها وانفق عليها..

بالتزامن مع تلك الاحداث، ومنذ العام 1988 تأسست القاعدة عبر دعوتها الى الجهاد العالمي..

كان الهدف من تأسيس القاعدة بداية امرها هو محاربة السوفييت في أفغانستان بدعم من الولايات المتحدة في برنامج لوكالة المخابرات المركزية سمي بـ (عملية الإعصار) بمساعدة من المنظمات الإسلامية الدولية، وخاصة مكتب خدمات المجاهدين العرب الذي أمدهم بأموال تقارب 600 مليون دولار في السنة تبرعت بها حكومة المملكة العربية السعودية والأفراد المسلمين وخاصة من السعوديين الأثرياء المقربين من أسامة بن لادن.

الأفغان الذين قاتلوا الروس في الثمانينات كانوا مصدر إلهام لجماعات إرهابية في دول مثل أندونيسيا والفلبين ومصر والسعودية والجزائر والشيشان ويوغوسلافيا السابقة.

كان لسيد قطب تأثير أكبر على أسامة بن لادن وعضو آخر بارز في تنظيم القاعدة وهو أيمن الظواهري.

كانت أحد أقوى تأثيرات قطب فكرة أن العديد من الذين يقال إنهم مسلمون، أصبحوا في عداد المرتدين. الأمر الذي لا يعطي فقط للجهاديين (ثغرة شرعية لقتل مسلمين آخرين)، لكنه جعله (أمرًا واجب التنفيذ شرعًا).

ولان السياسة لا ثوابت مقدسة لديها، انقلب الراعي الرسمي عليها في لحظة زمنية مفارقة للوعي وللمنطق بعد احداث سبتمبر / أيلول 2001 .. مع بقاء جهات التمويل الأخرى على دعمها في الخفاء..

نأتي الان الى داعش، والتي أصبحت مدار الحديث على الالسنة منذ ظهورها قبل اشهر قليلة في العام الماضي، واشتداد اللغط حول التأسيس والنشأة والجهات الداعمة لها..

احد الأصدقاء وفي جلسة حوارية، راهن بمليون دولار يعطيها لمن يحل لغز داعش، وهذا المبلغ الذي راهن به متأكد انه لا احد سيكسبه لان لا احد سيتمكن من معرفة حقيقة داعش..

وهو لا يعتقد بصحة تلك الاخبار التي تتداولها الصحف والمواقع الالكترونية والتي هي في معظمها تنظر بعين واحدة في تحليلاتها ابعاد لتهمة التطرف او العنف عن جماعات الإسلام السياسي السنّي..

وداعش هي مختصر لتسمية (الدولة الإسلامية في العراق والشام) ظهرت في نيسان عام 2013، وقُدمت في البدء على أنها اندماج بين تنظيم (دولة العراق الإسلامية) التابع لـلقاعدة الذي تشكّل في تشرين الأول/أكتوبر 2006 والمجموعة الجهادية الإسلامية في سوريا المعروفة بـ(جبهة النصرة)، إلا أن هذا الإندماج الذي أعلن عنه قيادي (دولة العراق الإسلامية) أبو بكر البغدادي، رفضته (النصرة) على الفور. وبعد ذلك بشهرين، أمر زعيم (القاعدة) أيمن الظواهري بإلغاء الاندماج إلا أن البغدادي أكمل العملية لتصبح (داعش) واحدة من الجماعات الرئيسية التي تقاتل ضدّ النظام السوري.

تبنى زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري جبهة "النصرة" العاملة في سورية وألغى "دولة العراق والشام الإسلامية" (داعش) و"استمرار العمل باسم دولة العراق الإسلامية"، وذلك في سلسلة "قرارات وتوجيهات وإجراءات" أعلنها في رسالة صوتية عبر قناة "الجزيرة".

وقرر أن "جبهة النصرة لأهل الشام فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة"، وقال إن "الولاية المكانية لدولة العراق الإسلامية هي العراق"،  "الولاية المكانية لجبهة النصرة لأهل الشام هي سورية".

واستهل الظواهري قراراته بالقول إن "الشيخ أبو بكر البغدادي الحسيني أخطأ بإعلانه دولة العراق والشام الإسلامية من دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا ومن دون إخطارنا، وأخطأ الشيخ أبو محمد الجولاني بإعلانه رفض دولة العراق والشام الإسلامية وإظهار علاقته بالقاعدة من دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا ودون إخطارنا".

وأضاف: "يُقر الشيخ أبو بكر البغدادي الحسيني أميراً على دولة العراق الإسلامية لمدة عام من تاريخ هذا الحكم ويُرفع بعدها مجلس شورى دولة العراق الإسلامية تقريراً إلى القيادة العامة لجماعة قاعدة الجهاد عن سير العمل تُقرر بعده القيادة العامة استمرار الشيخ أبي بكر في الإدارة أو تولية أمير جديد".

وتابع: "يُقر الشيخ أبو محمد الجولاني أميراً على جبهة النصرة لأهل الشام لمدة عام، ثم يرفع بعدها مجلس الشورى لجبهة النصرة تقريراً إلى القيادة العامة لجماعة قاعدة الجهاد عن سير العمل وتقرر القيادة استمرار الشيخ أبو محمد في الإدارة أو تولية أمير جديد".

وردا على الظواهري، رفض زعيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" قرار الظواهري". وجاء في تسجيل صوتي نسب الى "البغدادي"، وتناقلته مواقع اسلامية، "أن الدولة الاسلامية في العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف، باقية ولن نساوم عليها أو نتنازل عنها حتى يظهرها الله أو نهلك دونها... والحدود التي رسمتها الأيادي الخبيثة بين بلاد الاسلام لتحجّم حركتنا وتقوقعنا في داخلها قد تجاوزناها ونحن عاملون بإذن الله تعالى على ازالتها ولن يتوقف هذا الزحف المبارك حتى ندق آخر مسمار في نعش مؤامرة سايكس وبيكو".

رسالة الظواهري، وفي خطابها الى البغدادي لا تكشف عن تخوين او عمالة له (البغدادي) فهو (الشيخ) وهو (الأمير)، لكن واحدا من المحللين السياسيين العرب، وما اكثرهم، يرى غير ذلك، فهو يقول: (ثمة عقل شيطاني كبير، وجد ان إطالة عمر النظام السوري وتحييد العالم الخارجي وتردده، وتخويف الاقليات الكبيرة من فئات الشعب السوري.. لن يتأتى سوى بإدخال تلك العناصر المنسوبة والمنتسبة للإسلام الجهادي التي نمت كالفطر، وكونت داعش والنصرة وغيرهما من الفصائل المنفصلة عن الجيش الحر الذي يبدو هذه الايام في وضع لا يحسد عليه. لو لم تكن داعش لصُنعت داعش. إنها الضرورة لصناعة الشيطان الذي يهدد الجميع ويتوعد الجميع. إنها الصورة التي عززت رواية النظام في اعلامه الداخلي وفي الاعلام الخارجي.. ولم تخيب تلك الداعش أمنية للنظام.. فهي اليوم الخازوق الكبير الذي يدق في جسد الثورة السورية).

ويستمر قائلا: (لقد وفرت داعش الذريعة الدعائية المناسبة لتدخل الحرس الثوري الايراني في الحرب على الشعب السوري، وقدمت الغطاء المناسب لحزب الله ليكون شريكا في الحرب)، ويتساءل الكاتب حامل لقب الدكتور: (من صنع داعش؟ يقول الجيش الحر والفصائل الاخرى التي تواجه النظام، إن هذه الداعش ليست سوى اداة لخدمة نظام الاسد. إنهم يرون انها إحدى أذرع النظام).

بهذه البساطة داعش صناعة النظام السوري، وكأن سوريا او ايران لا يمكن ان تدافع عن مصالحها الا عن طريق اختراع شيطان تخيف به الاخرين من تغيير النظام، ثم من يضمن بعد صناعة شيطان مثل هذا الا ينقلب على صانعه ويكون اشد عليه في القتال من الاخرين؟.

سؤال اخر، لماذا البيئة (السنّية) تحديدا هي اكثر قدرة على انتاج وتصنيع كل تلك الحركات الإسلامية المتطرفة والقادرة على الايغال بالدماء الى اقصى الحدود، هل السبب هو التهميش، وماذا عن الاخرين المهمشين من اديان ومذاهب وعرقيات مختلفة، لا يستطيعون انتاج او تصنيع كل هذا العنف والدمار احتجاجا على تهميشهم؟، لماذا لم تظهر قاعدة او داعش في أوساط الشيعة البحارنة، او أوساط الحوثيين او أوساط الشيعة في الاحساء والقطيف، او في اوساطهم أيام حكم صدام حسين في العراق؟، ثم لماذا لم تظهر داعش واخواتها في دول عانت من الاحتلالات الأجنبية على مر تاريخها الحديث والمعاصر؟، اين يكمن الخلل؟.

انه في هذا الإسلام الجهادي الذي اصطبغ بالتكفير، تكفير الاخر المختلف من حملة نفس الدين بدءا وضرورة الغائه، لانه حسب الدوغمائية التكفيرية يلوث الإسلام النقي حسب تلك القراءة للاسلام.

البيئة الحاضنة لكل تلك الأفكار عليها ان تعيد قراءتها للاسلام، كمنظومة قيمية أخلاقية إنسانية قبل ان يكون منظومة دينية بحتة، لايمر جنود الفرقة الناجية الا من خلال الذبح والقتل واستباحة حياة الانسان وما يمثله هذا الانسان من قيمة مقدسة عند خالقه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/كانون الثاني/2014 - 4/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م