ازمة وفواصل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الفاصلة ليست لغوية او قرانية كما وجدت للغرض منها، قافية للشعر او فصل بين ايتين، انها في حالنا العربي والاسلامي، تعني فصلا في التاريخ والثقافة والسياسة والاجتماع والاقتصاد، فصلا لا تتوضح الامور بعده، ولا تحل الاشكالات الا بمقدار التاجيل من خلال وصل ما تم فصله والانتقال منه الى ما بعد الفاصلة لبناء معنى جديد، لا يغادر ما قبله..

وهي تاريخية تستدعي الماضي بكل ازماته الى حاضر اشد تازما، لهيمنة هذا الماضي بثقله وعباءته المفروشة على الحاضر، الممتد الى مستقبل ليس في وارد المحاولة للقطع بين مراحل زمنية سبقته..

بغداد، في المأثور الثقافي للقومية العربية، وفي الذاكرة المذهبية السنّية، هي عاصمة الرشيد، وليس احدا اخر غيره، فالخلافة وما تمثله من سلطة تحجب مادون ذلك، حتى لو كان يمتلك سلطة حضور ورمزية اكبر من تلك السلطة المادية التي يمثلها شخص الحاكم..

لماذا الرشيد دون غيره في المخيال الاسلامي، باحد فرعيه؟.

لانه شكل فاصلة للقطع في لحظة تاريخية مفارقة مع موروث عربي خالص مثله الامويون، لكنه بعد فاصلة لاحقة، عاد وانقلب على ما أسسه من تقارب مع الموالي او الفرس، وكانت نكبة البرامكة هي ما بعد الفاصلة الجديدة..

ما اشتغلت عليه السياسة من تقسيم ماوحد الاسلام بينهما، الى عرب وموالي، وسع منه نقاد الادب تحت تسمية (الشعوبية) التي تنكر تفضيل العرب على غيرهم ، وتحاول التساوي معهم.

يكتب الناقد (عهد فاضل):

اشتمل العصر العباسي، على مجموعة من العناصر مكّنت الجماعة العربية من اتخاذ وضعية مختلفة عما كانت عليه في البدء. فلقد وصل أمر التمايز بين العرب وغيرهم درجة من التوتر والصراع بعدما جرى إعلان التمايز منهجا في الحكم والتقييم).

في العام 1979 اندلعت الحرب بين ايران والعراق، لاسباب عديدة، اختصرت وهي تمتد من سنة الى اخرى، الى حرب بين العرب والفرس المجوس..

ترسخت تلك التسمية، اعلاما وادبا، وخطابة سياسية، وكانت تستبطن وتغمز رمزيا على الاقل الى الشيعة وربطتهم بتلك الفارسية المجوسية، ترافق ذلك مع حرب داخلية اخرى، مع القوى السياسية الشيعية والتي هي سرية في تنظيماتها ونشاطها، مع حملة لتهجير وترحيل قسري لمئات العوائل تحت طائلة التبعية، والتي هي امتداد تاريخي لصراع بين ايران وتركيا..

دول الخليج التي انحازت الى العراق في صراعه الطويل مع ايران، حين كان من يمتلك مقاليد السلطة بين يديه محسوب على العروبة كايديولوجية قومية، وعلى السنة كانتماء مذهبي، تقف الان ضد العراق الذي احتل موقع السلطة والقرار فيه، الاغلبية الشيعية منذ العام 2003..

الازمة في معناها اللغوي، هي: (الضِّيق، والشدِّة، والقحط).

وهي في  ( السياسة ) تعني توتُّر العلاقات بين دولة وأخرى أو بين دولة وعدَّة دول.

لكن ابلغ معنى لها هو مانجده ( في علم الطب ) وتعني: هبَّة حادّة في سير مرض مزمن.

ازماتنا التي نعيشها فصلا وفواصل متواصلة هي هبة حادة، لمرض مزمن في السياسة وفي الثقافة، تجذرت في وعينا، وتنتفض عند كل مفترق تغيير محتمل او حتى متوهم..

للازمة في الحالة العراقية، او حتى العربية في تمظهرها السوري، هي هذا الافتراق التاريخي بين مذهبين، الشيعي والسني، ففي كل لحظة تحدي واختبار يظهر هذا المخالف لهويتنا ويرتدي ثياب العدو، الذي نطمح بالغائه، لكن محاولة الالغاء غالبا ما تصطدم بمحاولة للتمسك اكثر بما يميز وهو هوية كل طرف من طرفي الصراع..

لقد مثلت لحظة سقوط بغداد في العام 2003 لحظة اختلال واهتزاز للهوية المذهبية السنية المتماهية بالعروبة الايديولوجية، والتي مثل لها سقوط بغداد، (نهاية للتاريخ) في تاريخ يعتقدون انه لم يستأنف بعد، على الرغم من التجارب الكثيرة..

نهاية التاريخ هذه، هي الفاصلة المتواصلة في صناعة الازمات في العراق وتدويرها بين وقت واخر، لان (عراق الأمس قد فقد) كما تصل الى تلك النتيجة الصحفية ديبورا أموس في كتابها (أفول السنّة) وليس من المتوقع أن يتمكن العراق من بناء مجتمع متسامح ومتعدد الثقافات..

يرى  كثير من المختصين في علم النفس، ان ازمة الهوية يمكن ان تجعل الفرد اكثر استعدادا للتعصب وهو اجراء دفاعي ضد الشعور بتشتت الهوية او ارتباك  الدور ولهذا فهي تجنبه الشعور المؤلم باللاهوية وتمكنه من التهرب من اسئلة  داخلية لديه. فالتعصب  قد يهيء  حلا لمشاكل ضاغطة  لكنه يضيع  على صاحبه حل هذه المشكلة حلا واقعيا ملائما  ويكون رد فعل  لواقع شخصي متازم وهو انعكاس لواقع  اجتماعي متأزم. وبالتالي يتمثل دفاعه عن الجماعة التي انتسب اليها دفاعه عن ذاته وهويته لانها تصبح الجماعة صورة للذات وامتداد لها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/كانون الثاني/2014 - 2/ربيع الأول/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م