السينما في العالم العربي.. محاكاة للواقع السياسي

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تستحوذ السينما على اهتمام جمهور عريض من المتابعين والمهتمين من مختلف التوجهات والأفكار، وهي أحد الفنون الشعبية المهمة، وقد أطلق عليها الناقد الفرنسي (ريتشيوتو كانودو) "الفن السبع" موضحاً "أن السينما تجمل وتضم وتجمع (...) الفنون الستّة، وإنها الفن التشكيلي في حركة، فيها من طبيعة الفنون التشكيليّة ومن طبيعة الفنون الإيقاعيّة في نفس الوقت، ولذلك فهي "الفن السابع".

وقد أشار النقاد والباحثين في الشأن السينمائي الى اهمية انتقال السينما -بفعل التطور- من الصامتة الى الناطقة وكذلك الى الألوان، وجمعها بين الاحداث الخيالية القريبة من المسرح وفنونه، وبين الحقائق والاحداث الواقعية التي تحاكي التوثيق، الامر الذي حولها الى قوة مؤثرة في المجتمعات الإنسانية ومرأة ناقلة للإحداث، يستخدمها الكثيرون كواجهة إعلامية ضاغطة باتجاه حدث ما.

على المستوى السياسي تأثرت السينما كثيراً بالإحداث والتغيرات السياسية المهمة في مختلف دول العالم، شانها في ذلك، شأن بقية الفنون الأخرى، وكان من نتاج هذا التأثير ظهور العديد من الأفلام الوثائقية والتاريخية والسياسية التي تناولت الاحداث بطرق مختلفة وبحسب الرؤية الخاصة للكاتب او المخرج او منتج الفلم.

السينما العربية شاركت في هذه المسيرة تبعاً لهامش الحرية الممنوح لها من قبل الحكومات او الرقابة المفروضة عليها، كما ركبت ايضاً موجة الربيع العربي الذي هبت ببلدان عربية وغير مناخها بين المعتدل والعاصف، وحولتها الى ارض خصبة استفادت السينما العربية منها في تحريك طاقات إبداعية وفكرية كامنة لوصف الأجواء وتحليل الواقع.

وقت لاقت الكثير من هذه الأفلام استحساناً كبير لدى الجمهور وأثر البعض منها في الرأي العام وطبيعة الفهم للحدث المنقول، فيما لم تخلوا أفلام أخرى من تأجيج للخلاف السياسي ليصل الى مستوى الدول خصوصاً وأنها قد تناول مراحل حساسة وحرجة من تأريخها. 

ملك الرمال

فقد أثار فيلم يتناول السيرة الذاتية لحياة مؤسس السعودية، الملك عبد العزيز آل سعود، غضب الأسرة المالكة في السعودية، ودعا أمير سعودي إلى منع عرض الفيلم داخل سوريا، قائلا إنه "يشوّه شخصية تاريخية عظيمة"، حسبما أورد موقع (اربيان بيزنس) الإخباري على الانترنت، ويحكي فيلم "ملك الرمال"، للمخرج السوري نجدت أنزور، قصة صعود الملك الراحل عبد العزيز -المعروف كذلك باسم ابن سعود- وتأسيس المملكة العربية السعودية في مطلع القرن العشرين، وعرض الفيلم لأول مرة في العاصمة البريطانية لندن في سبتمبر/ أيلول، ويجسد دور الملك الراحل الممثل الإيطالي فابيو تيستس، في حين يجسد الممثل بيل فيلوز دور ضابط بريطاني يدعى جون فيليبي كان يخدم إبان فترة الاستعمار، و"ملك الرمال" هو أول فيلم روائي يتناول شخصية الملك عبد العزيز.

ويروي الفيلم قصة صعود الملك "من زعيم قبيلة مغمور في الكويت إلى حاكم بلا منازع في شبه الجزيرة العربية"، حسبما جاء في تقرير بموقع قناة "برس تي في" الإيرانية على الانترنت، ويضيف الموقع أن "الفيلم يصوّر ابن سعود على أنه زير للنساء، متعطش للدماء، بلا ضمير، كقطعة من الشطرنج بيد البريطانيين"، أما صحيفة "القدس العربي" التي تتخذ من لندن مقرا لها، فأوردت أن الفيلم أبرز جانبا من اتفاق أبرم بين بريطانيا وابن سعود و"كيف أنه تلقى دعما بالمال والسلاح" لإنهاء الحكم العثماني في جزيرة العرب، وفي مقطع ترويجي للفيلم بموقع يوتيوب للمقاطع المصورة يظهر الملك الراحل وهو في فترة الشباب كزعيم متحمس ومصمم على السيطرة على منطقة نجد، مهما كانت التكلفة، كما تظهره مقاطع في مشاهد ربما تثير غضب الأسرة المالكة في السعودية، فعلى سبيل المثال، هناك مشهد يقنع فيه ابن سعود جون فيليبي باعتناق الإسلام "حتى لو ظاهريا".

من جهته دافع مخرج الفيلم نجدت أنزور عن عمله ووصفه بأنه "مراجعة تاريحية" نافعة، وبالرغم من عدم عرضه في دول عربية أخرى، فقد أثارت خطط عرض الفيلم في سوريا غضبا سعوديا، وانتقد الأمير طلال بن عبد العزيز الفيلم عبر حسابه بموقع تويتر للتواصل الاجتماعي في السابع من ديسمبر/ كانون الأول، قائلا إن "هذا الفيلم سينتهي به المطاف في مزبلة الأعمال الفنية الفاشلة"، وأضاف "لقد تعرضت المملكة العربية السعودية وما زالت للعديد من الحملات الإعلامية المغرضة، بما فيها الإنتاج السينمائي، وأشار الأمير -وهو أحد أبناء الملك الراحل البالغ عددهم 18- إلى أنه سعى لوساطة "صديق مشترك" مع الرئيس السوري بشار الأسد لمنع عرض الفيلم" في دمشق.

ودافع مخرج الفيلم نجدت أنزور عن عمله في سبتمبر/ أيلول الماضي ووصفه بأنه "مراجعة تاريخية" نافعة، وذلك خلال مقابلة مع قناة الميادين التلفزيونية السورية المؤيدة لحكومة دمشق، وقال أنزور "وجدت تشابها كبيرا بين ما حدث قبل مئة عام وما يحدث اليوم من فوضى قائمة في العالم العربي، وإعادة رسم ملامح المنطقة، وردا على سؤال عن أن الفيلم متخم بمحتوى سياسي، قال أنزور "لا يمكننا فصل الفيلم عن السياسة الحالية، لا يمكننا إنتاج فن لمجرد التسلية"، ونفى المخرج السوري تلقي أي دعم من حكومة دمشق، وقال إن الفيلم ممول تمويلا خاصا، تجدر الإشارة إلى أن الروابط بين دمشق والرياض تدهورت منذ عام 2011 بسبب أسلوب تعامل الحكومة السورية مع الاحتجاجات، وينظر لإنتاج الفيلم على أنه لطمة ترد على الدعم المتصور الذي تقدمه السعودية للمعارضة المناهضة للحكومة السورية.

وبرز نجم أنزور على ساحة الشهرة العربية كمخرج تلفزيوني وسينمائي لملاحم تاريخية يربطها بالواقع المعاصر، وكانت أعماله في مجال التلفزيون -مثل الكواسر والجوارح- تعرض عادة خلال شهر رمضان الذي تبلغ فيه نسبة المشاهدة ذروتها، وفي عام 2005، بدأ يكرس أعماله لتحليل الأساطير المرتبطة بالتطرف وسوء تفسير التعاليم الإسلامية، ومن خلال فيلمه "الحور العين"، تحدى الاعتقاد الشائع بين المتطرفين بأنهم سيكافأون بـ 72 عذراء، وفي عام 2010، أخرج أنزور مسلسلا تلفزيونيا بعنوان "ما ملكت أيمانكم"، يتناول فيه تأثير الوعظ الديني الإسلامي من خلال قصة ثلاث نساء سوريات يعشن تحت وطأة ضغوط اجتماعية في مجتمع أبوي.

وثيقة سينمائية رمزية

في سياق متصل يعود المخرج السوري محمد ملص ليصور العاصمة السورية في "سلم إلى دمشق" الذي يعتبر أول فيلم روائي سوري يتناول الحركة الاحتجاجية السورية برمزية وشاعرية مستندا الى شهادات من الداخل ترصد يوميات القلق والخوف من المجهول القادم، "نحن وحيدون" قالها ملص وهو يقدم فيلمه الذي صوره في نيسان/ابريل 2012، أي "قبل ان تسوء الأمور إلى هذه الدرجة" على الأرض السوري، بحسب تعبيره، ويشكل الخوف والتعب والرغبة بالخلاص محور الفيلم الذي يربط بين الحكايات الصغيرة التي تبدو وكأن لا شيء يربط بينها، وقال ملص "اعتقد إننا على وشك فقدان سوريا وهذا ما يتكلم عنه الفيلم" لافتا إلى شرعية ذلك الخوف المعلن في الفيلم الذي يقدم صورة أخرى مختلفة للإنسان لسوري في قلب الأزمة مقارنة بكم الصور المنشورة للفظاعات التي طالت أهل سوريا منذ عامين وبضعة أشهر.

وعن مضمون فيلمه هذا المشارك في مسابقة المهر الروائي للأفلام العربية قال المخرج "أردت ان يكون للسينما شهادة على ما يجري وان اعبر عن المشاعر الحقيقية للمواطن السوري الذي كان هدفه من البداية الحرية والكرامة، طبعا البلد صار مفقودا الآن ولم يبق شيء"، ولا يصور "سلم إلى دمشق" الذي يرتقي إلى مرتبة الوثيقة السينمائية، الحرب السورية بل يصور ملامح منها وأثرها على مجموعة من الأشخاص بعضهم من الطلاب اتوا من مختلف المناطق والانتماءات السورية ليسكنوا ذلك البيت الدمشقي القديم حيث استأجر كل غرفة له، وإذا كانت الكاميرا في بداية الفيلم ونهايته تتسلل قليلا إلى خارج تلك الدار فهي كما الفيلم تظل أسيرة المكان المقفل بسبب استحالة التصوير في الخارج خصوصا وان "الكاميرا عدوة النظام الأولى" على ما يؤكد ملص خلال تقديمه لفيلمه. بحسب فرانس برس.

وباستثناء ممثلة واحدة فان كل الممثلين الذين وقفوا إمام الكاميرا هم من غير المحترفين الذين استعيرت قصص بسيطة لكن قاسية من يومياتهم أحيانا لتغني الفيلم، وتحضر في الفيلم روح المخرج عمر أميرالاي صديق ملص الذي رحل قبل فترة وجيزة من انطلاقة الاحتجاجات الشعبية في سوريا، وكان شديد الانتقاد للنظام النظام السوري في أفلامه الوثائقية، وأيضا روح المخرج اليوناني تيو انجولوبولوس الذي رحل قبل شهر ونصف من تصوير فيلم ملص وهو مخرج أثير على قلبه وقد تضمن "سلم إلى دمشق" مقاطع من عمله الأخير، فضلا عن روح المصور والمخرج السوري الشاب باسل شحادة الذي قتل اثناء توثيقه للأحداث في حمص.

حكايات الحب والحرب

فيما تناولت الافلام العراقية الثلاثة التي عرضها مهرجان ابو ظبي السينمائي ضمن مسابقتيه الرسميتين الحب والحرب في عراق اليوم الذي يمزقه العنف والقتل اليومي، وأحد هذه الافلام هو "تحت رمال بابل" للمخرج محمد الدراجي" وهو يتناول لأول مرة في تاريخ السينما العراقية الانتفاضة التي شهدها العراق ضد الرئيس السابق صدام حسين عقب انسحاب قواته من الكويت، ويروي هذا الفيلم، الذي شارك في مسابقة الافلام الروائية الطويلة، قصة جندي عائد من الحرب يعتقل بتهمة المشاركة في التمرد، ومعه قصص سمعها من شهود فعليين على سحق الانتفاضة بالحديد والنار.

واعاد المخرج في فيلمه هذا تركيب تلك الذكريات عن المعتقلات الجماعية والتصفيات داخل السجون، معتمدا على شهادات واقعية ورغبة بالوفاء لهذه الاحداث التي لم يسبق ان تطرقت اليها السينما العراقية، والتي تؤرخ لمأساة عراقيين تركوا وحدهم تحت رحمة الالة العسكرية لصدام حسين، دون اي التفات عربي او غربي لهم كما كانوا يتوقعون، على حد تعبير أحد الشهود، والفيلم العراقي الثاني في المهرجان كان للمخرج الكردي هينز سليم، المقيم في فرنسا منذ سنوات، وهو يحمل عنوان "بلادي الحلوة، بلادي الحادة"، وقد شارك ايضا في المسابقة الرسمية للافلام الطويلة. بحسب فرانس برس.

وسبق ان شارك هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي، وهو يروي قصة شابة كردية، تؤدي دورها الايرانية غوليشفتي فرحاني، تريد ان تتغلب على التقاليد التي تتحكم بها وبمستقبلها، ورغم العادات الصارمة، فان حبيبها الذي يؤدي دوره قرقماز ارسلان يساعدها في القيام بدورها المناهض للرجعية والاستبداد والاقطاع او تحكم عصابات التهريب في المنطقة الحدودية العراقية التركية، ويصور الفيلم رحلات طويلة على الخيل وسط طبيعة خلابة في كردستان العراق التي يقول المخرج انه وبعد عشر سنوات على حكمها الذاتي لم تسجل اي تقدم في المجال الاجتماعي وبقيت محكومة بتقاليد بالية لا تتماشى مع الوضع الجديد للأكراد في الشمال العراقي.

اما "قبل سقوط الثلج"، الفيلم الاول للمخرج العراقي الكردي هشام زمان والمشارك ضمن مسابقة "آفاق جديدة"، فقد حقق مفاجأة في اوساط المهرجان بعد حصل على جائزة أفضل فيلم لدول الشمال في مهرجان غوتنبيرغ، ويتناول هذا الفيلم العادات والتقاليد الكردية من خلال قصة حب و"زواج خطيفة" لشابة تذهب مع حبيبها قبل ان يلحقها شقيقها ليقتلها "غسلا للعار"، لكن الرحلة الطويلة التي يسلكها الشقيق مرورا بتركيا والمانيا تطبع تحولات في شخصيته بحيث يعدل عن فكرة قتل اخته، ونال هذا الفيلم للمخرج هشام زمان اعجاب الكثيرين من موزعي الافلام ومديري المهرجانات، وتحتفظ السينما العراقية في السنوات العشر الاخيرة بموقع رائد في السينما الخليجية، وقد انتزعت النصيب الاكبر من جوائز المهرجانات الاقليمية التي اقيمت في السنوات الاخيرة.

السلطة والفساد

من جهته يصور المخرج التونسي الشاب نجيب بلقاضي في فيلمه الاول "بستاردو" تداخل آليات السلطة والفساد في المجتمع التونسي والتحولات التي تعيشها البلاد، مختصرا واقع العالم العربي بحي شعبي في تونس يحلم بالرفاه، وعرض هذا الفيلم في مهرجان ابو ظبي السينمائي، اذ يشارك في مسابقة "آفاق جديدة" الى جانب 15 فيلما من بلدان مختلفة، بعد مشاركته في مهرجان تورنتو السينمائي أخيرا، ويقدم نجيب بلقاضي الذي بدأ بكتابة السيناريو لهذا الفيلم عام 1998 شخصيات غريبة لها عالمها المجنون وخصائصها المركبة، يشكل محسن، الشاب الذي عثر عليه ملقى في مكب النفايات وهو رضيع، مع اترابه في الحي البائس عصابات تتقاسم النفوذ فيه، وتتصرف مع الناس على انهم قطعان تابعون، ويصور الفيلم صراع هذه العصابات في بسط نفوذها وفي فرض الاتاوات على الناس.

ومع ان الفيلم يصور الجوانب القاسية من شخصيات هؤلاء البلطجية الذين يحكمون الناس بسلطة الامر الواقع، الا انه لا يغفل الجانب العاطفي لديهم، ويلقي الفيلم الضوء على هذا الجانب المجهول من خلال قصة الحب التي تربط محسن بإحدى شابات الحي، ووفائه لحبها حتى بعدما غادرت الحي وصارت وجها اعلانيا معروفا، ومع ان كتابة سيناريو الفيلم بدأت قبل سنوات طويلة، الا ان المشاهد يحسب نفسه امام فيلم يصور واقع تونس اليوم، بحسب ما قال عدد من الذين شاهدوا عرضه في المهرجان.

ويعتبر فيلم "بستاردو" الشريط التونسي الوحيد المنتج في تونس هذا العام بعد انتاج فيلم وحيد آخر العام الماضي، في وقت سجلت فيه السينما التونسية التي تألقت في التسعينات تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة بسبب قلة الدعم وضغوطات الرقابة ايام الرئيس الراحل بن علي، وسبق لشركة "بروباغندا" للإنتاج التي يرأسها عماد مرزوق، وهو ايضا من الجيل السينمائي الشاب، أن تعاونت مع المخرج بلقاضي في اطار السينما البديلة، وكان التعاون قبل اعوام لإنجاز فيلم "كحلوشة" الوثائقي، وجال الفيلم وقتها على عشرات المهرجانات ونال جوائز عديدة، ويعرض مهرجان ابو ظبي هذا العام في اطار "الفيلم الاول" عملين من أبرز ما قدمت السينما التونسية، وهما "عصفور سطح"(1990) لفريد بو غدير و"صمت القصور" لمفيدة تلاتلي.

على صعيد ذي صلة فان ثورة الياسمين في تونس، لم تكن مجرد تحرك واقعي يعم الشارع، وإنما جاءت بشكل كبير نتيجة حالة افتراضية أيضا، أو ما يعرف بالتظاهرة الإلكترونية التي سعت لـ"خلق فضاء حر لكل البشر"، وهذا الواقع الافتراضي هو ما يسلط الضوء عليه الفيلم التونسي "أولاد عمار"، عبر شهادات خمسة مدونين سُجنوا قبل أيام قليلة من ثورة 14 كانون الثاني/يناير العام 2011 في تونس، بسبب نشاطهم ضد الرقابة على الإنترنت، التي فرضها نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

ويبدو "أولاد عمار" الذي عرض في الدورة العاشرة لـ"مهرجان دبي السينمائي الدولي"، بمثابة مرحلة انتقالية للمرور من الافتراضي إلى الواقعي، ومن الأمل إلى الخيبة، ويسرد الفيلم بدايات الثورة الافتراضية في تونس عبر تسليط الضوء على عدد من المدونين الذين ناضلوا ضد الرقابة على الإنترنت في ظل حكم الرئيس السابق، وقال الناشط التونسي في وسائل التواصل الإجتماعي، مالك خضراوي، إن "زهير يحيوحي الذي يلقب بالتونسي، وهو رائد النشاط الإلكتروني، كان أول شخص يسجن بسبب نشاطه عبر شبكة الإنترنت، وتوفي بعد أشهر قليلة من خروجه من السجن"، وأكد خضرواي على أهمية إنجازات ذلك الناشط بالقول: "نحن أولاد زهير يحيوحي".

من جهته، قال المدون التونسي رياض إن "بن علي ارتكب خطأ باعتقال زهير يحيوحي لأن التونسيين كانوا مشتتين قبل ذلك، ولكن بعد اعتقاله ولد النشاط الإلكتروني، والمحاربة ضد رقابة الإنترنت"، وكان المدونون قبل بدء الثورة، قد قرروا إنشاء مدوناتهم الخاصة التي يعبرون فيها عن حياتهم، لكن الشرطة التونسية فرضت الرقابة على الإنترنت، وأوضح أحد المدونين أن "الناشطين في فضاء الإنترنت، لم يحاربوا ضد النظام السياسي في البداية، ولكن ضد الرقابة الإلكترونية"، وفي ذلك الوقت، كان المدونون قد بدأوا بتنظيم تظاهرات حملت اسم "نهار على عمار".

وتمكنت وسائل التواصل الاجتماعي في تونس من أن تساهم في التحشيد ضد النظام الحاكم السابق، واقترنت بداية أحداث الانتفاضة مع النضال الافتراضي، والذي وجد له ملجأ خصبا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وتمكن المدونون ونشطاء الشبكة الإلكترونية عبر العالم الافتراضي من أن يعمدوا إلى تدويل أحداث الثورة التونسية، لتصبح محط أنظار العالم بأسره، وتجدر الإشارة إلى أن الناشط في وسائل التواصل الاجتماعي التونسي وائل ليفي، وهو الذي التقط الصور الأولى لمحمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه، ومن ثم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقررت المدونة التونسية سوفيان شورابي بعد تلك الحادثة، أن تنشر مقالة على مدونتها تحت عنوان "سيدي بو زيد تحترق" بالإضافة إلى تحميل أشرطة الفيديو التي رافقت التظاهرات، واستقت نسبة كبيرة من التونسيين ووكالات الأنباء الدولية الأخبار والمستجدات السياسية أثناء الثورة الشعبية التي اطاحت بالرئيس التونسي السابق من مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها فيسبوك، والمدونات التي نقلت نبض الشارع، لتترسخ أهمية "المواطن الصحفي".

ولكن المدونين في تونس لم يتمكنوا من الإبقاء على أهدافهم المشتركة بالمناداة في الحرية والكرامة، وأن يكونوا صوت الإعلام الحر، إذ بعد عامين وخمسة أشهر وسبعة أيام من الثورة، حكم على مغني الراب، "ولد إل" الذي يبلغ من العمر 15 عاما، بالسجن بسبب مقاطع من أغنياته، وقد أطلق سراحه بعد شهر تحت ضغط المؤسسات الدولية والمجتمع المدني، ويقدم أحد المدونين وجهة نظره، في تحول موقف المدونين بعد الثورة، إذ صار كل واحد منهم يطمح بمنصب سياسي، والظهور عبر الإعلام، وتحقيق غايات شخصية أخرى لا علاقة لها بأهداف الصورة.

وتجدر الإشارة إلى أن "أولاد عمار" هو شريط وثائقي طويل، للمخرج التونسي نصر الدين بن معاطي ويقدم مقاربة سينمائية للمقاومة التونسية في زمن حــكم بن علي ويتتبعّ مدى مساهمته في إنجاح الثورة التونسية.

تحت قلعة حلب

الى ذلك وحين بدأ محمد سويد تصوير فيلم عن الحرب الأهلية في سوريا جمع لقطات صورها ثلاثة نشطاء ولم تكن لديه فكرة عمن سيكون بطله، وفيما تجول بين اللقطات تكونت حكاية ابو بكر المقاتل بلواء التوحيد الاسلامي الذي قاتل في شوارع حلب منذ فبراير شباط وحتى اكتوبر تشرين الاول 2012، وقال سويد إنه حين فحص اللقطات وجد أن هناك شخصية واحدة دائمة الحضور وهي ابو بكر وأن حكايته تتطور، وتابع أن ابو بكر كان يعيش القصة، وقال سويد عن ابو بكر إنه لم يكن رجلا عسكريا بل هو مجرد رجل بدأ مشوار المعارضة السياسية من خلال الاحتجاجات السلمية وحين وجد نفسه في مواجهة القصف والقمع حمل سلاحا وقرر القتال.

ويتخلل الفيلم الوثائقي لقطات للقتال العنيف والدمار في حلب، وتمتلئ الجدران الحجرية للبلدة الواقعة بشمال سوريا بآثار الطلقات النارية بينما تظهر منازل سويت بالأرض بسبب الغارات الجوية والقصف، وتذكر جثث من سقطوا في القتال بوحشية الحرب، وتحول الصراع في سوريا الذي بدأ بحركة احتجاج ضد الرئيس بشار الاسد منذ اكثر من عامين ونصف العام الى حرب أهلية أدت الى مقتل اكثر من 100 الف شخص وتسببت في نزوح الملايين عن ديارهم، ويظهر الفيلم معاناة السوريين الذين يقفون لساعات للحصول على رغيف الخبز والملايين المكدسين في مخيمات اللاجئين. بحسب رويترز.

وتتنقل اللقطات من مشاهد من حياة ابو بكر اليومية وهو يتحدث عن والده الذي "أخفته" الشرطة السرية السورية في اوائل الثمانينات خلال حملة الحكومة على جماعة الاخوان المسلمين الى ابنائه الذين يعيشون في مخيم للاجئين في تركيا بعيدا عن والدهم، كما يظهر الفيلم مدنيين متوترين يعبرون عما يجول بخاطرهم امام الكاميرا عن الحرب وسيطرة مقاتلي المعارضة على احيائهم وكذلك مقاتلين اسلاميين يتحدثون عن مستقبل سوريا التي هي واحدة من اكثر الدول العربية علمانية اذا سقط الأسد، وقال سويد إنه اراد ان يظهر كيف يناقش المقاتلون مستقبل بلادهم بعد الاسد وليس مجرد وجهة نظر من هم خارج سوريا.

ويسأل مقاتلون معارضون ملتحون عما يجب فعله مع رجل يشرب الخمر داخل منزله او امرأة ترتدي تنورة قصيرة، وكانت أغلب إجاباتهم معتدلة ويقولون إن الأمر يتوقف على معتقدات الانسان الدينية، وقال سويد إن ما جذبه هو أن هذه المناقشات ليست محظورة داخل سوريا لكنها كانت المرة الاولى بالنسبة له التي يستمع فيها لآراء اشخاص يقاتلون النظام وليس مجرد محلل على التلفزيون، واكتسب المقاتلون الاسلاميون قوة مع تطور الصراع السوري، وزادت جماعات مسلحة بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة قوة خلال الحرب الاهلية.

وتظهر المشاهد الاخيرة للفيلم ابو بكر جالسا على الارض بجوار صورة والده الذي لم يره قط وهو ينشد اغنية تعبر عن حلمه بالاستشهاد، ويقول سويد إن ابو بكر لايزال حيا ويقاتل على الرغم من أن هذا لم يرد في الفيلم، وأخذ الفيلم اسمه عن عبارة شهيرة في اللغة العربية لا يتغير نطقها او معناها إذا قرئت من آخرها الى أولها، وفي نهاية الفيلم يعرض سويد العبارة مرة اخرى ملمحا الى أن نهاية الحرب لا تبدو قريبة، ويرى سويد أن الوضع في سوريا اشبه بمن يعتقد أنه وصل الى نهاية شيء ما ليجد أنه يبدأه مجددا من نقطة الصفر، ومضى يقول إن البداية هي النهاية والنهاية هي البداية في ذات الوقت.

بيت التوت

من جهة أخرى فان "بيت التوت" قد يشي الإسم بشجرة توت ضخمة تفيئ بيت العائلة في العاصمة اليمنية، صنعاء، يعتلي الأولاد أغصانها، يقطفون ثمارها التي تشبه عناقيد العنب الصغيرة، ويتذوقون حبيباتها القرمزية اللون، بنشوة بريئة، كأنهم يتذوقون هذه الثمار للمرة الأولى.

ويأخذنا الفيلم اليمني الوثائقي "بيت التوت" والذي حظي على دعم "إنجاز" وعرض في الدورة العاشرة لـ"مهرجان دبي السينمائي الدولي" في جولة، مع مخرجة الفيلم اليمنية البريطانية سارة إسحاق، التي غادرت اليمن وهي فتاة يافعة لم تعد تطيق العيش تحت ضغوط الحياة، فقررت وهي ابنة لأب يمني وأم اسكتلندية أن ترحل الى اسكتلندا حيث تعيش والدتها.

وكان لوالدها شرط وحيد، وهو أن تحافظ ابنته على هويتها اليمنية، وهكذا فإنها قطعت وعداً وهي في السابعة عشر من عمرها، بأن لا تنفصل أبداً عن جذور وطنها الأم، اليمن، ولكن الابنة المتمردة، على التقاليد والعادات، لم تقوَ على الوفاء بوعدها، وعادت بعد 10 سنوات من رحيلها إلى اليمن، في رحلة استكشاف جديدة، للمجتمع الذي تركته والعائلة، وهي نموذج الاسرة اليمنية، التقليدية من الطبقة الوسطى، التي انفصلت عنها، وبيت التوت العتيق حيث يهتم جدها بأصغر تفاصيله.

ويبدأ الفيلم بالتصوير في شباط/فراير العام 2011، في موسم التوت تحديداً، بصوت أنثوي لإحدى قريبات سارة وهي تتساءل "يجب أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل طبيعية، لماذا يتم الفصل بينهما؟

وتأخذنا سارة من بعدها، لاكتشاف سيرتها الذاتية عبر تطور العلاقة بينها وبين والدها بعد غياب طويل، ولكن هذا لا يمنع في بعض اللحظات من أن تعلو حدة الحوار بينهما والتي تتمحور حول ظاهرة مستشريه في اليمن أي الزواج المبكر للفتيات، إذ تقول سارة "كنت صغيرة قبل أن أذهب إلى بريطانيا، أردت تزويجي وعمري 15 سنة، قلت لك: والدي هذا الشخص كبير في السن وأصلع، فأجبتني أن الحب يأتي مع الوقت"، ولكن الأب يبدو كأنه أعاد التفكير بموقفه، بدا منفتحاً ومرحاً، وقابلاً للحوار، إذ يؤيد ضرورة عدم إكراه الفتيات على الزواج المبكر، بعكس السائد في اليمن، وهنا تلتقط الكاميرا، شقيقة سارة وترصد موقفها المعلن: "البنت التي تكره نفسها تتزوج". بحسب سي ان ان.

وتتفاجأ سارة أيضاً بأنها عادت لتجد عائلتها وبلدها على حافة ثورة في ربيع العام 2011، ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وسرعان ما تتحمس العائلة للثورة، فيطهو أفرادها وجبات الطعام للثوار في ساحة التغيير في صنعاء، وترصد الكاميرا والدها وهو يقول "هه الثورة فرقت بين الباطل والحق، هذا الرجل (علي عبدالله صالح) علم إبليس، لا يوجد أخبث منه"، وتبدو سارة في وسط الثورة، منشغلة بأدق تفاصيلها، إذ تخرج لتصوير التظاهرات ومآتم الشهداء، وتصبح شاهدة عيان عما يحصل في بلدها، من خلال تعاونها مع هيئة الإذاعة البريطانية.

تشارك سارة في التظاهرات، حيث تعلو الأصوات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"يا يمنية ثوري ثوري على صالح الديكتاتوري"، ويعلق والدها قائلا: "أنا أشعر بالفخر، لأنك شاركت بالميدان"، وفي المشاهد الأخيرة في الفيلم، يبدو أن العائلة التي ترمز بشكل مصغر إلى المجتمع اليمني لم تشعر بالرضى من نتائج الثورة، إذ يشير الوالد إلى أن "المتظاهرين كانوا يجب أن يصرخوا: اعتصام اعتصام حتى يسقط الفساد، لأن النظام ليس العنصر الفاسد الوحيد في البلد، أنا أبكي على الشباب الذين قضوا في تظاهرات لأنهم ماتوا ليس للسبب الذي ناضلوا من أجله، الثورة لم تنتهي، الثورة يجب أن تنتهي، عندما ينتهي الفساد ولكن الفساد ما زال موجود".

ورغم تأرجحها بين الرمادية، وبعض الرضى الذاتي عما تم إنجازه حتى لو كان قليلا، إلا أن الفيلم يؤكد في النهاية على أن الثورة اليمنية أفرزت الكثير من المواهب، وعززت من الحوار والنقاش، داخل البيت الواحد وخارجه، هذه هي مفردات الثورة، وهذه إيجابيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/كانون الثاني/2014 - 28/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م