لبنان.. صراع اثبات الوجود مرتع للنزاعات الإقليمية

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: شهدت لبنان خلال الاونة الأخيرة اضطرابات مضطردة على المستويين الأمني والسياسي، نتيجة لانتقال عدوى الصراع السوري الذي بات يضرب بشدة في عمق هذا البلد المجاور لسوريا، حتى تحولت البلاد اللبنانية الى ساحة تفجير تختزل النزاعات الاقليمية بحرب كاملة بالوكالة بين خصوم إقليميين يسعون للهيمنة والنفوذ في قلب الشرق الاوسط.

ولعل الأحداث الأخيرة في لبنان بعد مقتل شخصية سياسية كبيرة (محمد شطح) وهو من ابرز الرموز ضد النظام السوري، اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب اللبناني من انزلاق لبنان في وحل الفوضى وعودة العنف الداخلي مجددا، وقد تعدد آراء المحللين حول هذه الحادثة بين التي تنذر بأزمة جديدة اكثر اتساعا، فمنهم من يقول بأن هذا الحدث يسعى لتحقيق أجندة إقليمية من خلال نقل وتداول أزمات تلك البلدان، لتمرير الأزمة السورية الى لبنان، بحيث تجسد الاعتداءات التي تستهدف مناطق مكونات الشعب اللبناني واذكى روح الطائفية فيما بينهم، لتشكل جزء من نزاع اقليمي اوسع على السلطة بين اجهزة استخبارات متنافسة ونتيجة لتزايد العداء بين اعتى خصمين اقلميين واكثر نفوذا في لبنان هما ايران والسعودية، ويرى هؤلاء المحللون ان تقارب ايراني سعودي وحده يمكن ان يضع حدا لمثل هذه الجرائم، وهو امر يبدو بعيدا.

في حين يرى محللون آخرون بان هذا التصعيد الامني والسياسي هو هدف إسرائيلي لخلق قوى جديدة بين الإطراف السياسية أكثر توازنا، وقد يعلن مقتل سياسي كبير في لبنان عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في السنوات المقبلة. 

لذا يتوقع اغلب المحللين ان يستمر التصعيد في لبنان، فمن الممكن ان تحصل سلسلة تفجيرات واغتيالات جديدة، كون الطرفين في لبنان غير قادرين على التوصل الى حل مقبول منهما معا، وهذا الامر سيجعل التوصل الى حل سياسي في لبنان امرا شاقا ما سيقود لبنان الى فراغ حقيقي في السلطة في ظل رفض الاطراف السياسيين التفاوض على تسوية داخلية، وهو ما يضع لبنان في حلقة مفرغة من الاشكاليات المتراكمة والازمات المستحدثة.

ساحة تفجير

في سياق متصل اكد التفجير الذي اودى بحياة سياسي لبناني بارز مناهض لدمشق، تحول لبنان الى ساحة تختزل النزاعات الاقليمية، بحسب ما يرى محللون، متوقعين مزيدا من العنف في ظل الشعور بالاستقواء لدى النظام السوري بعد النجاحات الاخيرة العسكرية والدبلوماسية التي حققها.

ويقول الباحث كريم بيطار من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس (ايريس) ان "الاغتيال السياسي الاخير يعكس اكثر من مجرد تداعيات للحرب السورية. اعتقد اننا تجاوزنا هذه المرحلة، ودخلنا الآن في حرب سورية-سعودية كاملة بالوكالة"، ويضيف "الانقسام الشديد في لبنان يجعل مسالة تسجيل الاهداف امرا سهلا على ارضه بالنسبة الى ايران والسعودية"، مضيفا ان "البلد لا يتمتع باي حصانة"، وتقول لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيجي للشرق الاوسط الذي يتخذ من بيروت مقرا، ان لبنان "يختزل النزاعات الاقليمية، ولا يجب ان نتوهم انه في الامكان تجنب الانعكاسات الامنية للنزاع السوري"، وتضيف ان نظام الرئيس السوري بشار الاسد وحلفاءه في لبنان وسوريا يشعرون "بالاستقواء بعد المفاوضات الدولية حول المسالة النووية (الايرانية) والاسلحة الكيميائية" السورية.

ويرى محللون ان موافقة دمشق على تسليم اسلحتها الكيميائية أعادتها الى الساحة الدولية، كما ان مشاركتها في المؤتمر الدولي المرتقب في 22 كانون الثاني/يناير في سويسرا حول الازمة السورية سيكرس شرعية النظام امام المجتمع الدولي الذي كان جزء كبير منه يطالب حتى الامس القريب برحيله، كما فتحت المفاوضات مع ايران حول ملفها النووي الباب امام رفع العقوبات عنها وتعزيز موقعها الدولي.

يضاف الى هذه الانجازات الدبلوماسية، انجازات عسكرية حققتها قوات النظام السوري خلال الاشهر الماضية على الارض، بدعم من ايران وحزب الله، في مواجهة مجموعات المعارضة المسلحة المدعومة من السعودية خصوصا.

وتشير الخطيب الى ان اغتيال الوزير السابق محمد شطح يأتي "في اطار سلسلة اعتداءات واعتداءات مضادة تستهدف الطرفين السياسيين المتنافسين" في لبنان.

فقد استهدف تفجيران انتحاريان الشهر الماضي السفارة الايرانية في بيروت، ما تسبب بمقتل 25 شخصا. وسبق ذلك تفجيران خلال فصل الصيف في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب الشيعي، وتفجيران آخران وقعا في يوم واحد في طرابلس في الشمال امام مسجدين سنيين. وحصدت هذه التفجيرات عشرات القتلى والجرحى.

وترى الخطيب ان هذه "الاعتداءات تهدف الى زعزعة استقرار لبنان وجره اكثر الى النزاع السوري"، الا ان بيطار، مع اقراره بان الاعتداءات ضد حزب الله وضد قوى 14 آذار "كلها ارهاب محض"، لكن "طريقة التنفيذ والمنطق مختلفان تماما".

وبدأت التفجيرات في مناطق حزب الله قبل اشهر مع تزايد دور الحزب في النزاع السوري، بينما تستهدف شخصيات قوى 14 آذار منذ 2005، تاريخ مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في تفجير ضخم في بيروت.

ووجهت اصابع الاتهام في تلك العملية الى سوريا، ثم الى حزب الله، وكذلك في سلسلة الاغتيالات التي تلت والتي نالت من ثماني شخصيات سياسية واعلامية من قوى 14 آذار، غير الحريري، ومن ثلاث شخصيات امنية، اثنتان منها محسوبتان على تيار المستقبل الذي يرئسه سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، وبعد ان توقفت الاغتيالات بين 2008 و2012، عادت في وقت كان النزاع السوري يتأجج، فقتل المسؤول الامني الكبير وسام الحسن في تشرين الاول/اكتوبر 2012، ثم محمد شطح. بحسب فرانس برس.

ويرى استاذ العلاقات السياسية في الجامعة الاميركية اللبنانية عماد سلامة ان المستفيد من كل هذا هو ايران بشكل اساسي، ويقول "اذا استمر ذلك، سينتهي الامر برؤية متطرفين سنة يقودون الطائفة السنية"، ويضيف ان "هؤلاء المتطرفين يقدمون على انهم مناهضون للغرب، كما انهم مناهضون للحلول الوسطية.. وهذا يظهر المجموعات الموالية لايران كأنها معتدلة، ويعزز موقعها".

عودة المازق الحكومي الى الواجهة مجددا

فيما دفع اغتيال الوزير السابق محمد شطح، السياسي البارز في قوى 14 آذار المناهضة لدمشق، تحالف الشخصيات والاحزاب هذا الى تصعيد مواقفه في ما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة في لبنان يتعثر تأليفها منذ اكثر من ثمانية اشهر، مطالبا بحكومة تستثني حزب الله وحلفاءه، وقال منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد لوكالة فرانس برس "لم نعد نريد حكومة حيادية، نريد حكومة تكون فيها الحقائب الامنية لقوى 14 آذار لنتمكن من حماية انفسنا وحماية المواطن اللبناني"، مضيفا "نطرح اليوم فكرة تشكيل حكومة تضم ممثلين عن فريقنا ووسطيين"، واشار الى ان الفكرة "قيد الدرس تمهيدا لاحتمال تبنيها رسميا".

واستقالت حكومة تصريف الاعمال الحالية التي يرأسها نجيب ميقاتي في 22 آذار/مارس 2013، وسمي النائب تمام سلام المنتمي الى تحالف قوى 14 آذار لتشكيل حكومة جديدة. لكن لم يتمكن من انجاز ذلك.

ورفضت قوى 14 آذار منذ البداية المشاركة في حكومة الى جانب حزب الله، وطرحت تشكيل حكومة حيادية من مستقلين او تكنوقراط كحل للازمة. الا ان الحزب يتمسك باقتراح يقضي بتاليف حكومة من 24 وزيرا يتوزعون تسعة لحزب الله وحلفائه، وتسعة لقوى 14 آذار، وستة للوسطيين. بحسب فرانس برس.

وتراهن قوى 14 آذار على رئيس الجمهورية ميشال سليمان (وسطي) وعلى رئيس الحكومة المكلف (من المعتدلين في 14 آذار) ليقوما بتشكيل "حكومة امر واقع". لكن هذه الحكومة تحتاج للمرور في مجلس النواب حيث لا يمتلك اي من فريقي حزب الله و14 آذار الاكثرية المطلقة، الى موافقة الكتلة الوسطية التي يترأسها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والتي تشكل بيضة القبان بين الفريقين، ودعا جنبلاط الى "تجنب الفتنة" والى "تسوية تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية".

ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية اللبنانية عماد سلامة ان "تشكيل حكومة اصبح اكثر تعقيدا"، متوقعا ان "يتعمق الانقسام مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة" في ايار/مايو 2014.

تجسس اسرائيلي

على صعيد ذو صلة اكد النائب اللبناني حسن فضل الله المنتمي الى حزب الله ان اسرائيل تتجسس عبر ابراج نصبتها على الحدود اللبنانية على كل الاتصالات في لبنان بما فيها موجات القوى الامنية وقوة الامم المتحدة في الجنوب (يونيفيل).

وقال فضل الله في مؤتمر صحافي عقده اثر اجتماع للجنتي الشؤون الخارجية والاتصالات في مجلس النواب اللبناني ان الاجتماع تناول "ملف التجسس الاسرائيلي على لبنان"، واضاف ان "لجنة فنية موكلة متابعة اخطار الابراج الاسرائيلية المنصوبة على الحدود" قدمت خلال الاجتماع "عرضا موثقا شمل تحديد طرق التجسس الاسرائيلية عبر الابراج، وهذا التجسس يطاول المقيمين على الاراضي اللبنانية، كل شيء على الهواء في لبنان سواء كان عبر الهاتف الخليوي او الثابت او الانترنت".

واوضح ان التجسس هو على "وسيلة اتصالات حتى عبر الاجهزة (اللاسلكية) على موجات اليونيفيل او موجات القوى الامنية اللبنانية، كله تحت العدوان التجسسي الاسرائيلي"، مشيرا الى ان السفارات ايضا تخضع لتجسس اسرائيلي. بحسب فرانس برس.

واوضح ان سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وسفراء الاتحاد الاوروبي وسفراء الدول التي لديها قوات مشاركة في اليونيفيل وممثل الامين العام للامم المتحدة دعوا الى الاجتماع، وتم تقديم شرح لهم عن مواقع الابراج وعملها، ونقل عن وزير الخارجية عدنان منصور قوله خلال اللقاء ان هذا "التجسس" هو "اعتداء على بلد ذي سيادة" و"خارج كل المواثيق والقرارات الدولية"، ودعا الدول الى "المساعدة سواء في المحافل الدولية او بأي طريقة اخرى للحد من هذا العدوان التجسسي على لبنان"، وليست المرة الاولى التي يتهم فيها مسؤولون لبنانيون اسرائيل بالتجسس على الاتصالات، وتقيم اسرائيل منشآت قريبة من الحدود اللبنانية لا يمكن التحقق من هدفها، وكشفت السلطات اللبنانية وحزب الله مرارا اجساما قالت انها عائدة لاجهزة تجسس اسرائيلية، وغالبا ما كان يتم تفجيرها من الاراضي الاسرائيلية فور كشفها.

إرجاء محاكمة وزير سابق

الى ذلك أرجأ القضاء اللبناني اليوم الثلاثاء حتى 30 ايار/مايو المقبل، محاكمة الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، المتهم بنقل متفجرات من سوريا بنية قتل سياسيين ورجال دين وسوريين، بحسب ما افاد مصدر قضائي وكالة فرانس برس.

وكان من المقرر ان يمثل السياسي اللبناني المقرب من الرئيس السوري بشار الاسد، امام المحكمة العسكرية برئاسة العميد نزار خليل. الا ان الاخير اعلن ارجاء المحاكمة بسبب عدم حضور المتهم الثاني في القضية، رئيس مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي مملوك، وهو الارجاء الثاني للمحاكمة بعد إرجاء اول في 20 حزيران/يونيو للسبب نفسه، وكان قاضي التحقيق العسكري الاول في لبنان رياض ابو غيدا طلب في 20 شباط/فبراير الماضي، عقوبة الاعدام لمملوك وسماحة الذي اوقفته قوى الامن اللبناني في التاسع من آب/اغسطس في منزله ببلدة الخنشارة شمال شرق بيروت.

واستدعى القضاء اللبناني مملوك للتحقيق معه في القضية في 19 كانون الثاني/يناير. وإزاء عدم حضوره، اصدر القضاء مذكرة غيابية بتوقيفه في الرابع من شباط/فبراير، وفي ظل عدم حضور المتهم، يجيز القانون اللبناني إجراء محاكمة غيابية لمملوك، الا ان المحكمة لم تلجأ بعد الى هذا الخيار. بحسب فرانس برس.

وفي حزيران/يونيو الماضي، اوضح المحامي صخر الهاشم، احد وكلاء سماحة، ان "الظروف السياسية لها دور كبير في هذه العملية. القضية فيها اتهام لرئيس جهاز الامن القومي السوري بجرم رئيس عصابة. هذا اعلان حرب على الدولة السورية"، واضاف "ان محاكمة علي مملوك خطوة لا يمكن لاحد ان يتحملها"، وسماحة وزير ونائب سابق معروف بقربه من النظام السوري، وكان يمضي جزءا كبيرا من وقته في دمشق. وحضر جلسة اليوم وبدا في صحة جيدة، وهو يرتدي بزة زرقاء اللون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/كانون الثاني/2014 - 28/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م