سلوك الإنسان.. بين الربيع والخريف!!

د. اسعد الامارة

 

يرى "دانييل لاجاش" بأن السلوك هو جماع الأفعال الفسيولوجية والنفسية واللفظية والحركية التي تقوم بها شخصية متصلة ببيئة لمحاولة حل التوترات التي تحفزها ولتحقيق إمكانياتها، ويضيف"لاجاش" الخاصية الاساسية للسلوك هي أن له معنى هو ما للافعال التي يتضمنها السلوك من قدرة على خفض توترات الكائن الحي وهو يتضمن التفكير الشعوري، فالتفكير عند الانسان هو سلوك أيضا بما هو الان، بما يعيشه من فرح أو ضغط أو فسحة تأمل أو تقارب مع الجماعة أو عزلة يشعر إنها مقيتة ولكن ألزم نفسه بالعيش فيها.. ما اقساك أيها الإنسان في كل لحظة تفكر بها، وترسم خطاك لتحقيق ما تريد سواء أكان للتوافق مع الواقع أو عكسه، تمتلك القوة المفرطة لحوافزك وحاجاتك وإنفعالاتك، وبنفس الوقت تمتلك وجدان الإثم والمازوخية نحو ذاتك أو السادية مع الأخرين.

يعيش الإنسان وهو بحاجة لتفريغ إنفعالاته وغرائزه بكل اشكالها، من الجنسية وحب الإمتلاك والسلطة والقوة والمال والجاه، مبتعداً عن عقدة الشعور بالنقص أو المهانة أو المذلة وهو منحدر خريف العمر.

يبحث الإنسان في ربيع عمره في السلوك الذي يستطيع خفض التوتر وطرد الإنفعالات المؤلمة والحوافز المعيبة التي تشعره بالندم وأحياناً يمضي لا يشعر بالندم إلا حين يدفع الثمن بالقانون أو الصحة أو بالابناء.. وتلك عملية توافق فادحة الثمن لانه لابد من استمرارها أو تكرارها ولأن الحافز الدافع المكبوت يظل موجوداً في حالة اشتقاقية ويتسلل إلى السلوك والتفكير في صورة محرفة وبدون أن يتعرف عليه الفرد نفسه، ولنا أمثلة في واقعنا المعاصر عصر التغيرات واتساع الطموح أمثلة كثيرة وعديدة.

نحاول أن نبحث في هذه السطور إلى مدى تطابق بين خريف الجسم وخريف النفس.. العواطف؟!!

يقول "د.أحمد عكاشة" إنه لايوجد تطابق بين التدهور الجسمي والنفسي بالنسبة لمرحلة خريف العمر،فمنذ مرحلة العقد الثالث تبدأ الشرايين في التصلب وبعد الاربعين مرحلة أزمة منتصف العمر يبدأ الشعر في البياض وبعد الخمسين يبدأ الجلد في الإنكماش ثم تبدأ معظم أعضاء الجسم اصابتها بعلامات الشيخوخة، وربما يكون نقيض الوضع النفسي، فكلما نضج الفرد وكبر في العمر، واصبحت شخصيته سوية، استطاع أن يتعمق في فهم الحياة ويكتسب متعاً جديدة وأهدافاً جديدة وربما افضل إلا شيئا من الملل وهو شعور يتسرب إلى حياة البعض بين الحين والحين، يجعل الدنيا أضيق من ثقب ابرة ويكاد الملل أن يتحول إلى أحد المتاعب النفسية وخصوصا في خريف العمر رغم إنه موجود لدى الشباب ويسمى من أمراض العصر، ويرجع علماء النفس ذلك إلى الرتابة والجمود التي يعيشها الفرد البائس أو المسن أو ممن يمر بمرحلة الخريف بغض النظر عن العمر..

يلازم الخريف عادة الانفعال بأنواعه، ونحن نتسائل معشر السيكولوجيين هل يمكن أن يكون الإنفعال توابل الحياة المعاصرة لكي يغير مسارها الرتيب والممل! فلنتصور الحياة بلا انفعالات، لايمكن تصورها، لأن الانفعالات في الحياة الاسرية تعطي نكهة لحياة الاسرة، فضلا عن أنها تجديد وكسر للرتابة وهروب من الخريف الملبد بالغيوم.

وجدت الدراسات النفسية الميدانية أن اعراض الاكتئاب تظهر عند الانسان في مختلف مراحل العمر وهو ما يسمى الاكتئاب الموسمي حيث يظهر في فصل الشتاء عندما تختفي الشمس لمدة طويلة في البلاد الشمالية، فضلا عن ظهور اعراض الاكتئاب ايضا في البلاد الحارة عندما يزيد ضوء الشمس ويتعرض البعض لاضطراب اكتئابي موسمي في فصول الصيف.. إذن الفصول لها تأثير على السلوك، وعلى تعامل الإنسان مع افراد المجتمع بالسلب أو بالإيجاب، فالخريف له وقع كما للربيع أو الصيف والشتاء.

إن سلوك البعض منا يتأثر بالمواقف الإنفعالية مثل القلق وسرعة التأثر وحدة الطبع وتغير المزاج والإحتصار والتوتر وعدم الاستقرار وكل تلك تقود في كثير من الاحيان إلى تغير البيئة أو تدعو البعض للهجرة وترك البلد أو المهنة أو تسبب الطلاق عند البعض من الرجال والنساء، هذه كلها لا تأتي تباعاً بل تأتي بشكل تلقائي وبدون وضوح سبب معين، إلا أن معظمها يأتي على أثر تعرض الفرد لتجربة قاسية نسبياً، ومعظم هذه التجارب تقع في النطاق العاطفي كالفشل، والخسارة المادية أو المعنوية، وموت أحد الاعزاء من الاقارب وازدياد المسؤولية الفردية أو العائلية وربما تجعل تلك التغيرات الفرد ما يهدد تقدير النفس واحترامها وكثيرا ما يحدث الإكتئاب الانفعالي على أثر تغير نمط الحياة كما يقول د. على كمال، أو إقتران حدوث الحدث المؤلم بفصل من فصول السنة فيترك اثراً نفسياً مؤلماً، وهو ما سموه جماعة السلوكيين بالاقتران الشرطي، وربما يقود للاضطراب النفسي.

*استاذ جامعي وباحث نفسي

*رئيس قسم علم الاجتماع/كلية الاداب ـــــ جامعة واسط

elemara_32@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/كانون الأول/2013 - 25/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م