الطوطم كفاعل سياسي

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: شغلت المعتقدات اهتمام الجميع، المعتقدين بها والباحثين فيها، ولا يتعلق الامر بالمعتقد الديني وحده، وما يتفرع عنه، بل يمتد ذلك الى المعتقد الفكري او النفسي او الاجتماعي او السياسي وغيرها من شؤون الناس كافة.

المعتقد او الاعتقاد الديني ربما هو الشكل الاول لجميع الاعتقادات الاخرى التي طبعت مسيرة الانسان في تاريخه الطويل، واستدعى الكثير من الدراسات والتأويلات والتفسيرات على صعيد البحث الدراسي، والتي ارجعته الى عدة اسباب تبعا لاعتقاداتها الفكرية.

ابتعادا عن الاعتقاد الديني للديانات التوحيدية الكبرى، ومابين ذلك من نبوات ورسالات عديدة سكتت عن ذكرها تلك الديانات، مارس الانسان في حياته اليومية كثيرا من صور الاعتقاد الديني المرتبط بشؤونه الاجتماعية اليومية.. وهناك حتى الان الكثير من تلك الصور رغم انتشار الديانات التوحيدية الثلاث في العالم، ورغم التوسع في وسائل الاعلام والنشر والتواصل.

من صور تلك المعتقدات الدينية الاولى والتي لازالت موجودة في وعي الكثير من التجمعات البشرية، بحضورها الواقعي، او رمزياتها المتعددة والمتنوعة، من ذلك (الطوطم) و(الطوطمية) نسبة إلى الطوطم، وهو (حيوان أو نبات أو جسم محسوس ينظر إليه الرجل البدائي في احترام وخشوع دون أن يكون هناك سبب معقول يدفعه لذلك).

والطوطميّة جملة من المعتقدات المعقّدة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالطوطم والعلاقات الخفيّة القائمة بينه وبين المعتقدين في كونهم منحدرين منه. ولها تأثير بالغ الأهمّيّة في التنظيم الاجتماعي للجماعات المرتبطة بالطوطم؛ فهي حسب دوركايم من العوامل الأساسيّة التي أسهمت في تنمية التماسك الاجتماعي للمجتمعات الأولى، وهي في نظره شكل بدائي للدين.

ويمثل الطوطم دور الرمز للقبيلة، وهو رمز مقدس باعتباره المؤسس أو الحامي لها.

فالميزة الأساسيّة للطوطميّة تكمن في الاعتقاد بوجود أصل مشترك جامع بين فئة من الناس، ونوع محدّد كما يلف من الحيوان أو النبات أو الأشياء... وهو ما يفرض على هذه الفئة أن تحيط طوطمها بهالة من التقديس، فإن كان حيوانا امتنعوا عن إراقة دمه أو إيذائه، وإن كان نباتا أضحى مصدر بركة عندهم، ويصل التقديس والتحريم طور تحجير ارتباط فتى بفتاة تنتمي إلى طوطمه، لأنّ أبناء الطوطم الواحد في مقام الأشقاء.

أول من أطلق اسم (الطوطم) على حيوانهم الخاص الذي كانوا يعبدونه قبيلة من الهنود تدعى (أوجبوا) لأن الانسان عبد الحيوان منذ بداية وعيه، حتى إنك تكاد لا تجد حيواناً في الطبيعة كلها لم يكن في بلد ما إلهاً معبوداً.فالطبيعة كانت موضوعا أولا للعبادات الطوطمية والتقديس.

أول من أدخل اصطلاح (الطوطم) إلى اللغة الإنجليزية الرحالة (جي. لونك) عام 1791.. إذ استعمله في كتابه (رحلات وأسفار)، كما استعملت كلمة الطوطمية في الدراسات الأنثروبولوجية لأول مرة من قبل العالم الاسكتلندي (جي. مكلينين) في عام 1870 لدى كتابته مقالاً بعنوان (الطوطمية).

الدلالة الحقيقية للطوطم هي انه حارس شخصي او قوة وصاية او رعاية تخص الفرد الذي يحمل رمزها..

وهناك عدة أنواع من الطواطم:

- طوطم العشيرة: لكل عشيرة طوطمها الخاص، ويعتبر طوطم كل فرد من أفرادها. لدى الجماعات الأميركية والأسترالية المنقسمة إلى عشائر، يكون الاسم الذي تحمله كل عشيرة(هو أيضاً اسم صنف محدد من أشياء مادية تعتقد العشيرة أنها تقيم معها علاقات خاصة جداً، وهي بنوع خاص علاقة قرابة. إن صنف الأشياء الذي يستعمل للدلالة جماعياً على العشيرة يسمى طوطمها).

- الطوطم الخاص بالفرد: يوجد لكل فرد في العشيرة طوطمه الخاص.

- الطوطم العام: أو (طوطم الاتحاد)، وهو طوطم عام تتحد حوله مختلف العشائر في المجتمع الواحد، وهو العلم الذي يحمل في القتال، ويدافعون عنه، ويضعون على رؤوسهم بعضا من أجزائه وأعضائه، (إن الأغراض المستعملة طواطم، تنتمي في أغلب الحالات، إما إلى الدوحة النباتية، وإما إلى الحيوانية، ولكنها تنتمي بنحو خاص إلى هذه الأخيرة .... عادة، لا يكون الطوطم فرداً، بل يكون صنفاً أو تنوعاً لكنه مع ذلك يكون أحياناً غرضاً خاصاً ... ويكون أحياناً، لكن ليس استثنائياً، جداً أو مجموعة أجداد ...). لكنما هذه كما يرى دوركيم، ظواهر ثانوية ومشتقة، يمكن أن نجد فيها الطوطم العادي والبدائي.

- في بعض القبائل الأسترالية وفي معظم القبائل الهندية في أميركا الشمالية، يقيم كل فرد شخصياً، علاقة مع شيء محدد، وهي مماثلة للعلاقة التي تقيمها كل عشيرة مع طوطمها .... فالطوطم هو رب العشيرة، مثلما يستعمل رب الفرد طوطماً شخصياً لهذا الأخير. لكن هذه العلاقة تختلف مع ذلك اختلافاً ملحوظاً، من حيث الأصل والطبيعة، عن العلاقة الطوطمية بالمعنى الحقيقي).

- الطوطم الجنسي: وهو الخاص بالرجال أم النساء.

لدى بعض الأقوام، كل رجال القبيلة من جهة، وكل النساء من جهة ثانية، إلى أية عشيرة خاصة انتمى هؤلاء وأولئك، يعترفون بعلاقة مماثلة لكائن يستعملونه أيضاً علماً وحامياً.

والفارق بين الطواطم، أن طوطم العشيرة جمعي ووراثي، بخلاف الطوطم الفردي فهو اختياري.

يطرح اريك فروم تساؤلا: هل لدينا (طوطمية ) في حضارتنا؟.

ويجيب عليه:

(لدينا منها حظ كبير – وإن كان من يكابدون منها لا يعتبرون أنفسهم في حاجة إلى معونة الطب النفسي، والشخص الذي يكرس نفسه تكريسا تاما للدولة أو لحزبه السياسي، والذي يكون معياره الوحيد للقيمة والحقيقة هو مصلحة الدولة أو الحزب، والذي يجعل من العلم بوصفه رمزا لجماعته موضوعا مقدسا، مثل هذا الشخص يعتنق دينا قبليا، ويتعبد عبادة طوطمية، وإن اعتقد أنه يعتنق مذهبا عقليا لا غبار عليه ( وهذا ما يعتقده بالطبع كل المؤمنين بأي نوع من الدين البدائي).

ثم يطرح سؤالا اخر، هل لا نزال معنيين بمشكلة الوثنية ؟ يقول فروم:

(نحن لا نبدي مثل هذا الاهتمام إلا إذا وجدنا بعض البدائيين  عاكفين على عبادة أصنام من الخشب والحجارة. فنحن نتصور أنفسنا أسمى كثيرا عن مثل هذه العبادة، وأننا حللنا مشكلة الوثنية لأننا لا نرى أنفسنا عابدين لأي رمز تقليدي من رموز الوثنية، وننسى أن جوهر الوثنية لا يكون في عبادة هذا الصنم أو ذاك ولكنه موقف إنساني معين. ويمكن أن يوصف هذا الموقف بأنه تأليه للأشياء، أو لمظاهر جزئية من العالم، وبأنه خضوع الإنسان لمثل هذه الأشياء. فليست التماثيل المصنوعة من الخشب والحجارة هي وحدها الأصنام. الكلمات يمكن أن تصبح أصناما، والآلات يمكن أن تصبح أصناما، والزعماء، والدولة، والسلطان، والجماعات السياسية، بل أن العلم ورأي الناس يمكن أن يصبحا أصناما ، والإله نفسه أصبح وثنا بالنسبة للكثيرين).

ما يدور الان في جنوب السودان من صراع  بين سلفا كير الرئيس ونائبه رياك مشارلا ينحصر في عالم الحقيقة وحده، فالأسطورة أيضا تلعب دورها فيه. وهو في بعض جوانبه يعود الى هذه الطوطمية والوثنية الحديثة.. تقول أحدى أساطير قبيلة "النوير" التي ينتمي اليها النائب رياك مشار إن "نقوندينق" (معبود) تنبأ بأن يحكم الجنوب رجل "أفلج" الأسنان، وغير "مشلخ" (علامات توضع على الوجه تشير إلى قبيلة حاملها)، يأتي بعد حرب طويلة، وهي صفات تنطبق على رياك مشار، وتعتقد بعض قبائل جنوب السودان في هذه الأسطورة، وهو أمر له تأثيره على كلا الرجلين، فالأسطورة تثير توتر سلفا كير، ويستخدمها مشار في تحقيق طموحاته السياسية، لدرجة أنه حرص على استرداد "عصا رمح نقوندينق" من بريطانيا بعد الاستيلاء عليها خلال فترة الاستعمار، وجرت إعادتها له عام 2009 بطائرة خاصة، وأقيمت لها طقوس "إشعال النيران". وهكذا لعب "الطوطم" دوره السياسي، ليثير حفيظة الكثيرين، وبينهم الرئيس سلفا كير، لأنه أعطى مصدر قوة "روحيا وقبليا" لمشار بما يجعله مصدر تهديد مستمر لسلطته.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/كانون الأول/2013 - 24/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م