الأزمة في تركيا.. عندما يلهب الفساد صراع السلطات

متابعة : كمال عبيد

 

شبكة النبأ: بعد أشهر قليلة على احتجاجات ساحة تقسيم التي وضعت الحكومة التركية بقيادة رئيسها رجب طيب أردوغان قاب قوسين او أدنى من السقوط، وذلك بعد صراع حامي الوطيس بين الحكومة والمعارضة الشعبية خلال الاونة الماضية أفرزت اضطرابات كبرى زعزعة الهيبة التركية داخليا وخارجيا، لتأتي فضحية فساد كبرى تورط فيها مسؤولون في مصرف خلق الحكومي لتفجر اكبر أزمة سياسية في تاريخ تركيا الحديث، حيث أثارت غضبا شعبيا ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بعد إقالة المحققين في هذه القضية ما يشير إلى خلاف مع القضاء التركي، وانتقل التوتر إلى الشارع عبر احتجاجات جديدة طالت عددا من المدن التركية كأنقرة وأزمير حيث طالبت الحشود الغاضبة باستقالة أردوغان.

ويرى الكثير من المحليين ان التصعيد السياسي المضطرد حاليا في تركيا، هو نتيجة للسياسة التخبط  المتبعة في التدخلات الخارجية بهدف لعب دور اقيلمي، حيث تترجم الحركات الاحتجاجية والاستقالات المتتالية في الحكومة التركية، غضب الاتراك على حكومة تحتكر كل السلطات منذ عشر سنوات وعبر الجميع عن الغضب المتراكم على سياسة الحكومة المنبثقة من التيار الاسلامي المحافظ الذي اججه العنف والقمع البوليسي.

ولعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان له الدور الابرز في انتهاج هذه الممارسات السياسية التي جسدتها طموحاتها المحلية والدولية وذلك بلعب الأوراق الدبلوماسية بصبغة براغماتية على المستويين المحلي والدولي، وهو ما سمح له بهيمنة على الساحة السياسية التركية على مدى عشر سنوات الماضية.

لكن يرى بعض المراقبين ان ما تمر به تركيا اليوم هو نتيجة متوقعة بسب السياسة الفاشلة التي يتبعها بعض القادة والمسؤولين المنشغلين بأمور الفساد واستغلال السلطات وهو ما اسهم بخلق حالة من الرفض الشعبي لدى السكان، وهو ما دفع قياده الحزب الاسلامي الحاكم الى التحرك ضد بعض القضايا المهمة في سبيل تحسين صورة الحزب التي اهتزت بعد فضائح الفساد التي اعلن عنها في البلاد خلال الاونة الاخيرة.

بينما يرى محللون آخرون إن أسلوب اردوغان في السنوات القليلة الماضية أصبح استبداديا، وإن التحركات الاحتجاجية الأخيرة تأتي في سياق أوسع من السياق الظاهر، وهي نتيجة تراكمات داخلية قد تعصف بحكومة أردوغان.

ويضيف محلل سياسي إن شرائح واسعة من الشعب التركي كما الاتحاد الأوروبي لم ينسوا التعامل العنيف للنظام مع مظاهرات ساحة "تقسيم" السلمية في يونيو/حزيران الماضي، فضلا عن وجود ملفات فساد يبدو أنها تنخر الاقتصاد التركي وكذلك التدخل في شؤون القضاء الذي تأكد من خلال إقالة محققين في قضية الفساد في مصرف خلق. إضافة إلى الشعور بأن حزب أردوغان يسعى للاستفادة على حساب الاقتصاد التركي.

وعليه فعلى الرغم من محاولات أردوغان التهوين من تداعيات قضية الفساد التي تعصف في تركيا، الا انها كشفت عن تصدع في صفوف  الحكومة وقد تمهد لمرحلة عسيرة لا تحمد عقبها.

أزمة داخلية ملتهبة

من جهته يرى الأستاذ المحاضر في جامعة جنيف حسني عبيدي أن الأزمة الداخلية في تركيا طالت اليوم قطاعات واسعة من المجتمع بدأت توحد صفوفها خلف موقف واحد جمع المجتمع المدني وبعض الكتل البرلمانية وأيضا من قوى داخل الجيش ما قد يكسب أصوات المعارضة قوة أكبر، ويضيف المحلل السياسي الكويتي خلفان "من بين أبرز إخفاقات أردوغان تعامله مع الملفات الخارجية الساخنة. فسياسته أثارت الجدل من خلال الموقف الرسمي التركي من الأزمة السورية حيث أعلن أردوغان منذ البداية انحيازه للمعارضة السورية ومناهضته لبشار الأسد، بل ودخل في صراع سياسي صريح ضد النظام السوري.

ودعم المعارضة السورية المسلحة بتسهيل دخول الحركات الجهادية الإسلامية للأراضي السورية عبر التراب التركي. علما أن الموقف التركي المتساهل مع الحركات الجهادية أسقط من حساباته أن المجتمع التركي نفسه يضم أقليات تماثل الأقليات الموجودة في سوريا كالعلويين والشيعة والمسيحيين، إذن أنقرة تدعم المعارضة السنية على حساب الأقليات رغم أنها نفسها تضم هذه الأقليات"، وهناك أنباء عن دعم هذه الحركات ماليا وعسكريا في سبيل إسقاط النظام السوري. في وقت يعلم الجميع فيه أن هذه الحركات المتمردة عادة ما تنقلب على داعميها، والأمثلة عن ذلك كثيرة في أفغانستان والعراق مثلا.

هناك أيضا تعامل دبلوماسي سيء مع دول الجوار والمنطقة، حيث دخل نظام أردوغان في مواجهة سياسية مفتوحة ضد النظام في مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي حيث وصف الجيش بالانقلابيين وأدت الأزمة لطرد السفير التركي من القاهرة. وسيزداد الموقف التركي هشاشة اليوم بخصوص مصر بعد إعلان منظمة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، فهل ستواصل تركيا دعمها لإخوان مصر؟.

أنقرة أثارت أيضا حفيظة دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية من خلال دعم نظام مرسي فخسرت لاعبا أساسيا في المعادلة السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

الفكرة هذه يؤكدها الأستاذ حسني عبيدي الذي يرى أن التعامل التركي مع دول الجوار سجل إخفاقات كبيرة من خلال التعويل على انهيار سريع لنظام الأسد إلا أن هذا النظام أثبت قدرة كبيرة على الصمود ما جعل تركيا اليوم تعيش عزلة دولية غير مسبوقة فعلاقاتها مع إسرائيل سيئة ودول الخليج غير راضية عن الأداء التركي وقد بدأ ظهور رغبات أوروبية وأمريكية في تغيير سياسي تركي. بحسب فرانس برس.

عبد الواحد خلفان يعتقد أن المسؤولية الآن في عهدة أحزاب المعارضة المدعوة لتنظيم صفوفها خاصة أن أردوغان لن يسلم السلطة ببساطة بل سيكون هناك صراع عليها والأوضاع غير مرشحة للهدوء في المنظور القريب على الأقل، ويعتقد المحلل أن المظاهرات ستتسع رقعتها وسيزداد الدعم الشعبي للمطالبين برحيل أردوغان وحكومته.

فساد يهز الحكومة

في سياق مصل أثارت حملة المداهمات التي تم خلالها اعتقال ثلاثة من ابناء الوزراء وعمدة من الحزب الحاكم ورجال اعمال في اطار قضايا فساد صدمة في تركيا، حيث دعت المعارضة الحكومة الاسلامية المحافظة الى الاستقالة.

وبحسب وسائل الاعلام التركية فان اكثر من خمسين شخصا تم ايقافهم في اطار التحقيق في هذه القضية التي تدخل في اطار صراع بين حزب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وجماعة الامام فتح الله غولن الاسلامية النافذة.

وكرد فعل على هذه الاحداث، تمت اقالة خمسة من قادة الشرطة في اسطنبول من مناصبهم، بينهم المسؤول عن الدائرة المالية الذي قاد حملة المداهمات، حيث تم استبدالهم بقادة اخرين دون توضيحات، حسب ما افادت صحيفة "حرييت" التركية.

وقالت الصحيفة ان بعض هؤلاء القادة من الذين اصدروا اوامر بمداهمة العديد من الاماكن في اسطنبول، وتم كذلك تعيين اثنين من المدعين العامين لمساعدة اثنين من القضاة اللذين تم تعيينهما للاشراف على التحقيقات في هذه القضية، بحسب وسائل الاعلام المحلية، وتم اتخاذ هذه القرارات على وجه السرعة بعد الاحراج الذي سببته هذه القضية على اعلى مستويات السلطة التي وضعت في موضع تساؤل العديد من الشخصيات القريبة من الحكومة ورئيسها، ومن بين الشخصيات التي تم توقيفها رئيس مجلس ادارة مصرف هالكبنكاسي العام سليمان اصلان ورجال اعمال في مجال العقارات وشخصيات من حزب العدالة والتنمية الحاكم بينهم مصطفى دمير عمدة احد مناطق اسطنبول المحافظة جدا.

وتم استجواب ابناء ثلاثة وزراء: الداخلية معمر غولار والاقتصاد ظافر كاكلايان والبيئة اردوغان بيرقدار مااعطى بعدا سياسيا للفضيحة، والجميع يشتبه بتورطهم في عمليات فساد كغسيل الاموال والتزوير في ثلاثة تحقيقات فتحت قبل عدة اشهر في اسطنبول.

وبحسب التفصيلات التي سربتها وسائل الاعلام فان القضية الاولى تستهدف رجل اعمال من اصول اذربيجانية رضا زرراب وهو مشتبه بدفع رشاوى لحجب عمليات تحويل خصوصا لعمليات بيع غير شرعية للذهب لايران التي تخضع لحظر دولي وذلك عن طريق بنك هاكاسي، والتحقيقان الاخران يتعلقان بدفع اموال لشخصيات قريبة من الحكومة على هامش شراء عقارات عامة، واكد حسين جليك نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التي تقود الحكومة وتعتبر مكافحة الفساد من اولى اولوياتها، ان الحكومة ماضية في تحقيقاتها حتى النهاية، وقال "حكومتنا حساسة تجاه الفساد منذ اليوم الاول الذي تسلمت فيه السلطة (في عام 2002)"، مشيرا الى انه "في دولة القانون الكل متساوون امام القضاء".

وبحسب المراقبين السياسيين فان سبب هذه الاعتقالات في الاوساط القريبة من الحكومة هو الصراع بين حزب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وجماعة اسلامية نافذة كانت متحالفة معه.

ومعروف ان القضاء والشرطة في تركيا تسيطر عليهما الى حد كبير جماعة الامام فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ 1999.

ويسود التوتر منذ بعض الوقت بين الجانبين منذ قرار حزب العدالة والتنمية في تشرين الثاني/نوفمبر اغلاق العديد من مؤسسات الدعم المدرسي، المصدر المهم لايرادات جماعة غولن والتي اصبحت مؤسسة موازية حقيقية في تركيا، واكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من مدينة قونيا، المعقل الاسلامي في وسط تركيا، التي كان يزورها ان نظامه لن يرضخ "للتهديدات" من دون ان يسمي الجماعة، واضاف في تصريحات اعتبرت موجهة ضد انصار غولن "لن ينصب احد فخا لنا ويقوم بعمليات" تزعزع الاستقرار، دون ان يعلق على العملية الامنية.

من جانبها، انتهزت المعارضة هذه الفرصة لمطالبة حكومة اردوغان بالاستقالة، وقال أنغين التاي من حزب جمهورية الشعب "انها اكبر فضيحة في تاريخ الجمهورية"، مشيرا الى ان "على رئيس الوزراء ان يستقيل من منصبه"، وبعد ان اعتبر ان رئيس الوزراء اصبح "اكبر وكيل عقاري في العالم" دعا أوميت اوران نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي يعد من ابرز احزاب المعارضة في البلاد الى تحديد مهلة من اجل طرح الثقة بالحكومة في البرلمان.

غطرسة اردوغانية

رغم التعديل الوزاري الواسع الذي اجراه بشكل عاجل، لا يزال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في موقف ضعيف بسبب فضيحة الفساد غير المسبوقة التي تهز البلاد والتي يبدو انها باتت تهدد اسرته مباشرة.

وعوضا عن تهدئة العاصفة السياسية التي اثارها القضاء توارى التعديل الحكومي ليطغى على الساحة الصراع المستعر بين مدعي اسطنبول المكلفين التحقيق في الملف وبين قيادتهم على خلفية الحرب المفتوحة بين السلطة الاسلامية المحافظة ومنظمة الداعية الاسلامي فتح الله غولن، وبعد ايام من الشائعات اكدت وسائل الاعلام التركية ان التحقيق بدأ يتجه الى احد نجلي اردوغان، وذكرت صحيفة ملييت ان رئيس الحكومة اعرب عن قلقه للمقربين منه قائلا "الهدف الرئيسي لهذه العملية هو انا".

وتوقعت صحيفة جمهوريت المعارضة "زلزالا" في قمة الدولة مشيرة الى تورط منظمة غير حكومية هي المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية (تورغيف) التي يراسها بلال نجل اردوغان الكبير في هذه الفضيحة، وفي هذا المناخ من الشائعات المستمرة انكشف علنا الصراع المحتدم في الكواليس بين مدعي اسطنبول المكلفين التحقيق وقيادة الشرطة التي اصبحت مطيعة للنظام بعد خضوعها لعملية تطهير واسعة النطاق.

وكشف احد المدعين وهو معمر اكاش ان الشرطة رفضت تنفيذ اوامر الاعتقال التي صدرت ضد نحو 30 مشتبها بهم اضافيين وخصوصا من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002 ومن رجال اعمال، وقال اكاش في بيان صحافي غير مسبوق "ليعلم كل زملائي وايضا الجمهور بانني منعت كمدع من فتح تحقيق" منددا ب"ضغوط" من الشرطة وقيادتها، ورد رئيسه مدعي عام اسطنبول توران تشولاك قاضي مؤكدا ان قضاة التحقيق لا يستطيعون فتح "تحقيقات جزافية" لعدم التسبب في حالة فوضى داخل المؤسسة القضائية.

ويرى المراقبون ان هذا النزاع يعكس المنحى الذي اتخذه الصراع الدائر بين حكومة اردوغان وحلفائها السابقين في جماعة غولن الواىسعة النفوذ داخل جهازي الشرطة والقضاء التركيين، وقبل اربعة اشهر من الانتخابات البلدية يبدو ان حرب الاخوة بين الاسلاميين احتدمت بعد القرار الذي اتخذته الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر باغلاق "الدرسخانة" اي المدارس الدينية الصغيرة التي تعد المصدر الاول لتمويل جماعة غولن.

وتوقع روسن شاكر المحرر الليبرالي في صحيفة وطن ان "تزداد هذه الحرب ضراوة لتتحول الى معركة بقاء بالنسبة لكل من الجانبين"، وفي هذه الاجواء الملبدة التقى عدد من اعضاء الحكومة الجديدة مع الرئيس عبد الله غول في اجتماع لمجلس الامن القومي.

وشمل التعديل عشرة وزراء بينهم وزراء الداخلية والاقتصاد والبيئة. والوزيران الاخيران لهما نجلان متهمان في هذه الفضيحة، ومن الوزراء الجدد افكان علاء وزير الداخلية المقرب من اردوغان والذي ترى المعارضة ان مهمته تتمثل في استعادة السيطرة سياسيا على الشرطة، واعتبر عبد القادر سلفي المحرر في صحيفة يني شفق المؤيدة للحكومة ان "رئيس الوزراء شكل حكومة تكاد تكون جديدة وشمر عن ساعديه ليواجه واحدا من اكبر التحديات في حياته"، ولكن خرج الالاف في مدن تركية عدة بينها اسطنبول وانقرة وازمير للتنديد بالفساد والمطالبة باستقالة اردوغان والحكومة. بحسب فرانس برس.

وهتف المتظاهرون ومعظمهم من الشباب "الفساد في كل مكان!" و"المقاومة في كل مكان!"، وهي هتافات استخدموها في موجة التظاهرات غير المسبوقة التي هزت البلاد في خلال الاسابيع الثلاثة الأولى من حزيران/يونيو الماضي، كما اطلقت دعوات جديدة الى التظاهر في ساحة تقسيم في اسطنبول، التي كانت مهد احتجاجات الصيف الماضي.

وتهز هذه الاضطرابات السياسية الثقة في الاسواق. وهكذا، واصلت الليرة التركية هبوطها ليبلغ سعرها عند الاقفال 2,1277 امام الدولار مقابل 2,0907، كما تراجع المؤشر الرئيسي لبورصة اسطنبول بنسبة 2,33% بعد تراجعه بنسبة 4,2%.

استقالة وزيري الداخلية والاقتصاد

قال وزير الاقتصاد إنه يتنحى عن منصبه "حتى يتيح الفرصة لإلقاء الضوء على هذ العملية الحقيرة التي تستهدف حكومتنا، استقال وزير الداخلية التركي، معمر غولر، ووزير الاقتصاد، ظفر تشاغليان، في أعقاب الاتهامات الرسمية الموجهة لابنيهما على خلفية التحقيق في قضية فساد مالي ورشوة طالت الحكومة، واتهم 24 شخصا في إطار التحقيق الذي باشرته الحكومة في القضية بمن في ذلك مدير بنك "هالكبنك" الحكومي.

وأدان وزير الاقتصاد المستقيل في بيان له التحقيق ووصفه بأنه "عملية حقيرة"، وهدد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب إردوغان، "بكسر أيادي" المنافسين الذين استخدموا التحقيق لتقويض حكمه، وأنكر ابن وزير الداخلية، باريس غولر، وابن وزير الاقتصاد، كيان تشاغليان، التهم الموجهة إليهما بالتورط في رشى بشأن مشروعات لتنمية مناطق حضرية ومنح تراخيص بناء، وأضاف وزير الاقتصاد في بيانه أنه يتنحى عن منصبه "حتى يتيح الفرصة لإلقاء الضوء على هذه العملية الحقيرة التي تستهدف حكومتنا"، وتابع قائلا "لقد كان واضحا أن مداهمات الشرطة كانت ملفقة".

وقال معمر غولر سابقا إن اعتقال ابنه واتهامه باستلام الرشوة في هذه القضية لا أساس قانونيا له لأنه لم يكن موظفا عاما، وعاد غولر إلى العاصمة أنقرة في نهاية جولة قادته إلى باكستان رفقة رئيس الوزراء التركي، وظهر رفقة إردوغان في مطار أنقرة ساعات قبيل إعلان استقالته.

وطالب المحتجون المعارضون الأحد الذين تظاهروا في إسطنبول ضد الفضيحة باستقالة الوزيرين، ولجأت الحكومة إلى إبعاد عدد من مفوضي الشرطة من مناصبهم بمن فيهم رئيس الشرطة في إسطنبول ردا على الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الشرطة في إطار التحقيق الجاري، ووصل إردوغان إلى السلطة في عام 2002 بصفته رئيسا لحزب العدالة والتنمية. بحسب البي بي سي.

ويقول مراقبون إن اعتقال شخصيات مرتبطة بالحكومة وإبعاد مسؤولين في الشرطة جزء من خلاف حزبي داخلي، وينظر إلى فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة على أنه منافس لإردوغان ولجماعته (أي غولن) أنصار في دوائر الشرطة والقضاء، وأشار إردوغان إلى هذه القضية على أنها "مؤامرة سوداء" دبرتها قوى خارج تركيا.

اردوغان يفتح جبهة جديدة ضد العلمانية

الى ذلك فتح رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان جبهة جديدة في الحرب بين حكومته الاسلامية المحافظة وعلمانيي تركيا باطلاقه وعدا بالعمل على منع مساكن الطلاب المختلطة باسم الدفاع عن الاخلاق.

وبعدما تم التطرق الى هذا الملف في اجتماع مغلق لحزبه العدالة والتنمية شن اردوغان هجومه علنا امام البرلمان، حيث بدأ عدد من النواب النساء منذ اسبوع بالحضور الى البرلمان محجبات، وقال اردوغان في كلمته الاسبوعية امام نواب حزبه "لم ولن نسمح باختلاط الفتيات والفتيان في مساكن الدولة"، واضاف "يمكن ان تحدث امور كثيرة عند الاختلاط. اننا نتلقى شكاوى من العائلات التي تطالبنا بالتدخل". كما اوصى ادارات المحافظات الـ81 في البلاد للعمل على هذه المسألة، وافاد مصدر رسمي ان 75% من مساكن الطلاب التي تديرها مؤسسة يورتكور الرسمية تفصل بين الشبان والشابات، ويفترض الا يبقى اي منها مختلطا مع مطلع 2014.

لكن رئيس الوزراء سبق ان اكد انه لن يكتفي بذلك. ففي كلمته الثلاثاء تحدث عن فكرة توسيع معركته لتشمل مساكن الطلاب الخاصة والسكن المشترك، وصرح امام نوابه "لا يمكن للطلاب والطالبات الاقامة في المنزل نفسه، هذا مخالف لبنيتنا المحافظة الديموقراطية".

في بلاد اغلبيتها الكبرى من المسلمين لكنها علمانية بحسب الدستور منذ 1937 شكل كلام اردوغان مفاجأة للطلاب، وصرح احمد طالب القانون البالغ 22 عاما ويقيم في مسكن للطلاب في انقره "لدينا اصلا مساكن منفصلة ذات مداخل منفصلة ولم يحدث اي شيء غير معتاد حتى الان عندما ناكل معا في المطعم الجامعي"، واضاف "اننا بالغون ويحق لنا التصويت لكن لا يحق لنا ان نكون معا رجالا ونساء، هذا امر مثير للسخرية".

ولا يعتبر المعارضون السياسيون والمدافعون عن حقوق المرأة او عن العلمانية مبادرة رئيس الوزراء امرا مضحكا. فمنذ يومين وهم يكثفون الانتقادات لمثال اخر على مساعيه "لاسلمة" البلاد، وصرح كمال كيليتشيدار اوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري اهم حزب معارض الثلاثاء ان "نية اردوغان الحقيقية هي انهاء الاختلاط في التعليم بشكل عام"، وذهب اخرون ابعد من ذلك. فبعد صدور القانون الذي يقيد بيع الكحول واستهلاكه والذي غذى الاحتجاجات ضد الحكومة في حزيران/يونيو ثم المرسوم الاخير الذي يجيز وضع الحجاب في الوظائف الرسمية ندد هؤلاء باجندة حزب العدالة والتنمية المخفية. بحسب فرانس برس.

وصرحت بيرسان تيمير التي تراس جمعية نساء الاناضول "تحت اعيننا تتحول الجمهورية التركية الى دولة اسلامية". وتابعت ان "الجمهورية العلمانية كما كنا نعرفها تختفي تدريجيا"، وفيما تثير هذه القضية غضب خصوم اردوغان يبدو انها تثير الاضطراب في صفوف اكثريته. واكد نائبه بولنت ارينتش الذي يعتبر اكثر اعتدالا ان الحكومة "لا تنوي على الاطلاق مراقبة" مساكن الطلاب، قبل صدور نفي رسمي لاقواله.

ومنذ يومين بدا خبراء يشيرون الى الصعوبات القانونية التي اثارتها مبادرة رئيس الوزراء. فكيف يمكن للدولة التدخل في شؤون طلاب بالغين ان قرروا العيش معا فيما يضمن الدستور التركي بوضوح المساواة بين الجنسين والحريات الاساسية؟، لكن نائب رئيس الوزراء بكير بوزداغ استبعد هذه الحجة مؤكدا ان "رئيس الوزراء لم يفعل اكثر من الاعراب عما يفضل...هذا ليس تدخلا في الخصوصيات"، واكد اردوغان نفسه تصميمه برده على صحافية الثلاثاء بنبرة جافة "ان كان علينا تعديل القوانين فسنعدلها".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/كانون الأول/2013 - 24/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م