أذكياء لكن أغبياء!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل يمكن أن يكون الانسان الذكي غبيا؟!، ولماذا يعتمد الغباء اذا كان ذكيا؟، قد ينطوي هذا التساؤل على مفارقة غريبة، إذ كيف يمكن أن يكون الانسان ذكيا وغبيا في الوقت نفسه، فهل هو يتعمّد الغباء مثلا؟، ثم لماذا يظهر الغباء في اقواله وسلوكه، اذا كان هذا الامر يضر بشخصيته ومصالحه واعماله؟، ولماذا لا يستخدم ذكاءه فقط في التعامل مع الاخرين، بدلا من الغباء حتى يبقى ناجحا على الدوام؟، وهل الغباء كسلوك مفرض عليه؟.

تساؤلات عديدة تطرحها هذه الظاهرة، ونقول ظاهرة لاننا نصادف كثيرين يمتلكون الذكاء، لكنهم يعتمدون نقيضه في ادارة حياتهم، والمشكلة ان حياتهم وسلوكهم وافكارهم لا تعود بالضرر عليهم فقط، بل الاذى يتجاوزهم الى الاخرين، ولا يتوقف الاذى عندهم ولا ينعكس عليهم فقط، بل يتعداهم الى كل من يتعامل معهم بصورة مباشرة، فضلا عن المجتمع الذي يتضرر من هذه الظاهرة بصورة غير مباشرة.

ويرى العلماء المختصون بالسلوك، والمعنيون بعلم الاجتماع، وعلم النفس، أن الانسان الذكي قد يتغابى احيانا، لاسباب معينة وظروف ضاغطة او طارئة، من اجل تمرير هدف معين، او التخلص من عبء ما او مشكلة معينة، وقد يكون هذا السلوك مبررا في بعض الحالات، ولكن ماذا نقول للذكي الغبي على الدوام؟، ولكي نقرّب الصورة اكثر سنتحدث مباشرة عن احد السياسيين مثلا، اي عندما يصل هذا السياسي الى منصب رفيع، ويتصدى لمسؤولية مهمة وخطيرة، تتعلق بمصائر الناس وحاضرهم ومستقبلهم، فإنه يكون قد حقق هذا الهدف بجهده ومثابرته وذكائه حتما، هذا اذا استثنينا الاساليب المخادعة في الوصول الى المناصب، كالتملق والتزوير وتبادل الصفقات، والمصالح على حساب الاخرين، كما يفعل بعض السياسيين عندما يتسلقون الى مناصب لا يستحقونها.

ولكن هناك من يصل الى مناصب الدولة بجهده وذكائه، نحن نتحدث هنا عن سياسي ينجح في كسب ثقة الناس، ثم ما يلبث ان ينسف هذه الثقة ويتصرف بغباء!!، نعم هناك سياسيون اذكياء يتصرفون بغباء عندما ينسون الناس ومصائرهم وحقوقهم، ويلهثون نحو مصالحهم حصرا، انهم بهذه السلوكيات القاصرة يعبرون عن غباء واضح، غير مبرر على الاطلاق، ولا ينسجم مع ذكائهم عندما كسبوا ثقة الناس قبل وصولهم الى المسؤولية.

هذا المثال لا ينحصر بالسياسي بطبيعة الحال، بل هناك نماذج كثيرة يصح عليها ما يصح على السياسي، بمعنى قد نجد نماذج اخرى من المجتمع تنطبق عليها هذه الظاهرة، وسوف يكون الضحية او المتضرر ليس من يتصرف بغباء وهو ذكي، انما سوف يتحول هذا السلوك الى منظومة، وربما قيمة متخلفة تنتشر بين شرائح المجتمع، لينتج عن ذلك اخطاء كبيرة في السلوك المجتمعي، والسبب كما هو واضح، تصرف بعض الاذكياء بغباء!.

وعندما نبحث في جذور هذه الظاهرة، سوف نلاحظ انها مجتمعية، بمعنى موجودة اصلا في المجتمع، وهو الذي يشكل الحاضنة لمعظم القيم الجيدة والمنحرفة، فالتطرف والتعصب قد يصدر من أناس اذكياء احيانا، بل قد يسهم بعضهم في اثارة الفتن وبعض قيم التخلف مع سبق الاصرار، لذلك نجد بين الحركات المتطرفة حملة شهادات عالية وقيّمة، وقد نجد بينهم اكاديميين ومدرسين وما شابه، بمعنى نجد من هم خيرة المجتمع في هذه البؤرة المتعصبة او تلك!، لماذا ينسى الذكي الذي حقق قفزة في علمه وحصوله على شهادة عليا، ليندرج كالببغاء بين المتطرفين ومثيري الفتن؟ إنه الغباء التلقائي او الآلي الذي يغيب معه الذكاء على الرغم من انه موجود في شخصية الانسان الخاطئ أصلا.

لذلك تحتاج ظاهرة الغباء الآلي او المتعمد الى متابعة وتوجيه، كونها تؤدي الى نتائج خطيرة بالمجتمع، ومنها وربما اخطرها، انها تحوّل اصحاب الذكاء في الفكر والسلوك، الى أدوات ضالة يتحكم بها الغباء، فتصبح النتائج الصادرة عنها، مؤذية وغبية على الرغم من ذكائها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/كانون الأول/2013 - 18/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م