القاعدة في اليمن... إرهاب متجذر ينشر الدمار

 

شبكة النبأ: أصبح تنظيم القاعدة في اليمن خلال المدة الاخيرة من اخطر التنظيمات الإرهابية وأكثرها نشاطا في المنطقة كما يقول بعض الخبراء، وذلك بسبب تردي الأوضاع الأمنية واستمرار الصراعات السياسية التي عقبت رحيل علي عبدالله صالح، خصوصا وان هذا التنظيم قد سعى في الفترة السابقة الى تعزيز قدراته العسكرية والبشرية مستفيداً من ضعف الدولة العسكري والاقتصادي بسبب غياب الحلول والتوافقات السياسية، وهو ما ساعد التنظيم على توسيع أنشطته الإرهابية وعملياته المباغتة التي طالت العديد من المواقع والمؤسسات الأمنية والعسكرية المهمة، وفيما يخص أخر النشاطات الإجرامية لهذا التنظيم فقد أعلن المحققون ان منفذي الهجوم الكبير على موقع وزارة الدفاع اليمنية في صنعاء الذي خلف 56 قتيلا وتبناه تنظيم القاعدة كانوا بغالبيتهم من السعودية. وفي تقرير اولي نشرته وسائل الإعلام الرسمية اليمنية أوضحت لجنة التحقيق ان الإرهابيين غالبيتهم يحملون الجنسية السعودية وهم باللباس العسكري المموه.

وقدرت اللجنة عدد الإرهابيين باثني عشر نفذوا هجوم اسفر عن سقوط 56 قتيلا و215 جريحا من المدنيين والعسكريين بينهم رعايا أجانب. وأعلنت اللجنة الأمنية العليا مقتل 52 شخصا وإصابة 167 آخرين بجروح بينهم تسعة إصاباتهم خطرة. وقتل في الهجوم أيضا خمسة أطباء هم المانيان وفيتناميان ويمنية وكذلك ثلاث ممرضات، فيليبينيتان وهندية، بحسب اللجنة الأمنية العليا.

وأعلنت جماعة أنصار الشريعة المسؤولية عن الهجوم وهي مرتبطة بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن وهو من أقوى فروع القاعدة. وقالت جماعة أنصار الشريعة في رسالة على موقع تويتر استمرارا لسياسة استهداف غرف عمليات الطائرات التجسسية قام المجاهدون بتوجيه ضربة قاسية لإحدى هذه الغرف الكائنة في مجمع قيادة وزارة الدفاع. وأضافت الجماعة إن مثل هذه المقرات الأمنية المشتركة أو المشاركة للأمريكان في حربهم ضد هذا الشعب المسلم هي هدف مشروع لعملياتنا في أي مكان كان وسنفقأ هذه الأعين التي يستخدمها العدو.

ورفع الجيش الأمريكي حالة تأهب قواته في المنطقة بعد الهجوم المنسق على وزارة الدفاع اليمنية. وقال مراد بطل الشيشاني وهو محلل متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية يقيم في لندن إن الهجوم قد يعزز التعاون بين الولايات المتحدة واليمن لمواجهة التهديدات الأمنية. وأضاف أنه لا يعلم إن كان الهجوم سيؤدي إلى زيادة دور برنامج الطائرات الأمريكية بلا طيار التي تستهدف المتشددين لكنه لن يؤثر بشكل عام في علاقة الولايات المتحدة واليمن بل سيعطي الطرفين سببا أقوى للتعاون.

وقال إن الهجوم بدا محاولة لتكرار نموذج هجوم مومباي في إشارة إلى هجوم عام 2008 على فندقين في المدينة الهندية أسفر عن مقتل قرابة 200 شخص. وأشار إلى أن الهجوم يشبه هجمات شنها إسلاميون متشددون هذا العام على منشأة للغاز الطبيعي في الصحراء بالجزائر ومركز وستجيت التجاري في نيروبي بكينيا.

وقال إن الاسلاميين المتشددين يلجؤون إلى هذا الأسلوب لأنه يلقى اهتماما إعلاميا أكبر ويهز ثقة الناس في الأجهزة الأمنية مشيرا إلى أن هذه هي الرسالة التي يحاولون توصيلها. وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب المنبثق عن اندماج فروع يمنية وسعودية في الشبكة المتطرفة، استغل ضعف السلطة المركزية في اليمن في العام 2011 مع الحراك الاحتجاجي الشعبي ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح لتعزيز قوته في البلاد وخصوصا في شرقها وجنوبها.

من جانب اخر فمن المستبعد أن تنحسر هجمات تنظيم القاعدة الجريئة التي تستهدف اجهزة حكومية مهمة مع استمرار انقسام الاجهزة الأمنية وتهالك معداتها واختراق متشددين صفوفها في حين تتعثر جهود اصلاح الحياة السياسية في البلاد. وهذا اعنف هجوم في 18 شهرا ويبرز المخاوف بشأن اخطار نابعة من دولة تطل على ممرات ملاحية مهمة وتشترك في حدود طويلة مع السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم.

وصرح وزير خارجية اليمن أبو بكر القربي بان الهجوم يبرز خطورة الهجمات الارهابية مشيرا الى ان القاعدة تمتلك مخططين ومنفذين وامكانات. واستغل اسلاميون متشددون حالة الفوضى التي اعقبت الاطاحة بالرئيس على عبد الله صالح عقب تظاهرات حاشدة استمرت شهورا في عام 2011 للاستيلاء على العديد من المدن الجنوبية ونجحت حملة امنية شنها الجيش بعد عام في طردهم منها بمساعدة هجمات بطائرات امريكية بدون طيار.

لكن الانقسام في صفوف اجهزة الأمن اليمنية التي يتنازعها الولاء لزعماء متناحرين من بينهم صالح حال دون التصدي للمتشددين. كما تواجه اجهزة الامن انفصاليين في الجنوب وتمردا في الشمال اشتعل في الاسابيع الاخيرة واسفر عن سقوط أكثر من مئة قتيل. وقال القربي إن اختراق القاعدة قوات الأمن امر يبعث على القلق إلا أن القضية الأكثر الحاحا تظل توفير التدريب والمعدات مثل الطائرات الهليكوبتر والمركبات لقوات الامن التي هي في امس الحاجة اليها. وتابع ان الاختراق واقع لانه أسلوب تلجأ إليه المنظمات الإرهابية مضيفا ان أجهزة الأمن ينبغي لها ان تدرك ذلك. وطالب بمراجعة اسلوب التصدي للهجمات بحيث لا يقتصر على المخابرات والأمن مضيفا أن ثمة نقاط ضعف في هذا القطاع نظرا لانه لا يتلقى دعما كافيا.

من جانب أخر قالت ابريل لونجلي آلي خبيرة الشؤون اليمنية في المجموعة الدولية للازمات إذا كانت القاعدة مسؤولة بالفعل عن الهجوم على وزارة الدفاع وهو ما يبدو مرجحا في الوقت الحالي فانه يبعث برسالة خطيرة مفادها ان بوسعها ضرب الحكومة في مكمن قوتها. وتابعت من المرجح أن تستمر هذه الهجمات بل وتتسارع وتيرتها في المستقبل مادام لم يتم التوصل لتسوية سياسية شاملة واستمر تهافت وانقسام اجهزة الامن وافرع الجيش.

وشهد اليمن سلسلة من الاغتيالات كان احدث ضحاياها مدربين عسكريين من روسيا البيضاء حين اطلق مسلحون على دراجة نارية النار عليهما. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية اليمنية محمد القاعدي إن اجهزة الأمن عززت الاجراءات الامنية للتصدي لجرائم الاغتيال وشمل ذلك مصادرة الاسلحة والمركبات غير المرخصة.

وأضاف أن الحملة اسفرت عن مصادرة 800 قطعة سلاح وألف سيارة و3500 دراجة نارية مضيفا أن أجهزة الامن حظرت استخدام الدراجات النارية بعد ان تحولت لأداة للقتل. لكن القاعدي أكد ضرورة احراز تقدم على الصعيد السياسي من اجل تحقيق الاستقرار في واحدة من افقر دول العالم.

وقام الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي نصب بموجب خطة ساندها الغرب والخليج لتنحية صالح عن السلطة بحملة تطهير في صفوف الجيش من عدد كبير من انصار الرئيس السابق لكن الإصلاحات الأعمق لم تنفذ بعد. وقالت آلي فعليا تمخضت المرحلة الانتقالية ومدتها عامان عن انقسام اشد واضحى الولاء لعدد أكبر من الاحزاب والاتجاهات السياسية. جرى تسريح وحدات بارزة في الجيش الكثير منها موال لأسرة صالح .

ما يضعف قدراته بدرجة اكبر. وكما هو الحال حاليا فان اجهزة الأمن متشرذمة ومترهلة مع تدني الاجور والمعنويات في الحضيض. وتفاقمت حالة عدم الاستقرار في غياب اي تقدم في محادثات الحوار الوطني الرامية لوضع دستور جديد وتنفيذ اصلاحات ديمقراطية خلال الفترة الانتقالية التي تستمر عامين.

ومحور الخلاف الرئيسي هو مطالبة انفصالين من اليمن الجنوبي سابقا بقدر أكبر من الحكم الذاتي وكان الشمال والجنوب اتحدا في عام 1990 وانسحبت مجموعة من ممثلي الجنوب في حين اتهم مبعوث الأمم المتحدة في اليمن اعضاء في حزب صالح بعرقلة المفاوضات لكنهم ينفون هذا الاتهام. وكان مقررا ان تجري الانتخابات في عام 2014 لكنها ستؤجل الآن لأجل غير مسمى. بحسب رويترز.

وقال فراس السقاف مستشار الرئيس هادي ان القاعدة استغلت حالة عدم الاستقرار التي اوجدها مفسدون يسعون لاخراج الحوار الوطنى عن مساره. وذكرت آلي ان الوضع الامني سيتفاقم لحين التوصل لاتفاق بشان كيفية تقدم المرحلة الانتقالية. وتابعت حتى في حالة التوصل لتوافق سياسي بشأن المستقبل فان بناء المؤسسات والتصدي للقوى المتصارعة التي تتجاذب البلاد في اتجاهات متباينة سيستغرق وقتا.

إجلاء مئات الموظفين

من جهة أخرى اجلت السلطات اليمنية المئات من موظفي منشاة بلحاف لتسييل وتصدير الغاز في جنوب اليمن بعد يوم واحد من هجوم بقذيفة هاون استهدف احدى المحطات التابعة للمنشأة حسبما افادت مصادر عسكرية وعمال ومسؤول في وزارة النفط. وذكرت مصادر من العمال في الشركة انه تم اجلاء مئات العمال بينهم اجانب الى صنعاء على متن اربع طائرات كإجراء احترازي بسبب تهديدات امنية ومخاوف من تعرض المنشأة لهجمات. ومشروع بلحاف هو مشروع مشترك بين اليمن وشركة توتال الفرنسية وعدد من الشركات العالمية.

وقال مسؤول في وزارة النفط انه تم اجلاء الموظفين غير الاساسيين وبالتالي لم تتأثر عمليات التسييل في المنشأة التي تبلغ قدرتها الانتاجية 6,7 مليون طن في السنة. وذكر المسؤول ان 1200 شخص يعملون في المنشأة وقد تقرر اجلاء الموظفين غير الاساسيين بعد سقوط قذيفة هاون على محطة تابعة للمنشأة.

وبحسب مصادر عسكرية، فان قوات الجيش والامن الخاص عززت تواجدها في النقاط المحيطة والمؤدية الى منشأة بلحاف فضلا عن رفع حالة اليقظة في صفوف الافراد والجاهزية لمواجهة أي مخاطر محتملة. ووقع انفجار عند احدى المحطات التابعة للشركة محدثا اضرارا مادية. ولم توضح الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال في بيان رسمي اسباب الانفجار لكنها اكتفت بالقول لم يتسبب الانفجار في حدوث إصابات ولكنه خلف أضراراً طفيفة في معدات غير أساسية. وبحسب وكالة الانباء اليمنية، عقدت اللجنة الأمنية بمحافظة شبوة الجنوبية حيث تقع منشأة بلحاف اجتماعا امنيا في المنشأة بهدف ازالة وتبديد اية مخاوف قد تنتاب القوى الوظيفية وطنية كانت أو أجنبية في هذا المشروع جراء اي أعمال إجرامية تستهدفها. ويعد مشروع بلحاف لتسييل الغاز وتصديره اهم مشروع للطاقة في اليمن وتعرضت المنشأة في السابق لتهديدات من قبل تنظيم القاعدة.

اغتيالات مستمرة

في السياق ذاته قتل ضابطان في الشرطة اليمنية في حادثتي اغتيال منفصلتين، بحسبما افاد مصدر امني وموقع وزراة الدفاع. وذكر المصدر الامني ان ضابطا يعمل في الجهاز الامني لقصر تابع للرئاسة في مدينة تعز في جنوب صنعاء، قتل برصاص مسلحين كانوا على متن سيارة. واستهدف الضابط بينما كان متوجها الى عمله. من جانب اخر نصب مسلحون كمينا لضباط في شرطة النجدة في محافظة البيضاء الجنوبية، فاردوه قتيلا بحسبما افاد موقع وزارة الدفاع. وشهد اليمن عشرات عمليات الاغتيال التي استهدفت مسؤولين امنيين، ونسبت بغالبيتها الى تنظيم القاعدة.

على صعيد متصل قتل النائب وممثل الحوثيين في الحوار الوطني باليمن عبد الكريم جدبان بالرصاص مساء بالعاصمة صنعاء، بحسب ما اعلن مسؤول في تنظيمه. وقال عبد الكريم الخيواني ممثل تنظيم "انصار الله" (الحوثيين الزيديين) بالحوار ان مسلحين على دراجة نارية اطلقا الرصاص بكثافة على النائب بعد خروجه من جامع شوكاني وسط صنعاء. واوضح ان جدبان فارق الحياة قبل وصوله المستشفى.

ويأتي هذا الاغتيال في الوقت الذي تدور فيه معارك بين الحوثيين في تنظيم انصار الله والمتطرفين السنة في دماج شمال اليمن، ما اثار توترا طائفيا في البلاد. وكان رئيس تحرير صحيفة اسبوعية مقربة من انصار الله اصيب في اعتداء بعبوة ناسفة في صنعاء، اضافة الى اثنين من المارة. واضاف الخيواني ان هذه العمليات تستهدف قوى التغيير في اليمن من قبل مراكز القوى التقليدية، دون المزيد من التوضيح.

واليمن هو البلد الوحيد من بلدان الربيع العربي الذي ادت الانتفاضة الشعبية فيه الى رحيل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، عن طريق التفاوض. وبموجب اتفاق انتقالي كان من المقرر ان ينتهي حوار وطني بين مختلف القوى السياسية في 18 ايلول/سبتمبر الماضي ويؤدي الى صياغة دستور جديد يتيح تنظيم انتخابات عامة.

لكن الحوار يتعثر بسبب عدة عراقيل بينها خصوصا مطالبة الجنوبيين بالحكم الذاتي. ويدور الحوار الوطني تحت رعاية المبعوث الخاص للامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر الذي نفى مكتبه ان يكون تعرض لمحاولة اغتيال. وقال المكتب ان اطلاق النار لدى مرور موكب بن عمر في شارع وسط صنعاء، كان ابتهاجا بمناسبة عرس ولم يكن (بن عمر) مستهدفا.

وكان بن عمر قال ان الرئيس عبد ربه منصور هادي يمكن ان يستمر في الحكم بعد انتهاء عامي ولايته في شباط/فبراير 2014 وذلك بسبب التأخير في تطبيق اتفاق الفترة الانتقالية. وكان هادي انتخب في شباط/فبراير 2012 لفترة انتقالية من عامين تنظم اثرها انتخابات عامة على اساس احكام الدستور الجديد الذي سيصوغه اطراف الحوار الوطني. يشار الى ان السنة يمثلون اغلبية سكان اليمن غير ان الزيديين الشيعة يشكلون اغلبية في شمال البلاد. بحسب فرانس برس.

الى جانب ذلك قالت الحكومة اليمنية إن مستشارا لرئيس البلاد تعرض لمحاولة اغتيال في أحدث موجة من التفجيرات وإطلاق النار. وقالت وكالة سبأ الرسمية إن قناصا أطلق رصاصات من مسدس مزود بكاتم للصوت على سيارة ياسين سعيد نعمان أثناء سيرها في العاصمة صنعاء. وبالإضافة الى منصبه كمستشار للرئيس عبد ربه منصور هادي يشغل نعمان أيضا منصب نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني في اليمن والأمين العام للحزب الاشتراكي. وقالت الوكالة إن الرصاصة لم تصب نعمان لأن السيارة مدرعة.

ونقلت الوكالة عن الحكومة اليمنية قولها إن استهداف هذه الشخصية السياسية المعروفة والقامة الوطنية إنما هو استهداف لمسيرة التغيير التي تعيشها اليمن ومحاولة لتقويض العملية السياسية الجارية والحيلولة دون نجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وأضافت أن المعلومات الأولية تبين أن القناص كان فوق سطح مسجد قرب منزل نعمان وأطلق النار على سطح السيارة مستهدفا رأسه. وفي وقت سابق قتل مسلحون مسؤولين أمنيين كبيرين رميا بالرصاص في كمينين منفصلين في مناطق اخرى باليمن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/كانون الأول/2013 - 17/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م