إبن خال لي مهجن من نطفة عراقية ووعاء من دولة أخرى، ينتقد على
الدوام الطريقة التي تدار فيها الأمور في بلاد أخواله، ويرى فيها معطلا
للتنمية، ويقول، إن الملعب الذي يتسع لعشرات الألوف لم تبنه الحكومة
الحالية، ولا التي سبقتها، ولا التي سبقت التي سبقتها، بل هو من
إنجازات حاكم شبع موتا، في حين يمتلئ الملعب عن آخره عند كل مباراة
لكرة القدم تجمع فريقين محليين، أو حين يكون طرف المنازلة الآخر من بلد
منافس، فقط تتحكم الدولة الجديدة بإدارة الملعب وصيانته وتحصيل
الإيرادات، وفي حين تتعطل التنمية ولايجد الشباب فرصا للحياة أفضل
يستمر رافعو الشعارات الطنانة بالتهريج ونشر الأكاذيب عن عداوات ضرورية
لحفظ كرامة الحضارة المهدورة.
لاحظ ما أود قوله، ويتلخص بفكرة بسيطة، هناك دول حضارية تستر حكامها
وتوفر لهم طاقة وحضورا وتأثيرا ليس لمهارتهم وقدرتهم ونبوغهم وإلهامهم،
بل لأنهم يتعنونون بإسم تلك الدول الحضارية، وينطقون في المحافل
بصوتها، ويحصلون على الدعم، ويضمنون إحترام الغير من السياسيين وقادة
المنظمات العالمية، وربما يتمكنون من تحقيق مكاسب سياسية وإقتصادية
بعنوان حضاري مهم، وسأشرح ؟ أكثر، هناك دول حضارية عظيمة مثل (بريطانيا
وفرنسا وإيران والعراق وسوريا ومصر) وهي متمكنة تاريخيا وتمتلك إرثا
عظيما، والمعروف إن أقدم الحضارات كانت في (وادي النيل وبلاد الرافدين
وبلاد فارس وسوريا)، وهي حضارات ساهمت في إغناء البشرية بمواهب
ومكتسبات فكرية وعقائدية وإقتصادية بقيت ماثلة وساهمت في ترسيخ مبادئ
الإحترام لها حول العالم، وفرنسا كما بريطانيا لديهما حضور تاريخي كبير
لكنهما تراجعتا كثيرا مع ظهور دول عظيمة أخرى تنافس.
أغلب سياسيي هذه الدول ومواطنيها لم يعد لهم من قدرة كبيرة على
التأثير وفرض الإرادة وصناعة المعجزات كما كان الأسلاف يفعلون، لكن
الذي بقي هو القدرة الحضارية والإلهام العظيم الشاخص والمثير والجاذب
والمبهر لشعوب ودول أخرى، لذلك تعتمد هذه الدول على تاريخها الحضاري
المجيد في فرض نفوذها المعنوي وتحقيق المكاسب من خلاله، وليس دائما.
في بلدان حديثة كأمريكا التي طمرت حضارة الهنود الحمر البدائية، صنع
الناس القادمين من شتى الأصقاع مجدا لهذا البلد وستروا عليه، وكلما كاد
أن ينهار تجمعوا من حوله، وأوقفوه ثانية مع إنه ناشئ ولايمتلك الحضارة
المبهرة وناسه من كل الأصقاع، وهولاء منتجون شجعان تركوا الخلاف ليبنوا
لهم مجدا مستمرا، وتجربة الخليج مهمة كما في الإمارات والسعودية
والكويت وقطر، وفي أغلبها أراض صحراوية تتكون من مليارات من الأطنان من
الرمل، لكن أهلها لم يلتفتوا للخلافات وعمروها وإستثمروا النفط الذي
فيها ليصنعوا شيئا مختلفا مبهرا، وستجد إن مواطني (سوريا والعراق ومصر
وإيران وفرنسا وبريطانيا) يهرعون إليها ليحققوا حلما ما.
أوطان تستر على أبنائها، وأبناء يسترون على أوطانهم. سبحان الستار |