واشنطن إذ تحاور الجهاديين وتُبشر ببقاء الأسد؟!

عريب الرنتاوي

 

واشنطن تسعى للحوار مع "الجبهة الإسلامية"، معلوماتنا تقول إن "حوارات غير رسمية" قد حدثت من قبل، وبترتيب من "متطوعين" كثر، عرباً وأتراك، لم يعدموا وسيلة لترتيب مناسبات اجتماعية لحوارات جانبية تجري بـ "الصدفة المحضة"... أما الحوارات غير المباشرة، فهي أكثر من أن تحصى، ودائماً عبر "المتطوعين" أنفسهم، فضلاً عن أطراف سورية، محسوبة عليهم... وعن مسرح هذه الحوارات، المباشر منها وغير المباشر، فهي الجانب التركي من الحدود مع سوريا، والذي تحوّل خلال العامين الفائتين، إلى "مسرح مفتوح" لكل أجهزة المخابرات والدبلوماسيين و"المجاهدين" من شتى أقطار العالم وتلكم حقيقة ثابتة، لن تقلل من شأنها بيانات النفي المتكررة التي تصدر عن أنقرة، أو حكاية الـ "47" طن من بنادق الصيد التي قدمتها تركيا للمعارضة المسلحة لمساعدتها على "اصطياد الغزلان والأرانب" في الشمال السوري؟!

السؤال الذي يشغل بالنا، وربما بال الكثيرين من المهتمين بمتابعة الموقف على جبهات الحروب في سوريا وعليها، وبالأخص، ما تعلق منها بموقف واشنطن من "اللاعبين" الرئيسين في أوساط المعارضات المسلحة... سؤالنا: بمَ تختلف "الجبهة الإسلامية" عن "النصرة" و"داعش"؟... ألم تقرأ واشنطن الميثاق التأسيسي لهذه الجماعة، وبم يختلف عن مواثيق القاعدة ونظرتها للعالم والمجتمع والدولة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من مفاهيم، أضجرتنا الإدارات الأمريكية المتعاقبة لفرط ترديدها، وهي أول من يتخلى عنها ويعرضها للمناقصات والمزايدات في سوق النخاسة "البراغماتية"؟!

من حيث المضمون، لا فرق بين المكونات السلفية الجهادية الثلاث الوارد ذكرها... ربما هناك تفاوت في "درجة الشدة والعنف" النابع من اختلاف النشأة والعناصر المكوّنة لكل منها... داعش والنصرة، تتوفران على أعداد كبيرة من "الجهاديين الوافدين" إلى سوريا، وهؤلاء قساة في الغالب، لا تأخذهم شفقة ولا حرمة لدماء السوريين، فيما يطغى "العنصر السوري" على تكوين "الجبهة"، ولهذا حساباته واعتباراته التي تؤخذ عادة بالحسبان قبل مقارفة أعمال تقطيع الرؤوس والأطراف والمجازر الجماعية كما حصل في عدرا قبل أيام وفي ريف اللاذقية قبل بضعة أشهر.

العذر الذي ساقته واشنطن لتبرير استعدادها للحوار مع "الجبهة" أقبح من ذنب... واشنطن قالت إنها تريد توسيع قاعدة "الاعتدال" في المعارضة، وتوسيع تمثيلها في مؤتمر "جنيف 2"... أي أنها تُدرج "الجبهة" في قائمة القوى المعارضة المعتدلة في سوريا، وتريد مساعدتها للانخراط في "جنيف 2"، ألم يقرأ روبرت فورد البيان التأسيسي لهذه الجبهة، وإذا كانت مضامين البيان المذكور معتدلة، فمن هم المتطرفون حقاً في أوسط المعارضة السورية؟

المفارقة الصادمة، لواشنطن وليس لنا بالطبع، أن مبادراتها الحوارية – الانفتاحية على السلفية الجهادية، لاقت رفضاَ قاطعاً من "الجبهة" ذاتها التي تفضل القنوات الخلفية للحوار على الجلسات الرسمية تحت الأضواء الكاشفة لكاميرات المصورين، فضلاً عمّا أثارته من انتقادات واسعة في أوساط حلفاء واشنطن الغربيين أنفسهم، الذين هالهم أن تُدرج الولايات المتحدة النصرة في قائمة الإرهاب، وأن تعرض حواراً على شقيقتها في الفكر والنهج وأساليب؟!.

والحقيقة أننا لا نجد تفسيراً لهذا السلوك الأمريكي بغير "الإفلاس" و"اليأس" و"التخبط"... إفلاس الرؤية والخطط والاستراتيجية... واليأس من المعارضات التي رعتها واشنطن وحلفائها، خصوصاً الائتلاف والجيش الحر، ومن قبلهما المجلس الوطني، والتخبط بين رغبتين: إضعاف الأسد إرضاءً معسكر المتطرفين العرب والأتراك الداعمين للجهاد السلفي، والخوف من صعود القاعدة وتحوّل سوريا إلى أفغانستان ثانية على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، وعلى مرمى عصا من أوروبا.

ويبلغ الارتباك الأمريكي ذروته في التزامن الحاصل بين الدعوة لحوار "الجبهة الإسلامية" من جهة، وتأكيدات واشنطن (من جهة ثانية) لمعارضين من الائتلاف بأن الأسد باقٍ في المرحلة الانتقالية، وأنه سيقود الجيش والأجهزة الأمنية فيها، لضمان محاربة القاعدة والإرهاب، والذود عن العلويين والأقليات الأخرى المرشحة لمواجهة مصائر سوداء في حال حدثت الفوضى وتفككت الدولة وانهارت أجهزتها الأمنية والعسكرية... أي تناقض هذا، بل وأية صبيانية تسم إدارة "الدولة الأعظم" لواحدة من أخطر الأزمات الدولية في القرن الحادي والعشرين؟!

نفهم أن "ترتبك" دول عربية وإقليمية في مواقفها حيال الأزمة السورية، بعد سلسلة من الخيبات التي أصابتها في الأشهر القليلة الفائتة... نفهم أن يصرح سفير دولة عربية كبرى بأن بلاده ستقاتل لوحدها في سوريا إن اقتضى الأمر، وأن يصرح مسؤول تركي رفيع بأنه سيظل على موقفه من النظام في دمشق، حتى وإن غيّر العالم بأسره رأيه فيه... ولكننا لا نفهم أن تسجل دولة بحجم ومكانة الولايات المتحدة، أرقاماً قياسية في "الارتباك" و"التخبط"، وكأن الدولة التي تضم أكبر عدد من أهم مراكز التفكير الاستراتيجي، لم تتعلم بعد، الدرس الأول من حربي أفغانستان والعراق.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/كانون الأول/2013 - 17/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م