أفريقيا الوسطى.. صراع عالمي على السلطة بواجهة دينية

 

شبكة النبأ: مأساة إنسانية مرعبة تحدث في دولة كانت تسمى جمهورية افريقيا الوسطى، قتل وتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس واغتصاب النساء وحرق المنازل والتهجير القسري، يضاف الى تأريخ مليء بالحكومات الفاسدة والانقلابات الدموية والمليشيات والعصابات المسلحة التي استغلت الأطفال والنساء، الامر الذي انعكس سلباً على المدنيين اللذين أصبحوا في معادلة صعبة قوامها الصراع الديني بين المسيحيين والمسلمين او قل بين المليشيا (المضادة للبالاكا) ومتمردي مليشيا (سيليكا).

شهدت افريقيا الوسطى العديد من الانقلابات وحركات التمرد في السابق، لكنها المرة الأولى التي يتحول فيها الصراع السياسي من اجل السيطرة على السلطة الى صراع ديني الواجهة بامتياز، ربما هو هوس عالمي، اذ ان اغلب الحروب التي تجري الان في العالم ذات طابع ديني، ويبدوا ان هذا الامر شمل افريقيا الوسطى ايضاً، بعد ان أطاحت ميليشيا (سيليكا) من المسلمين بالرئيس فرانسوا بوزيزيه في نهاية مارس مما استدعى مواجهتهم بمليشيا (المضادة للبالاكا) من المسيحيين اللذين خدموا في الجيش ابان حكم الرئيس المخلوع ليتحول الامر الى صراع ديني.

رغم عودة الهدوء الحذر بعد زيادة عديد القوات الفرنسية التي فرضت سيطرتها النسبية خصوصاً في العاصمة "بانغي"، لكن المشكلة هي إنسانية بحته، وتتجلى في انقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ان وصل الامر الى شفير "الإبادة الجماعية" بحسب تعبير وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.

أفريقيا الوسطى دولة فاشلة

اذ يوفر الحشد الغفير الذي تعج به مستشفى بوسانغوا، وهي بلدة في شمال غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، لمحة عن تفاقم الأزمة التي تواجهها البلاد منذ أن استولى تحالف المتمردين المعروف باسم سيليكا على السلطة بالقوة في مارس 2013، حيث يسعى أكثر من 1,000 شخص للحصول على مأوى في ذلك المرفق، وفي وسط سحب الدخان المتصاعدة من نيران الطهي، يجلس الأطفال في فتور، وتطحن النساء الذرة، وتحدق مجموعات من الرجال في الفضاء، وقال بروفيت نغايبونا، وهو أب لثمانية أطفال وينتظر ولادة طفله التاسع: "نحن هنا بسبب مقاتلي سيليكا، الذين جاءوا إلى قريتنا وارتكبوا جرائم السلب والنهب والقتل"، وأضاف قائلاً: "لقد فقدنا منازلنا وحقولنا وبضائعنا، دُمرت المنازل وبداخلها كافة ممتلكاتنا، نحن، أنا لا أعرف حتى بماذا أصف حالنا، ليس لدينا شيء الآن، لا أستطيع حتى أن أذهب إلى بيتي أو حقولي، إذا رأوني هناك، سوف يقتلونني"، ومن الجدير بالذكر أن المؤشرات البشرية والتنموية كانت وخيمة قبل الانقلاب، ولكنها ازدادت سوءاً الآن، وسط تزايد العنف من قبل الجماعات المسلحة وبين المجتمعات والجماعات الدينية المختلفة، لقد تضرر جميع السكان البالغ عددهم 4.5 مليون نسمة تقريباً، من بينهم 1.1 مليون شخص خارج العاصمة بانغي وتشير التقديرات إلى أنهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد أو المتوسط، كما يوجد ما يقرب من 400,000 نازح داخلياً، أي ضعف العدد الذي تم تسجيله قبل بضعة أشهر فقط، وقد فر نحو 65,000 شخص إلى خارج البلاد، وتوجه معظمهم إلى دولة الكاميرون المجاورة.

من جانبها، قالت ايمي مارتن، رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في البلاد، أن "جمهورية أفريقيا الوسطى كانت دولة فاشلة من قبل، أما الآن فإنها أكثر سوءاً"، وأضافت أن "تقديراتنا تشير إلى أن أكثر من 1.5 مليون شخص بحاجة إلى مختلف أنواع المساعدة، سواء في مجال الصحة أو التغذية أو المأوى أو الحماية"، لكن المخاوف الأمنية تعني أن وكالات المعونة، التي تتعرض مركباتها للهجوم، يمكنها فقط أن تخمن ما يحدث في بعض المناطق، حيث أكدت مارتن أن العدد الفعلي للمتضررين من هذه الأزمة قد يكون أعلى من ذلك بكثير، فضلاً عن ذلك، يشكل نقص الأموال عائقاً إضافياً يعرقل جهود الاستجابة الملائمة، حيث تم توفير 44 بالمائة فقط من مبلغ الـ 195 مليون دولار المطلوب للتصدي لهذه الأزمة، وقالت إيلين فان دير فيلدين، رئيسة منظمة أطباء بلا حدود - هولندا، التي تعمل في بوسانغوا: "نشعر بقلق شديد في معظم أنحاء البلاد بشأن مستوى العنف الذي نشهده والذي نسمع عنه والمرضى الذين يصلون إلى مستشفانا"، كما يقوم الفريق التابع للمنظمة بعلاج أطفال دون سن الخامسة يتعافون من إصابات بأعيرة نارية، ويلتمس أكثر من 36,000 شخص اللجوء إلى الإرسالية الكاثوليكية في بوسانغوا، بعد فرارهم من ائتلاف المتمردين الذين تحولوا إلى قوات "حكومية" والذين استعان بهم ميشيل دجوتوديا الشمالي المسلم لتمكينه من الاستحواذ على السلطة في إنقلاب مارس.

وتتكون هذه القوات من أعداد كبيرة من المرتزقة من دولتي تشاد والسودان المجاورتين وكذلك معظم نزلاء السجون السابقين في البلاد، ومعظمهم من المسلمين الذين نفذوا انتقامهم المميت ضد الأغلبية المسيحية في وطن الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي، وقد حذرت فرنسا من أن جمهورية أفريقيا الوسطى "على شفا إبادة جماعية" بسبب العنف الطائفي المتصاعد، كما ظهرت جماعات الدفاع عن النفس التي تطلق على نفسها اسم "مكافحة بالاكا" والتي يحمل أعضاؤها المناجل والأقواس والسهام والرماح، وارتكبت الفظائع ليس فقط ضد السيليكا ولكن ضد المجتمع الإسلامي الأوسع كذلك، ويعتبر هذا الصراع بين الأديان ظاهرة جديدة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وبينما تقوم الجماعات المسلحة باجتياح المنطقة وارتكاب جرائم النهب والقتل وتجريف المحاصيل وتدمير المنازل، أصبحت القرى التي تقع على امتداد طريق يبلغ طوله 100 كيلومتر بين بوسانغوا والعاصمة بانغي فارغة، وكان المؤشر الوحيد على وجود حياة هو بعض رؤوس الماعز التي تنتظر عودة أصحابها في صبر، وبالإضافة إلى الإرهاب، يعاني الناس من الأمراض أثناء اختبائهم في حقولهم بدون مأوى أو دواء أو غذاء، ولا يغامر بالتوجه إلى الطريق السريع لطلب المساعدة الطبية في مستشفى بوسانغوا إلا أكثرهم شجاعة أو أشدهم مرضاً، وقالت الطبيبة فلورين أوديناردن من منظمة أطباء بلا حدود: "أنا قلقة للغاية من وجود العديد من الحالات التي لا نستطيع الوصول إليها؛ ليس فقط من ضحايا العنف، ولكن أيضاً المصابين بالملاريا"، وخلال العشرة أيام التي قضتها في المستشفى، شهد فريق منظمة أطباء بلا حدود هناك موت أربعة أطفال لأن الكثير منهم يأتون في حالة ضعف شديد بسبب فقر الدم والملاريا وسوء التغذية ويصبح من المستحيل إنقاذهم.

وفي السياق نفسه، قالت فان دير فيلدين أنه باستثناء أعمال العنف، تعتبر الملاريا هي القاتل الأشد فتكاً، وخاصة بين الأطفال، وقد تبين في عيادة توعية مؤخراً أن 120 من أصل 200 طفل أجريت عليهم اختبارات كانوا مصابين بالملاريا، وقد توفي صبي يبلغ من العمر عامين بسبب إصابته بالملاريا الحادة مؤخراً فور نقله إلى العيادة من قبل فريق التوعية، ومن بين أحدث الضحايا من الأطفال في نفس المستشفى، صبي هزيل البنية يتناول المحاليل عن طريق جهاز التنقيط ومغطى بورق الألومنيوم، ولا يكاد يستطيع إغماض جفنيه من فرط الوهن، كما كان هناك صبي آخر يبلغ من العمر أربع سنوات يصرخ كلما نفذ مفعول جرعة المسكنات، وساقاه معلقتان من السقف، كان الصبي قد أصيب بطلق ناري اخترق وركيه خلال هجوم وقع مؤخراً على منجم للذهب يبعد 25 كيلومتراً عن بوسانغوا، ويشك جراح منظمة أطباء بلا حدود في أنه سوف يتمكن من السير مرة أخرى طوال حياته لأن الرصاصة حطمت مفصله، الأمر الذي يتطلب إجراء جراحة معقدة ومكلفة في أفضل الأماكن، وبسبب انعدام الأمن ونقص التمويل، تعمل وكالات الأمم المتحدة فقط في المدن، ويعتبر وقت وعدد موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) ومنظمة أطباء بلا حدود محدوداً بالمقارنة مع حجم الأزمة، وتؤكد فان دير فيلدين أن "الناس الذين لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية يموتون هناك، وهذا بالتأكيد مصدر قلق كبير"، وأوضح بابلو دي باسكوال، منسق الطوارئ في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، التي تعاني من عجز قدره 20 مليون دولار في تمويل برامجها في جمهورية أفريقيا الوسطى، أن "مشكلتنا الآن هي أننا لا نستطيع أن نذهب أبعد من بوسانغوا لأننا نعاني من نقص التمويل"، وقد نفذت اليونيسف حملة تطعيم واسعة النطاق استهدفت الأطفال دون سن الخامسة، وتشارك منظمة أطباء بلا حدود أيضاً في مكافحة أمراض مثل الحصبة، التي تفشت في جمهورية أفريقيا الوسطى في الأشهر الأخيرة، وقالت أوديناردن، التي عملت في سوريا وجنوب السودان في الأونة الأخيرة، أن فريقها يُجري "6 أو 7 عمليات نقل دم في الأسبوع الواحد، وهي نسبة مرتفعة جداً بالمقارنة مع غيرها من المشاريع التي عملت بها، كما نرى الكثير من حالات سوء التغذية، التي تتزايد بسرعة". بحسب ايرين.

من جهته، أكد دي باسكوال قائلاً: "إننا نخطط للتصدي للمستويات العالية من سوء التغذية في الأشهر المقبلة"، ومع نهاية موسم الأمطار، ستدخل البلاد في موسم الجفاف دون وجود أحد لحصاد المحاصيل، ونظراً لاحتدام العنف في الشمال الذي يعتبر سلة الغذاء التقليدية في البلاد، تشعر مارتن بالقلق أيضاً إزاء نقص الغذاء، سواء بالنسبة للسكان في تلك المنطقة أو في بقية أنحاء البلاد، فقد انهارت معظم آليات السوق في جميع أنحاء جمهورية أفريقيا الوسطى، وهناك حصار مفروض على الشاحنات المتجهة إلى العاصمة، ويصل نحو 40 شخصاً إلى الإرسالية الكاثوليكية في بوسانغوا كل يوم، وهو موقع لا تزيد مساحته عن 19 هكتاراً، مما أثار المخاوف من تفشي الأمراض، حيث توصي المعايير الإنسانية بتوفير 160 هكتاراً لعدد سكانها الحالي، ويحذر دي باسكوال من أن الظروف المعيشية "تتدهور منذ البداية نظراً لعدم الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية والأعداد المتزايدة في مواقع النازحين،" مما أثار مخاوف من تفشي الكوليرا، ووصفت ريناتي سينك، منسقة مشاريع منظمة أطباء بلا حدود في بوسانغوا، الظروف المعيشية بأنها "بشعة" قائلة أن الظروف مواتية لتفشي الأوبئة، وأضافت قائلة: "رأيي غير الطبي هو أنني أعتقد أنها قنبلة موقوتة"، ويوجد حقلان للتغوط في العراء في ذلك الموقع، ولكن لا توجد أماكن لغسل الأيدي أو حتى دش واحد، مع ذلك، لا تزال حالات الإسهال منخفضة حتى الآن، "لدينا الآن 7 لترات من الماء لكل شخص في اليوم الواحد، في الأسبوع الماضي، كان لدينا 4 لترات – بينما ينبغي أن يتوفر 15 لتراً للشخص،" كما قال رينك دي لانغ منسق مشاريع المياه والصرف الصحي في منظمة أطباء بلا حدود، ولا يوجد سوى 65 مرحاضاً صالحاً للعمل، وأضاف أن "هذا يعني أنه، في الوقت الحالي، لدينا مرحاض واحد لكل 450 شخصاً، بينما المعيار القياسي هو مرحاض واحد لكل 20 شخصاً، إنها فجوة هائلة لابد من سدها، وبالطبع موقع المخيم مكتظ للغاية بحيث يصعب العثور على أماكن لبناء مراحيض"، وتجدر الإشارة إلى أن الناس لا يجرؤون على المغادرة خوفاً من مواجهة مقاتلي السيليكا السابقين.

وقد دفعت حالة عدم الاستقرار 70 بالمائة من الأطفال في البلاد إلى ترك التعليم، وأجبرت 3,500 طفل على التجنيد في صفوف المتمردين، فضلاً عن تجنيد عدد غير معروف في قوات مكافحة بالاكا، وقال المعلم لوران نامنيوند، الذي يتخذ من مدرسة الإرسالية مأوى الآن، بعد أن اشتغل بالتدريس بها لمدة 10 أعوام: "لا يأتي أطفال إلى المدرسة بسبب وحشيتهم، كيف يمكنهم أن يأتوا إلى المدرسة؟. لا يستطيع الأطفال أو حتى آباؤهم الحضور، ينبغي علينا البقاء على هذا الوضع"، أما لوسيان ريكوا، فيعتبر أكثر حظاً من معظم سكان بوسانغوا، الذين فروا فقط بالملابس التي يرتدونها، لقد وصل إلى الإرسالية مع زوجته التي كانت قد دخلت المرحلة الأخيرة من الحمل، وحمل معه الأواني والمقالي والملابس وبطاقات هويته، ولدت ابنته قبل ستة أيام، وهو يجول الآن الموقع بحثاً عن عمال الإغاثة الدوليين الذين سوف يطلقون عليها اسماً غربياً، على أمل أن يتيح له هذا وعمل والده المتوفى في الجيش الفرنسي فرصة للخروج من جمهورية أفريقيا الوسطى، وقال: "أريد فقط أن أذهب إلى هناك إلى فرنسا، لم يتبق شيء في هذا المكان الآن".

العنف الديني وبذور الكراهية

الى ذلك وبعد تلقيهم صدمة من جراء تصعيد أعمال القتل والاغتصاب وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبها المسلمون والمسيحيون ضد بعضهم البعض في جمهورية أفريقيا الوسطى، سافر رجال الدين من كلا الجانبين معاً في الأونة الأخيرة للتبشير بالسلام والاستماع إلى قصص الرعب، فقد ارتفعت مستويات العنف وانعدام القانون والإفلات من العقاب السائد في جمهورية أفريقيا الوسطى -حيث "تتكشف كارثة إنسانية ذات أبعاد ملحمية"، وفقاً لمنظمة العفو الدولية–إلى الحد الذي اضطر المطران ديودون نزابالينغا وعمر كوبين لاياما كبير الأئمة في البلاد، للسفر تحت حراسة مسلحة، "نحن الآن بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا، هل نريد دفع هذا البلد نحو حرب طائفية، أم ينبغي أن يعمل الناس معاً لبناء هذا البلد؟ هذا ما يحتاج القادة إلى أخذه بعين الاعتبار،" كما أكد نزابالينغا في بوسانغوا، التي تقع على بعد 300 كيلومتر شمال العاصمة بانغي، حيث لجأ حوالي 36,000 شخص إلى مقر الإرسالية الكاثوليكية، والمدرسة التابعة لها، وقد بلغ إجمالي عدد النازحين في جمهورية أفريقيا الوسطى حوالي 400,000 شخص، يعيش معظمهم في الأدغال، حيث تندر فرص الحصول على المياه النظيفة أو الإغاثة الإنسانية، وقال نزابالينغا أن البلاد "وصلت إلى أسوأ الأسوأ" بكل ما في العبارة من معنى، مضيفاً "أننا لم نر الناس يفرون إلى الإرسالية الكاثوليكية طلباً للسلامة من قبل، أو جميع الأطفال يهجرون مدارسهم، أو المستشفيات بدون أدوية، أو السكان المسيحيين والمسلمين يقاتلون بعضهم البعض". 

وتحدث أسقف البلدة، نيستور أزياغبا والإمام لاياما عن مخاوفهما من الإبادة الجماعية، وهو احتمال أثاره أيضاً وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وكبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك نشطاء حقوق الإنسان في الأونة الأخيرة، وأكد أزياغبا أن "المتمردين يحاربون السكان المحليين غير المسلمين، ومن ثم تقوم ميليشيات (مكافحة بالاكا) بمحاربة المتمردين والمجتمع المسلم بأسره، إننا بصدد انقسام حاد بين الطائفتين المسيحية والمسلمة"، وأضاف قائلاً: "ما أريد أن أمنعه هو الحرب ضد الإخوة والأخوات الذين كانوا يعيشون جنباً إلى جنب لسنوات عديدة"، واعترف باستحالة تحقيق ذلك من دون مزيد من الالتزام من قبل الحكومة الجديدة بقيادة ميشيل دجوتوديا، أول رئيس مسلم للبلاد، ومن جانبه، أقر دجوتوديا بضعف أو انعدام قدرته على السيطرة على المتمردين السابقين، كما بدت الصدمة على لوياما بسبب مستوى الدمار الذي شاهده على الطريق إلى بوسانغوا، وقال أن "ما شهدناه تجاوز فهمنا، لأن ما رأيناه على طول الطريق يشير إلى أنه لم تعد هناك أي بلدات على الإطلاق"، وأضاف قائلاً: "نحن، الزعماء الدينيون، نحاول القيام بواجبنا، لكننا نطلب من الحكومة القيام بدورها أيضاً، ليس كل المسيحيين من وحدات مكافحة بالاكا، مثل ما نسمعه هنا، وليس كل المسلمين من السيليكا، كما هو متصور"، ومن بين أولئك الذين يسعون للحصول على ملاذ في الإرسالية الكاثوليكية، لوسي بلانش فيغانزانولي، التي قالت أن قوات السيليكا دمرت قريتها المسماة بوديلي بالكامل في شهر سبتمبر الماضي، وقتلت زوجها ومزقت أفراد الأسرة الآخرين بالمناجل وقتلت خمسة من جيرانها، وأضافت قائلة: "رأيت السيليكا يأخذون زوجي ويضربونه، وبعد ذلك هاجموا والدته وقتلوها"، وروى أحد عمال الإغاثة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خوفاً من الانتقام، سلسلة من الروايات المذهلة عن الانتهاكات وأعمال القتل التي تم جمعها من المدنيين خلال الأشهر الأخيرة، "جاءت امرأة لتلد في 10 أكتوبر، وفي 11 أكتوبر، جاء السيليكا إلى القرية وقتلوها رمياً بالرصاص، كما وضعوا "زوج امرأة أخرى "في كيس به حجر، وقيدوه وألقوا به في النهر في نفس اليوم الذي أنجبت فيه طفلها".

وقالت حليمة بوبا، من قرية زيري، وهي واحدة من 2,000 مسلم يعيشون الآن في بوسانغوا أن وحدات الدفاع عن النفس – التي يُقال أنها مدعومة من قبل بقايا جيش بوزيزيه - لا تقل شراسة عن المتمردين السابقين، وروت أن "قوات مكافحة بلاكا جاءت وهاجمت منزلنا في الخامسة صباحاً، لحقوا بزوجي في الشرفة فأمسكوه وضربوه بالمناجل على رأسه وجنبه وظهره"، وقد نجت بوبا مع ابنتها البالغة من العمر أربع سنوات وطفل آخر من زوجة أخرى، ولكنها تخشى أن يكون الآخرون وقعوا في أيدي الميليشيات ولم ينج منهم أحد، وقالت أيضاً أنهم "ضربوا طفلاً في الثالثة عشرة من عمره حتى الموت،" مضيفة أنها شاهدت حوالي 27 شخصاً قُتلوا وأصيب ثمانية آخرون قبل أن تتمكن من الهرب والاختباء في الأدغال، وقالت حليمة أدامو، التي كان شقيقها التوأم البالغ من العمر 20 عاماً واحداً من سبعة رجال مسلمين جرتهم قوات مكافحة بالاكا من إحدى الحافلات وقتلتهم، أنها لا تعرف ما إذا كانت ستتمكن من العودة إلى قريتها والثقة في جيرانها مرة أخرى، على الرغم من أن "المسيحيين جميعاً غادروا منازلهم"، وذكر عامل إغاثة أن امرأة مسلمة أخرى "ذهبت لرعي أبقارها، وعلى الطريق صادفت قوات مكافحة بالاكا، الذين قتلوا 20 شخصاً، وكانت هي الناجية الوحيدة، لكنها أصيبت بجرح أحدثه منجل"، وفي تقرير تم تقديمه مؤخراً إلى مجلس الأمن، حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أن "هذه الحلقة المفرغة، إذا لم تعالج الآن، ستهدد بالتحول إلى انقسام ديني وعرقي في جميع أنحاء البلاد، مع احتمال أن تصبح وضعاً لا يمكن السيطرة عليه، بما في ذلك الجرائم الوحشية، التي تترتب عليها آثار وطنية وإقليمية خطيرة"، من جانبها، قالت ايمي مارتن، رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في جمهورية أفريقيا الوسطى، أن "أكبر مخاوفي هو أن يصل هذا إلى بانغي"، وقال الجنرال بابكر غاي، رئيس مكتب الأمم المتحدة لبناء السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى (BINUCA)، "إذا لم يتم عمل شيء، سيكون هناك خطر من أن تتحول المواجهة بين مقاتلي سيليكا السابقين ومجموعات الدفاع الذاتي العفوية إلى مواجهة بين المسلمين والمسيحيين، ولكننا لم نصل إلى هذا الوضع حتى الآن، وعلينا أن نقول أننا لم نصل إلى هذا بعد"، ولكن بروفيت نغايبونا، الذي يختبئ مع عائلته في بوسانغوا، يختلف معه في الرأي. وقال نغايبونا الذي غادر قريته في أعقاب هجوم السيليكا: "بمجرد وصولهم إلى هناك، بدؤوا يقتلون الناس، وحتى جميع المسلمين الذين يقيمون في تلك المنطقة لديهم بنادق، لديهم جميعاً بنادق ومناجل وبدؤوا يقتلون الناس، إنهم ليسوا جنوداً، إنهم متمردون جاءوا لتدمير البلاد،" كما أفاد، وأضاف قائلاً: "إننا نصلي وندعو أن يأتينا رئيس مسيحي".

ووصف الأسقف أزياغبا الوضع بأنه "أزمة سياسية في المقام الأول، فقد تلقى شخص العون من مرتزقة من تشاد والسودان للوصول إلى السلطة، وبمجرد وصوله إلى السلطة، كان من المفترض أن يصبح رئيساً للبلاد بأكملها، وللأسف، فإن معظم المرتزقة الذين ساعدوه على الوصول إلى السلطة من المسلمين ومن خارج البلاد، ليس لديهم أي شعور تجاه السكان المحليين، ولذلك بدؤوا يرتكبون انتهاكات وينهبون ممتلكاتهم وأبقارهم ومحاصيلهم، ويحرقون كل ما كانوا يملكونه"، وفي سياق متصل، أشارت لويزا لومبارد من جامعة كاليفورنيا في بيركلي في أبريل 2013 إلى أن العديد من المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى قد تحملوا التمييز لفترة طويلة، وأضافت أن "سكان جنوب جمهورية أفريقيا الوسطى يعتبرون في كثير من الأحيان جميع سكان الشمال الشرقي 'أجانب' (من تشاد أو السودان)، وهذا يعني أنه بغض النظر عن جنسيتهم الفعلية، فإنهم لا ينتمون إلى البلاد، وعندما يسافر الناس من الشمال الشرقي يتعرضون لمراقبة خاصة بسبب وضعهم المزعوم كغرباء، وعلى سبيل المثال، كثيراً ما يتعرض الأشخاص الذين توحي أسماؤهم أو ملابسهم بأنهم مسلمون للمضايقة والابتزاز الإضافي عند العديد من الحواجز التي تديرها فروع قوات الأمن الحكومية والمتمردون و/أو آخرون"، من ناحية أخرى، ذكرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نُشر في يونيو 2013 أن التمرد الأخير كان "من صنيعة سياسيين سابقين موصومين بالعار ويسعون للانتقام والعودة إلى السلطة السياسية، وبالتالي، فإن السيليكا هي تحالف غير متجانس من أفريقيا الوسطى والمقاتلين الأجانب الذين لا يملكون شيئاً من القواسم المشتركة عدا كونهم مسلمين"، وأضاف التقرير أن "التوازن السياسي الجغرافي والعرقي والديني داخل قيادة البلاد قد اهتز، مما أثار المخاوف والبلبلة في جمهورية أفريقيا الوسطى وفي البلدان المجاورة، وقد توجهت الطائرة العسكرية التي أقلت جرحى السيليكا إلى الخرطوم والرباط، وقام زعماء أفريقيا الوسطى بزيارة إلى قطر، وأعربت الدول المجاورة (جنوب السودان وأوغندا والكونغو برازافيل) عن مخاوف من صعود الأصولية الدينية، وكل ذلك خلق مناخاً من الشك والتوترات الدينية الخطرة داخل البلاد والمنطقة بأسرها".

وقال الباحث الفرنسي رولان مارشال في مقال نشره المرصد العالمي التابع لمعهد السلام الدولي في سبتمبر 2013 أن مقاتلي السيليكا "لديهم ميول نظرية نحو الإسلام السياسي" ولكنهم يتقاسمون أيضاً "شعوراً قوياً بالهوية الجماعية وإرادة الانتقام من أنظمة جمهورية أفريقيا الوسطى السابقة والمستفيدين منها الذين تم تحديدهم بأنهم المواطنون المسيحيون"، ولكن بعض الأشخاص الذين يسعون لإيجاد ملاذ في بوسانغوا مقتنعون بأن المقاتلين الذين شكلوا تحالف سيليكا يهتمون بالثروة أكثر من السلطة السياسية ويستخدمون الدين كذريعة للحصول عليها من موارد جمهورية أفريقيا الوسطى الطبيعية، مثل الماس والذهب والأخشاب، وقد رأى دوفيو رودريغيز أفراد السيليكا يذبحون أخاه في مركز للشرطة في بوسانغوا وقال أن ثلاثة آخرين من أفراد أسرته قُتلوا على الطرقات، بينما نجا هو بأعجوبة من هجوم على منطقة تعدين الذهب التي تبعد 30 كيلومتراً عن المدينة، والتي قال أن السكان المسلمين المحليين قادوا المقاتلين إليها، "في السابق، كانت لدينا علاقات جيدة مع المسلمين الذين كانوا في الأدغال معنا يبحثون عن الذهب، ولكن منذ قدوم السيليكا، أصبحوا يريدون قتلنا والاستيلاء على كل ما نملك،" كما قال.

الاحتياجات الطبية هائلة

في سياق متصل تعد منظمة أطباء بلا حدود واللجنة الدولية للصليب الأحمر المنظمتين الوحيدتين اللتين تغامران باستخدام الطرق السريعة التي تنتشر فيها الجماعات المسلحة التي تشكك بشكل متزايد بحياد المنظمات الإنسانية، وتدير منظمة أطباء بلا حدود عيادة في مستشفى بوسانغوا، كما أسست مؤخراً 10 نقاط صحية في مخيمين للنازحين، فعلى الرغم من معدلات المرض المثيرة للقلق، يخشى العديد من الناس السير على طول الطريق السريع لمسافة 200 متر لطلب المساعدة، وقالت هيذر تومسون، المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود بلجيكا، "خلال 14 يوم الأولى، عالجنا أكثر من 4,000 طفل دون سن الخامسة، وعدد قليل من البالغين، كما عالجنا 3,200 حالة ملاريا"، وتقول منظمة أطباء بلا حدود أن الملاريا هي القاتل الأكبر في هذه الأزمة، حيث تودي بصمت بحياة الآلاف المختبئين في الأدغال، وغالباً دون أن يمتلكوا أي غذاء أو مستلزمات، وعالج عمال الرعاية الصحية حوالي 95,000  شخص من الملاريا بين يناير وأكتوبر، في محيط بلدة بوجويلا شمال غرب البلاد، ولكن لا يمكن للمنظمة الآن الوصول إلى الأغلبية التي توارت عن الأنظار، وقال بيتر بوكارت، اختصاصي حالات الطوارئ لدى منظمة هيومن رايتس ووتش أن "الأزمة الإنسانية التي تؤثر على أولئك الذين يعيشون في الأدغال شديدة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالملاريا، فقد نهب مقاتلو سيليكا السابقون العديد من المستشفيات والصيدليات في جميع أنحاء الشمال وتركوا مجتمعات بأكملها دون جرعة واحدة من الدواء"، وقال أنه في حين أن الوفيات الناجمة عن الملاريا "أكثر وضوحاً" بين النازحين، "إلا أن النهب الكامل لمعظم العيادات والصيدليات الريفية من قبل أعضاء سيليكا السابقين قد أدى أيضاً إلى وقف علاج فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز"، "ومع معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز بنسبة 13.5 بالمائة بين البالغين، سوف يؤدي تعطل برامج الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية في جمهورية أفريقيا الوسطى بالكامل قريباً إلى إضافة المزيد إلى حصيلة الوفيات الناجمة عن الملاريا".

ولا يزال انعدام الأمن يعرقل حجم ونطاق التدخلات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، علينا تحليل الوضع الأمني بشكل يومي أن شقيقة إحدى الممرضات في عيادة في مدينة ندجو التجارية وتدعى بلاسيد ياميني، توفيت أختها الملاريا قبل 48 ساعة فقط من زيارة هيومن رايتس ووتش، ونقل على لسان ياميني قولها أن الناس "هنا يعيشون ويموتون مثل الحيوانات"، وقالت ياميني أيضاَ لمنظمة هيومان رايتس ووتش أن "فعالية الممرضة تعتمد على الحصول على الأدوية، كنا نقوم برعاية أولئك الذين يتعايشون مع مرض الإيدز، ولكن بعد تدمير العيادة من قبل أفراد سيليكا السابقين، لا يمكننا فعل أي شيء لهم، الكثير من الناس يعانون، والآن، لا أحد يتناول أدويته"، وقال تقرير صدر في سبتمبر بعد اجتماع مع رؤساء المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن "جميع سكان جمهورية أفريقيا الوسطى البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة متأثرون بالحالة الطارئة والمعقدة الحالية، وقد ازدادت الاحتياجات بشكل كبير"، وذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أنه "يوجد في جمهورية أفريقيا الوسطى 1.3 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية طارئة بسبب الاضطرابات المدنية"، وهو ارتفاع من 1.1 مليون شخص الذي تم تسجيله مؤخراً، ولكن الوصول إلى هؤلاء المحتاجين الكثر يطرح تحديات أمنية ولوجستية ومالية خطيرة لمنظمات الإغاثة العاملة في جمهورية أفريقيا الوسطى - والتي يتخذ الكثير منها من بانغي مقراً له، في حين أن المناطق الأكثر تضرراً هي في الأقاليم.

وقالت أيمي مارتن، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في جمهورية أفريقيا الوسطى أن السلطات الجديدة التي فرضت الأمر الواقع في البلاد لم تضع أي قيود على المكان الذي يمكن للمنظمات غير الحكومية الذهاب إليه، ولكن وكالات الأمم المتحدة فرضت قيوداً ذاتية نظراً لغياب سيادة القانون "والجماعات المسلحة التي لا تعرف عن المبادئ الإنسانية التي نعمل من خلالها أو احترام العاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك تقديم المساعدة لجميع من يتأثر بالأزمة"، وقال كريستيان مولامبا، مدير الرابطة الطبية الدولية (IMC) في الدولة أن هناك "تحديات كبيرة" لتقديم المساعدة، وأضاف قائلاً: "لا يزال انعدام الأمن يعرقل حجم ونطاق التدخلات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، علينا تحليل الوضع الأمني ​​بشكل يومي"، "وقد أدى ذلك، إلى جانب غياب سيادة القانون والهجمات التي تقع ضد العاملين في المجال الإنساني وممتلكات المنظمات الإنسانية، إلى منع المساعدات المنقذة للحياة من الوصول إلى الأشخاص المحتاجين، وقد تأثرت الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه والصرف الصحي - والتي تعتمد إلى حد كبير على الوكالات الإنسانية - بشكل كبير نتيجة لذلك".

وقال بوكارت من منظمة هيومن رايتس ووتش أن المنظمات الخيرية تواجه "تهديدات مستمرة لأمنها كما تواجه مستويات هائلة من احتياجات السكان النازحين"، مما يعني أن "الاستجابة الإنسانية اليوم تقتصر تقريباً على عواصم الأقاليم والمدن الكبرى"، في حين أن الغالبية العظمى من الناس تقطعت بهم السبل في المناطق النائية، وقال بوكارت أن أعضاء البعثات البحثية التابعة لمنظمة هيومان رايتس ووتش التي قامت بها الشهر الماضي "كانوا بالفعل أول أشخاص تابعين لمنظمة إنسانية يصلون إلى بعض من هؤلاء السكان" بعد التغلب على "التحديات" اللوجستية والمفاوضات مع أفراد سيليكا السابقين وجماعات مكافحة بالاكا، الذين قاموا بإغلاق الطرق وهدم الجسور، ومع وقوع الكثير من أعمال العنف في المناطق الشمالية التي تعتبر سلة الغذاء في البلاد، من المتوقع ارتفاع  مستويات سوء التغذية بشكل كبير مع بدء موسم الجفاف، ودعا حسينو تعال، ممثل برنامج الأغذية العالمي في جمهورية أفريقيا الوسطى "الجماعات المسلحة المختلفة إلى احترام حقوق المدنيين وتوفير الوصول  الإنساني لموظفينا لتقديم المساعدة إلى من هم بحاجة ماسة إليها"، واكتشفت الرابطة الطبية الدولية التي تعمل في الأقاليم الشرقية، مؤخراً أن معدل سوء التغذية في بعض أجزاء من ولاية هوت كوتو "وصل إلى 15.8 بالمائة، وهو ما يصنف على أنه "مستوى حرج" وفق تصنيفات منظمة الصحة العالمية، وقالت لورا جيبسون مسؤولة الاتصال في الرابطة الطبية الدولية أنه "علاوة على ذلك، فإن الأزمة أثرت على علاج الأطفال المصابين بسوء التغذية نظراً لانعدام الأمن الذي أعاق وصول المنظمات الإنسانية ونقل الإمدادات الغذائية الحيوية"، وكانت المناطق التي لا توجد فيها مراكز صحية تعتمد على مستشفى بريا، التي تبعد 40 كيلومتراً، مع وجود وحدتين صحيتين متنقلتين تابعتين للرابطة الطبية الدولية تحاول تغطية 11 مجتمعاً محلياً أو 18,000 شخص، وقالت لورا فولتانج، مسؤولة الإعلام في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن المناشدة الموحدة التي أطلقتها الأمم المتحدة"، حصلت على تمويل بنسبة تقل عن 50 بالمائة من المبلغ المطلوب، وبالتالي فإن الحصول على المزيد من التمويل أمر حاسم لتمكين المجتمع الإنساني من تقديم المساعدة المنقذة للحياة"، وقد ساعد برنامج الأغذية العالمي 250,000 شخص منذ يناير وحتى الآن، ولكنه يواجه عجزاً مقداره 20 مليون دولار.

وقال مولامبا من الرابطة الطبية الدولية: "حتى قبل الاضطرابات السياسية الأخيرة، انخفضت خدمات الرعاية الصحية إلى مستوى أقل بكثير من احتياجات السكان. وقد فاقمت الأزمة الاخيرة هذا الوضع المتردي أصلاً حيث تم نهب وتخريب المرافق الصحية؛ وأدى توقف قنوات الإمداد إلى نقص في الإمدادات الصحية والأدوية الأساسية، كما سبب انعدام الأمن إلى منع موظفي الرعاية الصحية والمرضى من الوصول إلى المرافق الصحية"، واعترف الرئيس دجوتوديا مؤخراً لقناة الجزيرة أنه لا يستطيع السيطرة على مقاتلي سيليكا السابقين، وفي 5 ديسمبر، قرر تمديد حظر التجول لسكان بانغي أربع ساعات، بعد ليلة من الاشتباكات التي قتل فيها العشرات رمياً بالرصاص أو بالسلاح الأبيض، ويمتد حظر التجول الآن من الساعة 6 مساءاً حتى 6 صباحاً، وتلتزم معظم وكالات الإغاثة بالفعل بحظر التجول بدءاً من  الساعة 5:30 مساءاً،، ولكن دجوتوديا تجاهل تحذيرات من أن العنف في البلاد قد يتحول إلى عمليات إبادة جماعية، مدعياً أن عشرات الآلاف من الأشخاص قد لجؤوا إلى بعثة بوسانغوا الكاثوليكية فقط للحصول على الطعام والماء مجاناً، في الوقت نفسه، يفر الناس من العنف المتصاعد، الذي يصاحبه تدمير ونهب للمنازل على طول الطريق التي يبلغ طولها 150 كيلومتراً من بوسانغوا إلى بانغي، وقال مولامبا أن "احتياجات السكان المتضررين من النزاع تستمر في التزايد، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يختبئون في الأدغال ممن لا تتوفر لديهم فرص كافية للحصول على المأوى والغذاء والماء، ويتعرضون للملاريا والمزيد من الهجمات من الجماعات المسلحة"، ولكن بوكارت قال أن "النهج الراهن الذي تطبقه المنظمات الإنسانية لا يصل إلى مئات الآلاف من الناس الذين يختبئون فزعاً في الأدغال قرب قراهم - وهذا خلل خطير يحتاج إلى معالجة عاجلة"، وأضاف قائلاً: "يريد الناس الذين يعيشون في الأدغال البقاء قريباً من حقولهم، حيث يتوفر لديهم الغذاء من الأرض، ولا يمكن أن نتوقع أن يقوم جميعهم بحمل أمتعتهم الهزيلة والقيام بالرحلة الخطيرة إلى المدن الكبيرة، نحن بحاجة إلى الوصول إليهم وتقديم الإمدادات الإنسانية الحيوية، وخاصة الدواء"، وقد مكثت بعض الكوادر الطبية المحلية مع السكان ولكن هناك حاجة للإمدادات واللوازم الطبية التي لا يمكن توفيرها إلا من قبل عمال الإغاثة الدوليين، واستطرد قائلاً: "يعتبر أي رجل (محلي) يسافر من هذه المناطق المتضررة من الحرب من خلال نقاط التفتيش التابعة لأفراد سيليكا السابقين أحد أفراد جماعات مكافحة بالاكا، ويواجه، في أفضل الأحوال الاعتقال، وفي أسوأ الأحوال، الإعدام الفوري".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/كانون الأول/2013 - 15/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م