أوكرانيا ومعضلة التأرجح بين أوربا وروسيا

شبكة النبأ: الأوضاع المتوترة في أوكرانيا والتي رفضت حكومتها التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بسبب الضغوط الروسية كما يقول بعض الخبراء، لاتزال محط اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية التي تخشى اتساع دائرة الاحتجاج الشعبي الذي تفوده المعارضة الرافضة لهذا القرار والمدعومة من دول اخرى، وهوما قد يحول اوكرانيا التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الى ساحة منافسة ونزاع بين الدول العظمى التي تسعى الى تثبيت قوتها وفرض سيطرته على الأطرفة الآخر، من خلال التدخل المباشر وتقديم الدعم لطرفي الصراع في هذه البلاد، فالبعض يرى ان الجانب الروسي سيسعى الى فرض حرب اقتصادية على اوكرانيا اذا سعت الى تقديم تنازلات جديدة، من خلال رفع اسعار الغاز او تضيق الخناق على العمالة القادمة الى روسيا او فرض رسوم وضرائب جديدة على المنتجات والبضائع الاوكرانية القادمة الى الاسواق الروسية.

من جانب اخر ستسعى دول الاتحاد الاوروبي الى تغير بعض النتائج من خلال دعم المعارضة وتأييد مطالبها الداعية الى اسقاط الحكومة الأوكرانية الحالية، وهو ما دعت اليه الولايات المتحدة بصورة غير مباشرة والتي اعتبرها البعض تحرك مدروس ضد روسيا التي تعتبر الحليف الاول للحكومة الأوكرانية وان تغيير الأوضاع في أوكرانيا يعني في الواقع تقويض مكانة روسيا على الساحة الدولية.

وفي هذا الشأن فقد انتقد الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش دعوات المعارضة الى الثورة واعتبرها تهديدا للأمن القومي وذلك اثناء لقاء مع رؤوساء اوكرانيا السابقين في محاولة لنزع فتيل الازمة المتصاعدة بسبب رفضه ابرام اتفاق مع الاتحاد الاوروبي، واصيب العديد من المتظاهرين بجروح في اشتباكات جديدة مع الشرطة فيما وصلت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ومسؤول اميركي بارز الى كييف لإجراء محادثات في مؤشر على القلق العالمي بشان الوضع المتفجر في اوكرانيا.

واثناء لقاء غير مسبوق مع رؤساء اوكرانيا السابقين الثلاث ليونيد كرافتشوك وليونيد كوتشما وفيكتور يوتشينكو في مقر الرئاسة، قال يانوكوفيتش انه من المرجح ان يتوجه وفد الى بروكسل لتجديد المفاوضات بشان اتفاقات مهمة تتعلق بالسياسة والتجارة الحرة. وقال يانوكوفيتش ان الدعوات الى الثورة تشكل تهديدا للأمن القومي، واضاف في تصريحات بثها التلفزيون المحلي اريد لهذه الصفحة القاتمة ان تطوى وان لا تتكرر ثانية ابدا.

واقترح رؤوساء اوكرانيا السابقون اجراء محادثات بين السلطات والمعارضة لتهدئة التوترات المتصاعدة. وقال زعماء المعارضة انهم لن يدخلوا في مفاوضات مع الرئيس الا بعد ان يقيل حكومة رئيس الوزراء مايكولا ازاروف ويفرج عن المتظاهرين المسجونين ومعاقبة شرطة مكافحة الشغب التي يتهمونها بقمع احتجاج 30 تشرين الثاني/نوفمبر.

واشار كوتشما وكرافتشوك خلال الاجتماع الى ان رؤوساء وزراء حكومات سابقة استقالوا، واضافا ان ازاروف يمكن ان يستقيل كذلك. وقال كوتشما الذي تولى رئاسة البلاد من 1994 وحتى 2004 ان المجتمع المدني ينتظر الان اشارة من الرئيس. ولم تصدر عن يانوكوفيتش اية تصريحات علنية عن مصير الحكومة. بحسب فرانس برس.

وفي محاولة لتهدئة المتظاهرين قال الرئيس انه طلب من النائب العام الافراج عن بعض المتظاهرين الذين اعتقلوا بعد اشتباكات مع الشرطة. واضاف انه سيعمل على الافراج عن الاشخاص الذين لم يرتكبوا اعمال عنف خطرة، دون ان يكشف عن مزيد من التفاصيل. كما المح الى ان قوات الامن تتحمل بعض المسؤولية عن الاشتباكات. وقال هناك مذنبون على الجانبين وانا لا اؤيد الرد بقوة والحكم على الناس.

من جانب اخر اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي ألكسي بوشكوف، أن الاتحاد الأوروبي حسم أمره لجهة الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، لفرض اتفاقية الشراكة التي يريدها الاتحاد، قال ان الاتحاد الأوروبي بات اليوم يتعامل مع يانوكوفيتش كخصم سياسي صريح يتعيّن الضغط عليه إلى أبعد الحدود للخروج بانتخابات رئاسية مبكرة في أوكرانيا.

وفي تصريح له تعليقاً على قرار الاتحاد الأوروبي تعليق العمل على اتفاقية الشراكة الانتسابية مع أوكرانيا، أضاف أنه ومن خلال هذه الانتخابات سيحاول الساسة الأوروبيون إيصال شخصيات صغيرة إلى كرسي الرئاسة مثل المعارض فيتالي كليتشكو، زعيم حزب أوارد، تكون مطيعة وتنفذ دور الدمية الغربية، التي طالما افتقدها الاتحاد الأوروبي في شخص الرئيس الأوكراني.

وأشار إلى أن النهج الصارم بات على الأغلب الأرجح في تعامل الاتحاد الأوروبي مع يانوكوفيتش والحكومة الأوكرانية، مؤكداً أن إمتناع الاتحاد الأوروبي عن الشراكة مع أوكرانيا لا يعني أن أوروبا ستمتنع عن فرض الاتفاقية بصورتها الحالية على أوكرانيا، والتي رفضها يانوكوفيتش وآزاروف لأسباب وجيهة.

مطالب ومزايا

الى جانب ذلك صرح رئيس الوزراء الاوكراني ميكولا ازاروف ان اوكرانيا تحتاج الى عشرين مليار يورو من المساعدات الاوروبية لتوقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي يحد من انعكاساته على اقتصادها. وقال ازاروف في اجتماع لمجلس الوزراء نقترح تسوية مسألة مساعدة مالية لأوكرانيا. حددنا مبلغا تقريبيا قدره 20 مليار يورو.

واضاف نحن لا نتحدث عن مساعدة مهدورة من الميزانية الاوروبية. نحن واقعيون نقترح على الاتحاد الاوروبي المشاركة في استثمارات في مشاريع مشتركة مربحة مثل توسيع وتحديث ممرات النقل، في اشارة واضحة الى انابيب الغاز التي تمر في البلاد. وتابع ازاروف ان الحكومة تؤيد ايضا توقيع هذا الاتفاق بسرعة لكننا نريد تقليل الخسائر لاقتصادنا.

الى جانب ذلك لوح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمزايا الاقتصادية لتقارب بين اوكرانيا وموسكو وقال بوتين نحن لا نفرض شيئا على احد لكن اذا رغب اصدقاؤنا في ذلك فأننا مستعدون لمواصلة العمل سويا حول مشاركة اوكرانيا في الاتحاد الجمركي. واضاف ان اوكرانيا عبرت عن رغبتها هذه السنة وحتى قبل ان تتراجع عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي مؤخرا بحضور كل لقاءات الترويكا التي تضم روسيا وبيلاروس وكازاخستان بصفة مراقب.

واكد بوتين ان مشروعنا للتكامل يقوم على مبدأ المساواة والمصالح الاقتصادية الحقيقية. وكانت روسيا التي يتهمها الغرب بانها مارست ضغوطا اقتصادية وترهيبا غير مقبول، لعبت دورا حاسما في ردع اوكرانيا التي تواجه ازمة اقتصادية كبيرة، عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي.

الولايات المتحدة والمعارضة

في السياق ذاته التقى السناتور الأمريكي جون مكين عددا من قادة المعارضة الأوكرانية في كييف وعبر عن تأييده للمحتجين المعتصمين منذ أسابيع في العاصمة في خطوة من المؤكد أن تثير غضب موسكو مما تعتبره تدخلا غربيا في أوكرانيا. وبدأت الاحتجاجات في الشوارع بعد قرار الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفتيش التراجع عن إبرام اتفاقية تجارية مع أوروبا في اللحظات الأخيرة والسعي إلى توثيق الروابط مع روسيا. ويسعى يانوكوفيتش إلى إبرام أفضل اتفاق ممكن من أجل تجنيب بلاده السقوط في هاوية الإفلاس.

وزاد حجم الحركة الاحتجاجية وحدتها بعد ذلك ليخرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في سلسلة من المسيرات مما حولها إلى حركة احتجاج شاملة مناوئة للرئيس وحكومته. وزيارة مكين هي أحدث حلقة في سلسلة زيارات قامت بها شخصيات أوروبية وأمريكية بارزة الي مقر اعتصام المحتجين مما دفع روسيا إلى اتهام الغرب بالتدخل الزائد عن الحد.

ومن المقرر أن يلحق رئيس اللجنة الفرعية لشؤون أوروبا في مجلس الشيوخ كريس ميرفي بالسناتور الجمهوري. وقال مكين للصحفيين بعد الاجتماع مع وزير الخارجية الأوكراني ليونيد كوزارا أنا فخور بشعب أوكرانيا وجهوده المخلصة من أجل الديمقراطية. والتقى مكين بعد ذلك مع قادة المعارضة فيتالي كليتشكو بطل الملاكمة السابق وأرسني ياتسينيوك الذي كان وزيرا للاقتصاد وأوليه تياهنيبوك وهو ناشط قومي ينتمي إلى اقصى اليمين. ويدعو قادة المعارضة إلى استقالة حكومة يانوكوفيتش وإجراء انتخابات مبكرة.

وأصيب الأوكرانيون بالصدمة جراء العنف الذي مارسته الشرطة ضد مظاهرة خرجت في بادئ الأمر لتأييد توثيق العلاقات مع أوروبا مما فجر حالة من الغضب إزاء الفساد في البلاد. وأدان ساسة امريكيون من الجهوريين والديمقراطيين هذه الإجراءات الصارمة وأصدر أعضاء مجلس الشيوخ قرارا يوم الجمعة يدعو الولايات المتحدة إلى النظر في فرض عقوبات في حال استعمال المزيد من العنف ضد المتظاهرين السلميين. بحسب رويترز.

على صعيد متصل اعلنت الولايات المتحدة انها تدرس امكان فرض عقوبات على اوكرانيا على ضوء القمع الممارس ضد المعارضة، محذرة كييف من استخدام القوة العسكرية ضد المتظاهرين المؤيدين للاتحاد الاوروبي. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي نفكر في بعض الخيارات، لم يتم اتخاذ اي قرار بعد، والعقوبات هي من ضمن الخيارات، ولكنني لن اتحدث عن تفاصيل محددة.

وردا على سؤال عما اذا كان الامر يتعلق بعقوبات اقتصادية او سياسية، اكتفت المتحدثة بالقول توجد مجموعة من الخيارات امامنا، ولكننا لم نصل الى تلك المرحلة حاليا. وحذر وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل نظيره الاوكراني بافيل ليبيديف خلال محادثة هاتفية بينهما من ارسال الجيش لقمع المتظاهرين ضد النظام الاوكراني. وقال متحدث باسم البنتاغون في بيان ان هيغل اشار الى الاضرار التي يمكن يتسبب بها اي تدخل للجيش لقمع التظاهرات ودعا الى ضبط النفس.

واضاف المتحدث ان الوزير ليبيديف اكد ان موقف الرئيس فيكتور يانوكوفيتش يقضي بعدم استخدام القوات المسلحة ضد المتظاهرين وقال انه سينقل رسالة الوزير هيغل مباشرة الى الرئيس يانوكوفيتش. وتعهد الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش بعدم اللجوء الى العنف ضد المتظاهرين، داعيا المعارضة الى الحوار. واعرب وزير الخارجية الاميركي جون كيري عن اشمئزاز الولايات المتحدة ازاء القمع الممارس من الشرطة ضد المتظاهرين في اوكرانيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/كانون الأول/2013 - 15/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م