شبكة النبأ:
هل يوجد لدينا استبداد ديني؟، اترك الإجابة عن هذا السؤال الى
السطور القادمة، من قاد حركة الإصلاح ونادى بافكار النهضة؟، تياران في
الساحة العربية والإسلامية قادا تلك الحركة أواخر القرن التاسع عشر،
وكانت الغلبة لعدد من الأسماء المحسوبة على الفكر الديني.
رفاعة الطهطاوي الذي قال: (ليس هناك من فرق كبير بين مبادئ الشرع
الإسلامي ومبادئ القانون الطبيعي التي ترتكز عليها قوانين أوربا
الحديثة)..
جمال الدين الافغاني وقوله: (الغاية من اعمال الانسان ليست خدمة
الله فحسب، بل خلق مدنية إنسانية مزدهرة في كل نواحي الحياة).
محمد عبدة الذي قال: (الإسلام لم يدع الى تعطيل العقل).
رشيد رضا وقوله: (تعاليم الإسلام تؤدي الى الفلاح لا في الاخرة وحسب،
بل في هذه الدنيا أيضا)..
الإصلاح الذي دعت اليه هذه الشخصيات، هو ما سمي لاحقا بتيار التحديث،
تحديث الخطاب الديني، الذي جعل الحداثة الفكرية والاجتماعية ممكنة وفي
متناول اليد.
من حيث الإمكان، ربطت بين الكثير من المفاهيم الدينية القديمة وبعض
المفاهيم العصرية (التي كانت موجودة وقتها) وحاربت الكثير من (التقاليد
الدينية) التي حدّت من الثقة بالإنسان والعقل والعلم..
هذا التيار الإصلاحي، شكل (لحظة اصيلة في الوعي العربي والإسلامي ما
كان من الممكن من دونها للعرب والمسلمين فهم مجريات العصر الحديث
والقبول بها والانخراط فيها) على حد تعبير الباحث عزمي عاشور في ورقته
التي قدمها الى مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية والصادرة
ضمن كتاب (الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة) عن مركز دراسات
الوحدة العربية.
يغيب عن او يتم تغييب، ذكر أسماء أخرى تحسب على الرواد الأوائل
لتيار الاصلاح، لخلافات مذهبية او قومية، لم تكن موجودة في سياق النشأة
والتكوين، وان وجدت، فهي ليست معوقا او مانعا من طرح الأفكار التي تهم
عموم المسلمين..
تغيب أسماء مثل النائيني والميرزا محمد حسن الشيرازي، الملقب
بالشيرازي الأول، و(بالمجدد الشيرازي والشيرازي الكبير أيضا)، الأول
قام بنقلة نوعية في الفقه السياسي الإسلامي، والثاني من خلال قدرته على
صناعة الفتوى السياسية وفقا للمتطلبات التي فرضتها وقائع سياسية محددة
حينها.
الى ماذا يعود هذا التغييب؟.
انه بكل بساطة يعود الى الازدواجية التي تحكم ثقافتنا ومثقفينا،
بانواعها وبشرائحهم التي تندرج ضمن تلك الثقافة.
وهذه الازدواجية تعد احد الروافد الأساسية لتكريس الاستبداد وإعادة
انتاجه في فضاءاتنا السياسية والثقافية.
وهي نفسها (الازدواجية) التي تفرض على الثقافة والمثقف ممارسة فعل
(الاختزال) تجاه الاخر. الذي ينظر اليه حسب توصيفات لغوية تسبقها كلمات
من قبيل (لاشيء – لاحق – ليس)، فلاشيء يمكن ان يقدمه، ولاحق له في
تقديم وجهة نظر مغايرة، وليس بمقدوره امتلاك هذا الحق..
في الصميم من هذا الحديث، او على اطرافه وضفافه، وعند الحديث
(القديم – الجديد) حول مراجع الدين الشيعة الذي قدموا مساهماتهم
الفكرية او الفقهية، في عالم النظرية او واقع التطبيق، وخصوصا في
الجانب السياسي من ذلك، وهما (ولاية الفقيه) و(شورى الفقهاء) النظريتان
السائدتان في الفكر السياسي الشيعي وما يتشعب عنها من تفاصيل لست في
وارد مناقشتها، يضاف الى هذا الجدل، لائحة من الاتهامات الجاهزة، والتي
عادة ما يشترك فيها قوميو العرب والاسلاميون، وهي تهم التخوين
والمؤامرة، عند تغييب جهود رمز سياسي او ديني، او محاولة تسقيطه.
اقترنت نظرية (شورى الفقهاء المراجع)، بالسيد محمد الشيرازي، مرجع
التقليد الراحل وهي النظرية التي فتحت عليه ابواب العداوة مع الكثيرين
من قادة الثورة في ايران، وايضا مع قواعدها، وحتى رغم رحيله في العام
2001 لم تنطفئ تلك العداوة، والتي هي في حقيقة نشأتها اختلاف فكري
واجتهاد في الاراء، يدعو اليه المذهب الشيعي ويشجع عليه..
لكن مع هؤلاء الاعداء، هو خلاف وجود قائم الى قيام الساعة لايفتر او
ينتهي، حتى بعد رحيل صاحب النظرية..
احدث التهم الموجهة الى المرجع الشيرازي الراحل، والتي جاءت على
لسان احد الكتاب المحسوبين على نظرية ولاية الفقيه، ان تلك المرجعية
كان يحميها الانكليز، وانها تعمل على التسويق للاسلام العربي مقابل
الاسلام الفارسي، وذلك عن طريق مواجهة الثورة الاسلامية في ايران..
مثل تلك الاتهامات، مؤكد ان المرجع الراحل يشعر بالشفقة والرثاء
لأصحابها، مثلما كان يشعر بها تجاههم في حياته، وكان يمد اياديه اليهم
ليرتقي بهم الى حيث يجلس في القمة وحيدا، لكنهم كانوا يرفضون مثل ذلك
الارتقاء، وهم الذين تعودوا الجلوس على السفوح دائما، لم يساعدوا
انفسهم ورفضوا مساعدته، ولم يكتفوا بذلك بل فرضوا عليه طوقا من الاقامة
الجبرية في منزله، وطاردوا طلابه ومقلديه، لا لشيء الا خوفهم من نظرية
فكرية تخالف نظريتهم تلك في السياسة والحكم..
الخائفون لا يشعرون بالامان، سواءا حاصروا موضوع خوفهم بين جدران
اربعة، او حاصرته حجارة القبر، الخائف يخاف من خوفه..
عطفا على الفقرة الاولى حول الاصلاح والنهضة، والفقرة الثانية حول
الازدواجية والتغييب والاختزال، اطرح سؤالا اخر: كيف استطاع (الخطاب
الديني الراديكالي) ان يسيطر على الساحة العربية والإسلامية كما نلاحظه
بشدة بعد سقوط الانظمة وصعود البدائل؟.
جملة عوامل: ضعف او ضمور الخطاب الديني المعتدل، ضعف الخطاب
الليبرالي وخاصة في جانبه الحقوقي، التغيرات التي تمر بها المجتمعات
الدولية، الجمود الذي تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية، وعدم قدرتها
على احداث النهضة في داخلها.
هذا الانتشار اكل الكثير من جرف التيارات الإصلاحية والمعتدلة،
والتي هي اضعف من ان تواجه هذا الانتشار (الشعبوي)، رغم عدم وجود قاعدة
للخطاب الديني الراديكالي في (الحقيقة الدينية) المنزلة، بل اقتصرت
قراءتهم وفهمهم لهذا (الدين) في عملية اختزالية ممقوتة وممجوجة، من
خلال (التديّن)..
اعود الى السؤال الذي طرحته في المقدمة، ومن خلال السطور السابقة
يمكن الإجابة بالشكل التالي: نعم يوجد لدينا استبداد، لكنه ليس (دينيا)
بما تعنيه كلمة الدين من حاجة روحية ونفسية للإنسان راسخة في وجدانه
وضميره لا يمكن الاستغناء عنها، بل هو استبداد (تديّني) نتيجة لما
يمارسه أصحاب الحاجة الروحية والنفسية في حركتهم اليومية ونتيجة
لقدرتهم على فهم واستيعاب مايريده (الدين) منهم.. انهم لاينظرون الى
السلوك والممارسة للمتدين بل يقفزون الى الدين نفسه، واعتباره هو السبب
والنتيجة لما نحن عليه. ورغم ذلك يتوجه النقد الى (الدين) كفكرة مطلقة،
وليس الى قراءات وفهم (المتدينين).
(الازدواجيون والتغييبيون والاختزاليون والخائفون من خوفهم المقيم)
في ممارستهم لفنون ما يعانون منه، لا ينظرون الى الاشخاص والافكار
والرموز بمسافة متساوية، بل حسب معاناتهم تلك، مثلما تفعل جماعات
(الخطاب الديني الراديكالي) وجماعات الاسلام الجهادي المتطرف. |