شبكة النبأ: في زحمة التجاذبات
السياسية وتقاطع المصالح على الصعيد الاقليمي والدولي في منطقتنا، باتت
الاوضاع في بلادنا متأرجحة بين الخوف والرجاء، فهنالك مطالبات بالتغيير
لأنظمة حكم فاسدة وفاشلة، واستبدالها بأنظمة ذات ممارسات ديمقراطية،
والبحرين مثالها. كما هنالك مطالبات بالإصلاح لأنظمة حكم جربت
الديمقراطية، لكنها تتعثر في مسيرتها وتتلكأ في تجربتها، والعراق
مثالها. بمعنى أننا بحاجة قبل أي وقت مضى الى عناصر قوة وتماسك، تجعلنا
نضع خطواتنا بقوة وثبات في طريق التغيير والإصلاح.
وهذا ما يسلّط الضوء عليه سماحة المرجع الديني آية الله العظمى
السيد صادق الشيرازي – دام ظله- في كلمة له مؤخراً وهو يتحدث عن آفاق
المرحلة السياسية في البحرين، حيث يوصي الناشطين والقائمين على الحراك
السياسي هناك، بأن يتذكروا دائماً أن العظماء في التاريخ لم يولدوا
عظماء، وإنّما هم صنعوا العظمة لأنفسهم".
هذه التعبئة المعنوية وتعزيز الثقة بالنفس، تُعد التفاتة مهمة من
سماحته لوفد من الشباب البحريني الناشط والطامح للتغيير، نظراً الى أن
المتابع للأحداث، والمعني بمصير بلاده وشعبه، يكاد يصل الى نتيجة مفاده
أن بوصلة التغيير في قبضة أناس بعيدين عن البحرين أو العراق او أي بلد
آخر يعيش الغليان والمرحلة البرزخية نحو التغيير، وهذا بحد ذاته يشعرهم
بالعجز الكبير على تسلّم زمام المبادرة، بل يكونوا عاجزين او غير
مقتنعين بقدرتهم على التحرك لوحدهم في الساحة، فيأتي سماحة المرجع
الشيرازي ويؤكد لثلّة من الشباب البحريني أنهم قادرين على أن يثبتوا
أسمائهم في سجل العظماء الذين غيروا مجرى التاريخ في بلادهم، كما هي
التجارب الناجحة في الهند وايران وجنوب افريقيا وغيرها.
طبعاً؛ هذا لن يتحقق بين ليلة وضحاها، إنما بحاجة الى جهد مضاعف
وخطوات ثابتة على طريق واضح المعالم، يؤدي بشكل مؤكد الى الهدف المنشود.
لذا نجد سماحته يشير على الشباب البحريني باتباع ثلاث خطوات من شأنها
مساعدتهم على الوصول الى ما يرمون اليه، وقد عبر عنها سماحته بـ " ثلاث
كلمات":
أولاً: الإخلاص
إنها قيمة أخلاقية وإنسانية في وقت واحد، فهي تعطي الانطباع
بالالتزام والوفاء والشفافية، كما تطمأن بعدم وجود الخيانة والغموض
واللف والدوران. واذا كان الامر يتعلق بالشأن العام، كأن يكون بشعب، أو
أمة بكاملها، فان هذه القيمة تتحول الى استحقاق عملي أكيد. لنلاحظ
الشخصيات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية في الدول المتقدمة
والناجحة، يحملون صفة الإخلاص لفكرهم وثقافتهم ثم لشعبهم وأمتهم، مع
جملة صفات اخرى، فحتى وإن كان كفوءاً او مقتدراً في مجال عمله، لكن
يفتقد الى الإخلاص لشعبه وبلده، فانه يُبعد من الساحة ولا يعطى له
المجال لأن يعبث بمصائر الناس.
وعندما يكون التعامل مع قيمة الإخلاص في أوساطنا الاسلامية، نكون
أمام اختبار حاسم، كوننا نعلن دائماً للعالم أن هذه القيمة وسائر القيم
الاخلاقية والانسانية، هي من صميم الاسلام، وتعد جزءاً لا يتجزأ من
منظومته الاجتماعية والثقافية، لذا نجد أن سماحة المرجع الشيرازي،
الهدف الأول للإخلاص هو الله تعالى، ثم أهل البيت، عليهم السلام، بمعنى
أن يكون للإخلاص جنبة معنوية ترفع الانسان عن مصالحه الذاتية وحتى
الفئوية. هذا الاخلاص هو الذي يرفع الانسان وعمله وجهوده في الميادين
كافة، لانه مرتبط بعامل قوة لا تضاهى ولا تقهر، وهذا ما يؤكد عليه
سماحته بأن "الذي يعمل لله لا يهمّه إن علم الناس به أو لم يعلموا،
فالمهم هو الله تعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم".
نعم؛ هنالك من يخلصوا لأنفسهم وذواتهم أشد الاخلاص، وكذلك يفعلون مع
أحزابهم وعشائرهم وأسرهم ومن يرتبطون بهم برابط المصلحة والمصير، لسبب
بسيط؛ أنهم ذووا فضلٍ عليه في وصوله الى المستوى السياسي أو العلمي.
هذا الإخلاص يكون له مردود سريع وفاعل لخدمة تلك الجهة، بيد أنه لن
يصمد أمام عواصف التغيير في الظروف والاحوال. بيد أن الذي يخلص لله
تعالى ولأهل البيت، عليهم السلام، فان إخلاصه لن يتزعزع ولن تكون له
مدة صلاحية محددة، لأنها ذات جذور وأصول فرعها ثابت وأصلها في السماء.
ثانياً: النشاط
بمعنى أن يضاعف الانسان جهوده ونشاطه آخذاً بنظر الاعتبار حجم
المهمة وضخامة المسؤولية في التغيير أو الإصلاح. وتجسيد هذه الصفة
والحالة بالشكل المثمر، عندما يكون خارج الحدود الجغرافية والنفسية،
وهذا ما يشير اليه سماحة المرجع الشيرازي، وهو يذكرنا بسيرة العظماء في
التاريخ، الذين بلغوا مراقي التقدم والتطور، بأنهم "كانوا نشطاء".
ويضيف سماحته بأن "على كل إنسان في كل الأحوال، في بلده وفي بلد المهجر،
وفي السفر والحضر، وخلال الدراسة والكسب، غنياً كان أو فقيراً، وسليماً
أو مريضاً، عليه أن ينمّي روح النشاط في نفسه، وأن يستفيد من يوميات
حياته، كل في مجاله، فلا يمرّ عليه يوم أو حتى ساعة، يكون فيهما عاطلاً..".
حالة "العمل" أو "النشاط"، ربما تتوفر لدى الكثير وبدرجات متفاوتة،
لكنها لن تكون بالشكل المطلوب والمثمر، لأنها تواجه ظروفاً معاكسة مثل
المنغّصات والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والامنية، فضلاً عن
السياسية، لذا يمكن القول إن أوضاعنا الراهنة لا يفيدها بأي حال من
الاحوال، عملاً او نشاطاً يصدر لإسقاط الواجب ودفعاً للإحراج في الوسط
الاجتماعي او السياسي، إنما ما يكون دؤوباً ومكثفاً ودقيقاً، لا يتأثر
بالظروف والمواقف مهما كانت.
ثالثاً: الأخلاق
إنها بالحقيقة تشكل منظومة ثقافية متكاملة طالما يحرص الاسلام على
تكريسها في الواقع الاجتماعي، كما تحث الاحاديث الشريفة على تأصيلها في
النفوس كونها مفتاح كل عمل ناجح يقوم به الانسان في محيطه الخاص خلال
تعامله مع الناس، فكيف اذا تعلّق الأمر بمصلحة شعب وأمة بأكملها، فان
الأمر يكون ملحّاً ومطلباً حيوياً للغاية، لان الأخلاق، كقيمة حضارية،
تُعد لغة التعامل بين الناس، وايضاً بين القيادة والقاعدة، وعندما
نتحدث عن "الناس"، أو "القاعدة"، فالمقصود، جمهور الناس، ممن يتحلّون
بالأخلاق أو هم بعيدون عن هذه القيمة الحضارية.
وهذا ما ينبهنا اليه سماحة المرجع الشيرازي في تأكيده على التزام
هذه القيمة وعدم التفريط بها، بأن التعامل بالأخلاق الحسنة يجب أن يكون
"مع الجميع، وخصوصاً مع سيئ الخلق، سواء كانوا والديه أو أقاربه أو
زملائه أو معارفه. وأن يلتزم بذلك في السفر والحضر وفي الحسينية
والمسجد، وفي كل مكان، ومع كل من يعيش معهم. فمثلاً أن تسلّم على من لم
يسلّم عليك، وأن تحسن إلى من أساء إليك..". وهذا استلهام من سماحته من
الآية الكريمة: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ). "وهذا
يعني – يقول سماحته- أن تدفع السيئة بالأحسن وليس بالحسنى فقط..".
وربما تكون هذه النقطة من المطالب الثقيلة والصعبة على من يروم
الإسهام في التغيير أو الإصلاح، لأنه بالأساس يريد أن تسير الامور وفق
منهجية تفكير وثقافته، لاسيما انه يعدها هي الأصح والأكمل، وانه مظلوم
ومضطهد، وعلى الآخرين أن يقدموا بين يديه ويساعدوه ويحترموه و... غير
ذلك، بينما المطلوب حضارياً هو أن يحترم الآخرين ويقدم لهم، مهما كان،
حتى يكسب الاحترام والتبجيل، والأهم من كل ذلك التضامن والتأييد، ومن
ثم تحقيق الهدف المنشود في التغيير والاصلاح.
إن سماحة المرجع الشيرازي في إشارته الى الوضع في البحرين، فانه
يستشرف المستقبل ويشد العزائم ويستحثّ الهمم، لاسيما وأن الاوضاع
السياسية في هذا البلد، ما تزال في طور المخاض السياسي العسير، رغم
وجود الحراك الجماهيري والثوري، واستمرار العمل السياسي المعارض بفضح
الممارسات القمعية في الشوارع وفي الزنزانات المظلمة. وايضاً الدعوة
المستمرة من جماعات متعددة لمواصلة التظاهر والمطالبة بالحقوق
المشروعة، مما يجعل البحرين مرشحة لتغيير في نظام الحكم، إن عاجلاً أم
آجلاً، وبأي صورة كانت، وهو الامر الذي يدعو للاستعداد والتهيؤ
لاستقبال القادم، بما يخدم قضية شعب البحرين، وكذلك الحال ينسحب على
سائر الشعوب في المنطقة. |