جرائم الإبادة .. وصمة عار تلازم الإنسانية

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تختلف تسمياتها من الإبادة الى جرائم ضد الإنسانية او المذابح بحق المدنيين، وتشمل القتل والاغتصاب والتعذيب والتهجير القسري والإكراه على العمل والتعدي على الممتلكات، يكون هدفها المباشر المدنيين بسبب الدين او المذهب او العرق او الاثنية، وقد صنفت اتفاقيات جنيف عام 1949 جرائم الإبادة بحق المدنيين التي غالباً ما تحدث نتيجة للحروب والصراعات المسلحة والتي من المفترض ان يكون المدنيين بمعزل عنها بينما واقع الحال يسجل خلاف ذلك.

لقد تعرضت الإنسانية في القرن الماضي لانتهاكات خطيرة، سجلت جرائم بشعة لا تمت للإنسانية بصلة او علاقة، ولعل اهم الأمثلة على ذلك الحرب العالمية الثانية والتي سجلت الإحصاءات الدولية عنها ذهاب ما يقارب الـ(50) مليون انسان، وهو رقم مهول يوضح مدى الوحشية والدمار عندما تتعرض الإنسانية الى نكسة أخلاقية على هذا المستوى الكبير، والذي نتج على أثرها تشكيل محاكم ومنظمات دولية لرصد مثل هذه الانتهاكات المستقبلية واعتبارها انتهاكات بحق جميع البشر.

لقد نجحت تلك المحاكم والمنظمات والاتفاقات التي وقعت عليها العديد من الدول في القاء القبض على بعض مرتكبي الجرائم الحربية – وان لم تنجح في منع تلك الجرائم – وتقديمهم الى المحاكم، في خطوة جيدة، لكشف الفظائع التي ترتكبها الاله العسكرية بحق الأمنيين اللذين لم يكونوا طرفاً في النزاع وانما أقحموا فيه بدون اختيار. كما نرى ذلك في التقرير الآتي.

قبر جماعي في البوسنة

اذا قال مكتب المفقودين الحكومي في البوسنة ان خبراء الطب الشرعي يكشفون عما قد يكون اكبر قبر جماعي لضحايا التطهير العرقي في البوسنة وهو موقع كان وجوده معروفا على مدى سنوات لكن جدارا من الصمت الصربي كان يعتم على تحديد المكان بالضبط، وقضت محكمة جرائم الحرب التابعة للامم المتحدة في لاهاي بسجن 16 شخصا من صرب البوسنة بالسجن لمدة 230 عاما في الاجمال بسبب الفظائع في منطقة برييدور الواقعة شمال غرب البوسنة حيث يوجد موقع توماسيكا لكن لم يتم العثور على جميع القبور الجماعية في المنطقة، ويعرف معهد المفقودين في البوسنة بمقبرة توماسيكا منذ سنوات لكن الموقع بالتحديد والتفاصيل عن الضحايا كان يعرفها فقط شهود من الصرب المحليين ظلوا صامتين منذ نهاية الحرب التي استمرت من 1992 وحتى 1995، وقال مويو بيجيتش المشرف على فريق الطب الشرعي "اجرينا التحقيق على مدى عامين واخيرا عثرنا على اشخاص كانوا على استعداد للتحدث"، ومن بين الشهود مقاتلون من صرب البوسنة الانفصاليين لم يعد بمقدورهم كتمان السر، وفي توماسيكا يقوم خبراء الطب الشرعي باستعادة جثث من مسلمي البوسنة والكروات قتلوا بأيدي الصرب الانفصاليين في واحدة من اسوأ حملات التطهير العرقي والتي استهدفت طرد غير الصرب في الحرب التي دارت في البلاد، وتم الكشف عن بقايا 18 شخصا من المقبرة التي تمتد على مساحة 3000 متر مربع في تلال خضراء غير مأهولة، ويقول العاملون بالطب الشرعي ان جميع الضحايا من الرجال والنساء والاطفال قتلوا جراء اطلاق النار، وكان العديد منهم ملفوفا في بطاطين، وقال بيجيتش ان فريقه يتوقع العثور على بقايا 17 طفلا اصغرهم رضيع يبلغ من العمر 18 شهرا من اسرة بيسيتش قتلوا الى جانب امهم وجدهم وخالهم. بحسب رويترز.

إدانة رئيس ليبيريا بجرائم حرب

فيما أيد قضاة استئناف في لاهاي إدانة رئيس ليبيريا الأسبق تشارلز تيلور والحكم الذي صدر عليه العام الماضي بالسجن 50 عاما لادانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية خلال الحرب الاهلية في سيراليون، وقال رئيس القضاة جورج جيلاجا كينج ان تيلور قدم المشورة والتشجيع لمتمردي الجبهة الثورية المتحدة ومجلس القوات المسلحة الثورية وكان على علم كامل بالجرائم التي يرتكبونها، وقال "غرضهم الاساسي هو نشر الذعر، ارتكبت اعمال عنف عمدا ضد المدنيين بغرض اخافتهم، اخافتهم من حدوث مزيد من العنف اذا قاوموا"، واستطرد "كانت الحكومات والمجتمع الدولي تخشى من مقتل الاف اخرين وعمليات بتر للاطراف وخطف واغتصاب ما لم تتم الاستجابة لمطالب الجبهة الثورية المتحدة ومجلس القوات المسلحة الثورية"، ومن المقرر نقل تيلور (65 عاما) من محبسه الذي ظل فيه منذ اعتقاله عام 2006 الى سجن بريطاني يخضع لاجراءات امنية مشددة، وشهدت سيراليون جارة ليبيريا حربا اهلية استمرت 11 عاما سقط خلالها نحو 50 الف قتل وانتهت عام 2002. بحسب رويترز.

محاكمة الرئيس الكيني

بدورهم رفض قضاة المحكمة الجنائية الدولية ارجاء محاكمة الرئيس الكيني اوهورو كينياتا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، مؤكدين انه اتيح للدفاع ما يكفي من الوقت للاستعداد، وقال القضاة كونيكو اوزاكي وروبرت فريمر وشيل ايبو اوسوجي في وثيقة رسمية ان "المحكمة ترفض طلب الارجاء الذي تقدم به الدفاع"، وكانت محاكمة كينياتا ارجئت لمرة اولى بعدما اعلن الدفاع انه يحتاج الى وقت اضافي لجمع ادلته، وبناء عليه، حدد موعد المحاكمة في 12 تشرين الثاني/نوفمبر لكن الدفاع طلب ارجاء جديدا، واعتبر القضاة ان محامي الرئيس اتيح لهم وقت كاف لدرس الملف واكدوا موعد بدء المحاكمة، وقررت المحكمة الجنائية الدولية في 2012 ملاحقة افراد في المعسكرين اللذين تواجها خلال اعمال عنف اعقبت اعادة انتخاب الرئيس مواي كيباكي في نهاية 2007، هي الاخطر في تاريخ كينيا المستقل واسفرت عن اكثر من الف قتيل وشردت اكثر من 600 الف شخص، وفي القضية الاولى يلاحق نائب الرئيس الكيني وليام روتو مع مقدم برنامج اذاعي بتهمة القتل والاضطهاد، فيما يلاحق كينياتا في القضية الثانية مع اخرين بتهمة القتل والاغتصاب والاضطهاد، وبدأت محاكمة روتو في العاشر من ايلول/سبتمبر، سمحت المحكمة لروتو بالعودة الى بلاده لادارة الازمة اثر الهجوم الدامي الذي تعرض له مركز تجاري في نيروبي.

اعتقال عسكري رواندي

الى ذلك اعتقل المسؤول العسكري الرواندي السابق لوران سيروبوغا في شمال فرنسا استنادا الى مذكرة اعتقال دولية صادرة بحقه بتهم ارتكاب جرائم ابادة في رواندا، حسب ما اعلن محاميه، وقال المحامي تييري ماسيس لوكالة فرانس برس ان الكولونيل سيروبوغا الذي كان مساعد رئيس اركان الجيش الرواندي خلال جرائم الابادة التي وقعت عام 1994 "اعتقل الخميس في شمال فرنسا قرب كامبري"، ويبلغ سيروبوغا الخامسة والسبعين من العمر ومثل الجمعة امام النائب العام في بلدة دويي حيث ابلغ بمذكرة الاعتقال الدولية الصادرة بحقه، واضاف المصدر نفسه ان الكولونيل سيروبوغا اوقف بانتظار جلسة لمحكمة استئناف دويي التي ستنظر "في شرعية مذكرة الاعتقال"، واضاف المحامي ان الجلسة المقبلة المقررة الخميس قد تؤجل، وعلق الان غوتييه رئيس مجموعة الاطراف بالحق المدني في رواندا على الاعتقال بالقول "انه خبر ممتاز"، وقال غوتييه لفرانس برس ان هذه المجموعة سبق وان تقدمت قبل سنوات بشكوى ضد الكولونيل سيروبوغا في باريس بتهمة ارتكاب مجازر إبادة، واضاف غوتييه "ان الكولونيل سيروبوغا يتحمل مسؤولية في جرائم الابادة توازي جرائم الكولونيل باغوسورا"، ويعتبر الكولونيل تيونيستي باغوسورا "مخطط" مجازر رواندا وسبق ان حكمت عليه المحكمة الجنائية الدولية من اجل رواندا التي تتخذ من اروشا في تنزانيا مقرا لها بالسجن 35 عاما، وقدم الكولونيل سيروبوغا في اطار مجموعة من 11 ضابطا عرفوا باسم "رفاق الخامس من تموز/يوليو 1973" المساعدة الى الجنرال جوفينال هابياريمانا للاطاحة بالرئيس غريغوار كايباندا الذي كان يحكم ا لبلاد منذ استقلالها عام 1962، وتسلم سيروبوغا بعد سنوات منصب نائب رئيس اركان الجيش الرواندي ثم احيل الى التقاعد في حزيران/يونيو 1992، الا ان مجموعة الاطراف بالحق المدني في رواندا تؤكد "انه عاد الى الخدمة في الجيش عام 1994"، وبين نيسان/ابريل وتموز/يوليو 1994 قامت مجموعات من الهوتو بقتل اكثر من 800 الف شخص غالبيتهم الساحقة من اقلية التوتسي، حسب الامم المتحدة. بحسب فرانس برس.

انتهاك لحقوق الانسان

من جانبها اعلنت النيابة الكولومبية انها بدأت حملة ملاحقات استثنائية بحق زعماء حركات شبه عسكرية وميليشيات للاشتباه بارتكابهم نحو 11 الف انتهاك لحقوق الانسان تعتبر من بين اسوأ الجرائم التي سجلت في اطار النزاع المسلح، وقال المدعي العام ادواردو مونتيليغري في مؤتمر صحافي ان "النيابة ستحقق حول 11 الف انتهاك خطير لحقوق الانسان"، ومن بين الجرائم المذكورة مجازر بحق مدنيين سقطوا ضحايا المواجهات بين الميليشيات الشيوعية التي تقاتل السلطات منذ نحو نصف قرن، وميليشيات اليمين المتطرف شبه العسكرية التي نشات في ثمانينات القرن الماضي، وطاولت هذه الانتهاكات نحو 30 الف شخص وتشمل جرائم وعمليات اغتصاب وخطف، اضافة الى فقدان اشخاص وتهجير قسري لفلاحين من أراضيهم، وتلاحق النيابة الكولومبية 16 شخصا، علما بان هؤلاء يمكنهم الافادة من تخفيف العقوبات بحقهم مقابل الادلاء باعترافات في اطار قانون "عدالة وسلام" الذي طبق خلال عملية تفكيك الميليشيات بين العامين 2003 و2006، وذكر المدعي العام بان هذا القانون يسمح بعقوبات بديلة بالسجن تراوح بين خمسة وثمانية اعوام ويشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وستجري المحاكمات في محاكم عدة في بوغوتا وميديلين وبارانكيلا وبوكارامانغا، وعلى مدى نحو خمسين عاما، اسفر النزاع الكولومبي المسلح عن مئات الاف الضحايا وخلف نحو اربعة ملايين نازح.

احصاء لضحايا الحرب

من جانب اخر بدئت سريلانكا عملية احصاء لضحايا النزاع الاثني تحت ضغط دولي متزايد بسبب اتهامات بشأن وقوع عمليات قتل جماعية في نهاية الحرب في ايار/مايو 2009، وسيقوم حوالى 16 الف موظف رسمي بالعمل في جميع انحاء الجزيرة ولمدة ستة اشهر لتحديد حصيلة نهائية لضحايا هذه الحرب التي استمرت 37 عاما وكانت الاعنف بين النزاعات التي شهدت آسيا بعد عهد الاستعمار، لكن منظمات للدفاع عن حقوق الانسان شككت في مصداقية الإحصاء، وفي بيان مقتضب على الموقع الالكتروني للرئيس السريلانكي ماهيندا راجاباكسي، قالت الحكومة ان ادارة الاحصاء ستجري "تعداد على مستوى الجزيرة لتحديد الخسائر البشرية وفي الممتلكات"، وجاء هذا الاعلان بعدما استضاف الرئيس راجاباكسي قمة لرابطة دول الكومونولث هيمنت عليها معلومات بوقوع جرائم حرب ارتكبتها القوات الحكومية في المراحل الاخيرة من النزاع في ايار/مايو 2009، وتقول وكالات الامم المتحدة ومنظمات للدفاع عن حقوق الانسان ان عددا من المدنيين يمكن ان يصل الى اربعين الفا قتلوا في هذه المرحلة الاخيرة من النزاع عندما دحر الجيش السريلانكي حركة نمور تحرير ايلام تاميل في معقلها في الشمال، وكان الرئيس السريلانكي وحكومته التي تهيمن عليها الاثنية السنهالية التي ينتمي اليها، اكدا انه لم يقتل مدنيون في المرحلة الاخيرة من الحرب، كما رفض راجاباكسي اجراء تحقيق دولي في هذا الشأن على الارض السريلانكية وقال انه لن يوافق سوى على تحقيق محلي، لكن الضغوط الدولية تعززت وشعر راجاباكسي بالارباك عندما قطع قادة كندا والهند وموريشيوس قمة الكومونولث احتجاجا على اداء كولومبيو في مجال حقوق الانسان، وحضر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون القمة لكنه اثار غضب الرئيس السريلانكي عندما قام بزيارة تاريخية الى منطقة جافنا التي شهدت الحرب، وبعدما التقى ناجون واقرباء ضحايا، حذر كاميرون من انه سيدفع باتجاه اجراء تحقيق دولي ما لم تنشر سريلانكا ارقاما تتمتع بالمصداقية بحلول آذار/مارس، وكان كاميرون اول مسؤول سياسي اجنبي يزور هذه المنطقة في سريلانكا المستعمرة البريطانية السابقة التي كانت تسمى سيلان وحصلت على استقلالها في 1948، وابلغ راجاباكسي القادة في رابطة الكومنولث ان البلاد تحتاج الى مهلة اطول لاجراء تحقيقاتها، وقال في القمة "عليهم ان يثقوا بنا"، واضاف ان "الضغوط لن تثر، الانتظار افضل من الطلب وفرض الاملاءات"، وكانت الحكومة عبرت من قبل عن نيتها اجراء احصاء شامل لكنها المرة الاولى التي تضع فيها برنامجا زمنيا واضحا، وقضت الحكومة السريلانكية في 2009 على الحركة الانفصالية للاقلية التاميل في شمال البلاد، وتحدثت الامم المتحدة عن مقتل عشرة آلاف مدني على الاقل في الهجوم النهائي للجيش السريلانكي الذي قضى على الحركة، لكن منظمات غير حكومية اكدت ان الجيش قتل اربعين الف مدني اغلبهم من التاميل في نهاية النزاع، ووجهت الى المتمردين التاميل ايضا تهمة ارتكاب تجاوزات واستخدام المدنيين دروعا بشرية.

رفات ضحايا في غواتيمالا

في سياق متصل اعلن مصدر انساني ان رفات 163 من اصل 201 مزارع قتلهم عسكريون في غواتيمالا في 1982 في واحدة من اسوأ مجازر الحرب الاهلية في الثمانينات، سلمت الى عائلاتهم في شمال البلاد، وقالت اورا ايلينا فارفان مديرة المنظمة الانسانية "فامديغوا" لاقرباء المعتقلين والمفقودين في غواتيمالا ان "العظام انتشلت للتعرف عليها بتحليل الحمض النووي لكن لم يتم التعرف سوى على خمسة اشخاص بهذه الطريقة"، واستخدمت عملية انتشال الجثث ايضا لتقديم ادلة خلال محاكمة خمسة عسكريين حكم عليهم بالسجن لاكثر من ستة آلاف سنة مع ان العقوبة القصوى التي ينص عليها القانون هي السجن 50 سنة، وكان هذا الحكم على العسكريين الاول في تاريخ غواتيمالا، وما زال 12 عسكريا آخرين كانوا في الدورية التي تورطت في وقائع هذه المجزرة فارين، واوقف عسكري آخر متورط في المجزرة ويدعى خورغي سوسا في الولايات المتحدة لانه كذب على سلطات الهجرة وقد يسلم الى غواتيمالا ليمثل امام القضاء، ووقعت هذه المجزرة من السادس الى الثامن من كانون الاول/ديسمبر 1982 في قرية دوس ايريس في عهد النظام العسكري لايفرين ريوس مونت (1982-1983) الذي شهدت محاكمته بتهمة الابادة مفاجآت كبيرة، ووقعت المجزرة بينما كان الجيش يحاول استعادة اربعين بندقية سرقها متمردون في تشرين الاول/اكتوبر 1982، واحصت لجنة لتقصي الحقائق ترعاها الامم المتحدة 669 مجزرة وقعت خلال الحرب الاهلية، نسبت 626 منها الى القوات الحكومية، ومعظم المجازر وقعت في عهد مونت وحكومة اوسكار ميخيا فيكتوريس (1983-1986)، واسفر النزاع الذي مزق غواتيمالا من 1960 الى 1996 عن سقوط اكثر من مئتي الف قتيل ومفقود، حسب تقرير اصدرته الامم المتحدة في 1999.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/كانون الأول/2013 - 14/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م