أمريكا في الخليج.. طمأنة حليف أم رعاية مصالح؟

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: كشفت المستجدات الأخيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، عن صراعات وصدامات دبلوماسية غير مسبوقة، بين البلدان المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان منطقة الشرق الاوسط الساخنة سياسيا وأمنيا، حيث بينت التطورات والأحداث السياسية والدبلوماسية الأخيرة، المتمثلة الاتفاق النووي بين ايران الدول الست الكبرى، وعدول الولايات المتحدة الامريكية عن توجيه ضربة عسكرية كانت وشيكة ضد سوريا، فضلا عن رغبة واشنطن في اعادة التوازن في اسيا، جل هذه الامور اخذت تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية الامريكية وحلفائها في المنطقة من الدول الخليجية، حيث زادت تلك العوامل آنفة الذكر من شكوك دول الخليج بشان بقاء القوة الاميركية في المنطقة، وهو طرح العديد من السيناريوهات حول ماهية العلاقات الإستراتيجية بين الحليفين في المستقبل القريب.

حيث تراجعت العلاقات الثنائية بينهما تراجعا ملحوظا بعد الانجذاب الدبلوماسية بين واشنطن وطهران، مما أذكى مخاوف دول الخليج وخاصة السعودية من أن إيران تحاول توسيع نفوذها في منطقة الشرق الاوسط، واستغلال حالة الفتور التي حدثت بين الجانبين الأمريكي والسعودي، لتعزيز موقعها في قلب المنطقة، مما خلق ازمة ثقة بين السعودية والولايات المتحدة، وادى الى خلاف بين وجهتي نظر أمريكا والسعودية حول التعامل مع قضية النووي الايراني.

إذ يرى الكثير من المحللين ان الردود الانفعالية للمملكة السعودية التي جسدتها قراراتها الأخيرة وخاصة فيما يتعلق بتخليها عن مقعد في مجلس الامن الذي فازت به الاردن كبديل لها، فضلا عن اطلاق تصريحات غير مسبوقة من لدن السلطات الحاكمة بشأن سياسية الخارجية لامريكا تجاه المنطقة الشرق اوسطية، وهو ما كشف عن نفاد صبر السعودية من الولايات المتحدة حليفتها الرئيسي، التي تهدف من خلال تلك القرارات والتصريحات الى الضغط وابرز خطر هذا الاتفاق بتصعيد الحرب الكلامية والدبلوماسية من أجل استفزاز أمريكا، التي باتت اليوم تغرد بعيدا عن سرب حلفائها الخليجيين.

لكن في الوقت لا يمكن لأمريكا خسارة حلفاء مهمين بهذه الطريقة، فسارعت بإرسال وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل ليطمئن دول الخليج باستمرار الوجود الاميركي في المنطقة بالرغم من الاتفاق مع ايران، وطمأن هيغل دول الخليج بان الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الدول الكبرى وايران لن يؤثر على تواجد نحو 35 الف جندي اميركي في المنطقة، وهيغل هو اول مسؤول اميركي في الدفاع يزور منذ اكثر من عامين البحرين التي تؤوي القيادة الاستراتيجية للاسطول الخامس الاميركي، وتحرص الولايات المتحدة بشكل خاص على طمأنة دول الخليج بان واشنطن مازالت ملتزمة بامن الشرق الاوسط رغم الخلافات بشأن ايران وسوريا.

وعلى الرغم من هذه الزيارة لا يزال زعماء الخليج يشعرون بإحباط بسبب اسلوب المعالجة الامريكية لاحتجاجات الربيع العربي والحرب السورية، وهذا ما قلقهم من ان تفقد الولايات المتحدة تركيزها على منطقة الشرق الاوسط في الوقت الذي تعيد فيه توازنها الاستراتيجي في آسيا.

حيث يرى اغلب المحللين بان أجندة ومصالح واشطن أهم من أمن الخليج على المدى البعيد، وربما تشكل الزيارة وجها سياسيا جديدا لأمريكا بروح برغماتية، خصوصا ان اهتمامات الولايات المتحدة وتوجهاتها في السياسة الخارجية ستتجه الى القارة الآسيوية بدلا من منطقة الشرق الاوسط التي يخسر فيها اوباما استثمارات سياسية كبيرة، وعليه تظهر المؤشرات آنفة الذكر بأن سياسة الولايات الخارجية في الوقت الراهن ستكون ذات طابع متوازن سياسيا في المرحلة المقبلة، لكن رغم كل ذلك يرى هؤلاء المحللين ان امريكا تغير مواقفها بناء على مصالحها وفي نهاية الأمر هي لا تريد ان تخسر دول الخليج.

ازمة ثقة بين السعودية والولايات المتحدة

في سياق متصل بعد ان اهتزت بسبب الازمة السورية، تمر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بأزمة ثقة اثر الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وايران، بحسب شخصيات سعودية شاركت في منتدى حوار المنامة المخصص للامن الاقليمي.

وحاول وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل خلال المنتدى ان يطمئن دول الخليج مؤكدا استمرار الوجود الاميركي في المنطقة بالرغم من الاتفاق مع ايران، الا ان وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية نزار مدني اكد انه يتعين على دول الخليج الا تعتمد على الآخرين لضمان امنها في اشارة الى الولايات المتحدة.

وقال مدني خلال المؤتمر ان "دول المنطقة عليها ان تعي ان امنها وسلامها لا يقومان على الاعتماد على الآخرين"، واضاف "الامن الوحيد المضمون هو الناجم عن التكامل والتوحد بينها"،

وبحسب مدني، فان "جميع الامم ادركت ان التبعية العمياء لأي قوى عالمية لم تعد مبررة او مقبولة ... ومن الواجب ان تكون دول الخليج هي من ترسم مستقبلها بأيديها".

وكان هيغل أكد في المنامة ان الولايات المتحدة متمسكة بالتزاماتها حيال حلفائها في المنطقة وهي ستبقي على انتشار "اكثر من 35 الف عسكري في منطقة الخليج وفي المناطق المتاخمة لها"، ولم يعد هناك اي قاعدة اميركية في السعودية منذ العام 2003.

من جهته، دعا العضو البارز في الاسرة الحاكمة السعودية الامير تركي الفيصل الى اشراك دول مجلس التعاون الخليجي مستقبلا في المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي الى جانب الدول الكبرى، وقال الامير تركي الذي عمل في السابق سفيرا لبلاده في لندن وواشنطن ومديرا للمخابرات "اقترح الا تقتصر المفاوضات حول ايران على مجموعة الدول الست بل ان تضاف اليها مجموعة مجلس التعاون الخليجي لكي يكون هناك جمع كامل للدول المعنية في هذا الشأن".

وشدد الامير تركي خلال منتدى للامن الاقليمي في المنامة على ان "ايران تقع على الخليج واي مجهود عسكري او غيره سيؤثر علينا كلنا ناهيك عن الاعتبارات البيئية التي تواجهنا جميعا من اي منظومة نووية" في ايران.

وعن محاولات ايران المعلنة للتقرب من دول الخليج، اشار الامير تركي الى وجود ما يعتبره توزيعا للادوار بين طهران وحلفائها الاقليميين، وقال في هذا السياق "لا شك اننا نواجه الابتسامة العريضة للقيادة الايرانية في توجهها في الخليج لكن في نفس الوقت رجل ايران في لبنان (الامين العام لحزب الله حسن نصرالله) يتهم السعودية بتفجير السفارة الايرانية في بيروت".

واعتبر الامير السعودي البارز انه "لا بد ان تتخذ ايران اجراءات قبل ان نحكم هل هي تبتسم ام تكشر عن انيابها، واهم الاجراءات عدم التدخل في شؤون الغير"، واعطى مثالا على ذلك "اغلاق محطات تلفزيونية واذاعية تبث من ايران وهي موجهة للبحرين" حيث تدور احتجاجات يقودها الشيعة ضد الحكم.

وقال مسؤول في المعارضة السورية لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن اسمه ان "الولايات المتحدة تضع فيتو على السلاح الثقيل والنوعي مثل المضادات الجوية وهذا يعطي بشار الاسد التفوق لانه يملك القوة الجوية"، وقال تركي الفيصل في هذا السياق "بالنسبة لسوريا، المطلوب اعطاء المعارضة الوسائل الضرورية للدفاع عن نفسها لكن الاميركيين لم يقوموا بذلك".

كما اعتبر الامير تركي ان "ايران لا يحق لها المشاركة" في مؤتمر جنيف 2 الشهر المقبل، لكن بالنسبة لتركي الفيصل، فان هذه الازمة ليست نهاية للحلف الذي تاسس بين المملكة والولايات المتحدة منذ العام 1945 على متن السفينة كوينسي خلال اللقاء بين الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت والملك عبدالعزيز.

وبموجب الاتفاق الاميركي السعودي غير المكتوب فان المملكة تؤمن النفط لامداد الاقتصاد الاميركي مقابل ضمان واشنطن الامن للمملكة، لكن واشنطن ستصبح في 2015 اكبر منتج للنفط في العالم خصوصا بفضل النفط الصخري، وقال الامير تركي الفيصل لوكالة فرانس برس ان الاتفاق الاميركي السعودي في 1945 "لم ينته"، واضاف "في الماضي اختلفنا على فلسطين والان نختلف على اشياء ونتفق على اشياء اخرى".

التزامات أمنية

من جهته جدد وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل التأكيد على متانة العلاقات العسكرية الاميركية القطرية وذلك اثناء جولة في المنطقة تهدف الى تعزيز التحالفات في منطقة الخليج وسط خلال بشان سياسة واشنطن حيال ايران وسوريا.

والتقى هيغل امير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني ووزير الدفاع اللواء الركن حمد بن علي العطية، في الدوحة حيث جدد الوزيران اتفاق الدفاع، كما رافق قادة الطيران الجوي الاميركي هيغل في جولة على مركز العمليات الجوية المشتركة حيث يشرف الضباط على المقاتلات الاميركية في افغانستان ويرصدون الحركة الجوية في الشرق الاوسط المضطرب.

وفي مركز المراقبة، علقت على الجدران شاشات ظهرت عليها خرائط رقمية تظهر حركة الطيران فوق سوريا ومنطقة الخليج وافغانستان، وفي تصريحات للصحافيين عقب الجولة في القاعدة اقر هيغل بوجود خلافات بين واشنطن وحلفائها في الخليج حول سوريا وايران، الا ان الجميع يتفقون على الاهداف الرئيسية، وقال "لن ننفصل عن حلفائنا في المنطقة (...) اهدافنا المشتركة واضحة جدا. ويمكن ان يكون بيننا خلاف حول طريقة تعاملنا مع القضايا".

تسليح الخليج

من جانبه قال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) ان الطلب القوي من دول الخليج على طائرات اف-35 المقاتلة التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن دفع واشنطن للتعامل مع المسألة الشائكة المتعلقة بالافراج عن الطائرة للمنطقة بشكل اسرع من المتوقع.

ووافقت واشنطن بالفعل على بيع هذه الطائرة الجديدة التي لا ترصدها اجهزة الرادار لعدد من الحلفاء من بينهم تركيا وكوريا الجنوبية واليابان واسرائيل ولكن بيعها للخليج يتطلب مراجعة أعمق في ضوء الخطوط العريضة للسياسة الامريكية التي تدعو الى الحفاظ على تفوق اسرائيل العسكري النوعي في الشرق الاوسط.

واصبح الحديث عن بيع هذه الطائرات للامارات العربية المتحدة ولحلفاء امريكا الاخرين بالخليج علنيا خلال معرض دبي الجوي الشهر الماضي مع بحث المشترين المحتملين مسألة شراء الطائرات الحالية او انتظار موافقة الحكومة الامريكية على بيع طائرات اف -35، وقال مسؤولون حكوميون وخبراء في الصناعة انهم لا يتوقعون ان تسمح واشنطن ببيع طائرات اف-35 لدول الخليج الا بعد عام 2020 تقريبا بعد اقل بقليل من خمس سنوات من تسلم اسرائيل اولى طائراتها من طراز اف-35 في 2016. بحسب رويترز.

وقال المسؤول الدفاع الامريكي الكبير ان عمق اهتمام دول الخليج بالطائرة المقاتلة الجديدة وهي اكثر برامج اسلحة وزارة الدفاع الامريكية تكلفة فاجأ البعض في الحكومة الامريكية، واضاف المسؤول غير المخول بالتحدث علانية "اننا في وزارة الدفاع ندرك الان انه يوجد هناك اهتمام كبير، "عرفنا في نهاية الامر انه يتعين علينا مواجهة هذه المسألة ولكن هذا الامر جاء في وقت مبكر قليلا عما كنا نعتقد وستيعين علينا معالجته".

الهند ليست بديلة لأميركا

على صعيد ذو صلة قال وزير الخارجية الهندي سلمان خورشيد ان ليس لبلاده مصلحة في ملء الفراغ اذا قررت واشنطن تقليص وجودها العسكري في الخليج وحذر من ان اللجوء لقوى اسيوية اخرى مثل الصين لن يخدم المنطقة بشكل جيد.

وقال خورشيد لرويترز"لا نلعب مطلقا الدور التقليدي المتعلق بالتدخل بالمساعدة العسكرية بنفس الطريقة التي تفعلها الولايات المتحدة، "وبسبب القيود الفلسفية التي نفرضها على انفسنا لا نعتبر انفسنا بديلا لاي قوى اخرى، "لا نعتقد بالتأكيد في ان وجود اي قوة اخرى مثل الصين او اليابان سيسهم بالضرورة في امن المنطقة". بحسب رويترز.

وادلى خورشيد بهذه التصريحات على هامش مؤتمر أمنى في البحرين حيث يتركز النقاش على مااذا كانت الولايات المتحدة قد تخفض التزامها بحماية مضيق هرمز الذي تمر منه 40 في المئة من صادرات النفط العالمية البحرية بعد ان اصبحت اكثر اعتمادا على نفطها، وقال خورشيد لرويترز ان الهند مستعدة دائما للمساعدة في التدريب وتبادل معلومات المخابرات مع قوات دول الخليج العربية ولكن القيام بدور ضامن الامن "سيكون تحولا اساسيا.

"وضع نفسك بغرض الدفاع الاستراتيجي امر اخر تماما، "الهند تلتزم بحرص وبشكل دقيق جدا بمبادئ معينة ونريد مواصلة الالتزام بهذه المبادئ. لم ننضم قط لتحالفات ولم ننضم مطلقا لتجمعات عسكرية"، وقال خورشيد "نريد مساعدتهم (الخليج) في المجال اللوجستي بما في ذلك التعاون بشأن مكافحة الارهاب وحماية القنوات البحرية وتبادل معلومات المخابرات وبناء القدرات، "هذه هي المجالات التي يسعدنا جدا ان نتعاون فيها مع اصدقائنا، " لكن هل الهند ستكون مستعدة لشغل فراغ محتمل في حالة انسحاب القوات الموجودة؟ لااعتقد ان هذا نوع الشيء الذي (نفكر) فيه فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي والتفاهم الحالي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/كانون الأول/2013 - 14/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م