الدب الروسي.. توتاليتارية بثوب ديمقراطي

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة لعبت روسيا بقيادة زعيمها فلاديمير بوتين دورا محوريا في العديد من القضايا الإستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، كان أبرزها القضية السورية، التي استطاعت من خلال العقلانية السياسية الناعمة أن تفرض نفسها كقوة عالمية عظمى عندما تمكن من تغيير قرار خصمها اللدود الولايات المتحدة الأمريكية عن توجبه ضربة عسكرية كانت وشيكة ضد سوريا، وشيئا فشيئا بدأت دولة الدب الروسي تستعيد جاذبيتها في الشرق الأوسط، على حساب تراجع النفوذ الأمريكي، وذلك من خلال بناء بروتوكولات دبلوماسية عسكرية بثوب ديمقراطي مع معظم دول الشرق الأوسط كالعراق ومصر، فربما تستطيع روسيا اليوم من خلال سياسيتها البرغماتية سحب بساط الهيمنة من غريمتها أمريكا خصوصا وأن الأخيرة بدأت بالتوجه نحو القارة الصفراء بحثا عن مصالح إستراتجية غير مكلفة.

وعلى الرغم من التصريحات الاخيرة للرئيس الروسي بوتين بأن روسيا لا تحاول ان تكون قوة عظمى ولا تسعى لأن تعلم الجميع كيف يعيشون في انتقاد مستتر للولايات المتحدة، ولا نطمح للحصول على لقب القوة العظمى ... الذي يؤخذ على انه تطلع للهيمنة عالميا واقليميا.

الا ان أغلب المحللين يرون طموحات الدب الروسي عكس تصريحاته كون هدفه الأساسي هو استعادة الهيبة الروسية دوليا، وكذلك توسيع نفوذه محليا منذ توليه منصب الرئيس قبل عقد تقريبا، وذلك من خلال تقديمه صورة ستالينية ناعمة جديدة، حيث يرى هؤلاء المحللين بأن الزعيم الروسي ورجل المخابرات الروسية السابق يغرس احدى قدميه في الماضي السوفيتي لروسيا كما تبديه دلائل عديدة في رغبته بالرجوع للماضي، وتمثلت بالتعديلات التي تم على كل المستويات ابان حكم بوتين وخاصة في الاونة الاخيرة، وعلى الرغم من ان الكثير من الروس بأن بوتين رئيسا مثاليا، لكن في الوقت نفسه يجابه معارضة شرسة لا تزال تواصل انتقاده ورفضها لحكمه وهذا ما تجلى في المظاهرات الحاشدة في موسكو في ذكرى مرور عام على تظاهرة تخللتها صدامات مع الشرطة عشية عودة فلاديمير بوتين الى الكرملين.

وتندد المعارضة الروسية ومنظمات غير حكومية باجراءات بالتضييق الشديد على المعارضة منذ عودة فلاديمير بوتين الذي عمل على تقليص حركة الاحتجاج التي نجحت في شتاء 2011/2012 في حشد حتى مائة الف شخص.

وبدأت حركة الاحتجاج ضد نظام بوتين، الذي تولى الرئاسة من 2000 الى 2008 ثم رئاسة الوزراء من 2008 الى 2012 نظرا لعدم امكانية توليه ولاية رئاسية ثالثة على التوالي بموجب الدستور، بعد ان اكدت المعارضة حدوث عمليات تزوير كثيفة في الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزبه الحاكم في نهاية 2011، بينما يمثل هذا العام  حساسية سياسية خاصة بعد حركة الاحتجاجات التي شابته خلافات داخلية عنيفة داخل الحزب الشيوعي الحاكم، ويرى المحللون السياسيون بان ما تقوم به حكومة بوتين من مضايقات وتشيد العقوبات ما هي الا رسالة موجهة الى المعارضين لاثبات ان السلطة مستعدة لتضييق الخناق عليهم بشدة وحزم اكبر من اي وقت مضى.

فبين الحين والاخر تشهد روسيا نوبات صراع وتحدي جديدة على أكثر من صعيد في الاونة الاخيرة، وخاصة في المجالين الاقتصادي الحقوقي في البلاد، وقد تجسدت هذه النوبات بالممارسات والإجراءات التي قامت بها السلطات الروسية من خلال تفتيش المنظمات غير الحكومية، لتكشف هذه الممارسات عن مخاوف القادة السياسيين في روسيا من انعكاس اعمال هذه المنظمات  لزعزعة النظام الداخلي في البلاد.

كما تشهد المؤشرات الاقتصادية الروسية تراجعا ملحوظا في المدة الأخيرة، وتوجه السلطة اللوم الى الازمة المستمرة في منطقة اليورو حيث شركاؤها التجاريون الرئيسيون. كما تنسب تراجع النشاط الى مستوى نسب الفائدة المرتفعة التي فرضها البنك المركزي والمؤسسات المالية.

لكن في الاوساط الاقتصادية والمالية تسود المخاوف من مناخ غير مؤات للاعمال يثقله الفساد والبيروقراطية والارتهان لتقلبات اسعار النفط، فقد انهك المستثمرون نتيجة سياسة اقتصادية تراوحت بين مؤشرات التحرير (الانضمام الى منظمة التجارة العالمية، الخصخصة) وقرارات توجيهية ولا سيما مع استحواذ شركة روسنفط العامة العملاقة على شركة تي ان كاي-بي بي النفطية، وتاخرت الحكومة في طرح مشروع الاصلاح الموعود لنظام التقاعد بسبب جدل حول الصيغة المطلوبة.

وعليه فان المعطيات آنفة الذكر تظهر ان روسيا الحالية تحت قيادة بوتين تتأرجح مابين الصعود كالقوة عالمية عظمى أو قد تكون عرضة لأزمات حقوقية واقتصادية تمهد الطريق لانتكاسة جديدة قد تكلف الروس خسائر كبيرة على الأصعدة كافة.

روسيا قوى عظمى في عالم غير مستقر

في سياق متصل دافع فلاديمير بوتين عن رؤيته لروسيا صاحبة مسؤولية "تاريخية" في عالم غير مستقر وحصن منيع امام الهيمنة الاميركية وضامن للقيم التقليدية في مواجهة الانحلال الاخلاقي في العالم الغربي.

وقال بوتين في خطابه الى الامة من قصر الكرملين "العالم يزداد تناقضا واضطرابا، وفي هذه الظروف فان مسؤولية روسيا التاريخية تتعاظم"، واضاف انها مسؤولية "الضامن الرئيسي للاستقرار الشامل والاقليمي والدولة التي تدافع بثبات عن قيمها" مشيدا بصورة خاصة بدور بلاده في الازمة السورية، وقامت روسيا، الحليف القديم لنظام دمشق الذي تزوده بالسلاح، بصد كل محاولة للغرب للتدخل في سوريا باسم القانون الدولي.

وقال بوتين "نحن لا ندعي لقب القوة العظمى وليست لدينا اي رغبة في الهيمنة عالمية كانت او محلية ولا نهاجم مصالح احد ولا نفرض على احد وصايتنا ولا نعطي دروسا لاحد" في اشارة واضحة الى الولايات المتحدة، واضاف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السوفياتية (الكي جي بي) "لكننا نسعى الى ان نكون روادا" مشيرا الى عزمه على انجاح مشروع الاتحاد الاقتصادي للجمهوريات السوفياتية السابقة الذي تدعو روسيا بالحاح اوكرانيا الى الانضمام اليه.

واثار العدول المفاجىء لهذه الجمهورية السوفياتية السابقة عن اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي للاتجاه نحو موسكو توترات جديدة بين روسيا والغرب في الاسابيع الاخيرة، وفيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا عبر بوتين عن امله في التوصل الى حل سياسي للازمة وقال انه يعول على الحكومة والمعارضة للتوصل الى تسوية سياسية، وفي خطابه أمام المشرعين والمسؤولين أكد على ان الاتحاد الجمركي الذي تقوده موسكو ويأمل ان تنضم اوكرانيا اليه يقوم على حقوق متساوية لكل الاعضاء وسيوفر لهم مزايا اقتصادية، وقال "آمل ان تتمكن كل القوى السياسية في البلاد (اوكرانيا) من التوصل الى اتفاق يكون في مصلحة الشعب الاوكراني والتوصل الى حل لكل المشاكل المتراكمة".

وقدم بوتين بلاده على انها اخر حصن "للتقاليد المحافظة" وخاصة بالنسبة لمفهوم الاسرة امام ما اعتبره الانحلال الاخلاقي في العالم الغربي، وقال بوتين "تجرى اليوم في العديد من الدول عملية اعادة تقييم للقواعد الاخلاقية" لكن روسيا ترفض "التسامح العقيم المزعوم الذي لا يفرق بين الجنسين".

واضاف الرئيس الروسي "يوجد كل يوم في العالم المزيد من الذين يدعمون موقفنا المتمثل في الدفاع عن القيم التقليدية التي تشكل منذ الاف السنين القاعدة الاخلاقية والروحية لحضارة كل شعب"، وقال بوتين "من الغريب ان نطلب من المجتمع، ان يساوي بين الخير والشر"، واضاف ان لروسيا في هذا الموضوع "وجهة نظر محافظة، لكن هدف النزعة المحافظة هذه هو منع اي خطوة الى الوراء والى الاسفل في فوضى الظلمات" مستشهدا بالفيلسوف الارثوذكسي نيكولاس برديائيف الذي طرد من روسيا عام 1922 بعد قيام الثورة البلشفية لاعتباره عدوا ايديولوجيا للشيوعية.

واخيرا حذر بوتين الولايات المتحدة، دون تسميتها من اي محاولة للحصول على تفوق استراتيجي، وقال ساخرا "المشكلة النووية الايرانية الى زوال لكن منظومة الدفاع المضاد للصواريخ الى بقاء". وقد نددت روسيا دائما بنصب عناصر من هذه المنظومة الصاروخية على ابوابها الامر الذي بررته واشنطن بوجود تهديد من "دول مارقة"، واكد بوتين "يجب ان لا تساور احد الاوهام في امكانية تحقيق تفوق عسكري على روسيا، هذا شيء لن نقبله ابدا" مذكرا بانه اطلق برنامج "غير مسبوق" لاعادة تسليح روسيا.

على صعيد ذو صلة افتتحت امام محكمة في موسكو محاكمة 12 معارضا قد يحكم عليهم بالسجن ثماني سنوات مع الاشغال الشاقة بسبب صدامات خلال تظاهرة عشية تنصيب فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا قبل عام، فيما قرر بطل الشطرنج السابق غاري كاسباروف البقاء في الخارج.

ويحضر عشرة من المتهمين موقوفون منذ اشهر، في قفص زجاجي في المحكمة بينما يجلس اثنان آخران يخضعان للمراقبة، على مقعد في المحاكمة التي تعتبرها المعارضة رمزا للقمع، وتشمل "قضية بولوتنايا" التي تحمل اسم الساحة الواقعة في وسط موسكو وشهدت اعمال العنف خلال التظاهرة التي جرت في السادس من ايار/مايو 2012 احتجاجا على عودة بوتين الى الرئاسة، حوالى ثلاثين شخصا.

ويتظاهر عشرات من ناشطي المعارضة امام المحكمة وهم يرفعون لافتات تحمل صور "سجناء"، مطالبين باطلاق سراحهم، وقالت ماريا ارخيبوفا الناشطة في لجنة لدعم الموقوفين "انها محاكمة يراد منه ان تكون نموذجان انها قضية سياسية، طزمن جهتهأ، قالت منظمة ميموريا غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان انها تعتبر المتظاهرين الموقوفين "سجناء سياسيين"، ومعظم المتهمين مواطنون عاديون لا ينتمون الى اي حركة سياسية مثل ياروسلاف بيلوسوف الذي يدرس العلوم السياسية في جامعة الدولة العريقة في موسكو.

وهو متهم مع سبعة اشخاص اخرين بالمشاركة في اضطرابات كبرى وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن ثماني سنوات وبارتكاب اعمال عنف بحق ممثلين عن قوى الامن (خمس سنوات). بحسب فران برس.

والمتهمون معه هم اندرييه بارابانوف (22 عاما) وستيفان زيمين (21 عاما) والكسي بوليكوفيتش (22 عاما) ودنيس لوتسكيفيتش (21 عاما) وارتيم سافيلوف (34 عاما) وسيرغي كريفوف (51 عاما) وكلهم قيد الحجز الاحتياطي والكسندرا دوكانينا (19 عاما) التي وضعت قيد الاقامة الجبرية، ويواجه ثلاثة متظاهرين اخرين هم فلاديمير اكيمنكوف (25 عاما) ونيكولاي كافكازسكي (26 عاما) وليوند كوفيازين (26 عاما) وهم قيد الحجز الاحتياطي، تهمة "المشاركة في اضطرابات كبرى"، واخيرا تواجه ماريا بارونوفا (29 عاما) التي وضعت ايضا قيد الاقامة الجبرية تهمة "التحريض على اضطرابات كبرى" وتواجه عقوبة السجن سنتين.

وبعضهم متهمون بالقاء عبوات بلاستيكية وقلب غرف مراحيض عامة ومقاومة قوات الامن، لكنهم اتهموا جميعا بالتسبب "باضطرابات كبرى" وهي جنحة تعني بموجب القانون الجزائي الروسي "المساس بالنظام العام من قبل حشد واضرام حريق عمدا وتدمير ممتلكات واستخدام اسلحة نارية ومتفجرات".

لكن لم يسقط قتلى ولم يصب احد بجروح خطيرة ولا اطلقت عيارات نارية او اضرمت حرائق خلال التظاهرة، وبحسب النيابة فان 82 شرطيا اصيبوا خلال مواجهات لا تزال اسبابها مثيرة للجدل حيث ان المعارضة تتهم قوات الامن باثارة الصدامات لتبرير الحملة ضد المحتجين، وقال المنشق السابق الكسندر بودرابينك لوكالة فرانس برس "انها محاكمة تشكل رمزا، تعيدنا الى الوراء الى حقبة القمع المنهجي ضد معارضي النظام". واضاف هذا المدافع عن حقوق الانسان ان "السلطات تريد وقف التظاهرات وترهيب ليس فقط المنظمين وانما ايضا المشاركين"، ويخضع ابرز قائدين للمعارضة لملاحقات قضائية ايضا.

فقد وضع رئيس الجبهة اليسارية الروسية سيرغي اودالتسوف قيد الاقامة الجبرية وهو ملاحق بتهمة "تنظيم اضطرابات كبرى" وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن عشر سنوات، وهناك شخصان اخران احدهما مقرب سابق من زعيم جبهة اليسار حكم عليهما في قضية 6 ايار/مايو بالسجن اربع سنوات ونصف السنة وسنتين ونصف السنة. وقد اقر كلاهما بذنبهما، اما ابرز معارض لبوتين، الكسي نافالني فقد وضع قيد الاقامة الجبرية في موسكو ويحاكم بتهم اختلاس ينفيها.

من جانب اخر اعلن المعارض للنظام وبطل الشطرنج السابق غاري كاسباروف من جنيف انه لن يعود الى روسيا خشية ان يلاحق بحسب شريط فيديو نشر على موقعه الالكتروني، وقال كاسباروف في جنيف حيث تسلم الاربعاء جائزة مكافأة على التزامه في حقوق الانسان "اذا عدت الى موسكو، فاشك جديا في ان تسنح لي الفرصة مجددا في الخروج من البلاد"، وكتب كاسباروف على صفحته على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي "اضافة اسم على لائحة الضحايا لن يؤدي الى شىء جيد"، موضحا انه تم استدعاؤه من قبل المحققين، ونقلت صحيفة موسكو تايمز عن احد المقربين منه القول ان كاسباروف استدعي من قبل المحققين الروس كشاهد في اطار التحقيق حول تظاهرة 6 ايار/مايو 2012 في ساحة بولوتنايا التي شارك فيها.

مظاهرات ضد بوتين

من جهة أخر تظاهر الالاف من الروس في موسكو تلبية لدعوة من المعارضة للمطالبة بالافراج عن الموقوفين على اثر تظاهرة نظمت لدى عودة فلاديمير بوتين الى الكرملين قبل سنة، والاحتجاج على الحكومة، وسار اقل من عشرة الاف متظاهر، حسب تقديرات وكالة فرانس برس، حوالى ساعة في يوم عطلة في روسيا ثم تفرقوا. وقدرت الشرطة عدد المشاركين بـ6000 شخص بالاجمال، وهذه الارقام بعيدة جدا عن عدد 30 الف شخص الذي تحدث عنه منظمو المسيرة، وصرح المتظاهر كيريل (28 عاما) لفرانس برس "اشارك في التظاهرات منذ زمن طويل لكنني اليوم بت متشائما بعض الشيء".

وتصدر التظاهرة ابرز معارضي الرئيس الروسي، اليكسي نافالني الذي اتى صباحا من كيروف التي تبعد 900 كلم شرق موسكو حيث يحاكم بتهمة "اختلاس اموال" ويعود اليها لجلسة مرتقبة، الى جانب مسوؤلي حركتي سوليدارنوست وبارناس الليبيراليتين ايليا ياشين وميخائيل كاسيانوف، وحمل المتظاهرون المنتمون الى مختلف التوجهات السياسية اعلاما ولافتات كتب عليها "الحرية لمعتقلي 6 ايار/مايو" و"بوتين، عار على روسيا" و"فلتسقط الاستبدادية الرئاسية".

واوقف مع انطلاقة المسيرة حوالى عشرة من انصار جبهة اليسار التابعة للمعارض سيرغي اودالتسوف الملاحق قضائيا بتهمة المشاركة في "اعمال شغب واسعة النطاق" والموضوع قيد الاقامة الجبرية، بحسب شرطة موسكو.

وسار المتظاهرون حتى ساحة بولوتنايا مقابل الكرملين حيث دارت صدامات خلال تظاهرة احتجاج على اعادة انتخاب بوتين في 6 ايار/مايو 2012 لولاية رئاسية ثالثة، وما زالت هذه المواجهات مثار جدل حيث تتهم المعارضة قوى الامن باستفزازها لتبرير حملتها على اي معارضة.

وتم توجيه الاتهامات مذاك الى حوالى 30 شخصا وبدات محاكمة 12 منهم يواجهون خطر عقوبة سجن تصل الى ثماني سنوات للمشاركة في "اعمال شغب واسعة النطاق"، في تصريح لوكالة فرانس برس قالت انستازيا يوريفا (21 عاما) احدى المشاركات في التظاهرة "جئت لاطالب اولا بالافراج عن موقوفي بولوتنايا، هم ليسوا مجرمين وهم مسجونون"، وقالت المتقاعدة تاتيانا (70 عاما) ان المشاركة في تظاهرات المعارضة هي "الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من ان نقول شيئا للسلطات"، واضافت "انها تسمعنا وإلا لما انتشر هذا العدد الكبير من عناصر الشرطة هنا. انها تخاف منا"، وصرحت سفيتلانا ماكاروفا (39 عاما) "هذا النظام مجرم، بوتين ليس رئيسا شرعيا".

وبدات معارضة بوتين الذي راس البلاد من 2000 الى 2008 ثم تولى رئاسة الوزراء بين 2008 و2012 لعدم جواز توليه ولاية ثالثة، بعد تنديد المعارضة بعمليات تزوير واسعة النطاق في الانتخابات التشريعية التي فاز بها الحزب الحاكم في اواخر 2011، كما تكثفت التظاهرات المعارضة لبوتين التي تنتقد الفساد المستشري في البلاد، لكن تشدد النظام مذاك من خلال حملات اعتقال واتهام واقرار قوانين اعتبرتها المعارضة "قمعية" اسهم في اقناع الكثير بالنزول الى الشارع.

اقتصاد متعثر

على صعيد آخر عندما عاد فلاديمير بوتين الى الكرملين في 7 ايار/مايو 2012 كان الاقتصاد في خضم تحصنه والبطالة في ادنى مستوياتها، بعد عام بات الرئيس الروسي مضطرا الى التحرك لانعاش اقتصاد معطل يهدد شعبيته التي بدأت تتراجع، وبات المشهد قاتما بحيث يعرب اكثر المراقبين تشاؤما عن خشيتهم من عودة سيناريو 2008-2009 عندما ادت الازمة العالمية وهبوط اسعار النفط الى ركود في روسيا.

في مطلع 2013 شهد النمو الذي سبق ان تراجع الى 3,4% في 2012 جمودا ولم يحرز في الفصل الاول اكثر من 1,1% ويتوقع ان يشهد تراجعا على العام الا في حال حصول انتعاش في اذار/مارس، الامر الذي لا يبدو مرجحا.

كما تراجع الانتاج الصناعي للمرة الاولى منذ 2009، فيما شهد الاستهلاك تباطؤا بعد ان كان مدعوما بفضل بطالة ضعيفة دون 6%، مؤخرا خفضت الحكومة توقعات النمو للعام 2003 من 3,6% الى 2,4%، على هذه الوتيرة يبقى الاقتصاد الروسي بعيدا جدا عن نسبة 7 الى 8% من النمو التي شهدها في ولايتي بوتين الاوليين (2000-2008).

وما يزيد من الخيبة حيال هذا الاداء عودة بوتين الى الكرملين مع هدف احراز نمو سنوي على المدى الطويل يفوق 5%، واعتبر الملياردير ميخائيل بروخوروف الذي اتى ثالثا في الانتخابات الرئاسية على مدونته ان "الاقتصاد يشهد انكماشا، والوعود الاجتماعية مهددة. (...) روسيا تواصل فقدان تنافسيتها".

وافاد المحلل السياسي في مركز كارنيغي نيكولاي بتروف "انها سنة خاسرة. لا توجد اي حركة، ولا نعرف في أي اتجاه نسير، ولا توجد خطة عمل"، واعتبر بتروف ان "بوتين يرجئ بسبب الوضع العالمي ولانه لا يرغب في اتخاذا قرارات غير شعبية. لكنه كلما انتظر ازدادت صعوبة تطبيقها"، وتابع "الان باتت ازمة اقتصادية مطولة وشاقة وشيكة. عندما يشعر الشعب بعواقبها فستجري تظاهرات ضخمة".

طلب بوتين من الحكومة وادارته تقديم مقترحات قبل 15 ايار/مايو لانعاش الاقتصاد مشددا على الاستثمارات في البنى التحتية، واعتبر المحلل الاقتصادي ايفان تشاكاروف من شركة رنيسانس كابيتال انه نظرا لغياب هامش المناورة المالي تراهن السلة اولا على خفض نسب الفائدة لتشجيع النشاط وعلى الشركات الكبرى في البلاد لتسريع استثماراتها.

وصرح "يمكن الامل في احراز نتائج مع نهاية العام. لكن ليست هناك من صيغة سحرية، ففي نهاية الامر ما تحتاجه روسيا هو معالجة البيروقراطية والاطار المؤسسي والفساد وتحسين الانتاجية"، حتى في حال تحسن هذه النقاط لم تعد روسيا قادرة على تحقيق اكثر من 4 الى 4,5% من النمو بحسبه، واشارت جوليا تسيبلياييفا من بي ان بي باريبا الى ان الرئيس الروسي يواصل تطبيق النموذج نفسه: "اختيار الرواد في مجال النمو ومنحهم اموالا عامة ... بالطبع هذا له تاثير لكنه قصير الامد".

كيري في موسكو

الى ذلك عقد وزير الخارجية الاميركي جون كيري لقاء خاطفا في موسكو مع ممثلي المجتمع المدني الروسي، في وقت تندد منظمات غير حكومية بتزايد التعديات على الحريات من جانب نظام فلاديمير بوتين.

وفي زيارته الاولى الى روسيا بصفته وزيرا للخارجية، حرص كيري على عدم التصادم مع موسكو، في حين تراجعت العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل كبير منذ عودة بوتين الى الكرملين قبل عام وفي ظل سعي البلدين الى التوصل الى حل للنزاع في سوريا.

وبعد لقاءين استمرا ساعات عدة مع الرئيس الروسي ثم مع وزير خارجيته سيرغي لافروف، عقد كيري لقاء مع شخصيات عدة من المجتمع المدني في مقر اقامة السفير الاميركي في روسيا مايكل ماكفاول.

ومن بين الشخصيات التي التقاها الوزير الاميركي المنشقة السوفياتية السابقة ليودميلا اليكسييفا من مجموعة هلسنكي في موسكو والكسندر تشيركاسوف من منظمة "ميموريال"، كبرى منظمات الدفاع عن حقوق الانسان في البلاد، وايضا ايفان بلوكوف المسؤول في منظمة غرينبيس في روسيا.

واعرب كيري لهؤلاء عن اعجابه ب"الجهود" التي تبذلها المنظمات غير الحكومية التي تتعرض منذ اذار/مارس لحملات تضييق غير مسبوقة من جانب السلطات الروسية، ما اثار ردود فعل شاجبة عدة في الخارج، وتأتي هذه الحملة بعد اقرار قانون يرغم المنظمات غير الحكومية التي تستفيد من تمويل خارجي وتمارس "نشاطا سياسيا" بتدوين اسمائها في سجل "عملاء الخارج" والتقدم بهذه الصفة لممارسة اي نشاط عام.

الا ان مصطلح "عملاء الخارج" له مدلولات سلبية جدا باللغة الروسية، فقد تم استخدامه في السابق للاشارة الى المعارضين الحقيقيين او المفترضين في الحقبة الستالينية الذين كانوا يقتلون باطلاق النار عليهم او يرسلون الى معسكرات للعمل. كما كان يستخدم من السلطات السوفياتية خلال السبعينات والثمانينات لوصف المنشقين المتهمين بالعمالة للغرب.

واشار كيري للصحافيين الى انه ناقش مع محاوريه هذه المسألة اضافة الى القانون الذي يمنع الاميركيين من تبني ايتام روس والذي تم اقراره ردا على "قائمة ماغنتسكي" وهي قائمة سوداء لعدد من المسؤولين الروس المتهمين بالضلوع في وفاة القاضي المعروف بمكافحته للفساد سيرغي ماغنتسكي داخل السجن.

وهذه القضايا الكثيرة والمتشعبة حالت دون انجاح "عملية اعادة الاطلاق" التي اعلن عنها الرئيس باراك اوباما في العام 2009 لاحياء العلاقات الاميركية الروسية وتعزيزها، الا ان الوزير الاميركي لفت ايضا الى ان مثل هذه الخلافات يجب الا تقوض العلاقات بين البلدين وتضر "بالمصالح الواسعة للبلدين".

وقال وزير الخارجية الاميركي في ختام زيارته موسكو ان "روسيا (بلد) معقد، جميعنا يعلم ذلك، لكنها حيوية ايضا"، مشيدا خصوصا بنجاحه خلال هذه المهمة الحساسة باحراز تقدم في الملف السوري، ورد لاف بونوماريف رئيس الحركة الروسية من اجل حقوق الانسان الذي شارك في اللقاء مع وزير الخارجية الاميركي ان "كيري ردد الكثير من الكلام المعسول (...) الا انها عبارات كلاسيكية"، واضاف "حتى اللحظة، نرى ان الولايات المتحدة تغمض عينيها" على تحركات النظام الروسي ضد المنظمات غير الحكومية. الا انه اشار الى "اننا لا نعلم ما سيحصل لاحقا"، مبديا خشيته من ان تصبح روسيا دولة "توتاليتارية".

من جانبها اعتبرت اليكسييفا (86 عاما) رئيسة اقدم منظمة حقوقية في روسيا انه على عكس ما كان يحصل ابان الحقبة السوفياتية، فقد بات المسؤولون الاميركيون يلتقون المسؤولين الروس من ثم يجتمعون مع مدافعين حقوقيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الأول/2013 - 13/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م