الذهب الأسود الليبي.. ثروة تحرق البلاد!

 

شبكة النبأ: على الرغم من ان ليبيا تخلصت من حكم الاستبداد والدكتاتورية، لا تزال هذه البلاد النفطية تواجه الكثير من المشاكل والازمات الامنية والاقتصادية الخطيرة بسبب ضعف وعجز الحكومة الحالية عن تحقيق الأمن وفرض القانون، وهوما اسهم بسيطرة المليشيات والجماعات المسلحة على العديد المناطق والمؤسسات الاقتصادية المهمة ومنها المؤسسات النفطية التي توفر اكثر من96% من من عائدات ليبيا التي تعاني من خسائر الضخمة في مجال صناعة النفط، التي تخضع اليوم لسيطرة المليشيات والقبائل المسلحة حيث اصبح قطاع النفط في ليبيا اليوم وبحسب بعض المراقبين من اهم اجزاء لعبة الصراع الذي قد يسهم بتقسيم البلاد او ادخالها في كارثة الحرب الاهلية خصوصا مع وجود هذا الكم الهائل من الاسلحة والمعدات التي خلفتها الثورة.

وفي هذا الشأن فقد قال زعماء حركة تسعى للحكم الذاتي في شرق ليبيا إنهم قد يسمحون باستئناف صادرات الخام من بضعة موانئ إذا لبت طرابلس مطالبهم وأعطت المنطقة حصتها من النفط. وتغلق الحركة القبلية المدججة بالسلاح الموانئ للمطالبة بنصيب اكبر من الثروة النفطية والحكم الذاتي لمنطقة برقة. وقال زعماؤها إنهم سيبيعون النفط بأنفسهم إذا لم تنفذ الحكومة المطالب.

ولم يصدر رد فعل فوري من طرابلس التي ترفض حتى الآن الاعتراف بالحكومة التي اعلنت في المنطقة بعدما سيطرت الحركة على مينائي السدر وراس لانوف ومنشآت أخرى في الشرق الغني بالنفط. وتتألف الحركة من رجال قبائل ومقاتلين ممن ساعدوا في الاطاحة بمعمر القذافي في 2011 وتطالب حاليا بنظام اتحادي يتضمن تقاسم السلطة بين اقاليم برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب على غرار النظام السياسي الذي كان سائدا ابان الحكم الملكي قبل تولي القذافي السلطة.

وقال إبراهيم الجضران أحد الزعماء المطالبين بالحكم الذاتي إن صادرات النفط ستستأنف بثلاثة شروط وتابع أنه ينبغي لحكومة طرابلس تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في مزاعم فساد في مبيعات النفط ولجنة أخرى تضم الاقاليم الليبية الثلاثة لتقاسم الثروة النفطية. وهلل مؤيدوه عندما قال إن برقة ستأخذ حقوقها بموجب قانون تقاسم النفط لعام 1958.

وقال عبد ربه البرعصي رئيس حكومة برقة المعلنة من جانب إن الحركة مستعدة لبيع الخام بنفسها ابتداء إذا لم تنفذ طرابلس مطالبها. واضاف قائلا لدينا عقود مع الشركات لبيعه. وتواجه ليبيا اضطرابات في وقت تكافح فيه حكومة رئيس الوزراء علي زيدان لكبح الميليشيات والقبائل التي أطاحت بالقذافي ثم رفضت القاء السلاح وتسيطر حاليا على مناطق من البلاد. وهبط الانتاج النفطي بشكل حاد من مستواه لي يوليو تموز الذي بلغ 1.4 مليون برميل يوميا وهو ما خفض بشدة ايرادات الصادرات التي تحتاجها البلاد. والنفط هو المصدر الرئيسي للايرادات بالميزانية والعملة الصعبة اللازمة لاستيراد الغذاء.

من جانب اخر طلب الجيش الليبي من مقاتلي ميليشيات سابقين ومحتجين إخلاء حقول نفطية ومرافئ والسماح باستئناف تصدير النفط وقال إن ليبيا عضو منظمة أوبك مهددة بالفوضى. وأخفق رئيس الوزراء الليبي علي زيدان حتى الآن في إنهاء سلسلة من الاعتصامات والاضرابات من جانب حراس أمن وموظفين حكوميين ومسلحين ومجموعات أخرى ذات مطالب شتى من الأمن والحكم الذاتي إلى نصيب أكبر من الثروة النفطية. وبعد عامين من الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي يواجه الجيش الليبي الجديد صعوبات في السيطرة على الميليشيات التي ساهمت في إنهاء حكم القذافي ومازالت تقاتل وسط خلافات سياسية ونزاعات على الأراضي.

ويقدر محللون الخسائر التي منيت بها ليبيا بنحو ستة مليارات دولار جراء إغلاق حقول نفطية ومرافئ لتصدير الخام لأشهر. ولم يذكر الجيش ما الإجراء الذي سيتخذه في حالة عدم الاستجابة لتحذيراته. وقال رئيس أركان الجيش الليبي في بيان نشر على الموقع الالكتروني لوزارة الدفاع فكوا اعتصامكم دون شرط أو قيد لكي يتدفق النفط إلى الموانئ ويستعيد الاقتصاد عافيته كي نتمكن من بناء الدولة وخاصة المؤسسة العسكرية وأضاف بلادنا مهددة بالتفكك والانفلات الأمني. بحسب رويترز.

ويبدو أن رئيس الوزراء يعول على تصاعد الغضب الشعبي إزاء الميليشيات بعد الاشتباكات التي وقعت في طرابلس وأسفرت عن مقتل أكثر من 40 شخصا وأجبرت عدة مجموعات مسلحة قوية على الانسحاب من العاصمة. وحذر زيدان من أن الحكومة لن تستطيع دفع رواتب الموظفين إذا استمرت الاضرابات في المرافئ.

خسائر فادحة

في السياق ذاته قال وزير النفط الليبي عبد الباري العروسي إن ليبيا خسرت اكثر من سبعة مليارات دولار وتواجه منافسة جديدة من الجزائر ونيجيريا في اسواق النفط بسبب وقف صادرات الخام نتيجة الاضرابات في حقول النفط والموانئ. وتسيطر مجموعة من الميليشيات ورجال القبائل على معظم موانئ وحقول النفط للمطالبة بمزيد من السلطة السياسية أو زيادة الرواتب مما ادى إلى وقف تصدير النفط الذي يمثل شريان الحياة لليبيا.

وتواجه ليبيا عضو منظمة (أوبك) اضطرابات حيث تبذل حكومة رئيس الوزراء علي زيدان جهودا مضنية للسيطرة على عشرات الميليشيات التي ساعدت في الاطاحة بمعمر القذافي قبل عامين لكنها ترفض إلقاء السلاح. وقال العروسي إن ليبيا خسرت تسعة مليارات دينار ليبي (7.29 مليار دولار) في ايرادات النفط بعد تراجع الانتاج إلى 250 الف برميل يوميا من 1.4 مليون يوميا في يوليو تموز.

ولم يذكر الكمية التي تصدرها ليبيا لكن نائبه قال ان ما يصل إلى 50 في المئة من الانتاج يستخدم للإبقاء على تشغيل مصفاة الزاوية التي تبلغ طاقتها 120 الف برميل يوميا. وقال العروسي إن ليبيا تواجه مشكلة كبيرة بسبب دخول النفط الجزائري والنيجيري سوق البحر المتوسط مما جعلها تبحث عن اسواق جديدة في شرق اسيا لتعويض خسائرها. وقال انه يأمل ان تستأنف موانيء التصدير عملها قريبا لكنه لم يكرر ما قاله يوم الاربعاء بأن الموانئ قد تفتح ابوابها مجددا في وقت قريب.

وأضاف العروسي ان الحكومة تواجه مشكلة في إعداد ميزانية عام 2014 بسبب تراجع الانتاج من 1.4 مليون برميل يوميا في يوليو تموز إلى 250 الف برميل الان. وقال ان حقل الفيل والحقول التابعة لشركة سرت للنفط المملوكة للدولة في وسط ليبيا هي فقط التي لا تزال تنتج النفط. وقال العروسي ان التوقف المفاجئ في الانتاج اضر ايضا بخطوط الانابيب ومنشآت نفطية اخرى في حين ساءت أحوال بعض موظفي النفط بسبب الاضرابات.

على صعيد متصل قال نائب محافظ البنك المركزي الليبي إن ليبيا أنفقت 7 مليارات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي لديها للتغلب على آثار الاضرابات النفطية وانها ستضطر إلى انفاق 6 مليارات دولار أخرى. واضاف على محمد سالم إنه اذا استمرت الاضرابات التي تقوم بها ميليشيات مسلحة ورجال قبائل في منع الصادرات فإن البنك المركزي سيقيد الحصول على الدولارات لحماية العملة الليبية الدينار وقد يدرس تخفيض قيمة العملة.

وقال سالم إن ليبيا لا يزال لديها احتياطيات قيمتها 119 مليار دولار لكنه قد تتآكل سريعا. واضاف قوله في مقابلة نحن في وضع خطر بالنسبة للمستقبل. وسوف تتأثر احتياطيات النقد الأجنبي بشدة بالوضع الحالي. إننا ننفق من الاحتياطيات. وقال سالم ان الاحتياطيات هبطت 7 مليارات دولار منذ تصاعدت الاضرابات النفطية في فصل الصيف وانها ستهبط 5 مليارات دولار اخرى إلى 6 مليارات.

واضاف سالم قوله ان العائدات النفطية ستصل إلى 63 مليار دينار ليبي (51 مليار دولار) بنهاية العام منخفضة 10 في المائة من المستوى المستهدف في الميزانية والبالغ 70 مليار دولار. وقال إنه بنهاية نوفمبر تشرين الثاني دخل خزائن البنك المركزي 57 مليار دولار. وقال سالم إنه مما يفاقم من المشكلات ان الاقتصاد من المتوقع ان ينكمش بنسبة 5 في المائة العام القادم إذا استمرت الاحتجاجات والاضرابات وقال يجب على الحكومة إيجاد حلول حقيقية لحل المشكلة في أقرب وقت ممكن. فالاحتياطي لا يوجد لحل مشكلات العجز فحسب. ولكن الاحتياطي للحفاظ على استقرار الاقتصاد وقال سالم أيضا ان الحكومة قد تضطر إلى السعي للحصول على قروض أجنبية إذا لم تحل مشكلة الاضرابات.

وتابع كلامه قائلا ليبيا قاومت دائما (الاقتراض) ونأمل ألا نقترض. وستؤثر أعباء خدمة الدين على إجمالي الناتج المحلي وستؤثر على مستقبل الاقتصاد ومستقبل جيل الشباب. وحتى الآن فإن البنك المركزي يبدو واثقا في قدرته على تخفيف أي ضغوط على الدينار الذي يرتبط بعملات رئيسية لكنه قد يضطر إلى تقليص ضخ الدولارات في السوق المحلية إذا استمرت إغلاقات الموانئ النفطية. وقال سالم حتى الآن يمضي كل شئ كالمعتاد. نأمل في التوصل إلى حل (للإضرابات) بنهاية العام إذا لم يحدث ذلك فسنفرض بعض القيود العام القادم. لتقليص تدفق النقد الأجنبي إلى الخارج.

وتحتاج ليبيا إلى استيراد معظم احتياجاتها مع صغر حجم قطاعها الصناعي غير النفطي. وتبقي الحكومة على أسعار الخبز ومنتجات أخرى عند مستويات منخفضة لتهدئة التوترات الاجتماعية في منظومة لا تعمل الا مع استمرار تدفق النفط. وقال سالم إن أي قيود على الدولارات للمستوردين لن تفرض الا على السلع غير الضرورية ولكن لن يكون هناك سقف لمشتريات القمح والمنتجات الأخرى الاساسية. بحسب رويترز.

وفي أسوأ الاحتمالات مع استمرار الاضرابات إلى العام القادم فإن البنك المركزي ربما يدرس خفض قيمة الدينار. لكن البنك المركزي يتوخى الحذر ويخشى من إذكاء غضب شعبي مع مجرد التفكير في مثل هذا الإجراء وقال سالم لن يقبل الناس ذلك إذا قلنا لهم أننا سنخفض قيمة العملة لمواجهة مشكلة نقص الدولارات فسيصيحون في وجوهنا. وأضاف أنه مع تقلص الإنفاق نظرا للأزمة النفطية فإن معدل التضخم السنوي سيستقر عند نحو ثلاثة في المئة هذا العام والعام القادم وتابع سيستقر التضخم عند ثلاثة في المئة على أقصى تقدير وربما ينخفض عن ذلك.

من جهة اخرى قال رئيس الوزراء الليبي علي زيدان ان حكومته لن تستطيع دفع رواتب الموظفين وربما تسعى للاقتراض اذا واصلت الميليشيات التي تحاصر حقول النفط والموانئ تعطيل شحنات النفط. وقال زيدان للصحفيين ان الحكومة تواجه أزمة مالية مضيفا انها قد تضطر للاقتراض لتراجع ايرادات النفط 20 في المئة.

من جانب اخر قال وزير الكهرباء الليبي علي امحيريق ان ليبيا ربما تبدأ ايضا مواجهة انقطاعات في الكهرباء مع عرقلة الاضرابات النفطية انتاج الغاز في عدة حقول. وقبل ساعات من تصريحات زيدان اندلعت اشتباكات جديدة بين القوات الخاصة التابعة للجيش واسلاميين في بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي الغني بالنفط.

وتفجر القتال بين قوات خاصة من الجيش ومسلحين من جماعة انصار الشريعة في بنغازي مما اودى بحياة تسعة اشخاص على الاقل قبل ان يتراجع الاسلاميون عن قاعدتهم الرئيسية. وتجددت الاشتباكات في ثلاثة أجزاء من المدينة الساحلية وقال مسؤول أمني انها اندلعت عندما ألقى أعضاء من أنصار الشريعة قنبلة على دورية للقوات الخاصة. لكن المسؤول تراجع فيما بعد عن هذا التصريح وقال ان مصدر القنبلة مجهول.

وقتل ثلاثة جنود في بنغازي في هجمات وصفها مسؤولو المدينة بأنها اغتيالات. وتدهور الوضع الأمني بشدة في بنغازي خلال الأشهر الماضية حيث يدير الإسلاميون نقاط تفتيش خاصة بهم وتقع اغتيالات وتفجيرات بشكل يومي. وفي تاجوراء خارج العاصمة طرابلس قال شهود ان مهاجمين مجهولين نسفوا ضريحا لحاكم عثماني يعود للقرن السادس عشر. ووعدت قوى غربية بمساعدة الجيش الليبي في مواجهة الميليشيات المسلحة. بحسب رويترز.

لكن الغضب الشعبي يتزايد ضد المتشددين والمقاتلين السابقين وتأمل حكومة زيدان  الضعيفة في استغلال حالة الاستياء هذه لانتزاع السيطرة من الجماعات المسلحة. واستعانت الحكومة بميليشيات لتوفير الامن أملا في استمالة المقاتلين السابقين. لكن ولاء هذه الجماعات ظل لقادتها او قبائلها وكثيرا ما تنشب بينها نزاعات حول الارض او لخلافات شخصية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/كانون الأول/2013 - 11/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م