أخلاقيات التغيير.. خدمة الآخرين وتقويم الأخطاء

حيدر الجراح

 

ان الله تعالى يريد من الإنسان ان يخدم اخاه الإنسان صالحا كان ام شريرا، كافرا ام مسلما، عادلا ام فاسقا، ولكن بشرط ان لا تكون تلك المساعدة علامة على تأييد مسلكهم الخاطئ..

السيد صادق الشيرازي من كتاب (نفحات الهداية)..

 

شبكة النبأ: يقوم ويقوّم السؤال الأخلاقي حول سلوك الإنسان من خلال القدرة والإمكانية على فعل الخير او اقتراف الشر، في علاقته مع إنسان أخر..

قارب فلاسفة الأخلاق تلك المسألة وثنائية الخير والشر في النفس الإنسانية، والتي يندرج ما يجتمع تحتهما بتسميتهما (الفضائل والرذائل)..

اغلب المقاربات لهذه الثنائية هي التي تقول بفعل الخير مطلقا، بغض النظر عن الظروف المحيطة بفاعله أو المتوجه اليه هذا الفعل الأخلاقي.. في حين يقدم آخرون رأيا مختلفا في مقاربتهم للموضوع ينطلق من أساس مصلحي لفعل الخير، أي انك تقوم بهذا الفعل اذا تيقنت من مردوده (المادي) إليك، دون النظر الى جوهر الفعل ومن يتوجه إليه او مساءلته..

في جميع البلدان التي تعرضت لتغييرات سياسية وخاصة انتقالها من أنظمة ديكتاتورية الى أنظمة ديمقراطية او قريبة منها، ومع ما حدث ويحدث في عدد من البلدان العربية من انتفاضات نجحت في تغيير أنظمة الحكم، كان السؤال المطروح بقوة عند قادة التغيير او عند افراد المجتمع الاخرين، كيف يمكن محاسبة رجال ذلك النظام السابق؟. وقد افترقت الإجابات الى طريقين:

أصحاب الطريق الأول، كانوا مع المحاسبة المطلقة وإيقاع العقاب برجال النظام السابق في جميع المواقع والمراكز والوظائف..

أصحاب الطريق الثاني، محاسبة من قاموا بارتكاب جرائم تجاه مواطني بلدهم، والعفو عن الباقين..

الاثنان لم يطرحا سؤال المعضلة الأخلاقية التي تختفي خلف العقاب او المسامحة، وهو لماذا قدم المذنبون خدمات كبيرة للنظام في استبداده وقهره لإفراد المجتمع دون الإعلان عن امتعاضهم او احتجاجهم على تلك الأعمال التي كان يطلب منهم القيام بها؟.

لقد برر الكثير من رجال الأنظمة السابقة قيامهم بأفعالهم تلك بانهم كانوا مأمورين عليها، ولم يكن باستطاعتهم الاعتراض على الآمرين بها..

في مقاربته لتلك المسألة الأخلاقية، ينطلق المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، وهو يتمثل حادثة وقعت في الساعات القليلة التي سبقت استشهاد الامام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة، وهي الحادثة التي تدور حول تقديمه الماء لأصحاب الحر الرياحي، والقادمين لاسره وقتله..

في مقاربته ينطلق السيد صادق الشيرازي من النظر الى تلك الحادثة من خلال زاويتين هما:

الزاوية الأولى: خدمة الاخر بغض النظر عن حقيقة هذا الاخر وما تستبطنه من تناقضات (الصالح – الطالح – الكافر – المسلم – العادل – الفاسق).

الزاوية الثانية: اشتراط تقديم تلك الخدمة بشرط كونها ليست علامة على تأييد او موافقة على ما يقوم به من عمل خاطئ..

ارتباط الحادثة المشار اليها بالامام الحسين عليه السلام، هي حادثة قابلة للتمثل بها واستعارتها في حياتنا اليومية، من خلال تعاملنا مع الاخرين، لأنها يمكن ان تكون فعلا للتغيير، تغيير الاخرين نحو الأفضل، كما حدث مع الحر الرياحي، الذي ينقلب على قائد معسكر الشر، ويتوجه الى معسكر الامام الحسين عليه السلام، بعد ان ارتوى (بالمعرفة) من عطش (الجهل).

يطالبنا السيد صادق الشيرازي، وهو يستلهم تلك الحادثة والتي يعتبرها مرجعية أخلاقية فاعلة، وهي كذلك، بتعلم دروسها المستنبطة، ودروس أخرى غيرها لمواقف أخلاقية كثيرة في حياة الحسين عليه السلام او حياة جده وبقية الائمة عليهم السلام، وهي دروس عمادها ان (نستعمل ألسنتنا ومواقفنا في فعل الخير دائما ومع الجميع دون استثناء، فاذا كان باستطاعتنا التفريج عن كربة مكروب فلا نتردد في ذلك، واذا كان بإمكان المرء ان يساعد بماله او لسانه او التوسط للمساعدة لصالح من يعرفه او حتى من لا يعرفه، فليفعل)، كما يعبر عن ذلك السيد صادق الشيرازي في موضع اخر من الكتاب..

في كل الظروف والمواقف التي يعيشها الإنسان عليه تقديم المساعدة والخدمة للآخرين بغض النظر عن أي تصنيف عرقي او ديني او أخلاقي ينضوون تحته، لكن مع عدم اشعارهم بان تلك الخدمات هي تشجيعا لهم او موافقة على اقترافهم للشر او الخطأ في سلوكهم وتصرفاتهم مع الاخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/كانون الأول/2013 - 11/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م