جرائم شرف فلسطينية على مذبح العنف الذكوري

 

شبكة النبأ: يقف بستان زيتون مزدهر في قرية فلسطينية بالضفة الغربية المحتلة شاهدا على جريمة شرف تنطوي على حساسية مفرطة تجعل الأهالي يتهامسون بشأنها، في ليلة من ليالي آخر أيام شهر نوفمبر تشرين الثاني تعرضت فلسطينية تدعى رشا أبو عرة (32 عاما) إلى ضرب أفضى إلى الموت وعلقت جثتها على فرع شجرة حفاظا على "شرف العائلة".

كانت خطيئتها المزعومة هي الزنا. وقالت مصادر أمنية لرويترز إن القاتل ربما كان شقيقها أو زوجها والاثنان محبوسان على ذمة التحقيق، وبقتلها ارتفع عدد النساء اللائي قتلن في ظروف مشابهة في مناطق يديرها الفلسطينيون إلى 27 هذا العام وفقا لجماعات حقوقية أي أكثر من ضعف عدد ضحايا جرائم الشرف العام الماضي، ودفعت الزيادة الفلسطينيين إلى التشكيك في قوانين جامدة يقولون إنها تتساهل مع القتلة وكذلك التردد في "نشر الفضيحة" في وسائل الاعلام وفي أوساط المجتمع مما يساهم في منح القتلة إحساسا بالحصانة.

وقال فتى من بلدة عقابا طلب عدم ذكر اسمه "هذا شي حدث من زمان.. هذا اشي عادي"، وبعد أسبوع من الجريمة جلس رئيس بلدية عقابا جمال أبو عرة الذي تربطه صلة قرابة بعيدة بالقتيلة وأشقاؤه في منزلهم بالقرية يدخنون ويتخيرون كلماتهم بدقة، وصف أبو عرة هذا الفعل بأنه لا علاقة له بالدين وقال إنه يصدر عن تفكير مغلق قبلي يعود لعصر الجاهلية. وأضاف أن الناس يريدون أن يعرفوا من فعل هذا ولماذا؟ وأن هذه المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في البلدة، وقال شقيقه "يأمرنا الإسلام بالإتيان بأربعة شهود لاثبات واقعة الزنا"، وأضاف "ما حدث ليس صحيحا خاصة أنه إذا كان رجل هو الذي زنا لقال البعض: الزلمة بظل زلمة (ليس على الرجال حرج)"، ورفض ممثل لأسرة القتيلة الحديث لرويترز.

وجرائم الشرف مشكلة اجتماعية في الشرق الأوسط برمته لكن يصعب معرفة الأرقام الدقيقة لضحاياها، ففي الأردن على سبيل المثال توصل مسح للتوجهات بين الشبان أجرته جامعة كمبردج ونشر في يونيو حزيران إلى أن ثلث المشاركين في المسح يقرون جرائم الشرف.

وربط الباحثون بين نتيجة المسح وضعف مستويات التعليم "وآراء ذكورية تقليدية والتركيز على شرف البنت واعتقاد أشمل في أن العنف ضد الاخرين مبرر عندما يدخل الشرف في المعادلة"، وقدرت الدراسة أن ما بين 15 و20 حالة قتل من هذا النوع في المتوسط تقع سنويا في الأردن الذي يعيش فيه نحو 6.3 مليون شخص مقارنة بنحو أربعة ملايين يعيشون في الأراضي الفلسطينية.

ويرى بعض النشطاء أن زيادة جرائم الشرف تشير إلى تنامي مشاكل اجتماعية واقتصادية في الاراضي المحتلة التي يسيطر عليها الفلسطينيون بشكل محدود مع احتفاظ إسرائيل بالسيادة عليها في نهاية المطاف بما في ذلك التجارة.

لكن سريدة حسين من منتدى المنظمات الاهلية الفلسطينية قالت إن جرائم الشرف لها جذور غائرة، وقالت "لا يوجد توازن في العلاقات بين الجنسين. فهناك العقلية الذكورية .. ومثلما هو الحال دائما تنتقل القوة والضغوط في المجتمع من القوي إلى الضعيف".

وتبلغ نسبة مشاركة الفلسطينيات في قوة العمل 17 في المئة وهي نسبة وصفها البنك الدولي بأنها "منخفضة بشدة" مشيرا إلى أن أصحاب العمل يفضلون الرجال على ما يبدو حيث كان معدل البطالة بين الرجال أقل بنحو الثلث في 2013، وقالت سريدة إن معظم جرائم القتل لها صلة "بحرية المرأة ويقول (المجرمون) إنها جريمة شرف.. كما لا يوجد قانون واضح يحد من الظاهرة. هناك بعض العادات والتقاليد الموروثة يجب مكافحتها".

وأضافت أن حالات كثيرة لقتل النساء لها أسس اقتصادية مثل النزاع على الميراث وقد ترتكب الجرائم للتغطية على زنا المحارم، ويحول عدم وجود برلمان فلسطيني دون إقرار قوانين أكثر صرامة تجرم العنف ضد النساء حيث لم يجتمع المجلس التشريعي الفلسطيني منذ اشتباكات قصيرة بين حركة فتح التي ينتمي إليها الرئيس محمود عباس وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) في 2007، وكان عباس قد استخدم سلطته التنفيذية لتعديل أجزاء من القانون الجنائي أو إلغائها لكنه لم يغير بعد القانون كله الذي يعتبر العنف الاسري حالة خاصة واستخدم لتبرير عمليات القتل وتخفيف عقوبات السجن.

وألقت وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية ربيحة ذياب الكثير من اللوم على إسرائيل وقالت إن الاحتلال الاسرائيلي يمارس أقصى أعمال العنف وإنه العائق الرئيسي الذي يحول دون تحقيق تقدم، وأضافت أن تدهورا حدث وأن المجتمع الفلسطيني يعاني من ضغوط مالية ونفسية وفقر لكن هناك تراثا ثقافيا رجعيا يجب مكافحته.

وتفاقمت البطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية في 2013 وبلغت نسبة الاثنين نحو 25 في المئة. وتباطأ النمو بعدما كان قد وصل إلى معدلات انتعاش بلغت نحو تسعة في المئة سنويا بين عامي 2008 و2011 لكنه انخفض إلى 1.8 في المئة فقط في غزة والضفة الغربية المحتلة في النصف الأول من 2013 وفقا لأرقام البنك الدولي.

وليست القوانين فقط هي التي تقف عائقا لكن النواب قد يكونون جزءا من المشكلة لا الحل، وقال مصدر محلي لرويترز إن سكان قرية دير الغصون الفلسطينية بالضفة الغربية بدأوا يتهامسون بشأن أم فلسطينية (32 عاما) لطفلين ثارت حولها الشكوك وتدعى ثمر زيدان، واجتمع شيوخ القرية ومنهم عضو في البرلمان الفلسطيني عن حماس سريعا وأصدروا إعلانا تبرأت فيه العائلة الكبيرة من والد ثمر. وعلق الاعلان على حوائط المنازل وعلى جدار مسجد القرية، وبعد أيام وفي أواخر سبتمبر أيلول عثر على جثة ثمر مشنوقة بسلك معدني وهي نائمة، واعترف والدها بقتلها، ونفى نائب حماس عبد الرحمن زيدان في تصريحات لوسائل الاعلام الفلسطينية اتهامات بأن إعلان البراءة يرقى إلى حد التحريض على القتل وقال إن القرار استهدف الأب الذي يقول أهل القرية إنه منح أولاده حرية مفرطة، وقال لرويترز إن تطبيق المواطنين للقانون خطأ وإن هذه الأفعال غير مقبولة ويجب أن تصدر قوانين للحد منها.

ويمكن لنشر الوعي بشأن القضية أن يعرض النشطاء والصحفيين للانتقاد وربما التهديدات، وتنشر الصحف من فترة لأخرى أخبار العثور على جثة امرأة "في ظروف غامضة" وهي عبارة شائعة تستخدم لوصف جرائم الشرف. ولا تنشر الأسماء ونادرة ما تتابع الصحف مثل هذه القضايا، وقالت الصحفية الفلسطينية نائلة خليل المهتمة بقضايا المرأة "عندما تتطرق إلى مثل هذه القصص فإنك تتطرق لأحد المحرمات الاجتماعية، "الأسرة هنا أقوى حتى من قوات الأمن. قد انتقد محمود عباس بسهولة أكبر من انتقادي لأب أو أخ قتل امرأة".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/كانون الأول/2013 - 10/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م