حرب المعارضات السورية.. صراع التآكل من الداخل

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: لم تعد تنطلي المزاعم الثورية التي يتخفى وراءها ما يجري في سوريا، بعد أن اتضحت أبعاد المؤامرة الكبرى على البلاد السورية، وهذا ما بات وضحا من خلال الحروب المتداخلة بين فصائل ما يسمى بالمعارضة السورية فقد كشف التقاتل والتوتر المتنامي فيما بينها ، صراعا محتدما يظهر النوايا المبيتة والرهانات شبة الحتمية لإثبات الوجود والهيمنة  تحت غطاء الثورة المزعومة.

فكما يبدو أن هذه المعارضة المزعومة وصلت إلى طريق مسدود فكلما طال أمد الصراع في سوريا أصبح من الواضح مدى الانقسامات والتشرذم الذي تتسم به، إذ يرى أغلب المحللين ان تلك الفصائل والجماعات المعادية لبعضها تسببت بتآكل من الداخل، مما رجح ميزان على الساحة القتالية كفة الجيش السوري، الذي نجح في تحقيق مكاسب ميدانية مؤثرة الى جانب نجاحات سياسية حققتها الحكومة السورية على الصعيد الدولي.

فيما يرى بعض المحللين ان المعارضة السورية تبدو المنقسمة بشدة لذا فهي تسعى بجهد جهيد لرسم سياسة إستراتيجية جديدة باتفاق على قيادة جديدة في محاولة لتوحيد صفوفها قبل محادثات سلام مزمعة، لكن جميع المؤشرات تضفني بأن هذه المعارضة المتشرذمة تواجه شبح الفشل بعد ان اخفق معارضو النظام السوري في التوصل لاتفاق داخلي رغم الاجتماعات المكثفة في الاونة الاخيرة من اجل توحيد رؤيتهم، فعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها الدول الإقليمية والدولية في توحيد ودعم ما يسمى بالمعارضة السورية باتجاه وموقف واحد، الا ان تفسخ هذه الفصائل الدموية باتت خارج سيطرة التي الدول الداعمة لها، يرى الكثير من المراقبين ان هناك انقسامات وتقاطعات حادة بين مكونات المعارضة، وبين الدول الداعمة لمشروع إسقاط النظام السوري من الدول الإقليمية والغريبة على حد سواء، لتعكس تلك الجهود والمساعي بالحقائق والدلائل مدى التنافس والغايات والأجندة التي تهدف اليها الدول الداعمة والمحرضة للمعارضة الدموية.

محادثات واشنطن مع المعارضين

في سياق متصل تجري الولايات المتحدة محادثات مع مجموعات اسلامية سورية معارضة، سعيا الى التوصل لحل سياسي للنزاع الذي يدمر سوريا منذ اكثر من عامين ونصف العام، وفق ما افادت مسؤولة اميركية، وقالت مساعدة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية ماري هارف ان هذه الاتصالات تستثني مجموعات مرتبطة بالقاعدة مثل جبهة النصرة التي ادرجتها واشنطن على قائمتها للمنظمات الارهابية.

واوضحت هارف في تصريحها الصحافي اليومي "اننا نجري حوارا مع عينة واسعة من السوريين فضلا عن مسؤولين سياسيين وعسكريين من المعارضة بمن فيهم مجموعة كبيرة من المجموعات الاسلامية، لكننا لا نتحدث الى الارهابيين، الى المجموعات (...) المصنفة منظمات ارهابية"، واضافت ان "الواقع على الارض" هو ان "ثمة مجموعة واسعة من المجموعات التي تتشكل منها المعارضة"، في حين افادت صحيفة وول ستريت جورنال ان دبلوماسيا اميركيا توجه الى سوريا للقاء مجموعات اسلامية.

وبات الاسلاميون يشكلون القوة الابرز في صفوف المعارضة المسلحة ضد نظام الرئيس بشار الاسد ويبلغ عددهم عشرات الاف المقاتلين.

وكانت سبعة فصائل اسلامية اساسية تقاتل في سوريا ضد النظام السوري اعلنت قبل اسبوعين اندماجها لتشكل "الجبهة الاسلامية"، في اكبر تجمع لقوى اسلامية يهدف الى اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد وبناء دولة اسلامية في سوريا، الا ان هذه الجبهة نفت استهدافها للاقليات مؤكدة انها لا تريد نظاما قمعيا، وتخسر المجموعات المعارضة غير الاسلامية، مثل الجيش الحر، من نفوذها على الارض بعدما باتت تخوض معارك ضد قوات الاسد ومجموعات قريبة من القاعدة في الوقت نفسه. بحسب فرانس برس.

وتهدف الولايات المتحدة الى اقناع المجموعات الاسلامية بدعم مؤتمر السلام من اجل سوريا المزمع عقده في جنيف في 22 كانون الثاني/يناير المقبل والمعروف باسم "مؤتمر جنيف 2"، واشارت هارف الى انه "نظرا الى عدم امكان حصول اي حل عسكري، نحتاج الى ان تؤيد هذه المجموعات فكرة انه يجب ان يكون هناك حل (سياسي)".

ورفضت المتحدثة الاميركية تسمية المجموعات التي تجري واشنطن معها محادثات، مذكرة بان المساعدات الاميركية تذهب حتى اللحظة فقط الى المجلس العسكري الاعلى للجيش السوري الحر بقيادة سليم ادريس، ولم تحدد المعارضة السورية ممثليها الى مؤتمر جنيف 2.

هيمنة القاعدة

فيما أظهرت لقطات فيديو صورها هاو مقاتلي جماعة مرتبطة بالقاعدة يعدمون قائد فصيل منافس من فصائل المعارضة السورية وستة من رجاله وهو ما يأتي في إطار مسعاهم للحد من دور الجماعات الأخرى.

وبث المرصد السوري لحقوق الإنسان وهو جماعة معارضة مقرها لندن لقطات الفيديو على الانترنت وظهر فيها مسلحون يرتدون ملابس سوداء يقفون تحت راية لدولة الاسلام في العراق والشام، وقال المرصد إن اللقطات صورت في مدينة الأتارب الشمالية بمحافظة إدلب. ولم يتسن التحقق من مدى صدق اللقطات بشكل مستقل.

ويظهر في اللقطات رجل ملثم يعرف سبعة رجال راكعين على ركبهم بأنهم من أعضاء كتائب غرباء الشام وهي جماعة إسلامية معتدلة كانت من بين أول الجماعات التي حاربت الأسد، وكان من بين الرجال الراكعين في الفيديو فيما يبدو حسن جزرة قائد المجموعة.

وقال الملثم إن حسن جزرة هو الأكثر فسادا وأكبر لص، وكان يتحدث في مكبر للصوت أمام حشد من الرجال استخدم بعضهم الهواتف المحمولة لتصوير الإعدام، وقال الملثم قارئا من ورقة إن رجال جزرة اتهموا أيضا بالخطف وحوكموا أمام محكمة شرعية تديرها دولة الاسلام في العراق والشام، وبعد ذلك قتل الرجال بإطلاق النار على رؤوسهم. بحسب رويترز.

وقال مقاتلون من غرباء الشام لرويترز هذا الصيف إن تحالفا من جماعات اسلامية بدأ يتصدى للجماعة بعد خلاف على الأراضي وشكاوى من عمليات نهب. ولم يتبق من كتائب غرباء الشام سوى وحدة جزرة التي تضم زهاء مئة مقاتل بعد أن كانت الجماعة تضم نحو ألفي مقاتل، وذكر المرصد أن دولة الاسلام في العراق والشام اعتقلت جزرة ورجاله قبل شهر، ودفع صعود دور القاعدة في سوريا البعض في الغرب الى الحد من الدعوة لخروج الأسد من السلطة، وسيطرت دولة الاسلام في العراق والشام في أغسطس اب على بلدة اعزاز الشمالية الحدودية وطردت وحدات الجيش السوري الحر المدعوم من الغرب، وسيطرت الجماعة على بلدة حدودية ثانية وطردت وحدة معتدلة من المقاتلين الإسلاميين واعتقلت زعيمها.

تحالف الجماعات المتطرفة لإقامة دولة اسلامية

اعلنت "الجبهة الاسلامية"، وهي تحالف جديد لجماعات اسلامية مسلحة معارضة في سوريا، ان مشروعها هو اقامة "دولة اسلامية" في هذا البلد، متعهدة حماية حقوق الاقليات "في ظل الشريعة" واقامة نظام حكم اساسه الشورى.

واذ اكدت الجبهة، التي تأسست باندماج سبعة فصائل اسلامية مسلحة، انها ترحب ب"اي وسيلة او دعم يساعد في اسقاط النظام بشرط الا يكون مسيسا او يهدف لحرف مسار الثورة او يحتوي اي املاءات خارجية تصادر قرارها"، شددت على ان "كل عملية سياسية لا تعترف بان التشريع حق لله وحده لا شريك له هي مناقضة للدين ووسيلة غير مشروعة لا يمكن للجبهة المشاركة فيها او الاعتراف بها او الركون اليها".

واوضح الميثاق ان الجبهة ترفض العلمانية كونها "فصل الدين عن الحياة والمجتمع وحصره في طقوس وعادات وتقاليد وهذا مناقض للاسلام الذي ينظم شؤون الفرد والمجتمع والدولة"، كما ترفض "الدولة المدنية"، واضاف ان الجبهة ترفض ايضا "الديموقراطية وبرلماناتها لانها تقوم على اساس ان التشريع حق للشعب عبر مؤسساتها التمثيلية بينما في الاسلام +ان الحكم الا لله+ وهذا لا يعني اننا نريد نظاما استبداديا تسلطيا، بل لا يصلح امر هذا الامة الا بالشورى مبدأ وتطبيقا". بحسب فرانس برس.

وبشأن الاقلية الكردية قالت الجبهة الاسلامية التي تضم في عداد مكوناتها فصيلا كرديا اسلاميا، اما بشأن الجهاديين الذين اتوا الى سوريا من اقطار العالم للقتال في صفوف الجماعات المسلحة وبينها قسم مرتبط بتنظيم القاعدة او موال له فقالت الجبهة ان هؤلاء "المهاجرين هم اخوة ناصرونا في الجهاد وجهادهم مقدر ومشكور يفرض علينا الحفاظ عليهم وعلى كرامتهم وجهادهم".

الجيش الحر سيواصل القتال

على صعيد ذو صلة قال قائد الجيش الحر المعارض ان مقاتليه لن يشاركوا في مؤتمر السلام المقترح عقده في سويسرا في يناير كانون الثاني وسيواصلون القتال للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتبرز تصريحات اللواء سليم ادريس مدى صعوبة جمع الاطراف السورية حول مائدة التفاوض في مؤتمر جنيف الذي قالت الامم المتحدة انه سيبدأ يوم 22 يناير كانون الثاني للاتفاق على حكومة انتقالية لوضع نهاية للحرب السورية.

وقال ادريس لقناة الجزيرة "إن الظروف والاجواء ليست مهيئة حتى الان لعقد مؤتمر جنيف في التوقيت الذي تم تحديده لاسباب كثيرة والاسراع عن اعلان هذا المؤتمر دون أخذ الأسباب المؤدية لنجاح هذا المؤتمر ستؤدي الى نتائج سلبية كبيرة على جميع المستويات"، وقال ان مقاتليه لن يوقفوا القتال خلال مؤتمر جنيف او بعده وان ما يشغلهم هو الحصول على الاسلحة التي يحتاجونها. بحسب رويترز.

ويضم الجيش الحر المدعوم من الغرب الكثير من وحدات المعارضة لكن مصادر بالمعارضة ومحللين يقولون ان تأثيره تراجع بسبب جماعات اسلامية تقيم تحالفات بين أقوى الفصائل المقاتلة، وقال دبلوماسي روسي كبير إن مؤتمر جنيف 2 الذي اقترحته أصلا روسيا والولايات المتحدة في مايو ايار تأخر كل هذه المدة لأن واشنطن تريد المزيد من الوقت لمحاولة تنظيم وفد للمعارضة، ونقلت وكالة ايتار تاس للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف قوله "تظل المشكلة الأساسية...هي مسألة شكل مشاركة المعارضة السورية.. لهذا السبب على وجه التحديد طلب شركاؤنا الأمريكيون وقتا إضافيا لاتمام عملية تشكيل هذا الوفد".

والمعارضة منقسمة بشدة بشأن مؤتمر (جنيف 2). وأعلن الائتلاف الوطني السوري المدعوم من الغرب أيضا والذي يضم في الأساس معارضين في الخارج استعدادا مشروطا للمشاركة في المحادثات رغم اعتراضات من مقاتلين ونشطاء في الداخل، وقالت شخصيات معارضة في اسطنبول إن بعض أعضاء الائتلاف يجرون محادثات في جنيف مع مبعوث الامم المتحدة بشأن سوريا الاخضر الابراهيمي ومع مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا.

المتقاتلون في سوريا يعرقلون جهود الاغاثة

على صعيد ذو صلة قالت الأمم المتحدة إن قوافل الإغاثة التابعة لها لا تستطيع الوصول إلى حوالي 250 ألف شخص في مناطق تحاصرها قوات الحكومة السورية أو مقاتلو المعارضة رغم "تزايد الحاجات واشتداد الصراع"، وجاء هذا التقييم المفصل في وثيقة سرية قدمتها فاليري اموس منسقة مساعدات الإغاثة بالامم المتحدة في اجتماع خاص للامم المتحدة في جنيف لم يعلن عنه، وجاء في الوثيقة التي حصلت رويترز على نسخة منها "الاستجابة مستمرة لكنها غير كافية خصوصا في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول اليها.. التجمعات السكانية المحاصرة ما زالت معزولة"، وترسم وثيقة الامم المتحدة وعنوانها "الوضع الانساني والاستجابة في سوريا" صورة قاتمة قائلة إن سوريا شهدت 900 اشتباك مسلح في اكتوبر تشرين الاول مقارنة مع 500 في مايو ايار، وتصف الوثيقة ما تقول انه "أجواء خطيرة وصعبة لعمال الاغاثة الانسانية" وتقول ان 12 من موظفي الأمم المتحدة و32 من المتطوعين أو العاملين بالهلال الاحمر العربي السوري قتلوا منذ بدء الصراع في مارس اذار 2011. وأضافت دون الخوض في التفاصيل ان 21 آخرين من موظفي الأمم المتحدة ما زالوا محتجزين.

وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة إن موظفها محمد سهيل يوسف قتل هو وثلاثة ركاب اخرين يوم 24 نوفمبر تشرين الثاني عندما أصابت قذيفة مورتر السيارة التي كانوا يستقلونها في ضاحية الغوطة على مشارف دمشق.

ودفع الصراع 6.5 مليون شخص إلى النزوح داخل سوريا وفرار 2.2 مليون آخرين إلى خارج البلاد. وأعلنت الأمم المتحدة في يوليو تموز أن الصراع أودى بحياة 100 ألف شخص لكن هذه التقديرات لم يطرأ عليها اي تحديث منذ ذلك الحين. بحسب رويترز.

وقالت الوثيقة ان نحو 9.3 مليون سوري داخل البلاد نصفهم أطفال يحتاجون للمساعدة وان عدد المصابين أو الذين في حاجة للرعاية الفائقة لانقاذ حياتهم يقدر بنحو 575 ألف شخص.

وتقول الوثيقة إن الحكومة رفضت في الشهر الأخير الاذن لقوافل الأمم المتحدة أو بعثاتها بدخول مناطق تحاصرها قوات الأسد ومن بينها المعضمية حيث يعيش 7 الاف شخص والغوطة الشرقية التي تضم 160 الفا وكلتاهما خارج دمشق وكذلك مدينة حمص القديمة حيث يعيش أربعة آلاف شخص. وثمة نحو 25 الف شخص محاصرين بين الجانبين في اليرموك وتسعة الاف في داريا وهما منطقتان تقعان خارج العاصمة مباشرة.

وقال ينز ليركه المتحدث باسم مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ردا على استفسار "تعقد آموس اجتماعا مع بعض الدول الأعضاء الرئيسية بشأن الوضع الإنساني في سوريا."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/كانون الأول/2013 - 10/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م