خلال السنوات الماضية، لم يكن المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون
يولون أهمية كبيرة لقمة "مجلس التعاون الخليجي" السنوية التي يحضرها
زعماء المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات
العربية المتحدة وسلطنة عمان، والتي تُعقد عادة أثناء عطلات نهاية
كانون الأول/ديسمبر والتي تكون شكلية واحتفالية أكثر من كونها موضوعية.
بيد أن اجتماع 2013 الذي تستضيفه الكويت هذا الأسبوع من المؤكد أنه
سيجذب المزيد من الاهتمام بسبب انعقاده في موعد مبكر فضلاً عن مخاوف
دول الخليج بشأن الانفراجة الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة
مع إيران. وهناك بالطبع قضايا أخرى سوف تجسد المناقشات، من بينها
الضغوط التي تواجهها منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، والقلق بشأن
الحكومة غير المستقرة الموالية لطهران في العراق، واستمرار انتشار عدوى
الحرب الأهلية في سوريا. لكن إيران هي العامل المشترك في جميع هذه
القضايا بسبب احتمالية زيادتها لصادرات النفط ودعمها للحكومتين
العراقية والسورية.
توترات طويلة الأمد مع ايران
تشعر السعودية والبحرين ودولة الإمارات والكويت بالقلق منذ فترة
طويلة من أن يؤدي الاتفاق النووي مع إيران إلى تأكيد مكانة الجمهورية
الإسلامية كدولة شبه نووية، بما يسمح لها مواصلة تخصيب اليورانيوم
ويمنحها نفوذاً مهيمناً في المنطقة. بيد أنه منذ اتفاق الخطوة الأولى
المبرم في 24 تشرين الثاني/نوفمبر في جنيف، خفتت الأصوات التي تعلن
بصوت مرتفع عن التخوف الرسمي في الخليج حيث من الواضح أن قادة دول "مجلس
التعاون الخليجي" توقفوا لدراسة الخطوات المقبلة. فقد استقل وزير
خارجية دولة الإمارات شيخ عبد الله بن زايد آل نهيان الطائرة متجهاً
إلى طهران بعد الإعلان عن الاتفاق بفترة وجيزة بينما قام نظيره
الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة الكويت وقطر ودبي وعُمان.
كما كانت إيران القضية المهيمنة في المؤتمر الأمني بعنوان "حوار
المنامة" الذي انعقد في نهاية الأسبوع الماضي في البحرين، والذي نظمه
"المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" ومقره في لندن. وقد كان من بين
المشاركين وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل ونائب وزير الخارجية وليام
بيرنز، إلى جانب مسؤول من وزارة الخارجية الإيرانية. وقد كانت إيران
الموضوع المشترك في جميع جلسات المؤتمر، التي تراوحت بين "الولايات
المتحدة والمنطقة" إلى "تأثير السياسات الطائفية في الأمن الإقليمي"
و"الأمن في مضيق هرمز".
بيد أن القضية النووية هي آخر تجسيد لحذر دول الخليج العربي تجاه
إيران، والذي يرجع إلى ما قبل الثورة الإسلامية في عام 1979. فخلال عهد
الشاه، كانت طهران تدعي سيادتها على البحرين، وهو ادعاء أحياه بعض
البرلمانيين الإيرانيين اليوم. وإلى جانب عُمان، التي يمارس قادتها
مذهب الإباضية الإسلامي، فإن قادة دول "مجلس التعاون الخليجي" جميعهم
من المسلمين السنة، وهذا يمكن أن يخلق توتراً مع المجتمعات الشيعية
المحلية، وبالتالي، إيران الخاضعة لحكم الشيعة. وينطبق ذلك بصفة خاصة
على البحرين، حيث غالبية السكان من الشيعة. لقد أنحت المنامة صراحة
باللائمة على طهران جراء إشعال الاضطرابات الشيعية المحلية التي استمرت
منذ مطلع عام 2011، عندما تم تعزيز القمع الذي مارسته قوات الأمن
البحرينية بوحدات شبه عسكرية ومن قوات الشرطة من المملكة العربية
السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو ما تم تبريره بصورة ضعيفة على
أنه مساعدة لدولة خليجية شقيقة في وقت الشدة.
ومن جانبهما، فإن قطر وعمان تشاطران إيران حقول غاز طبيعي بحرية،
وهو ما يفسر على الأرجح مواقفهما الأكثر تمايزاً بشكل ملحوظ (على سبيل
المثال، دعت قطر علانية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور قمة "مجلس
التعاون الخليجي" في عام 2007 في الدوحة). ولكن في حالات أخرى، أصبحت
القضايا الإقليمية أكثر تعقيداً. فلقد تأخر استغلال حقل الدرة للغاز في
شمال الخليج، في نقطة تلتقي فيها مياه الكويت والمملكة العربية
السعودية وإيران وذلك بسبب الفشل في الاتفاق على كيفية تقسيم الحقل.
كما أن الإمارات العربية المتحدة على خلاف منذ فترة طويلة مع طهران
بشأن ثلاث جزر في جنوب الخليج، استولى عليها شاه إيران عندما تركت
القوات البريطانية المنطقة في عام 1970. والموقع الاستراتيجي لهذه
الجزر التي تحيط بمسارات الشحن الرئيسية يعزز من تخوف واشنطن وغيرها من
العواصم من أن إيران تستطيع إعاقة تدفق النفط والغاز إلى الأسواق
الدولية، لا سيما في الأسواق الآسيوية التي تعتمد على إمدادات الخليج.
اختبارات للقمة
هناك العديد من العوامل التي ستشير إلى الحالة المزاجية للمشاركين
في قمة هذا الأسبوع:
1. في حالة حضور العاهل السعودي الملك عبد الله. إن "مجلس التعاون
الخليجي" عزيز على قلب الملك - حيث يتم دائماً وضع كرة ذهبية تحيط بها
أعلام الدول الشقيقة على طاولة جانبية عندما يلتقي زواره المهمين. لكن
زعيم البلاد الذي يبلغ من العمر تسعين عاماً في حالة صحية سيئة، وسوف
يدل غيابه على أزمة صحية يمكن أن تمثل مصدر قلق للمملكة، فضلاً عن وحدة
دول "مجلس التعاون الخليجي".
2. في حالة عدم حضور السلطان قابوس العاهل العماني. إن الغياب
المتكرر للزعيم العماني عن قمم دول "مجلس التعاون الخليجي" لا يمثل
مشكلة في العادة، لكن غيابه هذا العام سيشير إلى أن طهران، التي زارها
قابوس في آب/أغسطس، نجحت في إحداث انقسام في صفوف دول "مجلس التعاون
الخليجي". والانقسامات واضحة بالفعل. ففي المؤتمر الأمني في البحرين،
صرح ممثل عمان أن دولته عارضت تحويل "مجلس التعاون الخليجي" إلى اتحاد،
وهو الأمر الذي سيتطلب المزيد من الالتزامات العملية والرمزية من الدول
الأعضاء. "لن نمنع تكوين اتحاد، لكننا لن نكون جزءً منه حال حدوثه".
3. دور قطر. يمكن أن تُظهر القمة ما إن كانت قطر قد تحولت من عازف
منفرد إلى لاعب جماعي عقب تنازل الحاكم لصالح نجله الشيخ تميم بن حمد
آل ثاني البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، في مطلع هذا العام. كما
سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كان الاقتراح القطري في مؤتمر
الأمن البحريني - حول ضرورة أن يكون لـ "مجلس التعاون الخليجي" مقعد في
المحادثات النووية مع إيران مشكلاً مجموعة «دول الخمسة زائد اثنين» -
سوف يجذب زخماً.
4 . بروز سوريا. تدعم المملكة العربية السعودية وقطر الثوار
المناهضين للأسد، وقد خاب ظن الرياض بشكل خاص جراء التغير المفاجئ في
موقف إدارة أوباما حول الأسلحة النووية السورية. بيد أنه لم يتضح ما
إذا كانت سوريا قد أصبحت تمثل مشكلة لجميع دول "مجلس التعاون الخليجي".
5 . الإشارات إلى الاحتجاجات الشعبية في دول عربية أخرى. بما أن دول
الخليج العربية هي أنظمة استبدادية تفرض قيوداً على منتديات التمثيل
السياسي، فإنها تنظر برعب إلى الفوضى في تونس وليبيا ومصر وسوريا
واليمن. وتعتبر طرقها التقليدية - المتمثلة في توزيع إعانات بتمويل
النفط على المواطنين الخانعين - السبيل الأكثر موثوقية للاستجابة
للاحتجاجات الناشئة. لكن هذه الطرق تواجه ضغطاً: فقد تم اختزال
الإمارات العربية المتحدة في مشهد المحاكمات الجماعية لنشطاء المعارضة،
بينما تبدو الحكومة البحرينية متشددة بشكل متزايد، حيث تمنع زعماء
الحزب الشيعي الرئيسي من حضور المؤتمر الأمني في المنامة (على الرغم من
أن العديد من الوفود الأجنبية نظمت اتصالات خاصة بها مع الشخصيات
الشيعية خارج مسرح الحوادث).
6. الإشارات إلى إسرائيل في البيان الختامي. عادة ما تتضمن بيانات
قمم دول "مجلس التعاون الخليجي" الرسمية إدانات نمطية لإسرائيل تتعلق
بالوضع الفلسطيني أو الأسلحة النووية. بيد أنه خلال الأسابيع الأخيرة،
تحدث الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز عبر قمر صناعي إلى مؤتمر رسمي في
الإمارات العربية المتحدة، وقد أقر متحدثون سعوديون بوجود تلاقي بين
مواقف إسرائيل والمملكة حول القضية النووية الإيرانية. لذا فإن قادة
دول "مجلس التعاون الخليجي" يواجهون مخاطر ظهورهم منفصلين عن الواقع
إلا إذا غابت الإدانة التقليدية لإسرائيل أو كانت أكثر حذقاً ومهارة
هذه المرة.
السياسة الأمريكية
يدرك قادة دول "مجلس التعاون الخليجي" علاقتهم الأمنية مع الولايات
المتحدة لكن يبدو أنهم محبطون بسبب تناقض تفكير واشنطن حول كيفية
التعامل مع إيران. كما أن زيارات وزير الدفاع هيغل ونائب وزير الخارجية
بيرنز إلى المنامة - وكلاهما لا يعتبر من المطلعين في إدارة أوباما -
لا يمكن أن تكون مطمئنة جداً للمملكة العربية السعودية ودول الخليج
الأخرى التي اعتادت على التواصل الوثيق. فحتى قيام هيغل بزيارته
الوجيزة إلى الرياض في 9 كانون الأول/ديسمبر، كانت الزيارات الأمريكية
الوحيدة المعلن عنها إلى المملكة العربية السعودية منذ اتفاق جنيف هي
تلك التي قام بها عضوا لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي
روبرت كروكر وجون ماكين من الحزب الجمهوري وهما من منتقدي سياسة البيت
الأبيض تجاه إيران. وقد تلقى كل منهما ترحيباً حاراً في الرياض، حيث
رُتبت لهما لقاءات مع وزير الدفاع ولي العهد الأمير سلمان، ووزير
الداخلية الأمير محمد بن نايف، وإثنان من أهم أبناء الملك عبد الله -
وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله ونائب وزير الخارجية الأمير
عبدالعزيز بن عبدالله.
وفي غضون ذلك، فإن الوضع الدفاعي الإقليمي الحالي لواشنطن لا يزال
يعتمد على البحرين، التي تستضيف مقر الأسطول الأمريكي الخامس. وقد أعرب
هيغل خلال زيارته للجزيرة نهاية هذا الأسبوع عن التزام الولايات
المتحدة تجاه المنطقة، لكنه فعل ذلك من على متن "يو إس إس بونس"، وهي
سفينة نقل برمائية قديمة تم تحويلها لمهام مقاومة الألغام والتي قزّمت
منها حاملة طائرات إيطالية كانت تزور البحرين أيضاً. وربما يكون قد بعث
بإشارات مختلطة من دون قصد بشأن إيران، حيث حث دول "مجلس التعاون
الخليجي" على الدخول في اتفاق دفاع صاروخي جماعي - وتلك خطوة تشير إلى
أن إيران تمثل تهديداً مستمراً - في وقت تؤكد فيه واشنطن على تفاؤلها
بشأن القضية النووية.
إن الدبلوماسية الفعالة في منطقة الخليج، ربما أكثر من أي منطقة
أخرى من العالم، هي الدبلوماسية الشخصية. وقد عزز من هذه العلاقة
الشعور بأن الحكومة المحلية تنصت للرسائل التي يبعثها سفراؤها
ومبعوثوها إلى وطنهم. غير أن دول الخليج على ما يبدو تشعر بأن علاقتها
مع واشنطن متوترة، وربما يظهر تأكيد لمدى هذه المشكلة في قمة هذا
الأسبوع في الكويت.
* سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج
الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن
http://www.washingtoninstitute.org/ |