شبكة النبأ: ما هي نتيجة الاستبداد
على (إنسانية) الإنسان، بعد اتفاقنا على نتائجه الأخرى، السياسية او
الاقتصادية وغيرها من نتائج تمس حياتنا؟.، واذا اردنا ان نطرح سؤالا
اخر على امتداد تلك (الإنسانية)، ماذا يتبقى للإنسان اذا جردناه من
إنسانيته؟. من المؤكد لن يتبقى شيء يذكر.
(من طبيعة الاستبداد أنه يأتي بالانحرافات والموبقات ويُوجب التقهقر
والتأخر في البلاد)، تلك الفقرة ليست كاملة بل مجزوءة، للامام الراحل
السيد محمد الشيرازي (قدس سره)، وهي حتى في هذه التجزئة يمكن ان تكون
كاملة المعنى، لكنه يضيف اليها كلمة أخرى في اشارة دقيقة لفعل (الاستبداد)
واثره على إنسانية الانسان، تلك الكلمة هي (إذلال العباد).. والتي تكون
نتيجة للاستبداد وسببا له في نفس الوقت، في دورة جهنمية لاتهدأ او يقر
لها قرار..
هل تكشف اللغة في توليدها لمعاني الكلمات ودلالاتها عن طبيعة هذا (الاذلال)
وشكله وروحه؟
في الثلاثي من الحروف، وهو الأصل لكل الكلمات في لغتنا العربية،
التي تنبني عليها وتصبح (كلمة) ناجزة، تترافق مع كلمة (ذل) خسيس
المعاني ونفيسها، فهي في الخسة تعني: (مهانة–هوان–ضعف – هان عن قهر–وخضع
– صغُر تنفسه).
وفي النفاسة تعني: (تواضَع، سُهولَةً، لين).. وهي في توزع المعاني
تأتي تبعا لمواقعها في مانريد قوله والتعبير عنه..
اما ما يتفرع عن كلمة (ذل) في وجوه لغوية أخرى تأخذها الكلمة وتنصرف
اليها من خلال ادخال حروف أخرى عليها، فأنها تتشكل بهيئة جديدة منها (اذلال)
وهي (ما مُهِّد من الطريق بكثرة الوطء)،وهي هنا على مستوى الجمادات،
و(أذلالُ) النَّاسِ : أراذلهم، في توصيف (للإنسان – الناس) حسب مكانة
اجتماعية وتراتبية طبقية تنهش من (إنسانية) هؤلاء (الاراذل) وتجعلهم
تحت سياط هذا (الوطء) المستمر لأقدام الاستبداد..
والاذلال يستولد ماذكره الامام الراحل (الانحرافات والموبقات
والتقهقر) وهو بمرور الزمن يصبح امرا (نتعوّد) عليه يجعلنا ( نفقد
كرامتنا وتضامننا الإنساني واحساسنا بانسانيتنا) كما يذهب الى ذلك
ممدوح عدوان في كتابه (حيونة الانسان) حتى صرنا، يضيف الكاتب، نقبل هذا
العنف والتعامل غير الإنساني الذي نعامل به نحن او يعامل به غيرنا على
مرأى منا في الحياة او حين نقرأ عنه او نراه على شاشات التلفزيون.. نحن
نعامل غيرنا أحيانا بهذه الطريقة: أولادنا او مرؤوسينا او الذين يقعون
بين أيدينا من اعدائنا مثلا او السجناء الذين بين أيدينا)..
لا يكتفي الامام الراحل بذكر ما تستولده طبيعة الاستبداد، بل يرينا
لنا (قدس سره) تلك الولادات لهذه الطبيعة، منها: (إنه يأتي إلى الحكم
بالفرد الأسوأ فالأسوأ والأفسد فالأفسد).
وهو (يأتي بالرأي الأضعف فالأضعف لأنه لا يقبل إلا ما يلائم الهوى
والهوى يخالف الهدى).
وهو (إن القادة يصبحون أكثر ترهلاً فأكثر ويصبحون أكثر تطلباً
للرفاه على حساب الآخرين).
السطور السابقة هي في مستوى الحكم والحاكم، وهناك مستوى اخر وهو
المحكوم، لتكتمل الحلقة.. والتي ترتبط بسابقتها بالاذلال الذي يجعل
الناس في تعودهم عليه، يصبحون (متزلفون – متملقون – انتهازيون
–مصلحيون) كما يصنف الامام الراحل مخرجات هذا الاذلال، وهو يتوسع أيضا
في الحفر والكشف عن مواطن جديدة ينوجد فيها الاستبداد لينضاف اليها،
(الحكومة - الحزب- المنظمة - الحركة – أو في غيرها من المؤسسات
الجماعية).
الاذلال الذي يحطم نفوس الناس ويستبيح كرامتهم، ويحولهم الى تلك
النماذج التي صنفها الامام الراحل، يعيدون انتاجه عبر ممارساتهم التي
يقومون بها، وتنتقل حتى الى (ثوراتهم) التي (تأكل ابناءها) لا لعيب في
(طبيعة الثورة بما هي ثورة وإنما هي طبيعة الاستبداد سواء كانت في
الثورة أو في الحكومة أو الجماعة أو التنظيم).. الذي يوجد فيه تلك
التقسيمات والتصنيفات.
كل فرد (متزلف– متملق– انتهازي– مصلحي) هو مشروع (حاكم – مسؤول)
(مستبد – ديكتاتور) في كل مكان يوجد ويتحرك فيه.. وكل شخصية تحمل تلك
الصفات تحاول تحطيم ما يسميه الامام الراحل بـ(الإطار الاجتماعي)لأن
مثل هذا الشخص (لم يستطع أن يحقق نجاحاً في داخله)، أي ان الفشل على
الصعيد النفسي ينعكس على محاولات افشال نجاحات الاخرين، عن طريق
اذلالهم وقهرهم. |