أفريقيا الوسطى.. ثكنة عنف وفوضى على حافة الإبادة

 

شبكة النبأ: تردي الأوضاع الأمنية والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي ترتكب ضد المدنيين في جمهورية أفريقيا الوسطى بسبب انتشار الجماعات المسلحة، لاتزال محط اهتمام الكثير من الدول والمؤسسات الإنسانية التي تخشى من اتساع رقعة تلك الأعمال الإجرامية التي أودت بحياة الكثير من البشر كما يقول بعض المراقبين، الذين حذروا من مخاطر انتشار الإرهاب في إفريقيا الوسطى والذي قد يمتد الى دول مجاورة خصوصا مع وجود بعض الخطط الخارجية التي تهدف الى إثارة الفتن بين الطوائف وتأجيج الحروب في تلك القارة المهمة من قبل بعض الدول العالمية، التي تسعى الى إحكام سيطرتها على إفريقيا بشكل عام من خلال حربها المستمرة ضد تلك المجاميع المسلحة وتحت مسمى القضاء على خطر الإرهاب، ومنها فرنسا التي دعت الى ضرورة التدخل العسكري في إفريقيا الوسطى في سيناريو واضح لإعادة هيمنتها الاستعمارية السابقة على المنطقة كما يقول البعض، وفيما يخص أخر الإحداث الأمنية فقد صرح مسؤول في الصليب الأحمر بجمهورية أفريقيا الوسطى أن المذابح في العاصمة بانغي قد أسفرت عن سقوط 300 قتيل على الأقل في أعمال العنف التي اندلعت مؤخرا.

وقال هذا المسؤول إنه بعد تعداد الجثث في المشارح والمستشفيات وفي أماكن العبادة والجثث التي جمعها الصليب الأحمر من شوارع المدينة، فإن الحصيلة غير النهائية ارتفعت إلى 281 قتيلا، مشيرا إلى أن المسعفين لم يتمكنوا من الوصول قبل بدء تطبيق حظر التجول إلى كل الأحياء التي شهدت أعمال عنف حيث لا تزال هناك جثث في الشوارع حسب شهادات السكان. في السياق ذاته أعلنت رئاسة أركان الجيوش الفرنسية أن 1600 جندي إضافي انتشروا في جمهورية إفريقيا الوسطى، في محاولة لإنهاء العنف في هذه البلاد المضطربة. وصرح الناطق باسمها الجنرال جيل جارون بأن نشر الجنود انتهى وأكد عدم حصول حوادث بين الجنود الفرنسيين وأفراد الميليشيات المسلحة، وذلك منذ العملية التى جرت تحت اسم "سنغاريس" قرب مطار بانغي والتي قتل فيها أربعة أشخاص في صفوف المسلحين.

من جهة أخرى، انتشرت قوات فرنسية في بوسانجوا بشمال جمهورية أفريقيا الوسطى للمساهمة في إشاعة الاستقرار وتسهيل عملية وصول المساعدات الإنسانية، على ما قال وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان. وكشف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن 394 شخصاً قتلوا في ثلاثة أيام من العنف. وأكد عودة الهدوء إلى العاصمة على رغم وجود بعض التجاوزات. وأوضح أن الجنود الـ1600 يعملون بتفويض من الأمم المتحدة للمساهمة في استعادة الأمن في البلاد. وشدد على أن دور باريس في جمهورية إفريقيا الوسطى "واضح ولا لبس فيه، وهو في المقام الأول دور أمني" ومن أهم مهماته المشاركة في نزع سلاح المتمردين في حركة "سيليكا". لكنه أضاف أن بعض هؤلاء يندس في صفوف المدنيين وهو ما يجعل مطاردتهم صعبة.

الى جانب ذلك صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان جمهورية افريقيا الوسطى على حافة ابادة. وقال فابيوس ان البلد على حافة إبادة ، انها الفوضى المطلقة. هناك سبعة جراحين لخمسة ملايين نسمة ومعدل عال لوفيات الاطفال تبلغ في بعض المناطق 25 بالمئة ومليون ونصف مليون شخص لا يملكون شيئا حتى لا شىء ليأكلونه. هناك عصابات مسلحة ولصوص.

واوضح فابيوس لن يكون الامر مثل التدخل في مالي، لن يكون بالكثافة او الفترة نفسها. ورأى فابيوس ان هذا البلد يمكن ان يتحول "لسوء الحظ" الى معقل للإرهاب. وقال هناك الكثير من اللصوص واذا لم تعد الامور الى نصابها سيكون هناك خطر انتشار بؤر إرهابية. وكانت الولايات المتحدة تحدثت عن وضع يسبق ابادة في افريقيا الوسطى بينما حذرت الامم المتحدة من ابادة. بحسب فرانس برس.

على صعيد متصل حذر مسؤول كبير في الامم المتحدة مكلف منع وقوع جرائم الابادة من ان جمهورية افريقيا الوسطى قد تشهد "ابادة جماعية" اذا ما ارتدت اعمال العنف في هذا البلد طابعا دينيا بين المسيحيين والمسلمين. واعلن اداما دينغ المستشار الخاص للأمم المتحدة لشؤون منع الابادة الجماعية بعد اجتماع غير رسمي في مجلس الامن خصص للوضع في جمهورية افريقيا الوسطى ان "بعض المجموعات المسلحة تقتل تحت ستار دينها، وشعوري هو ان المجموعات المسيحية والمسلمة ستنتهي بالتقاتل في ما بينها.

وغرقت افريقيا الوسطى في الفوضى منذ الاطاحة بالرئيس فرنسوا بوزيزي في اذار/مارس وسيطرة متمردي سيليكا بزعامة ميشال جوتوديا على السلطة وتنصيب هذا الاخير في 18 اب/اغسطس رئيسا انتقاليا. وتنتشر في افريقيا الوسطى قوة افريقية برعاية الاتحاد الافريقي لمساعدة الحكومة على فرض النظام لكن ينقصها العديد والعتاد. وبحسب سفير فرنسا في الامم المتحدة، فان القوة ستضم ما بين 8 الاف وعشرة الاف جندي.

من جهة اخرى اجاز زعماء اقليميون لقوات افريقية ارسلت الى جمهورية افريقيا الوسطى استخدام القوة لطرد مقاتلين اجانب من هذا البلد الذي يعاني من العنف. ونشرت قوة من الاتحاد الافريقي سيصل عددها قريبا الى 2600 جندي وتضم جنودا من تشاد والجابون وجمهورية الكونجو والكاميرون في اطار قوة سيصل قوامها في نهاية الامر الى 3600 جندي.

وقال بيان صدر في ختام اجتماع قمة اقليمي في مدينة نجامينا عاصمة تشاد ان زعماء الدول يطلبون من هذه القوة المضي قدما في نزع سلاح كل العناصر المسلحة الاجنبية وازالتها طوعا او بالقوة فورا. وذكر البيان ان الزعماء الاقليميين تعهدوا بتقديم مزيد من الدعم لهذه القوة بما في ذلك الدعم الجوي رغم انه لم يذكر تفاصيل اخرى.

انهيار الأمن

الى جانب ذلك نشرت صحيفة الصاندي تايمز تقريرا من عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، بانغي، عن تفاقم الوضع الأمني في البلاد، بعد سقوط نظام الرئيس فرانسوا بوزيزي. وتقول الصحيفة إن المسلمين والمسيحيين يتقاتلون في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهم يستخدمون في معاركهم الأسلحة النارية والخناجر والفؤوس والمعاول، يهجمون على القرى ويقتلون من في طريقهم. ووصفت الصحيفة ما يجري بالإبادة الجماعية العبثية.

وتروي الصاندي تايمز قصة بيشوفو الذي هرب من المهاجمين المسلحين وراقب من مخبئه مقتل أولاده التسعة وزوجته على يد المسلحين. وتقول الصحيفة إن المعارك تدور بين المسلمين والمسيحيين. ولم تستطع الجماعات المتمردة، والرئيس الذي نصبته إحكام سيطرتها على البلاد، التي تنخر جسدها أعمال العنف. وتضيف أن جوزيف كوني، زعيم جيش الرب الأوغندي، المتابع دوليا في جرائم حرب، يختبئ في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو يفكر في تسليم نفسه. وتذكر الصحيفة أن أساب الحياة منعدمة في العاصمة بانغي، التي أصبحت تحت رحمة المسلحين والعصابات، التي تنفذ الاغتيالات والاختطاف يوميا.

ويعتقد أن عناصر من جماعة بوكو حرام النيجيرية موجودة في المنطقة، وهي تستغل حالة الفوضى لاتخاذ مواقع لها هناك، ومن ثم تنفيذ هجمات وعمليات في دول أخرى مجاورة. وتضيف الصحيفة أن المتمردين يجندون أطفالا في سن 12 عاما، ويحرقون القرى والكنائس ويغتصبون البنات أمام أوليائهم، ويقتلون النساء بأطفالهن الرضع، ويقطعون رؤوس الرجال.

وأمام هذه الأوضاع الوحشية، شكل فلاحون وجنود سابقون في الجيش الحكومي مليشيات للدفاع الذاتي. وقامت هذه المليشيات، حسب الصحيفة، بإحراق بيوت مسلمين ومواشيهم، وهاجموا مسجدا فيه مصلون. وأشارت الصاندي تايمز إلى أن أعمال العنف أخذت منحى طائفيا وهي تتصاعد بمرور الوقت، وهو ما جعل الأهالي يهجرون قراهم هربا من الموت.

تجنيد الأطفال

على صعيد متصل اعلن مسؤول كبير في الامم المتحدة في جنيف ان نحو ستة الاف طفل مجندون في مليشيات جمهورية افريقيا الوسطى، منتقدا دوامة اعمال العنف في هذا البلد. وقال سليمان دياباتي ممثل اليونيسيف في جمهورية افريقيا الوسطى اجمالا نتحدث اليوم عن ما بين خمسة وستة الاف طفل، وهو تقريبا ضعف تقديراتنا السابقة التي كانت تتحدث عن 3500 طفل مجند.

ونددت منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بانتظام بتجنيد الاطفال في صفوف حركات مسلحة في ذلك البلد الذي يشهد حربا اهلية. وقال دياباتي ان الوضع الذي نعيشه اليوم في جمهورية افريقيا الوسطى خطير جدا، داعيا الى تعبئة المجتمع الدولي من اجل وضع حد لهذا الوضع. وفضلا عن ذلك تعتبر افريقيا الوسطى من افقر بلدان العالم بينما تزخر اراضيها بمناجم الذهب والالماس واليورانيوم وتشهد ازمة انسانية حادة. وقال دياباتي ان 4,6 مليون شخص يعانون من تلك الازمة. واضاف ان نصف عدد السكان لا تتجاوز اعمارهم 18 سنة، قبل الازمة، ولم يكن الوضع جيدا لكنه الان اصبح اسوأ.

التدخل العسكري

من جانب آخر حذر رئيس منظمة اطباء بلا حدود من ان تدخلا عسكريا فرنسيا في افريقيا الوسطى لن يكفي لتسوية مشكلات بلد في حالة فوضى، داعيا الى حسن ادارة البلاد وتحسين بناها التحتية. وقال مغرديتش ترزيان رئيس المنظمة غير الحكومية الناشطة في افريقيا الوسطى منذ 2006 هذا البلد كارثي فاعمال العنف مستمرة والفقر مدقع ولا بنى تحتية ولا نظام صحيا فيها.

واوضح علينا ايضا مساعدة الحكومة على ادارة البلاد بشكل افضل وايجاد سبل لاعطاء دفع للبنى التحتية. وعلى الصعيد الانساني تسببت الازمة في نزوح اكثر من 400 الف شخص وان اكثر من مليون من سكان افريقيا الوسطى (اي 20% من السكان) مهددون بالمجاعة في الاشهر المقبلة بحسب برنامج الغذاء العالمي.

وفي معظم المناطق لا يزال السكان يتعرضون للمضايقات والنهب من قبل متمردين سابقين وافرغت عدة بلدات من سكانها الذين يفضلون الاختباء في الادغال في ظروف صحية مزرية. وقال ترزيان بحسب السلطات يعيش 400 الف شخص في الادغال" بعد ان هربوا من اعمال العنف مع آثار مباشرة او غير مباشرة على صحتهم" وتسجيل زيادة حالات الملاريا وسوء التغذية والاسهال دون تلقي العلاج. بحسب فرانس برس.

ورفض رئيس منظمة اطباء بلا حدود كلمة "ابادة" التي استخدمها وزير الخارجية الفرنسي وقال ترزيان يمكننا التحدث عن اعمال عنف وهجمات لكن ليس ابادة. لا حاجة لايجاد كلمات زائفة لتبرير تدخل. واعرب رئيس منظمة اطباء بلا حدود عن الاسف لكون افريقيا الوسطى "لا تهم احدا" والا تكون المساعدة الدولية "على مستوى" معتبرا ان الفساد وانعدام الامن لا تعتبران اعذارا لعدم تقديم المساعدة. واضاف على الامم المتحدة زيادة مساعداتها ووجودها خارج بانغي. واكد ترزيان يمكننا العمل على الرغم من اعمال العنف والنهب التي تطال ايضا العاملين في المجال الانساني. وعدد الموظفين المحليين للمنظمة 1100 وحوالى مئة عامل اجنبي في البلاد. وفي اب/اغسطس 2013 اجرت اطباء بلاد حدود اكثر من 400 الف معاينة منها 171 الفا لحالات الملاريا. لكنه حذر من انه لا يمكن تغطية حاجات كافة سكان افريقيا الوسطى مع 1200 شخص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/كانون الأول/2013 - 6/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م