المتشددون في إيران.. عقيدة المصالح خلف الشعارات الثورية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ظهر مصطلح "المتشددون" أو "المتطرفون" في ايران، في أواسط الثمانينات، وفي أوج انشغال ايران الثورية بالحرب مع النظام الصدامي، عندما فتح هاشمي رفسنجاني، كوة صغيرة على الغرب من خلال ما عُرف آنذاك بفضيحة "ايران غيت" وهي المحاولة الفاشلة لترميم العلاقات مع امريكا، فعرف العالم أن هناك تيار أو جهة ناشطة في ايران تحمل قناعات غير التي عهدوها منذ أيام الثورة على الشاه، ثم احتلال السفارة الامريكية في طهران.

يحتل "المتشددون" مساحة لا بأس من الساحة الاجتماعية والسياسية في ايران، فهم موجودون بقوة في القوات المسلحة، وأجهزة الأمن والأعلام والاقتصاد، متمثلاً بـ "البازار"، وشريحة متنفذة من علماء الدين، وهناك نقاط التقاط استراتيجية تجمع شريحة من اصحاب رؤوس الأموال، وحرس الثورة، وعلماء الدين، أهمها؛ الشرعية والساحة الجماهيرية. ومن لا يصل أو يحصل على هذه النقطتين، لن يتمكن من البقاء في الواجهة طويلاً، كما حصل للرئيس الاسبق (الاصلاحي) محمد خاتمي.

لذا فهم (المتشددون)؛ أقوياء في المواجهة، جبناء في الحسم.. ضعفاء في الحوار، أقوياء في الجدال.. يكرهون الدبلوماسية والتعاطي، لكنهم يحثون الآخرين عليه ليجنوا الثمار مقابل ذلك..! ومن أكثر الصفات البارزة التي لاحظها معظم الخبراء والمتابعين للشأن الايراني، أنهم يبرعون في اقناع عامة الناس بكراهية ما يؤمنون به سراً، لأنهم يرون في مصالحهم على المدى البعيد. هذا النهج تجسد على لسان أحد المسؤولين عن الملف العراقي خلال الثمانينات من القرن الماضي، عندما نصح فصائل المعارضة الاسلامية في ايران للتعامل مع الفصائل الاخرى العلمانية، للاستفادة من امكاناتهم المادية في الغرب، والظهور على الواجهة السياسية والاعلامية..!.

هذا النمط من التفكير هو الذي يجعل رموزاً لهم في قوى الأمن والحوزة العلمية في قم، بانهم حماة حصون الثورة والدولة، وأي محاولة تغيير أو تعديل في السياسات الخارجية او الداخلية، يجب أن تمر من تحت ايديهم، أو على الاقل يكونوا هم شركاء في النصر والمكاسب. وهذا تحديداً ما جعل المراقبين يؤشرون على وجود ارتياح وابتهاج يخفيه هؤلاء، من نتائج اتفاق "جنيف" الذي حصلت عليه ايران على اعتراف دولي – امريكي بحق تخصيب اليورانيوم، مقابل التنازل عن التخصيب الى نسبة (20%) تجميد نشاط محطة "أراك" النووية، مقابل تخفيف محدود للعقوبات الاقتصادية الدولية. هذه النتيجة من مطاف طويل دام حوالي عشر سنوات حول الملف النووي في المحافل الدولية، يعد بالنسبة الى "المتشددين" بمنزلة الكوة التي يتنفسون منها الهواء الطلق، بعد أن كاد الغرب وامريكا ان يطبقوا على الاقتصاد الايراني، ويجعلوه كالبركان المتفجر، حيث بلغت الضغوطات الاقتصادية على الشارع الايراني حدوداً خطيرة، حيث معدل التضخم تجاوز (30%)، والتدني الشديد في العملة المحلية، والارتفاع الجنوني في الاسعار.

وما يجعل "الانتصار" في جنيف، بمنزلة الانتصار في معسكر المتشددين، قبل المعتدلين، وحتى شخص الرئيس روحاني وجهاز الدبلوماسية الايرانية، هو إن الساحة الداخلية في ايران، تمثل قاعدتهم التي يقفون عليها، ويضمنون بها حياتهم السياسية. فمن المعروف أنهم لم يكن لهم وجود لولا الدور - المعد له سلفاً- الذي لعبه محمود أحمدي نجاد، بكسب الشريحة الفقيرة والمهمشة في ايران، وهم سكان القرى والارياف، واصحاب الدخل المحدود، من خلال توزيع القروض الميسرة ودعم المشاريع الزراعية هناك، بل وصل الأمر الى توزيع المنح المالية خلال الانتخابات التي فاز فيها للدورة الثانية على حساب منافسه القوي والاصلاحي "مير حسين موسوي"، والذي انحصر تأثيره على المدن الكبيرة فقط.

وبما أن القاعدة الجماهيرية التي يستند عليها "المتشددون" تعاني المشاكل الاقتصادية والمعيشية، فانها تبعاً لذلك تعيش التدني في المستوى الثقافي، لأن البحث عن لقمة العيش يحجب الانسان عن البحث عن المعلومة الصحيحة والحقائق في أمور السياسة والاقتصاد وغيرها، وهذا ما نلاحظه متوفر في الطبقة المتوسطة التي تسكن المدن الكبيرة مثل طهران واصفهان وشيراز وتبريز وغيرها، حيث تنشط الجماعات السياسية من خلال وسائل الاعلام والاتصال، في تبادل الافكار وطرح الآراء عن مختلف القضايا. فاذا كان الشباب الجامعي والشريحة المثقفة تطالب بمفاهيم، مثل الحرية والديمقراطية لتطبيقها بشكل صحيح، تطالب الشريحة الاخرى من الشعب الايراني بأن يرون اقتصاد بلدهم منتعشاً مزدهراً، حيث تصدر المنتوجات الزراعية والصناعية الى جانب النفط والغاز الى كل مكان، ليكون هنالك مردود مالي وفير، بما ينعكس على رفاهية وسعادة الانسان الايراني، بمعنى أن الهمّ هنا اقتصادي – معيشي، بينما الهمّ الآخر يذهب الى الفكر والثقافة والمعرفة. وعندما تخوض ايران معركتها مع الغرب على "الحق النووي"، وتكسب العقوبات الاقتصادية، فان رد الفعل المتوقع من الشريحة المتضررة، هو "الموت لامريكا"، بل "الموت للغرب كله..."!.

هذا المستوى من الوعي والثقافة، ما يريد الابقاء عليه "المتشددون"، لأن ازدياد مستوى الوعي والثقافة يضعهم في مواقف محرجة ليس أقلها جدوائية الاستمرار في عملية الشدّ والجذب مع الغرب وامريكا، والسبب في التركيز على المشاريع الاقتصادية والإنمائية في الداخل والخارج، بما يكسب ايران سمعة حسنة في المجال الاقتصادي والتجاري وحتى الثقافي.

ان السمعة الحسنة والمكاسب السياسية والاقتصادية وغيرها، يجب أن تأتي من قنوات "المتشددين" أصحاب الحل والعقد في ايران، لا غيرهم، وهذا ما يدفع حرس الثورة وعلماء دين من إطلاق تحذيرات الى روحاني وعدد من المسؤولين والدبلوماسيين من مغبة الذهاب بعيداً في المغازلة السياسية مع الغرب، سواء من خلال المكالمات الهاتفية، او من خلال فتح صفحات تواصل اجتماعي، او البحث عن قنوات اتصال جديدة او غير ذلك، الامر الذي يجعل أي تطور اقتصادي او سياسي في ايران، خطوة محفوفة بالمخاطر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/كانون الأول/2013 - 5/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م