بنود ومقترحات لصالح المرأة العاملة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم تكن المرأة حبيسة الدار في الأزمنة الغابرة أو الزمن المنظور، كما انها لا تزال تشارك في الزمن الراهن أخاها الرجل في بناء الحياة وتذليل مصاعبها، وثمة أدوار وأعمال تبرز فيها المرأة أكثر من الرجل، كونها تناسب قدراتها الجسدية والفكرية ايضا، وتشير بعض الدراسات التاريخية، الى ادوار قيادية مهمة للمرأة، في مراحل معينة من تاريخ البشرية، فهناك اقوام كانت تلقي على المرأة كاهل العمل في الحقل او المعمل وما شابه، وهناك مسؤوليات ومناصب سياسية عليا كانت تتصدى لها المرأة بنجاح، ولا يزال دورها كشريك مهم في الحياة يتصدر اهتمام المعنيين، لأن المرأة كما يتفق الجميع تشكل طاقة خلاقة لبناء المجتمع.

وتشير وقائع كثيرة الى موجات من الظلم تعرضت لها المرأة، بالنسبة لحقوقها في العمل او الدراسة والتعليم والعمل في السياسة، والحقوق الفردية السياسية والمدنية، كونها عنصر مهم من المجتمع، بالاضافة الى حقوقها الزوجية، اذ عانت المرأة (حسب الاقوام التي تعيش فيها) من موجات اضطهاد متلاحقة، وكلنا قرأ عن حملات الوأد التي كانت تتعرض لها المولودة البنت قبل الاسلام، حيث تدفن المولودة وهي على قيد الحياة، حتى مجيء الاسلام وانتشار الدعوة النبوية المباركة، وهبوط النصوص القرآنية الكريمة التي حرّمت مثل هذه الاعمال البشعة.

لذلك كانت ولا تزال المرأة تتعرض للظلم والاضطهاد، وقد أثبتت الوقائع، أن التعاليم الاسلامية بخصوص المرأة، أنصفتها بدرجة عالية، على العكس من أمم أخرى كانت تحط من قيمة المرأة، وطالما اننا نؤمن بالمرأة كعاملة ومنتجة، فإن الاسلام نظّم هذا الامر في تعاليم وتوجيهات وضوابط تحفظ للمرأة مكانتها في المجتمع، وتحمي حقها في العمل بما يتناسب وقدراتها، لاسيما العضلية منها، فالمرأة يجب أن تعمل، ولكن هذا الوجوب العملي لابد أن يتناسب مع القدرات والمواصفات الموجودة لدى المرأة.

العمل وانوثة المرأة

من المتفق والمتعارف عليه أن الاعمال ذات الخشونة المفرطة، لا تناسب قابليات المرأة العضلية والجسدية، على العكس من قدرات الرجل في هذا المجال، ومع ذلك لا يمكن أن تُركَن المرأة جانبا بحجة انها غير قادرة على العمل، بل على العكس من ذلك، فقد اثبتت المرأة قدرات كبيرة في القيام بأعمال مختلفة، قد تكون بعضها من نوع الاعمال المجهدة او التي تتسم بالخشونة.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (الفقه: الادارة ج2)، في هذا المجال: (كانت المرأة ولا تزال تعمل في حقول الزراعة والتسويق والولادة وغيرها، وأضيف على أعمالها في الحال الحاضر، عملها في المؤسسات الحديثة كالمستشفيات ودور العجزة والمعامل والمصانع ونحو ذلك، ولا بد على كل من الأمة والدولة إدارة المرأة ككل، إدارة لا تنافي أنوثتها ولا اشتغالها بأمور البيت).

إذاً لا زالت تقوم المرأة في واقع الحال بأعمال مختلفة، وأثبتت بأنها عنصر حيوي في بناء المجتمع، لذلك على المجتمع أن يحتضن مواهبها وطاقاتها، ويدعمها دائما بحزمة من المحفزات والتسهيلات التي تجعلها قادرة على مواصلة الانتاج والعمل بوتيرة متصاعدة.

لذلك يقترح الامام الشيرازي في كتابه نفسه، بعض المعالجات والبنود التي من شأنها مساعدة المرأة على أداء عملها، وتأدية دورها المجتمعي الانتاجي على الدوام، ومن هذا التسهيلات، كما نقرأ في كتاب الامام الشيرازي المذكور في أعلاه: (يلزم منح الزوجة إجازة بدون مرتب إذا رخص لها بالسفر إلى الخارج لمدة ستة أشهر أو أكثر أو أقل).

ويؤكد الامام الشيرازي ايضا على أن: (تمنح المرأة الإجازة بدون مرتب لرعاية طفلها وذلك بالحد الذي يكون ملائماً مع البيئة كعام أو أكثر أو أقل وذلك لثلاث مرات أو أكثر أو أقل، طول مدتها الوظيفية وتتحمل جهة العمل اشتراكات التأمين المشتركة عليها وفق احكام التأمينات الإجتماعية أو تمنح تعويضاً عن أجرها بما يراه القانون الصحيح عادلاً). إن هذه الضوابط والبنود المقترحة من لدن الامام الشيرازي الراحل، تساعد المرأة على ان تكون عنصرا منتجا، بدلا من أن تُركَن جانبا، من دون أن يُستفاد من مواهبها وقدراتها التنظيمية وما شابه.

محفزات للمرأة العاملة

ولم يكتفِ الامام الشيرازي بالتوجيه الاداري الوظيفي الذي يدعم المرأة، من حيث منحها الاجازات المطلوبة، بحسب الظروف التي تمر بها، بل ذهب الى اكثر من ذلك حينما طالب بتوفير الاحتياجات التي تسهل حياة المرأة خارج دائرة العمل، إذ يقترح الامام الشيرازي على من ادارة المؤسسة الانتاجية أن توفّر للمرأة: (الأجهزة المنزلية الميسرة إذ توفر تلك الأجهزة يمكن المرأة العاملة من تأدية أعمالها المنزلية بسهولة ويسر وعلاج ذلك يتطلب ضرورة تسهيل حصول المرأة على مثل هذه الأجهزة بالأسعار والشروط المناسبة، ويمكن للأجهزة الحكومية والوحدات الادارية والنقابات والجمعيات وغيرهم المساهمة في توفير مثل هذه السلع التي أصبحت من الإحتياجات الأساسية لكل أسرة). ويقترح الامام الشيرازي أيضا بأهمية: (توفير السلع الإستهلاكية لأن المرأة العاملة تبذل الجهد الكبير في سبيل الحصول على احتياجاتها من السلع الاستهلاكية، وذلك يتطلب التوسع في إنشاء الجمعيات الاستهلاكية في مواقع السكن، وجهات العمل والأندية مع ضرورة الاهتمام بتطوير إنتاج تلك السلع من حيث إعداد الأصناف المجهزة تجهيزاً كاملاً والتوسع في تعبئة السلع في عبوات مناسبة).

وينبّه الامام الشيرازي الى نقطة مهمة جدا، مفادها أن المرأة العاملة المتعلمة افضل من غيرها، كما تؤكد تعاليم الاسلام، بغض النظر عن عمرها، أي حتى لو كانت كبيرة السن يجب أن تنال فرصتها في التعليم، لكي تتمكن من اداء عملها وتتجاوز الظروف الصعبة التي تواجهها، فضلا عن تحسين الانتاج وما شابه، لذلك يوجّه سماحته بأهمية تعليم المرأة العاملة، إذ نقرأ في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: ينبغي (توفير المناخ الملائم لتعليم المرأة، وإن كانت كبيرة السن، فإن العلم بالإضافة إلى أنه فرض شرعي، فإنه نور يوجب تقدم الانسان في المجتمع وتقدم المجتمع إلى الأمام).

ولا ينسى الامام الشيرازي الجانب الابداعي الادبي الخطابي للمرأة العاملة، فيحث على تطوير هذه المواهب لدى النساء العاملات، فالمرأة المثقفة أفضل من غيرها، واكثر قدرة على الابداع والانتاج المتميز، لهذا يطالب سماحته ويوجّه بإقامة وتشييد مؤسسات وجمعيات خيرية، تساعد المرأة في مختلف الشؤون التي تسهم في تطوير قدراتها، فيقول الامام الشيرازي في هذا المجال: ينبغي (تأسيس جمعيات نسائية لمختلف شؤون المرأة كشأن الدراسة، والخطابة، والزواج لتزويج الفتيات والعانسات، وتعليم المهن المختلفة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/كانون الأول/2013 - 5/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م