منتجون لا مستهلكون

 

شبكة النبأ: معادلة الانتاج والاستهلاك هي التي تشكل معيارا لقدرات الفرد والمجتمع، فحينما يتفوق الاستهلاك، يضعف الانتاج، والنتائج ستكون معروفة للجميع، أما العكس، أي عندما يتفوق الانتاج على الاستهلاك، فإننا قطعا نمضي بالاتجاه الصحيح، هذه الصورة المختصرة لتعريف او توضيح معادلة الانتاج والاستهلاك، هي التي تتحكم بتقدم أو تأخر المجتمعات والجماعات الصغيرة والافراد ايضا.

من هنا نحن جميعا، الافراد، الجماعات، المجتمع عموما، والدولة ومؤسساتها، والمنظمات الرسمية والاهلية، والجميع معني بهذه المعادلة الدقيقة، وعندما نرغب أن نحقق تفوقا للانتاج على حساب الاستهلاك، فإن هذا الامر او الهدف لا يمكن أن يتحقق بصورة آلية، أو عشوائية، أو يأتي كضربة حظ وما شابه، بل هناك التخطيط السليم والمدروس دائما، مدعوما بعمليات التنفيذ الدقيق، والارادات القوية والعقول الذكية الحيوية الفاعلة، إذ لا يمكن أن ينتقل المجتمع من حالة البداوة او الرعوية او السكون والكسل والخمول، الى الفاعلية والانتاج الامثل إلا من خلال عمليات منهجية مخطط لها، تزيد من نسبة الانتاج على حساب الاستهلاك.

من المؤسف أننا نعاني كأفراد وشعوب (ونعني المجتمعات الاسلامية والعربية)، من ظاهرة ارتباك معادلة الانتاج والاستهلاك دائما، وغالبا ما ترتفع نسبة الاستهلاك مقابل انخفاض قد يصل احيانا الى الصفر للانتاج!، نعم لا غرابة في هذا الكلام، هناك اشخاص لا ينتجون لكنهم بالمقابل يشكلون ثقلا على موارد الدولة، أي أنهم يأكلون ويشربون ويستهلكون من دون الاشتراك في انتاج أي شيء، ليس لأنهم من ذوي الحاجات الخاصة او يعانون من عاهات معينة، بل لانهم خاملون عاجزون وارادتهم غائبة تماما.

لا يتعلق الامر بأفراد معدودين فحسب، فهناك شرائح قد تكون عاجزة عن الانتاج، وربما نجد شعبا لا ينتج!، أو انتاجه يشكل نسبة ضئيلة قياسا لنسبة الاستهلاك، كما هو الحال مثلا بالنسبة لمجتمعات الخليج والعراق بطبيعة الحال، إن هذه الدول تستخرج النفط من باطن الارض بواسطة شركات اجنبية تأخذ عن عملية الحفر والتصدير والتكرير وما شابه، أموالا طائلة، وعندما تأتي موارد النفط تتحول الى سلع وطعام وشراب وما شابه، ليبدأ الشعب يأكل ولا ينتج، وهكذا تبقى معادلة الانتاج والاستهلاك في مجتمعاتنا مشلولة طالما أن الاقتصاد احادي، والاعتماد على مورد النفط يكاد يمثل الحل الوحيد لاقتصاديات بلداننا، في ظل غياب التخطيط السليم، وتحول المجتمع الى النمط الاستهلاكي الخطير، فيما تغيب الخطط المدروسة لمعالجة هذا الوضع الخطير من لدن الدولة والحكومة ومؤسساتها المعنية.

يحدث الشيء نفسه في مجتمعاتنا التي تعاني من ظاهرة الاستهلاك والاقتصاد الاحادي، وارباك واضح في معادلة الانتاج والاستهلاك، أما البحث عن الاسباب، فهي في واقع الحال واضحة كل الوضوح، فالخلل الاداري الحكومي هو السبب الاساسي في فشل ادارة الاقتصاد، والاموال الضخمة التي تشكل ايرادات النفط الذي يتم تصديره على مدار السنة بعشرات مليارات الدولارات، وطالما ان الدولة ومفاصلها ومؤسساتها المعنية بالتخطيط والتطوير الاقتصادي لا تهتم ولا تنشغل بهذا الامر، فإن الامر المتوقع من المؤسسات الاصغر وصولا الى الافراد واضح، فالكل سوف ينحو الى الاستهلاك، ليصبح الانتاج صفرا، وتصبح هذه الحالة منهج سلوك يومي يعتاده الجميع، من دون الاهتمام بمخاطره الجسيمة على حاضر ومستقبل الدولة والمجتمع.

لذا لابد أن يترك الفرد حالة الكسل ويتنبّه الى الانتاج واهميته، وينسحب هذا اولا على الدولة ومؤسساتها وجميع القطاعات الانتاجية، كالمعامل والمصانع وما شابه، إذ لابد من تغيير جذري في منهج السلوك والتفكير الفردي والجمعي بشأن قلب معادلة الانتاج والاستهلاك، لكي يصبح الانتاج اكثر والاستهلاك أقل، فضلا عن اهمية تعدد الموارد المالية وعدم الاعتماد على مصدر واحد كالنفط الذي يعد مصدرنا المالي الوحيد، ويمكننا أن نتخيل ما سيحدث لنا في حالة نضوب النفط من باطن الارض وهو امر محتوم!، او انخفاض اسعار النفط. لذا لابد أن ننتقل جميعا من خانة الاستهلاك الى الانتاج بالتخطيط والتدبير والادارة والتنفيذ الدقيق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/كانون الأول/2013 - 4/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م