ظريف على ضفاف الخليج

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: لم تتأخر الدبلوماسية الايرانية كثيراً بعد تسجيل انتصارها النووي - الدولي في جنيف، لتكمل حلقته الإقليمية في الجوار الخليجي، بزيارة مكوكية أجراها وزير الخارجية محمد جواد ظريف الأسبوع الماضي، الى كل من سلطنة عمان والكويت والامارات وقطر. وقد سبق هذه الزيارة مواقف خليجية ايجابية أثلجت صدر الحكومة الايرانية الطامحة للتغيير في السياسة الخارجية اقليمياً ودولياً، حيث صدرت تصريحات الترحيب بالاتفاق النووي الايراني – الدولي الاخير، الذي تمخّض عن حلحلة ايران في منطقة عنق الزجاجة – إن صحّ التعبير- وحصلت من الغرب وتحديداً من امريكا على حقها في تخصيب اليورانيوم، ومن ثم التكنولوجيا النووية. وهو ما تعده ايران حقّاً مسلّماً لها، بل تحول القبول بهذا الحق بالنسبة اليها الى معيار تزن به مدى قوة علاقة الآخرين بها.

وقبل مغادرته طهران أكد ظريف أنه ينوي إطلاع الخليجيين على حيثيات الاتفاق الذي توصلت اليه ايران مع المجموعة الدولية المعنية بالملف النووي الايراني، بمعنى بعث الاطئمنان بأن الحق النووي الايراني ليس من شأنه ان يمس حقوق الآخرين في العيش بسلام وأمان، وهذا تحديداً ما كانت تحاول السعودية تحديداً بين سائر الدول الخمس الأخرى، الترويج لخلافه، حيث روجت خلال السنوات الماضية، اعلامياً وسياسياً بأن ايران النووية لن تكون في مصلحة الدول الخليجية، كما رحبت بشكل غير مباشر بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران.

وهذا يعود بشكل واضح الى العقلية الإستراتيجية العتيقة لدى حكام الرياض، والتي تتفيأ بالحماية الامريكية والبريطانية، ولن تصدق يوماً أن تكون هناك منظومة أمنية – إقليمية ستتشكل في المنطقة، حتى وإن حصلت المعجزة..!.

ولذا نرى حرصها الشديد خلال العقود الماضية في المشاركة بالمخطط الكبير لإضعاف واستنزاف أكبر قوتين اقتصاديتين وعسكريتين في المنطقة، وهما ايران والعراق. فبعد التجربة الناجحة مع "عراق صدام"، تصور حكام الرياض أن بالامكان تكرار التجربة مع "ايران خامنئي" - إن صحّ التعبير طبعاً- من خلال العقوبات الامريكية والدولية، وتحجيم قدراتها واستنزافها الى الحد الذي يعيقها عن التوسع والتأثير على الآخرين.

من هنا لاحظ المراقبون في حقيبة ظريف ورقة مهمة ومثيرة للجدل اقليمياً ودولياً، وهي "الارهاب"، وأن لم يصرح بها ظريف خلال محادثاته مع مضيفيه الخليجيين. لكنها أشار الى "التطرّف"، و"الطائفية"، و"العنف"، ثم الى الحرب الدامية في سوريا.

بمعنى أن لدى طهران ما أفضل وأكثر أمناً من افرازات الحرب في سوريا والاقتتال الطائفي، فاذا كان البعض في الخليج يروج لمخاطر المنشآت النووية الايرانية على السواحل الخليجية، كما كان يردد البعض من المحللين الخليجيين، فان سموم الارهاب الطائفي ربما تكون أسرع في انعكاسها الخطير على الدول الخليجية، اذا ما تحولت الى طرف مباشر في هذه الحرب.

ويرى المراقبون في هذه الزيارة، محاولة من طهران للعزف على نغمة الأمن والاستقرار التي يطرب لها الخليجيون، لإخراج الخليجيين بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، من ساحة الحرب الطائفية في سوريا، أو على الاقل تحييدهما، فقد شهدت الكويت والبحرين والسعودية تحريضاً طائفياً علنياً للمشاركة في القتال الى جانب الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا ضد الحكومة السورية. لذا نجد وزير الخارجية يحاول مرتين إزالة آثار الانزعاج والتذمّر من ملامح السياسة السعودية من "اتفاق جنيف"، مرة؛ وهو سلطنة عمان، حيث قال في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: "نعتقد أنه يتعين على إيران والسعودية العمل معا من أجل السلام والاستقرار في المنطقة". وطمأن مستمعيه في الرياض، الذين لم يشملهم في جولته: باني "مستعد لزيارة السعودية، وأعتقد أن علاقاتنا مع السعودية يجب أن تتوسع". والمرة الثانية: لدى وجوده في الدوحة، وحديثه لقناة "الجزيرة" القطرية، حيث قال: "ان شاء الله سأزور السعودية قريبا وان المشكلة الوحيدة هي تحديد موعد الزيارة من قبل الطرفين..".

لكن يبقى السؤال المهم هنا؛ هل تتمكن طهران من تجسير العلاقات بشكل كامل دون مطبات وتعرجات ومع العواصم الخليجية الست مجتمعة، كما تحلم؟.

المسؤولون في طهران، يعلمون جيداً أن البحث عن الأمن والاستقرار في الخليج، بمعنى التحرّش بالتواجد العسكري الامريكي على المياه والأرض الخليجيتين. وطالما رفعت ايران شعار "الأمن الاقليمي" منذ عقود، في محاولة منها لإحراج الدول الخليجية وتحسيسها بالمهانة السياسية والاجتماعية في ظل الحاجة المستديمة للدعم والحماية الامريكية، بينما تقول هي: إن بالامكان إيجاد منظومة امنية إقليمية تحفظ الأمن لجميع الدول المشاطئة على الخليج، وهو ما قرأته العواصم الخليجية منذ البداية، بانه دعوة للقبول بإيران قوية وراعية في المنطقة، بدلاً عن امريكا، على أنها صاحبة الامكانات والقدرات التي تفتقر اليها سائر دول المنقطة، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي وامتداداتها في المنطقة.

لذا مهما كانت "صكوك الأمان" حقيقية، فان العواصم الخليجية تفضّل التريّث في تسلّمها لأنها في كل الاحوال تبحث عن شخصيتها ووجودها على الخارطة، وربما تبحث عن علاقات الند والتكافؤ مع ايران، على ما هي من قدرات وامكانات وحجم سياسي واقتصادي على الارض. فاذا كانت هذه "الصكوك" الايرانية تفيد الخليجيين في هكذا مجال فانها تكون مفيدة ومربحة، ولن تلحق بهم الخسارة، أما اذا كانت أشبه بالمسكنات والمهدئات، فان الامر سيختلف ولن يحقق لايران ولا للخليجيين ذلك البعد المستقبلي المطلوب والزاهر من علاقات حسن الجوار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/كانون الأول/2013 - 3/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م