اليوم العالمي لمكافحة الفساد

زاهر الزبيدي

 

لم يكن الفساد وليداً لمرحلة معنية من حياة البشرية جمعاء لأنه يعتمد على مستويات معينة من الخلل في الإداء الحكومي أو التقصير في تقديم الخدمات العامة وبذلك كوّن له البيئة المناسبة التي تساعد على إنشطاره وإنتشاره بشكل سريع ومباغت في بعض الأحيان، فلا تخلو اليوم بلدان عدة من حالات كبيرة للفساد، وهناك دول عديدة في العالم تمكنت بقوة من تجاوز الفساد بالسيطرة على مسبباته وهناك أخرى تجاهد بشكل كبير محاولة التخلص منه بطرق عدة إلا إنه وعلى مستوى العالم فالدول التي تتمتع بدرجات عالية من الشفافية تقارب عدد أصابع اليد.

هناك عوامل عدة تسببت في إنحسار موجات الفساد في بعض البلدان منها تحسن الواقع الإجتماعي والإقتصادي لأبناءه وتوفر مراكز مهمة لتطوير الأدوات اللازمة لمكافحته فمع كل نظام تصدره تلك الدول هناك نظام وقائي يقف بالتواز معه للمساندة في مراحل الخرق إذا ما حصلت، فالرقابة اليوم في العالم أضحت علماً له ستراتيجياته في التدخل السريع والمعالجة، ومعه أصبحت الأنظمة العالمية الإدارية تحصن نفسها بصورة مستمرة أمام موجات الفساد.

في العراق أيضاً، لم يكن الفساد لديناً وليداً لمرحلة ما بعد 2003 إلا إن تلك المرحلة ساهمت في إنتاج نماذج من أنواع الفساد دفعت بها حالات الفقر وتوقف عجلة التنمية وقتياً مع عدم القابلية بعد هذا العام للدفع بعجلتها وتنظيم أمور الدولة بسرعة كبيرة والإضطرابات الحكومية وظهور التحديات الكبيرة والمقاومة الشديدة للتغيير من القوى الإرهابية التي إتخذت من العراق مرتعاً خصباً لعملياتها ونشر أفكارها التدميرية.

ليس من السهولة الوصول الى درجة النقاء التام من الفساد فالعراق وللسنة العاشرة على التوالي يتذيل قائمة منظمة الشفافية الدولية للدول الأكثر فساداً، حين أضحى الفساد يكتسب الشرعية في بعض الأحيان ووصلت الأفكار بالمواطنين الى موافقتهم على الفساد المالي بشرط أن يتم إنجاز شيء على الواقع يساهم في إغناء الحياة وتطورها.

لقد عينت الجمعية العامة يوم 9 كانون الأول بوصفه اليوم الدولي لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد ودور الإتفاقية الدولية لمكافحته ومنعه، فالرشوة والإختلاس والإثراء غير المشروع وغسل العائدات الإجرامية والمتاجرة بالنفوذ وإساءة إستغلال السلطة وإخفاء المعلومات وإعاقة سير العدالة وتضليلها في مجال مكافحة الفساد كلها أشكال متعددة تشكل بمجملها آفة جرمية فائقة التدمير تدعى الفساد، ونظراً لتوسعها تتطلب إيقافها وسائل قانونية قوية تساهم تجميدها ووسائل أخرى وقائية تمنع تكونها ونموها.

علينا البحث بشكل عميق عن جذور الفساد داخل مؤسساتنا الحكومية فقد يكون الفساد عبارة عن شخص أو مجموعة منظمة أو أن يكون الفساد عبارة عن تشريع أو نظام يسهل إختراقه والعبث بما تحت سلطته أو أن يكون كلاهما معاً يعملان بالتضامن في إسقاط عمل المنظمات وإفسادها.

شرائح فاسدة كبيرة وكثيرة علينا عزلها عن المنظومات الحكومية والبحث عن أنماطها المتعددة واشكالها المتقولبة مع أعمال المنظمات فلكل منها عمل في قالب محدد لتستشري فيه وكما أسلفنا تنشئ لنفسها بيئة متعددة المهام لإنجاز عملية الفساد بحرفية بالغة وعلى المؤسسات الرقابية أن تكون أكثر حرفية وقابلية قانونية على مراقبتها واجتثاث الفساد المتوطن.

من جانب آخر علينا أن نضع في الحسبان أن كلما تفاقمت أزمة الفساد ؛ تزايد معها شعور المواطنين بالظلم والقهر والحرمان وثبطت عزيمتهم الفطرية في بناء بلدهم ويؤثر كذلك على نفسية أولئك الرجال الذين يحاولون الإصلاح من أفراد وهيئات مستقلة تستهدف مواطن الفساد لتدميرها.

لا يخفى علينا ونحن نعيش أزماتنا السياسية والأمنية المتلاحقة ؛ مراقبة الهيئات الرقابية ومدى إنقيادها لتحقيق الأغراض السياسية لأي فئة كانت إذا ما تخطت حدود إستقلاليتها وإذا ما أجزم الجميع اليوم أن سوء الأحوال الأمنية لها دورها الأكبر في توسع بيئة الفساد فعلينا العمل بالتواز مع الرقابة في تحسين البيئة الأمنية والمجتمعية وتطوير اسسها فلا يمكن بأي شكل من الإشكال الفصل بين الفساد والظواهر الإجتماعية والسياسية والإقتصادية للبلد إذا ما أردنا أن نضع أهدافاً أنمائية ستراتيجية كبيرة بإستقطاب حقيقي للمستثمرين.

ولكي لا يكون اليوم العالمي لمكافحة الفساد مجرد إحتفالية لقطع كعكة الإحتفال "الفاسدة" علينا أن نضع خططنا الستراتيجية بالتعاون مع المجتمع الدولي لإدراك ما نحن فيه اليوم من واقع وما نطمح اليه ومستوى التشريعات وقوتها وتعديل تلك التي تبطئ من إتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية..

لقد صادق العراق على الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في عام 2007 وعلينا أن نضع في أجنداتنا تلك الإتفاقية التي شملت تحديدا ومعالجات كبيرة للفساد و" تيسير تبادل المعلومات بين الدول الأطراف عن أنماط وإتجاهات الفساد وعن الممارسات الناجحة في منعه ومكافحته ".

لم يعد العراق اليوم مقيداً اليوم ببنود الفصل السابع في التواصل مع العالم وهو عضواً في المنظومة الدولية الناشطة التي تسعى بجد بالغ في التصدي لمشكلة الفساد وعليه أن يفتح ذراعيه للعالم للإستفادة من الخبرات المتراكمة لديهم.. وكي لا تبقى كعكة اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. فاسدة.. حفظ الله العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/كانون الأول/2013 - 3/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م