صراع في الخليج على الهيمنة الاقليمية

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة تعرضت دول الخليج الى سلسلة من الانتكاسات السياسية والدبلوماسية تمثلت بالاتفاق النووي بين ايران خصمها اللدود والقوى العالمية الكبرى في جنيف، إضافة الى التراجع الكبير في العلاقات الخليجية الاميركية على خلفية الربيع العربي والنفوذ الإيراني والوضع في سوريا والعراق وغيرها من الملفات، جل هذه القضايا اخذت تلقي بظلالها على التوازن السياسي والامن الإقليمي في منطقة الشرق الاوسط.

حيث تخشى دول الخليج، التي تشعر بانها خذلت من واشنطن، من تعاظم دور ايران في المنطقة بعد توصلها الى اتفاق حول ملفها النووي مع القوى الكبرى، ولو انها تؤيد من حيث المبدأ وجود علاقات حسن جوار مع طهران.

لكن دول الخليج لم تخف يوما ريبتها ازاء الطموحات الايرانية في المنطقة، وليس فقط النووية، فلطالما شجبت هذه الدول تدخل إيران في عدة دول المنطقة الشرق اوسطية، لاسيما في السورية، فضلا عن لبنان والبحرين والعراق وغيرها، إذ يخشى حكام الدول الخليجية وخاصة السعودية من أن يخفف تحسن علاقات الغرب مع ايران من الضغط على طهران وأن يتيح لها مزيدا من حرية الحركة في العالم العربي.

حيث يرى الكثير من المحللين ان المشكلة مع ايران اكبر من الاتفاق النووي، فهي تشمل اثارة النعرات الطائفية، ودعم الازمات في المنطقة فضلا عن المناطق المتنازع عليها في اشارة الى الجزر الثلاث، ناهيك الحرب في سوريا الذي باتت مصدر صراع حاد بينهما وصل حد الحرب بالوكالة، وعليه فعلى الرغم من مبادرات طهران المبدئية تجاه جيرانها في الخليج بتكوين روابط دبلوماسية ايجابية، فالشكوك لا تزال قائمة نظرا للأسباب آنفة الذكر.

فيما كشفت دوافع الهيمنة والتغلغل في ما يسمى بالربيع العربي خلافات بين قطر والسعودية بشكل غير مسبوق، ولاشك ان هذه الخلافات أثرت على طبيعة العلاقات بين البلدين، وهذا الامر يشير الى تنافس بين دويلات الخليج من أجل لعب دور إقليمي فعال لتمرير أجنداتها ومصالحها في المنطقة، وقد اتضح ذلك عندما رحبت السعودية بخطوة الجيش المصري بعزل الرئيس المنتمي الى الاخوان المسلمين محمد مرسي من السلطة. وقدمت مبلغ خمسة مليارات دولار مساعدات للسلطات الجديدة.

بينما ابدت قطر الداعم الرئيسي لمرسي انزعاجها من الاطاحة بمرسي معربة عن خشيتها من سيناريو على الطريقة الجزائرية في اشارة الى عقد من اعمال العنف قضى خلاله اكثر من 200 الف قتيل في الجزائر.

في غضون ذلك قال مصدر خليجي مطلع لوكالة فرانس برس ان القمة الثلاثية بين السعودية والكويت وقطر التي عقدت في الرياض جاءت في اعقاب طلب سعودي من دول مجلس التعاون الخليجي "ادانة تصرفات" قطر في مصر واليمن.

واضاف المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه ان السعودية "منزعجة جدا من تصرفات قطر حيال مصر واليمن"، واوضح ان امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح "ارتاى التوسط بين البلدين لكي لا تطير القمة" السنوية التي تجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست في بلاده الشهر المقبل، بحسب المصدر، واكد ان الرياض طلبت عبر زيارات قام بها وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل لعواصم خليجية "اصدار بيان من مجلس التعاون يدين تصرفات قطر".

بدوره، اكد دبلوماسي اوروبي لفرانس برس ان العلاقات بين السعودية وقطر "متوترة للغاية بسبب سياسة الدوحة تجاه مصر".

الاتفاق النووي

من جهة أخرى أبدت المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى ترحيبا باتفاق ايران المرحلي مع القوى العالمية بشأن برنامجها النووي على الرغم من عدم ثقتها في ايران، وقالت الحكومة في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "ترى حكومة المملكة بأنه إذا توفرت حسن النوايا فيمكن أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أولية في اتجاه التوصل لحل شامل للبرنامج النووي الإيراني فيما إذا أفضى إلى ازالة كافة أسلحة الدمار الشامل وخصوصا السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي"، وأضافت المملكة أنها تأمل أن تلي هذا الاتفاق خطوات أخرى تضمن حق كل الدول في امتلاك طاقة نووية سلمية.

وكانت قطر والكويت قد رحبتا في وقت سابق بالاتفاق الذي أبرم بعد محادثات في جنيف وعبرتا عن أملهما في أن يساعد في حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة، ونددت اسرائيل بالاتفاق بين ايران والقوة العالمية بوصفه خطأ تاريخيا يترك إنتاج الأسلحة النووية في متناول طهران وقالت إنها لن تلتزم به.

وقال مستشار كبير للسياسة الخارجية في السعودية إنه يشعر بقلق عميق من أن يتيح الاتفاق مساحة اكبر لإيران لتوسع نفوذها في الدول العربية مما يشير الى عدم ارتياح الرياض لاحتمال مقاربة بين الغرب وطهران.

وقال عبد الله العسكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى السعودي المعين "أثبتت حكومة ايران الشهر تلو الشهر أن لديها أجندة قبيحة في المنطقة وفي هذا الصدد لن ينام أحد في المنطقة ويفترض أن الأمور تسير بسلاسة".

وسارعت العراق وسوريا صديقتا ايران للإشادة بالاتفاق وايضا السلطة الفلسطينية التي رحبت بممارسة ضغط على اسرائيل. كما عبرت الإمارات والبحرين عن تأييدهما له، ووصفت وزارة الخارجية القطرية الاتفاق بأنه "يشكل خطوة هامة نحو حماية السلام والاستقرار في المنطقة"، وتابعت "دولة قطر تدعو لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي"، ونقلت وكالة الانباء الكويتية (كونا) عن وكيل وزارة الخارجية الكويتية خالد سليمان الجارالله قوله انه يأمل ان "يشكل هذ الاتفاق بداية ناجحة لاتفاق دائم ينزع فتيل التوتر ويحفظ للمنطقة امنها واستقرارها".

وقالت وكالة الأنباء العمانية إن عمان التي استضافت مسؤولين ايرانيين وأمريكيين أجروا محادثات سرية مهدت الطريق للاتفاق تأمل "أن يساهم الاتفاق المرحلي الذي تم التوصل اليه بين الجانبين في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".

على الصعيد نفسه قال المحلل السياسي السعودي جمال خاشقجي "اعتقد ان دول الخليج من ناحية المبدأ تريد علاقات جيدة مع ايران"، وبحسب خاشقجي، فان "الاتفاق (في جنيف) يزيل القلق حول الملف النووي لكنه لا يشمل القضايا الاخرى، اي انه اختصر المسائل الخلافية في النووي"، وشدد خاشقجي على ان "المشكلة الاساسية بالنسبة لدول الخليج هي تدخل ايران في شؤون المنطقة".

وبحسب المحلل السعودي، فان دول الخليج "تخشى ان تفسر ايران الاتفاق على انه يترك لها اليد الطولى في المنطقة"، واضاف خاشقجي "ايران تخلت عن المشروع النووي وكسبت الهيمنة".

وسارع الرئيس الاميركي باراك اوباما الى محاولة طمأنة حلفائه الخليجيين، وقال اوباما ان التزام الولايات المتحدة "يبقى قويا حيال اسرائيل ودول الخليج التي تملك اسبابا وجيهة للشعور بالقلق ازاء ايران"، اما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو فقد اعتبر ان الاتفاق بين الدول الكبرى وايران "خطأ تاريخي" مؤكدا على احتفاظ بلاده بحق "الدفاع عن النفس".

وقال خاشقجي "ان الاميركيين لم يعودوا يهتمون بقضايا (في المنطقة) يعتبرونها محلية"، واشار الى عدم وجود تقاطع برايه بين موقف الخليجيين واسرائيل، وقال ان "موقف اسرائيل مختلف، فبالنسبة لها المشكلة هي النووي". بحسب رويترز.

من جانبه، قال المحلل السعودي انور عشقي انه "بالنسبة لدول الخليج، الاتفاق ليس سلبيا لكنه غير كاف"، وبدوره اعتبر ايضا ان المشكلة مع ايران بالنسبة لدول الخليج تتخطى باشواط المشروع النووي.

لكن المحلل الاماراتي عبدالخالق عبدالله بدا اكثر تفاؤلا ازاء الاتفاق معتبرا ان دول الخليج قد تستفيد كثيرا في النهاية من هذا الاتفاق، وقال عبدالله "الصفقة جيدة، ودول الخليج ليس لها ثقة بالولايات المتحدة لكن الاتفاق هو بين المجتمع الدولي وايران وليس بين الولايات المتحدة وايران، وبالتالي يمكن ان تثق دول الخليج بهذا الاتفاق"، واقر عبدالله بوجود "تخوف خليجي من ادارة اوباما التي تعتبر مندفعة اكثر مما ينبغي تجاه ايران"، لكن الاستقرار الذي قد ينجم عن الاتفاق قد يجعل دول الخليج "المستفيدة الاكبر من الاتفاق".

من جهته اكد الرئيس الايراني حسن روحاني ان الاتفاق النووي الذي تم التوصل اليه بين ايران والقوى الكبرى يمثل "مناسبة جيدة" لاعادة اطلاق العلاقات بين الجمهورية الاسلامية ودولة الامارات والتي تشهد توترا على خلفية الخلاف على جزر متنازع عليها بين البلدين، وقال روحاني خلال استقباله وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ان "التطورات الاخيرة تمثل مناسبة لزيادة الروابط الاقتصادية والسياسية بين ايران والامارات وآمل ان تستطيع طهران وابوظبي الاستفادة الى اقصى حد" من ذلك، وفق ما نقلت وسائل الاعلام الايرانية، من جهته اعلن وزير الخارجية الاماراتي رغبة بلاده في انشاء "لجنة اقتصادية مشتركة" بهدف "زيادة الروابط في كل المجالات خصوصا في انشطة القطاع الخاص مع ايران". بحسب رويترز.

وتطالب دولة الامارات بالسيادة على جزر ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى التي تحتلها ايران منذ العام 1971 اثر انسحاب القوات البريطانية من المنطقة، وكانت دولة الامارات التي تعيش على اراضيها جالية ايرانية كبيرة، اول دولة في الخليج اشادت بالاتفاق المرحلي الذي تم توقيعه في جنيف مبدية املها في ان يساهم في "استقرار المنطقة".

تحركات دبلوماسية مبدئية

فيما دعا وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد في زيارة نادرة لإيران إلى علاقة مشاركة مع إيران، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الشيخ عبد الله قوله إن بلاده لا تكتفي بعلاقات الجيرة مع إيران وتدعو لعلاقة مشاركة، وقال ظريف الذي تحدث بعد اجتماعه مع الشيخ عبد الله الذي التقى أيضا مع الرئيس روحاني إن السلام سيفيد جميع الأطراف في المنطقة، ونقلت وكالة الأنباء عن ظريف قوله "نحن نرى أي تقدم تحققه دول المنطقة نجاحا وأي نوع من الخطر تهديدا لها. لا يمكن الفصل بين الأمن والتنمية ونرى أن العلاقات مع دول المنطقة تتخذ هذا الشكل".

ولم يشر الوزيران إلى النزاع القائم منذ فترة طويلة بين البلدين على جزر في الخليج أو إلى اتهام مجلس التعاون الخليجي لإيران بتدبير هجمات في البحرين، ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن ظريف قوله إنه سيزور الكويت وعمان الأسبوع المقبل، وأضاف أنه يعتزم أيضا زيارة السعودية لكنه لم يحدد موعدا بعد. وكان الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني قال في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز انه يريد تحسين العلاقات مع السعودية.

انشاء انتربول اقليمي

الى ذلك صادقت دول الخليج على انشاء جهاز امني موحد يكون بمثابة انتربول اقليمي وفق ما افادت الصحافة، واعلن الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف زياني ان وزراء داخلية الدول الاعضاء في المجلس صادقوا عقب اجتماع في المنامة على "انشاء جهاز للشرطة الخليجية لدول مجلس التعاون وكلفوا فريق عمل تدارس الجوانب التنظيمية والادارية والمالية".

واوضح للصحافيين ان "الهدف من هذا الجهاز الذي هو بمثابة انتربول خليجي هو تحقيق تنسيق اكبر بين الاجهزة وتبادل المعلومات والتركيز على انواع الجرائم التي تهدد المنطقة سواء المنظمة او العابرة للحدود". بحسب فرانس برس.

وترى دول الخليج أن واشنطن باتت تقامر بأمن في سعيها للاتفاق مع ايران، بينما تحاول الولايات المتحدة تفهم المخاوف العميقة لحلفائها الخليجيين بشأن إيران، وعليه يموج اعقد صراع بين خصمين سياسيين دول الخليج وإيران ما بين المماطلة السياسية والدبلوماسية الناعمة لإيران بحيث أضفى صراع بينهم جدلية وازدواجية على المستوى الدولي لما يحتويه من مناورات سياسية وأجندات مفتوحة.

لذا يرى  معظم المحللين أن نقص الثقة وسباق النفوذ والمصالح والحروب الخفية بشتى أنواعها بين إيران ودول الخليج تفرض تحديات توازن القوى الدولية بانتهاج سياسيات براغماتية لا تخلو من روح المغامرة والمفاجئات على حد سواء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/كانون الأول/2013 - 30/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م