التنظيم الجماهيري

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل حركة للتغيير تحتاج الى قاعدة تتحرك منها واليها، والقاعدة في صلب حركات التغيير اصطلح على تسميتها بالجماهير. تتعدد انتماءات الجماهير وخلفياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الا انهم في المبدأ العام لكل تجمع يهدفون الى حالة محددة من تجمعهم وهي تغيير واقعهم، او الامل في تغييره، نحو الأفضل الذي يتصورونه.

كل تجمع من الجمهور بحاجة الى التنظيم، تنظيم الصفوف والأفكار.. وهو يقتضي وجود قادة للجماهير يعملون على هاتين الخاصيتين، (تنظيم الصفوف والأفكار).

فالتنظيم الجماهيري (يعني أن تكون مؤسسات التنظيم وعناصره ملتحمة بالجماهير، وأن ينظم طاقاتها ويقودها في معارك التحرر ضد الاستعمار والاستبداد، ولو فقد التنظيم صلته بالجماهير فسيعيش في الفراغ ولا يتطور، وبالنتيجة لا يستطيع تقديم الأمة إلى الإمام، ولا طرد الاستعمار من بلاد الإسلام، وإذا كان التنظيم جماهيرياً فالجماهير تغذيه.. فينمو ويتوسع حتى يستوعب العالم الإسلامي، وتحدث عندئذ اليقظة الكاملة والحركة الشاملة ثم مكافحة الاستعمار وطرده).

النص التعريفي السابق هو للامام السيد محمد الشيرازي الراحل، يعرّف التنظيم الجماهيري، ويبدو من وجود كلمة (الاستعمار) انه نص يعود الى بدايات حركات التحرر الوطني التي قامت في الخمسينات وما بعدها من القرن الماضي في الدول العربية والإسلامية.

ويمكن للكلمة ان تجد طريقها أيضا لواقعنا المعاصر اذا اخذنا بنظر الاعتبار تغير مفهوم الاستعمار من المعنى المباشر له في تلك العقود الماضية وانتقاله الى دلالات ومعاني جديدة، يمكن ان يستمر بها ومعها، مثل الاقتصاد، في استغلاله لثروات الشعوب، والثقافة، في هيمنة نمط ثقافي معين، وسياسي، من ارتهان الكثير من الأنظمة والحكومات الى أوامر دول أخرى حملت صفة الاستعمار سابقا.

والاستبداد يمكن ان يخرج الى معاني أخرى غير معناه المباشر، وهو السياسي هنا تحديدا لينتقل الى معاني أخرى موجود في الثقافة والاجتماع، اذن المعركة مستمرة، مع الاستعمار بمفاهيمه المتجددة ومع الاستبداد بكافة صوره.

يستبطن التعريف السابق للتنظيم الجماهيري، عنصران رئيسيان فيه وهما: (المؤسسة/ القيادة – الجمهور) ويربط بينهما (الصلة – العلاقة).. ينتقل الامام الشيرازي الراحل بعد تعريفه للتنظيم الجماهيري الى سؤال (كيف) للتنظيم ان يكون جماهيريا، بعد إقامة هذه (الصلة)، وسؤال (كيف) لا يتحدد بفترة قيام التنظيم وانطلاقته، بل يجب ان يستمر الى ما بعد ذلك، لان التحديات متواصلة ومجابهتها موصولة وممتدة كذلك.

سؤال (الكيفية) يأتي على الشكل التالي: كيف يكون التنظيم جماهيرياً؟

يرى الامام الشيرازي الراحل ان ذلك يتحقق عبر شرطين هما: القيادة النموذجية النـزيهة، واحترام الجماهير.

نزاهة القيادة تتوفر هي الأخرى على اشتراطات لتحققها، وهي اشتراطات تحذيرية من نتائجها وهي السقوط.. وهذه المحذورات حسب التحليل الشيرازي هي: (الفساد، والارتشاء، والاختلافات، والميوعة الخلقية، وضبط الاعصاب، وحفظ العين واللسان والاذن والقلب، وعدم الاقبال على الدنيا).

المقوم الثاني وهو احترام الجماهير، يقتضي جملة من الأمور التي يجب الابتعاد عنها، كما يراها الامام الراحل، هي (الغرور والعجب بالنفس والنظر الى الناس نظرة ازدراء واحتقار، والقيادة هي العاملة والجماهير هي الخاملة) بالمقابل، يقوم الجمهور بمبادلة القيادة نفس مشاعرها، (مما ينتهي بالتنظيمات وقياداتها بشكل تدريجي إلى السقوط).

يستمر سؤال الكيفية متواصلا، وهذه المرة، عبر طرق التعامل الواجب وجودها وتوفرها بين التنظيم وجماهيره.. والذي ينبني من خلال هذه العلاقة بين الاثنين، ويمكن تسميته (بالضغط الجماهيري) على قيادات التنظيم.

فضغط الجماهير يريد (مساواة عناصر التنظيم معها)، و(ضغط الهدف) حيث يجب أن تكون الوسيلة بيد التنظيم حتى يصل إلى الهدف، والامام الراحل يسمي هذا الضغط بالشوكة، ويقدم الحل لهذين الضغطين: (يجب على التنظيم، من خلال قادته، أن يكون حازماً عاقلاً مفكراً، وأن يعرف مداخل الأمور ومخارجها، كي لا يفقد الجماهير من جهة، ولا يتوقف عن السير في طريق الهدف من جهة أخرى، فلأجل ألا يخسر الجماهير ولا يضيع الهدف يجب عليه أن يحترم الناس وأن يسير معهم خطوة إلى الأمام، وفي هذه الحالة يكون التنظيم جماهيرياً).

يسترشد الامام الراحل من التاريخ في متبنياته تلك، فهو يذكرنا بعدد من التجارب التي قرأ عنها او عاصر تجاربها، يقول (قدس سره):

(إني قد لاحظت في التاريخ كثيرا من الحركات الإسلامية منذ مائة عام أنها فشلت في تقديم الأمة إلى الأمام، وإذا كانت قد قدمتها فقد كان التقدم وقتياً، بسبب أن تلك الحركات لم تكن تحترم شخصية الجماهير، وبالنتيجة انفصلت الجماهير عن تلك الحركات وظلت هي وحدها في الميدان، تنادي وتستنهض الهمم، فلا تسمع سوى صدى نداءاتها، وبانفصالهم عنها سقطت تلك التنظيمات. وما سقطت الحركات العاملة في العراق قبل 25-40عاماً إلا لأجل ما ذكرناه، وقد كان مجموع الأحزاب في العراق أربعة وأربعون حزباً من مختلف التنظيمات والانتماءات، ولم تتمكن من شيء يذكر! لماذا..؟ للأمرين الذين سبقت الإشارة إليهما.

الأمر الأول: سقوط جملة من القيادات التنظيمية في أوحال المادة، الدور، القصور، السيارات، الوظائف، الأهواء، الشهوات، فكان الناس من جراء انغماس القادة في هذه الأشياء لا يطمئنون إليهم، فأدى إلى أن انفضوا من حولهم، والنتيجة الفشل الذريع الذي أصاب التنظيم.

والأمر الثاني: أنها كانت تزدري الناس والجماهير وتهزأ بهم وتغمزهم وتترفع عنهم، وهكذا كانت الجماهير تقابلهم بالمثل، والنتيجة الوحدة في الساحة، حيث لا قاعدة جماهيرية ولا أناس مؤيدين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/كانون الأول/2013 - 30/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م