الدكتور أسعد الإمارة في حوار خاص: التعليم في العراق يحتاج إلى إعادة كاملة لمنظومة العمل الأكاديمي

حاوره: ميساء الهلالي

 

* قِدم المناهج الدراسية وعدم مواكبتها للتحديث خلق فجوة بين الدراسة النظرية والواقع.

* فوضى عامة ترافق عملية التعليم في العراق والسبب هو اختيار الشخص غير المناسب في المكان المناسب.

* إن الدراسة في العراق تتأثر بانعكاس الصراعات السياسية على الحياة العامة في العراق بأسره، ومنه الطالب الجامعي

 

شبكة النبأ: هو من الشخصيات العراقية التي تلقفتها دول المهجر فعصر خبراته فيها وأضافت هي إلى تلك الخبرات، شخصية متفردة في أحكامها العلمية وتوازن بين الخبرات الحياتية وما تقتضيه الشخصية الإنسانية

أستاذ جامعي وباحث سيكولوجي فهو أستاذ مساعد في علم النفس حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة عين شمس في القاهرة وعلى شهادة الماجستير في علم النفس والإرشاد التربوي وعلى شهادة الدكتوراه في الإرشاد النفسي من الجامعة المستنصرية.

له العديد من المؤلفات مثل نظرية اللاعنف عند الإمام الشيرازي، سيكولوجية الشخصية، كتاب مشكلات نفسية اجتماعية معاصر وغيرها، له تجارب للتدريس في العديد من الجامعات في العراق وليبيا والدانمارك، وعمل كباحث سيكولوجي في السويد في المدارس السويدية وعضو الجمعية النفسية السويدية وكذلك هو عضو في الجمعية النفسية الأمريكية لعلم النفس المعرفي وهو يحتل حاليا منصب رئيس قسم علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة واسط، وقد التقت (شبكة النبأ المعلوماتية) الدكتور أسعد الإمارة لكي نلقي الضوء على خبراته ونمازج بين تجربته في دول المهجر والعراق، حيث اختلاف نظم التعليم العالي لنصل من خلال تلك التجربة إلى أهم أوجه الخلل في نظام التعليم العالي في العراق.

* من وحي تجربتكم في دول المهجر كيف رأيتم نظم التعليم هناك؟

- يختلف التعليم في دول العالم المتقدم عن دول العالم الثالث ومنه العراق إخلافاً جذرياً، لا من حيث طرائق التدريس أو المناهج أو أساليب التعامل مع الطلبة بل من حيث سرعة التحديث في مختلف العلوم، هذا التحديث المستمر في المنهج الدراسي، فضلا عن المتابعة المستمرة التي تبدأ من الدراسة الابتدائية ثم الإعدادية والجامعة، حيث لا يوجد فاقد من الطلبة "أي تسرب" دراسي أو من يترك الدراسة، بل متابعة من المختصين في الإرشاد التربوي والنفسي والأخصائيين الاجتماعيين، ففي كل مدرسة يوجد فريق مختص بمتابعة الطلبة ومشكلاتهم الدراسية والأسرية وحتى العاطفية.

التعليم حكومي في الدول الاسكندنافية وللدولة فقط، لا يوجد طالب واحد راسب على مستوى الدولة في كل المراحل الدراسية، ولا يوجد ترقين قيد للطالب، ولا يوجد تحديد للعمر، ويختار الطالب ما يشاء من الدراسة. بشرط أن تكون له القدرة على النجاح. ولا توجد أية مساعدات أو درجات رحمة أو توسط للنجاح.. مؤسسات أكاديمية عملها التعليم فقط.

* ما الذي يحتاجه التعليم العالي في العراق كي يرتقي إلى مصاف الدول الأخرى؟

- لا يمكن المقارنة إطلاقا، فالعراق يمكن أن يقارن مع دول مجاورة أو دول قريبة والمقارنة هو تعسف لغير مصلحة العراق، التعليم في العراق يحتاج إلى إعادة كاملة لمنظومة العمل الأكاديمي، من - تأهيل الأستاذ- المنهج الدراسي- طرائق التدريس- تكنولوجية التعليم الحديث - أساليب التعامل "العلاقة بين المعلم والمتعلم - الأستاذ والطالب" لا يوجد لدينا تعليم في العراق، بل يوجد لدينا عناوين لمواد لا يفهم الطالب محتواها، أو لنقل التعليم لدينا نظري فقط -قراءة نظرية لمعظم التخصصات أما العلوم الطبية فيكفي أن نسأل من ذهب للتدريب في أوروبا وهو أستاذ في كلية الطب، فيجد نفسه خجولا لما هو فيه، وليس هو المسؤول عن ذلك وإنما تراكم التقادم في المعلومات والأجهزة الحديثة في الاختصاصات، وعدم مواكبة الأستاذ الجامعي هذه التطورات والتحديث التي يجري بسرعة فائقة كل يوم.

ونحن بالعراق ما زلنا نخرج"مخرجات التعليم" لا تمتلك أدوات غير الأدوات المتهالكة، في كل الاختصاصات، فيكون الخريج لا قدرة له في مواكبة التطورات، نحتاج إلى إعادة كاملة ابتداء من تغيير العقول والمنهج والأسلوب في التدريس.

* الطالب العراقي مغيب الفكر غير قادر على تحديد الاتجاه الصحيح لخوض غمار تجربة الدراسة الجامعية واختيار الاختصاص، فهل للأوضاع الراهنة علاقة بذلك؟

- بالتأكيد عدم الاستقرار لا يخلق الإبداع، وعدم الشعور بالأمان والراحة النفسية يبعثر الآمال ويشتت الفكر، وهي حالة قلق جمعي يعيشه الطلبة، ولن ينتهي هذا لا بالرضا عن القبول ولا بالرضا عن الحصول على الشهادة، طالما إن هاجس عدم الرضا والشعور بعدم الاستقرار يخلق قلق المستقبل بالرغم من قلق الحاضر. إن الطالب العراقي يضيع كل يوم في التفكير غير العقلاني وعدم تحقيق أهداف حياته. إن الدراسة في العراق تتأثر بانعكاس الصراعات السياسية على الحياة العامة في العراق بأسره، ومنه الطالب الجامعي.

* كيف ترى سوء التخطيط الذي تعتمده الوزارات بدءا من وزارة التربية ووزارة التعليم العالي مرورا بوزارة التخطيط ذاتها في الإكثار من الجامعات مع غياب فرص التعيين؟

- فوضى .. فوضى.. فوضى.. في كل شيء وبكل مفاصل الدولة ومؤسساتها، ويعود السبب في ذلك إلى: عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب فضلا عن غياب التوصيف المهني، أي كل فرد يعمل على وفق ما وصفت له مهنته، فتبوأ الكثير من الجهلة المناصب، وهؤلاء حتما سيبعدون المهنيين أو يغيبونهم، لان السيئين هم الغالبية في مؤسسات الدولة ووزاراتها، وهم في قمة الهرم فلا يقبلون من هم اختصاص صحيح.

إن الجامعات العراقية رغم إن أصالتها وتاريخها الطويل في العلم إلا إن تراجعها الكامل بسبب فوضى الكوادر والفساد لا الإداري أو المالي فحسب لكن هناك من يتعمد إفشال خططها ولا يساهم بأي شكل من أشكال المساهمة في النجاح، وكأن العملية مقصودة ووضع العراقيل في كل مسعى للخطو نحو النجاح أو اللحاق ولو جزئيا في مواكبة تطور الجامعات العالمية.. اجمع الكثير ممن يعمل في مؤسسات التربية والتعليم العالي والجامعات على أن لا يعمل وبتذمر فقط ويحاول التهرب من أداء ابسط مستلزمات وواجبات المهنة، لأنه آمن العقاب وأيقن بعدم الردع وإنهاء العمل إزاء التسيب فراح يفسد ويهمل ويتلكأ كما يشاء بدون رقيب أو ضمير حتى عمت الفوضى.

* يشكو طلبة الجامعات عموما من اختلاف المنهج الدراسي عن التطبيق الحياتي الفعلي عن هذا؟

- لان المناهج قديمة والبرامج لا تواكب التحديث فكانت الفجوة كبيرة بين الجانب النظري وبين الواقع، وهنا أصبحت المشكلة معقدة بين المنهج وبين التطبيق، فالطالب المتخرج من هذه الكليات يشعر بأنه غريب عن التخصص وغريب عن الواقع في تخصصه.

الجامعات العراقية بحاجة إلى نهضة علمية لا تنظر إلى شخصية الفرد وانتماءه المذهبي أو السياسي أو الديني حتى يكون فاعلا في عمله، بل من الضروري أن يفتخر بانتمائه إلى العراق أولا، وان هؤلاء الذين يتلقون العلم هم عراقيون ثانيا، وضرورة التدريب الدائم والشعور إن الأستاذ بحاجة إلى علم مستمر وتطوير مستمر لان سمة العلم هي التطور.

* هل للأستاذ الجامعي دور في البناء الفكري والشخصي للطالب؟ وهل يعتمد الأساتذة هنا في العراق هذا التطور؟

- كل تعلم هو اكتساب عادات وقيم جديدة، وفي العلم بالتأكيد يكون اكتساب منظم لتلك العادات لكي يكون الشخص أكاديمي ويظهر عليه البناء الفكري والشخصي ويعكس هذا الاكتساب مستوى ما تعلمه الطالب من أستاذه، إذا كان الأستاذ نموذج، فالطالب يتعلم بالنموذج، ونموذجه هو الأستاذ، وهي حقيقة نفسية - اجتماعية.

ومهما دققنا بمستوى الخراب الحاصل في الأبنية ومنها البناء الفكري والنفسي والاجتماعي والقيمي سنلاحظ إن هناك أمل وإن بدء فأنه لا يظهر لعظمة وحجم الخراب إلا إن الإصلاح ممكن شرط أن يصدر من ذات تريد البناء بصدق وتريد أن تبني ولو بكلمة تعد ضياء وشفاء في التخصص تنطلق من الأستاذ الجامعي. الأستاذ الذي يبتعد عن همه الأول في أن يبحث عن المناصب أو يريد أن يحصل على منافع ذاتية له شخصيا.

* ما هي الأسس الرصينة التي لو اعتمدتها جامعاتنا في العراق لخرجت مختصين في مجالهم وليس مجرد دارسين لهذا الاختصاص أو ذاك؟

- العودة إلى التواصل مع الجامعات العالمية الرصينة في العالم المتقدم فضلا عن التأهيل وإعادة بناء منظومة التعليم الأكاديمي وهي إجادة اللغات الحية والمنهج الحديث وأساليب وطرائق التدريس الجديدة التي تعتمد على التعلم لا على التلقين Learning بدلا من Teaching فالأولى هي عصف للدماغ بوساطة التعلم، أما الثانية فهي الطريقة في كل دول العالم الثالث وهي التلقين والكل يستمع فقط.. وهناك الكثير والكثير ممن عملنا به في المؤسسات الأوروبية "السويد" مثلا سواء في المؤسسات المتخصصة في العمل النفسي أو الاجتماعي أو مراكز الأبحاث ولو أتيحت لنا الفرصة لقدمنا التجربة لأكثر من عقد ونصف من الزمن لعراقنا وللأجيال التي حرمت من مواكبة التطور ..مع تقديرنا لكل جهد صادق ننذر أنفسنا معه لخدمة هذا العراق الجريح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/كانون الأول/2013 - 29/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م