العنف الطائفي في لبنان.. إرهاب بالوكالة ينذر بمستقبل مظلم

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تموج لبنان وسط توترات سياسية وطائفية متصاعدة أججتها الحرب الملتهبة في سوريا منذ أكثر من عامين ونص العام، حيث أذكت تداعياتها جولات متتالية من المواجهات المسلحة، وخاصة في كبرى مدن شمال لبنان طرابلس، ففي الاونة الاخيرة تعاني لبنان من تصاعد العنف على أراضيها حاليا بصورة مضطردة، مع تحول الصراع السوري بشكل متزايد إلى حرب بالوكالة على أساس طائفي، في ظل هشاشة التوازن السياسي في هذا البلد، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على تركيبته العرقية والطائفية الهشة.

إذ يرى الكثير من المحللين ان تصاعد العنف  الطائفي في لبنان أحيى تكتيكات ولدت خلال الحرب الأهلية اللبنانية وأصبحت الآن السمة المميزة لحمامات الدم في دول الجوار، فقد تصبح جزء من حرب بالوكالة تجتاح الشرق بالكامل والتحالفات التي تدعم الفصائل في لبنان هي نفسها التي تدعم الجماعات المتناحرة في سوريا والعراق.

ويرى هؤلاء المحللين انه يمكن أن يتطور نموذج ما كما حدث في العراق عامي 2005 و2006 وبعدها.. حينما كانت التفجيرات الانتحارية والسيارات الملغومة أحد الأدوات الرئيسية في الصراع الطائفي بالوكالة، وربما تكون المخاوف الواسعة مما قد يلحقه صراع شامل بلبنان أفضل وسيلة للحماية من تصاعد العنف، لكن من المستبعد أن توقف هذه المخاوف الهجمات التي تشنها جماعات غامضة تنتمي لطرفي الصراع في المنطقة.

فيما يرى بعض المراقبين بأن الساحة اللبنانية باتت مفتوحة أمام ارهاب منظم، تقف خلفه جهات مخططة ومنفذة، لديها أجندة محددة عنوانها الأساسي ضرب الدولة وإشعال الفتنة بين اللبنانيين.

وينقسم اللبنانيون حول النزاع السوري بين مؤيد للنظام ومتحمس للمعارضة، ويدرج السياسيون والمحللون هذه التفجيرات في اطار تداعيات النزاع السوري على البلد الصغير ذي التركيبة السياسية الهشة.

في حين يرى محللون آخرون أن الإرادات الإقليمية من لدن بعض الدول المجاورة للبنان وسوريا تسعى توأمة الأزمة السورية بجعلها أزمة مشتركة مع لبنان، كما يجمع الخبراء والمحللين أن الخلافات السياسية والطائفية بين النخب السياسية عززت من تفاقم الوضع الأمني وتدهوره في البلاد، وعليه من شأن هذه المبادرة ان تخفف ما قد يترتب على تداعيات الحرب السورية من ازمات داخلية في لبنان.

ويرى بعض المحللين أن العنف في سوريا يتسرب إلى لبنان بشكل مضطرد ونتج عنه تأثير سلبي جداً على هذا البلد المجاور لسوريا، جراء تدفق الأسلحة عبر الحدود اللبنانية السورية، التي يسهل اختراقها إضافة إلى العمليات الانتحارية، ويرى هؤلاء المحللين أن الوضع في سورية يعزز التوترات في المنطقة، وكثير من المقاتلين الأجانب يصبحون مفجرين انتحاريين كما حصل في بعض الهجمات التي شهدناها في لبنان، مشيرين إلى أن المقاتلين الأجانب يذهبون إلى سوريا ثم يشق كثير منهم طريقه إلى لبنان، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب اللبناني من انزلاق لبنان في وحل الفوضى وعودة العنف الداخلي مجددا، خصوصا بعد التطورات الاخيرة اثر موجة العنف الدامية التي ضربت البلاد مؤخرا، ويعزو بعض المحللين أن  تفجيرات لبنان منشأها سوريا، كونها جبهتها الحدودية مع العراق مفتوحة للتسلل الإرهاب والإرهابيين.

اشتباكات عنيفة

 في سياق متصل شهدت مدينة طرابلس في شمال لبنان اشتباكات عنيفة بين سنة وعلويين تسببت باصابة 12 شخصا بجروح، بحسب ما ذكر مصدر امني لوكالة فرانس برس وبذلك، ترتفع حصيلة الضحايا نتيجة المعارك المتجددة في المدينة الى عشرة قتلى و61 جريحا، وقد سقط ثلاثة قتلى بينهم جندي في الجيش اللبناني كان خارج الخدمة، وتوفيت امرأة متأثرة بجروح اصيبت بها في اليوم السابق، واشار المصدر الامني الى ان اشتباكات الليلة الماضية بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن ذات الغالبية العلوية كانت عنيفة جدا، واستخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية وقذائف الهاون، وتسببت المعارك باحتراق عدد كبير من السيارات والشقق السكينة، وجاء التصعيد بعد تفجير في مبنى من ثلاث طبقات يقع في جبل محسن على تخوم باب التبانة، ما ادى الى انهياره.

واتهم عبد اللطيف صالح المتحدث باسم الحزب العربي الديموقراطي، ابرز ممثل للعلويين في لبنان، مسلحين تسللوا من باب التبانة وفخخوا المبنى ثم فجروه، وبين الجرحى 12 عسكريا في الجيش اللبناني الذي يعمل على ضبط الوضع والرد على مصادر النيران، بحسب المصدر الامني، وتراجعت صباح اليوم وتيرة الاشتباكات مع استمرار اعمال القنص بين المنطقتين، واقفلت معظم المدارس والمؤسسات التجارية في طرابلس، لا سيما القريبة منها من خطوط التماس.

الفكر التكفيري

من جهته حذّر وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية فايز غصن خلال لقائه نظيره الإيرلندي ألان تشاتر، الذي يزور لبنان حالياً، من إمكانية أن يطيح الفكر التكفيري بالدولة اللبنانية.

وقال مصدر رسمي نقلاً عن غصن قوله إن "الارهاب بدأ يتسلل إلى لبنان، وإن الفكر التكفيري الإرهابي إذا ما قوي واشتد، فمن شأنه الإطاحة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، خصوصا أن أصحاب الفكر التكفيري لا يعترفون أصلا بمفهوم الدولة، وهم يعملون وفق أجندة خاصة لا مكان للدولة فيها".

وأعلن أن "لبنان بدولته وشعبه وطوائفه يرفض الفكر الإرهابي الإلغائي، وهو متمسك بصيغة العيش المشترك التي تشكل روح لبنان"، وأضاف أن "ما أنتجه هذا الفكر على الساحة اللبنانية والذي ترجم الي محطات دموية عدة لن يكسر إرادة اللبنانيين في مواجهة أي مشروع يهدف إلى إلغاء دولتهم"، وشدد غصن، خلال اللقاء على "ضرورة الاستعجال في الحل السياسي للازمة السورية"، معتبرا أن "الإجماع الدولي على الحل السياسي قد يسهم في إنهاء الحرب التي أصبحت حربا واضحة على الإرهاب". بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وأكد "الإصرار على محاربة الارهاب ووقف تمدده داخل الساحة اللبنانية وإفشال مشروعه"، شدد على "ضرورة إيجاد حل سريع لقضية النزوح السوري في لبنان، ومعالجة هذه القضية، نظرا لما تلقيه على لبنان من تبعات اقتصادية واجتماعية وأمنية".

على صعيد ذو صلة فكك الجيش اللبناني سيارة مفخخة بكمية كبيرة من المتفجرات في منطقة البقاع (شرق)، وذلك بعد ثلاثة ايام من تفجيرين انتحاريين استهدفا السفارة الايرانية في بيروت، بحسب ما ذكر مصدر امني لوكالة فرانس برس.

وقال المصدر "فكك الجيش اللبناني سيارة من طراز اميركي سوداء (...) كانت معدة للتفجير على طريق البقاع الشمالي بين بلدتي مقنة ويونين"، واشار الى ان السيارة كانت مفخخة ب"400 كيلوغرام من المتفجرات".

واوضح ان الجيش كان اشتبه بالسيارة وحاول اعتراضها وخلال الملاحقة، اطلق ركابها النار على الجيش الذي رد بالمثل، لكن المسلحين تمكنوا من الفرار، ثم عثر الجيش على السيارة متوقفة الى جانب الطريق عند طرف مقنة، واوضحت الوكالة الوطنية للاعلام ان "السيارة مصابة بطلقات نارية في اطاراتها"، وتعتبر منطقة مقنة يونين منطقة نفوذ لحزب الله.

وفجر انتحاريان نفسيهما قرب السفارة الايرانية في جنوب بيروت، وهي منطقة محسوبة كذلك على حزب الله، واتهم حزب الله "مجموعات تكفيرية" بتنفيذ تفجيري الضاحية، بينما كشف القضاء اللبناني عن تورط مسؤول امني سوري في تفجيري طرابلس.

ويحمل خصوم حزب الله الحزب الشيعي مسؤولية هذه التداعيات بسبب تورطه في القتال الى جانب النظام السوري داخل سوريا، ورأى ان التفجيرات التي يشهدها لبنان تؤكد "ما يتهدّد الوطن من مخاطر فتنة وإرهاب مستورد".

تفجير بيروت

بعد 30 عاما من مولد ظاهرة التفجيرات الانتحارية في العاصمة اللبنانية قاد مفجر انتحاري سيارته الملغومة صوب السفارة الإيرانية في بيروت لتتناثر الجثث المتفحمة في أنحاء المكان، كان الهجوم الذي وقع قرب السفارة الايرانية وقتل فيه 23 شخصا وأصيب 150 شخصا تذكرة مروعة للبنانيين بماضيهم الدموي ونذير شؤم بمستقبل يسقط فيه الشرق الأوسط في دوامة مذابح طائفية.

يقول الكثير من اللبنانيين إنهم يعتقدون حاليا أنه لا مفر من أن يكون بلدهم ساحة القتال القادمة للجهاديين السنة الذين يتطلعون إلى أهداف سهلة لتسديد ضربات لأنصار الرئيس السوري بشار الأسد من الطائفة الشيعية.

ويقول علي عباس وهو شاعر شيعي كان يحضر جنازة في الضاحية الجنوبية في بيروت أقيمت لأربعة رجال قتلوا في الهجوم "نتوقع صراعا دمويا..المزيد من القنابل"، وأضاف "هذه معركة بين الظلام والنور بين الليل والنهار... إنهم موجودن في العراق وسوريا والآن في لبنان"، وقال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وهو أيضا شيعي إن لبنان قد يتحول "ساحة للجهاد بحسب توصيف الجماعات الإرهابية على غرار ما هو حاصل في العراق وسوريا"، وعبر في تصريحات لصحيفة النهار اللبنانية عن قلقه من أن "يغرق بلدنا في هذا النوع من العمليات".

كما يساور القلق الطوائف الأخرى. فقد ألقى ائتلاف قوى 14 آذار المناهض للأسد -والذي يضم جماعات سنية ومسيحيين- باللوم على حزب الله الشيعي المدعوم من ايران قائلا إنه وراء إثارة أعمال العنف من خلال انضمامه إلى الحرب الدائرة في سوريا لمساندة قوات الأسد، وأضاف الائتلاف أن هناك مخاوف من ان تدخل حزب الله المستمر في سوريا سيؤدي إلى "عرقنة" لبنان وقال إن حزب الله دخل الحرب في سوريا ونقلها إلى لبنان، وتعزز موقف الأسد هذا العام بعد أن أعلن حزب الله صراحة عن مساندته للرئيس السوري في ساحات القتال فضلا عن تلقيه مساعدة من شيعة العراق وقادة إيرانيين.

في الوقت نفسه تدفق سنة بينهم لبنانيون إلى سوريا لتقديم العون لمقاتلي المعارضة الذين تمدهم السعودية وقطر بالمال والسلاح، وقال المعلق السياسي رامي خوري الذي يقيم في بيروت "سيناريو المعركة الفاصلة" حيث تقع المواجهة بين قوات ثورية شيعية إيرانية ومقاتلين سنة تدعمهم السعودية في أنحاء الشرق الأوسط بات قريبا.

وتابع "يهاجم هذان الفريقان الكبيران بعضهما صراحة الآن. لم تعد معركة بالوكالة..المبدأ هو قتل الآخر في لبنان وسوريا والعراق"، وقتل أكثر من 100 ألف في الحرب الأهلية السورية وعدد مماثل خلال عقد من العنف الطائفي في العراق. وحصدت الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) أرواح 120 ألف شخص. بحسب رويترز.

وعرف العالم ظاهرة التفجيرات الانتحارية -السمة المميزة المروعة التي تصبغ العنف في الشرق الأوسط- في أبريل نيسان 1983 حينما قاد رجل سيارة ملغومة واصطدم بالسفارة الأمريكية في بيروت. وأسفر الهجوم عن مقتل 63 بينهم 17 أمريكيا.

وبعد ستة أشهر قاد رجلان شاحنتين ملغومتين إلى ثكنات أمريكية وفرنسية في ضواحي بيروت فأوقع التفجيران 299 قتيلا من الجنود الأمريكيين والفرنسيين. وأعلنت جماعة تطلق على نفسها الجهاد الاسلامي المسؤولية عن هذا الهجوم على الرغم من أن واشنطن كانت تشتبه لفترة طويلة أن الفاعل الحقيقي هو حزب الله.

واليوم أصبحت التفجيرات الانتحارية سمة الجماعات السنية خاصة جناح القاعدة في العراق التي أرسلت أكثر من ألف شخص لتفجير أنفسهم في الأسواق والمقاهي والمساجد وكمائن الشرطة خلال العشر سنوات الماضية، وانضمت الآن إلى صفوف المقاتلين السنة في سوريا، وأعلنت جماعة سنية متشددة مقرها لبنان مسؤوليتها عن هجوم وهو أول هجوم كبير على سفارة في بيروت منذ انتهاء الحرب الأهلية. وتوعدت الجماعة بشن المزيد من الهجمات ما لم تسحب طهران قواتها من سوريا، وحمل انتحاري خمسة كيلوجرامات من المتفجرات وقاد الثاني سيارة تحمل خمسين كيلوجراما في محاولة فيما يبدو لاقتحام أسوار السفارة وتفجير السيارة داخل مجمعها.

ورغم الغضب والذعر اتسمت ردود الأفعال العلنية من ايران وحزب الله بضبط النفس. ودعا الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب كافة اللبنانيين إلى "الوقوف صفا واحدا في وجه هذا الارهاب مهما تكن خلافتنا السياسية"، وهون قاسم من احتمال سقوط لبنان في أتون العنف وقال إن لبنان لم يصل بعد للدرجة التي يمكن عندها مقارنته بالعراق "الأمور مختلفة ومازلنا في بداية الطريق"، لكن في الجلسات الخاصة وصف ساسة شيعة تفجير بانه نقطة فاصلة، وقال أحدهم إن المفجرين الانتحاريين "غيرا قواعد اللعبة" بينما ذكر آخر أن لبنان تحول إلى "ساحة للجهاديين"، وقال بول سالم من معهد الشرق الأوسط "هذا الهجوم زاد من حجم المخاطر" مشيرا إلى أن الهجمات السابقة التي وقعت هذا العام سواء بصواريخ أو قنابل استهدفت حزب الله وليس ايران.

وربما تضافرت الانتكاسات العسكرية التي منيت بها المعارضة السورية مع وجود أعداد كبيرة من المقاتلين على الجانب اللبناني من الحدود فدفع ذلك بعض المقاتلين السنة إلى تحويل تركيزهم إلى أهداف غير محصنة ترتبط بحلفاء الأسد في لبنان مثل السفارة.

وقال يزيد صايغ من مركز كارنيجي الشرق الأوسط "أظن ان هذه الجماعات كانت قادرة على توجيه ضربات ضد السفارة سابقا لكنها أحجمت لسبب ما...من المنطقي الافتراض بأن المعركة حول القلمون هي الدافع المحتمل"، ويعج لبنان بمجندين محتملين للقيام بمثل هذه الهجمات خاصة في الشمال، يقول صايغ "ليس من مصلحة أحد في لبنان أو في قدرته على التحمل وقوع مواجهات عسكرية واسعة النطاق...لكن حروب الظل مختلفة حيث لا تحتاج إلى أعداد كبيرة..لا تحتاج خطوط مواجهة ومن اليسير أن تصيب الأهداف السهلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/كانون الأول/2013 - 29/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م