شبكة النبأ: في جلسة جمعت أهل
العروسين للاتفاق على تفاصيل الزواج من مهر وخلافه طلبت أم العريس من
أم العروس تحديد المهر الملائم الذي يليق بابنتها، فأجابت أم العروس ما
هو متعارف عليه اليوم ممكن أن يكون خمسة وعشرون مليون معجّل ومثلها
مؤخر، سكتت أم العريس لبرهة ثم قالت ولكن ألا يبدو المبلغ كبيرا جدا،
فقالت أم العروس ولكنه المبلغ الذي يحدد اليوم لأغلب الزيجات بل وأكثر
منه أيضا، واستمر الكلام حتى اتفق الطرفان على ان يكون المعجّل خمسة
عشر مليون والمؤخر خمسة وعشرون.
مع ظهور امتعاض واضح على وجه أم العريس وأم العروس أيضا التي
استسلمت للأمر الواقع كون العريس يتمتع بمركز مهني ممتاز مما جعلها
تستعيض عن المهر الكبير بالمستقبل المضمون.
والمهر هو الرسم المفروض على أهل العريس والذي يضمن حقوق العروس
المادية فيكون المقدم بمثابة تجهيز كامل للعروس ولبيت الزوجية والمؤخر
هو ضمان مادي بينما تعتبره العوائل العراقية بمثابة رفع أو تقليل من
قيمة وشأن الفتاة، إذ تعتمد بعض العوائل المغالاة في مهور بناتها بدافع
ضمان حقوقهن ورفع قيمتهن وكي لا يتسرع الرجل في اتخاذ أي قرار تفريق
مستقبلا كونه سيكون ملزم بدفع مبلغ كبير من المال، فضلا عن هذا المركز
الاجتماعي الكبير سواء مركز وظيفي أو شهادة عليا أو مهنة تدر تجارة
رابحة جدا كالصياغة أو التجارة وهذه التفضيلات وضعت الشاب الذي يكون في
بداية حياته في دائرة الحيرة مما أجّل فكرة الزواج لدى بعض الشباب حتى
يبني مستقبله المادي وعزز من ظاهرة عنوسة الفتيات من ناحية أخرى.
تعويض عن سنوات الحصار
تتمسك بعض العوائل اليوم بالشروط اللازمة للزواج مثل قيمة المهر
العالية والمركز الاجتماعي المهم كتعويض عن سنوات الحصار التي تغاضت
فيها الفتيات عن اغلب حقوقهن المادية والمعنوية
( أم علي ) إمراة ستينية العمر تقول "زوجت اثنتان من بناتي في سنوات
الحصار فتغاضينا عن الكثير من الطلبات فلم يكن المهر كافيا ولم يكن
تجهيز العروس يليق بها ولا حتى الذهب حيث اكتفى أهل العريس بخاتم
الزواج ومعه خاتم آخر أو أقراط، حتى فستان العرس بقيت إحدى بناتي تحلم
به حين امتنع أهل زوجها من شراءه بحجة ارتداءه ليوم واحد فقط ويمكنها
أن ترتدي فستان شقيقتها وهو ما حدث فعلا كما لم يكن أزواج بناتي
بالمركز الاجتماعي الذي يليق بنا كعائلة معروفة حيث تزوجن من رجال اقل
منهن تحصيل دراسي ولكننا تغاضينا حينها عن كل هذه الأشياء بسبب صعوبة
الحياة وتسهيلا لأمر الشباب وخوفا من عنوستهن ولكنني وبعد أن تحسنت
الأوضاع المادية لأغلب الناس كنت مصرة على تعويض بنتي الصغيرتين عما
شهدته أختيهما فطلبت كل ما يمكن أن يحفظ لهن مكانتهن ولم أوافق على
تزويجهن إلا من شباب ذوي مراكز اجتماعية مهمة وكان الفرق واضحا في
طريقة معيشة الاثنتين".
عادات الزواج وافدة ام وليدة المجتمع؟
يعزو (صاحب حميد) معلم متقاعد تزّوج في بداية العقد السبعيني ظاهرة
غلاء المهور إلى عادات ارتبطت بالماضي حين كان يعيش في بلدنا عدد من
الجاليات الأجنبية من الدول المجاورة نظرا للاحتلال حينا وللرغبة في
السكن بالقرب من المراقد المقدسة حينا مما أفرز عادات وفدت على المجتمع
العراقي وحملت معها واجهات مادية بحتة للحياة الزوجية إذ إن تلك
المجتمعات تغالي في المظاهر الخارجية وتشجع العيش بشكل مترف وتعتمد
التمييز الطبقي مما أثر على أفكار المجتمع العراقي فتمسك بتلك العادات
التي لا تمت بصلة إلى الدين الإسلامي الذي يوصي بتقييم الرجل على أساس
أخلاقه ودينه وليس على مقدار ما يملكه من مال أو وضع اجتماعي، ويستذكر
زواجه ويقول حميد "اليوم انحسرت بعض الطلبات قليلا ففي أيامنا كان أهل
العروس يطلبون مهورا مبالغ فيها جدا ويجب علينا شراء ثلاث غرف حتى لو
كانت العروس ستسكن مع أهل الزوج إذ لا يكتفي أهل العروس بغرفة النوم
فقط بل يجب شراء أثاث لغرفة الضيوف وغرفة الطعام حسب العادات الدارجة
حينها فضلا عن الذهب الذي يجب أن لا يقل عن طقم يزن خمسة عشر مثقال على
الأقل وغيرها من المصاريف"، وأضاف قائلا "أنا أرى بان مصاريف اليوم أقل
ولكن المعيشة أصبحت أغلى ما جعل من الزواج حمل ثقيل على كاهل الشاب
العراقي".
تفاوت دراسي
ومن المسلمات التي انتشرت في مجتمعنا هي عزوف أهل الفتاة عن القبول
برجل لا يملك مؤهل جامعي يشابه مؤهل ابنتهم، كي لا تكون الشهادة التي
يملكها الزوج أقل من شهادة ابنتهم رغم إن سنوات الحصار شهدت إلغاءا
لهذا الشرط بعد أن فقدت الشهادة أهميتها المادية واستعيض عنها بالمقدرة
المادية للرجل ولكن السنوات الأخيرة وبعد إضافة الكثير من الامتيازات
لذوي الشهادات العليا عاد هذا الشرط ليكون الأهم بالنسبة للشاب المقدم
على خطبة فتاة، ( ياسر 28 عاما) يعمل موظف وأعجب بفتاة من أقاربه
ولكنها طبيبة وتقدم لخطبتها عدة مرات ليلاقي الرفض القاطع بسبب تفوت
التحصيل الجامعي بين الاثنين رغم موافقة الفتاة، ولم يحصل على الموافقة
إلا بعد أن استبدل شرط الشهادة ببناء بيت كونه يملك قطعة ارض مسبقا
وبهذا قدم لأهل الفتاة ضمانا آخر وفضلا عن مصاريف الزواج التي أرهقته
وأغرقته في الديون ولكنه رغم ذلك لم يثن عزمه عن الزواج بالفتاة التي
أرادها.
ومثل تجربته شباب كثر قد لا يملكون إصرار ياسر ويقفون في منتصف
الطريق ليعودوا أدراجهم فلا يتزوجون من الفتاة التي يرغبون بالزواج
منها وليكون نصيبهم الزواج بفتاة ترضى بواقع الحال لتبقى الكثير من
الفتيات معرضات للوقوع في أزمة العنوسة بانتظار العريس المناسب فأما أن
يأتِ أو لا يأتي لتحصل على لقب عانس أخيرا وتكتفي بنجاحها الوظيفي
بينما تبقى غصة الزواج وتكوين أسرة تلاحقها وقد تندم كثيرا كونها ضيعت
الكثير من الفرص بسبب واقع مجتمعي مرير لا يعترف سوى بالمظاهر الخداعة.
المحاكم الشرعية
تزدحم المحاكم الشرعية ولا سيما في مواسم الزواج بكثرة العرسان حيث
تكون المحكمة الشرعية هي المحطة الثانية بعد العقد الذي يبرم بين
العروسين شرعيا وبحضور احد الشيوخ أو السادة وتتفاوت قيمة المهر الذي
يحدده العرسان في المحاكم إذ يقوم القاضي بإبرام عقد للكثير من العرسان
في ذات الوقت ولأن مشاهدات القضاة كثيرة في هذا الجانب بحكم عملهم
التقت شبكة النبأ بالقاضي (ماجد الخفاجي) الذي أطلعنا على شكل العقود
الشرعية في المحكمة قائلا "هناك بالفعل مبالغة في قيمة بعض العقود إذ
يتجه مجتمعنا نحو البهرجة الزائفة والأعراف التي تفرض على العريس تقديم
مهر مبالغ به لعروسه أما كضمان مادي لها في المستقبل كي تثني عزم الزوج
مستقبلا عن الطلاق أو للتفاخر به بين الأهل والأقارب والمعارف وقد
لاحظنا فرض أرقام كبيرة جدا وفي اغلب الأحيان نلاحظ عدم الارتياح على
وجه العريس"، وأضاف الخفاجي "هناك أيضا من يختار الذهب كمهر بدلا من
المال وذلك لأن الذهب يحتفظ بقيمته المادية بينما يفقد المال تلك
القيمة بمرور الزمن فان الأصل في تقدير المهر يعود إلى الاتفاق بين
الزوجين..وإذا لم يتم الاتفاق عليه فان الزوجة تستحق مهر مثيلاتها..
وان المهر يتحدد تبعا لحالة الزوجين المادية..وتبعا للظروف الاقتصادية
والاجتماعية السائدة .. ونتيجة لتغير هذه الظروف في الوقت الحاضر".
واستطرد القاضي محمد الخفاجي بقوله "لتحقيق التوازن في قيمته
السابقة والحالية، صدر القانون رقم 127 لسنة 1999 والذي أجاز تقدير
المهر الموجل مقوما بالذهب..أما بخصوص الاستعاضة فهذا استثناء... وردا
على سؤالك والذي فهمته بخصوص الاستعاضة فإنها تكون أما حج بيت الله
الحرام ..أو الذهب..أو نسخة من القران الكريم".
فيما أخبرنا القاضي (عادل بدر) من محكمة استئناف كربلاء بأن القاضي
يوثق ما يتفق عليه الطرفان من مهر في وثيقة عقد الزواج فقط دون التأثير
على الطرفين ومن المهور التي استعاض بها الزوجين عن القيمة المادية
وكانت مميزة هي معجل المهر سجادة صلاة + ألف دينار ومؤجله نسخة من
القران الكريم + ألف دينار. وحصل في احد المرات اختلاف كون ما أريد
تثبيته في العقد غير ما هو متفق عليه ثم اتفقا على مبلغ المهر وتم
إصدار وثيقة عقد الزواج على ما اتفقا عليه.
الشرع أوجب التخفيف من قيمة المهر
بحثنا في الكثير من الرؤى الشرعية لموضوع غلاء المهور لنكتشف بان
جميعها قد أوجب التخفيف من قيمة المهر مع التأكيد بان غلاء المهور غير
جائز ولكنه ليس بحرام ولا بد من اعتماد مهر مناسب كي لا يشعر الزوج
بثقل كاهله عندما يروم تطليق الزوجة إن استحالت العشرة بينهما كما جاء
في الآية الكريمة "فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا" وينوه علماء الدين
الأفاضل إلى الاقتداء بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام واتخاذها
مثالا وهي بنت رسول الهن (ص) حيث ارتضت بدرع الإمام علي (ع) مهرا كما
جاء في الأحاديث النبوية الشريفة (أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها وأقلهن
مهرا)، وفي حديث شريف آخر دعا فيها الرسول (ص) إلى ضرورة القبول
بالخاطب على أساس خلقه ودينه دون النظر إلى القيمة المادية للمهر وذلك
بقوله (ص)، (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه. إلا تفعلوا تكن
فتنة في الأرض وفساد كبير)، مشيرا بذلك إلى أهمية تسهيل زواج الطرفين
وإنهاء العزوبية وذلك لأنها تدعو إلى الفساد والفحشاء وتقود إلى فعل
المنكر ولا بد من الانتباه إلى ذلك لتقويم الشباب وحثهم على الزواج في
سن مبكر وبذلك يتم القضاء على شبح العنوسة الذي يلاحق الجنسين بعد أن
إرتفع سن الزواج اختياريا لدى بعض الفتيات بسبب رفضهن للعرسان لعدم
التوافق الطبقي والاجتماعي والشباب أيضا أحجموا عن الزواج لذات السبب
الذي رفع قيمة مهر الفتاة ومطالبتها بالتوافق الفكري والمادي.
|